اهداء.. إلى كل من رحلوا دون أن يجدوا لهم مكاناً في هذه الحياة..
لا شك بأن الإنسان يبحث منذ ولادته عن انعكاسٍ لصورته في كل ما حوله، فيبحث عن نفسه داخل بيئته حيث يفترض أنه سيجد هويته الأم أو سيلمح معالم طريقه في الحياة، وهذا ما لا يتم في كثيرٍ من الأحيان فينطلق بأفكاره صوب الدين وصوب (المدينة) بمفهومها الواسع الذي يجسد التنوع الكبير الذي (قد) يجد فيه ذاته ويقوده إليها، وبعيداً عن الحكايات التي تناقلناها لأجيال عن نماذج قريبة أو بعيدة في ثقافتنا الشعبية تظل تجربة البحث عن النفس فرديةً بشكلٍ كبير..
حيث تختلف صعوبتها بإختلاف البيئة والثقافة والجنس والجنسية ومستوى الوعي والنضوج لدى الشخص ولدى الأسرة التي نشأ في كنفها، وتختلف أيضاً بحسب رغبة كل شخص في اختيار أو خلق النموذج الذي يحب أن يتمثل به، ومما لا شك فيه فإن الحياة باتت أكثر قسوةً وأقل عاطفةً في ظل تغول (المادة) وكل ما ينتمي إليها أو يتصل بها من مبادىء ومعاني تحكم المنظومة التي نعيش فيها على اختلاف ثقافاتنا وامتداد بلادنا وتنوع المسميات التي تطل علينا بها، وهو ما غير صفات الإنسان.. الإنسان نفسه الذي يبحث عن نفسه وعن الحب والنجاح وكانت سعادته مقترنةً في الماضي عاددةً بسعادة من حوله عكس اليوم..
حيث بتنا نرى في الحياة عموماً وعلى صفحات مواقع التواصل الإجتماعي كل مظاهر (الفرح، الرومانسية، الصداقة، العائلة، التدين، الثقافة والتحضر) وغيرها الكثير ولكن بشكل مصطنع، مزيف، مفبرك، معلب يشبه الأطعمة نصف المخبوزة والمحضرة سلفاً والتي لا تحتاج سوى إلى التسخين، بعضها صالح للتناول لكنه بكل تأكيد لا يصلح لأن يكون أسلوباً للمعيشة رغم (شكله) الجميل والمتقن الذي يجعله أقرب إلى تحفةٍ فنية أو قطعة أثاث منه إلى الطعام الذي اعتدنا أن نقرنه بالتغذية والعافية..
فكل هذه المظاهر (السعيدة) حتى الطعام باتت مقرونةً بالأنا، تلك الأنا الخفية التي تتنكر خلف الكثير من التصرفات والبريق لكننا بتنا نلحظها لشدة توغلها في كل مناحي الحياة، فبتنا نقرأها في المقالات أو الأعمال الأدبية التي تميل لتقديم الكاتب أكثر من فكرته، بتنا نراها في الطب وفي أي إنجاز علمي بحيث يسوق لإسم طبيب أو منشأة طبية أكثر من التركيز على شفاء الناس وتحول بعضهم إلى مذيع بأمواله، بتنا نراها في الإعلام وحتى بين بعض رجال الدين والسياسة حيث يطغى كل منهم على المحتوى الذي يفترض أنهم حضروا للحديث عنه، نراها من خلال هوس الظهور والشهرة وتقديم النفس وتمجيد الذات والتعدي على الآخرين (ويستوي تقديم ذلك أمام الناس أم خلف الكواليس) حتى وإن كانت تحت مسمى (تكريم الآخر) الذي يبدو أحياناً وكأنه أتى لخدمة الصورة البراقة لمن يفترض أنه (يحتفي به) بعدما تحولت العلاقات والإمكانات لخدمة (الأشخاص) بعدما كانت في السابق توظف لخدمة (الأفكار)، حيث (استطاع البعض) أن يوجد لنفسه (مكاناً على الخريطة) كما يظن..
وعدا عن التناقض الكبير بين الأمس واليوم في نظرة الإنسان لذاته وصراعاته معها وتبعاتها على المجتمع ككل، تحول الإعلام وأغلب ما يقدمه إلى (إعلان) طالما توفرت المادة بغض النظر عن المضمون، وهو ما جعل المصداقية بكل أسف (إلى انحسار) بسبب تسليع كل شيء وجعله فرصةً قابلة للإستثمار، بعدما كان جزء كبير من الأعمال الفنية والبرامج التلفزيونية سابقاً يتوجه إلى مختلف شرائح المجتمع ويحترمها بدلاً من استفزازها والتقليل منها وخلق صورة غير حقيقية عنها، فكنا نرى من يشبهوننا ويمثلوننا على الشاشة بكل تفاصيلهم وكنا نشعر نحوهم بالمحبة والتقدير والإحترام لأننا اعتبرناهم جزءًا منا بينما لا يتذكر البعض اليوم أحبائه، ويشعر الكثيرون ممن لا حيلة لهم وسط هذا الزحام والضجيج بأن الحياة ليست لهم، فهي لا تعبأ بهموم المشتتين بين عدة وظائف وبين زحام المواصلات، ولا بمتوسطي الجمال أو بأصحاب الوزن الزائد أو بذوي الإحتياجات الخاصة، لا يشغلها حزن رجلٍ خمسيني في الثالثة صباحاً، أو طفلٍ يتنافس مع القطط والكلاب على ما يلقى في حاويات القمامة، أو شابةٍ تنام كل ليلة ٍبين أنقاض المباني كل لا تبيع جسدها لأحد.. وغيرهم الكثيرون ممن لم يجدوا بعد الوقت للبحث عن ذاتهم، ولم يجدوا عنواناً أو مكاناً لهم على الخريطة وغالباً ما يغادرون الحياة وهم لا يملكون حتى ظلهم في واقعٍ يمتلأ بالأنا الكاذبة، والتي لا تحب أن تراهم لأنها تذكرهم بزيف مخبرهم..
خالد جهاد..
لا شك بأن الإنسان يبحث منذ ولادته عن انعكاسٍ لصورته في كل ما حوله، فيبحث عن نفسه داخل بيئته حيث يفترض أنه سيجد هويته الأم أو سيلمح معالم طريقه في الحياة، وهذا ما لا يتم في كثيرٍ من الأحيان فينطلق بأفكاره صوب الدين وصوب (المدينة) بمفهومها الواسع الذي يجسد التنوع الكبير الذي (قد) يجد فيه ذاته ويقوده إليها، وبعيداً عن الحكايات التي تناقلناها لأجيال عن نماذج قريبة أو بعيدة في ثقافتنا الشعبية تظل تجربة البحث عن النفس فرديةً بشكلٍ كبير..
حيث تختلف صعوبتها بإختلاف البيئة والثقافة والجنس والجنسية ومستوى الوعي والنضوج لدى الشخص ولدى الأسرة التي نشأ في كنفها، وتختلف أيضاً بحسب رغبة كل شخص في اختيار أو خلق النموذج الذي يحب أن يتمثل به، ومما لا شك فيه فإن الحياة باتت أكثر قسوةً وأقل عاطفةً في ظل تغول (المادة) وكل ما ينتمي إليها أو يتصل بها من مبادىء ومعاني تحكم المنظومة التي نعيش فيها على اختلاف ثقافاتنا وامتداد بلادنا وتنوع المسميات التي تطل علينا بها، وهو ما غير صفات الإنسان.. الإنسان نفسه الذي يبحث عن نفسه وعن الحب والنجاح وكانت سعادته مقترنةً في الماضي عاددةً بسعادة من حوله عكس اليوم..
حيث بتنا نرى في الحياة عموماً وعلى صفحات مواقع التواصل الإجتماعي كل مظاهر (الفرح، الرومانسية، الصداقة، العائلة، التدين، الثقافة والتحضر) وغيرها الكثير ولكن بشكل مصطنع، مزيف، مفبرك، معلب يشبه الأطعمة نصف المخبوزة والمحضرة سلفاً والتي لا تحتاج سوى إلى التسخين، بعضها صالح للتناول لكنه بكل تأكيد لا يصلح لأن يكون أسلوباً للمعيشة رغم (شكله) الجميل والمتقن الذي يجعله أقرب إلى تحفةٍ فنية أو قطعة أثاث منه إلى الطعام الذي اعتدنا أن نقرنه بالتغذية والعافية..
فكل هذه المظاهر (السعيدة) حتى الطعام باتت مقرونةً بالأنا، تلك الأنا الخفية التي تتنكر خلف الكثير من التصرفات والبريق لكننا بتنا نلحظها لشدة توغلها في كل مناحي الحياة، فبتنا نقرأها في المقالات أو الأعمال الأدبية التي تميل لتقديم الكاتب أكثر من فكرته، بتنا نراها في الطب وفي أي إنجاز علمي بحيث يسوق لإسم طبيب أو منشأة طبية أكثر من التركيز على شفاء الناس وتحول بعضهم إلى مذيع بأمواله، بتنا نراها في الإعلام وحتى بين بعض رجال الدين والسياسة حيث يطغى كل منهم على المحتوى الذي يفترض أنهم حضروا للحديث عنه، نراها من خلال هوس الظهور والشهرة وتقديم النفس وتمجيد الذات والتعدي على الآخرين (ويستوي تقديم ذلك أمام الناس أم خلف الكواليس) حتى وإن كانت تحت مسمى (تكريم الآخر) الذي يبدو أحياناً وكأنه أتى لخدمة الصورة البراقة لمن يفترض أنه (يحتفي به) بعدما تحولت العلاقات والإمكانات لخدمة (الأشخاص) بعدما كانت في السابق توظف لخدمة (الأفكار)، حيث (استطاع البعض) أن يوجد لنفسه (مكاناً على الخريطة) كما يظن..
وعدا عن التناقض الكبير بين الأمس واليوم في نظرة الإنسان لذاته وصراعاته معها وتبعاتها على المجتمع ككل، تحول الإعلام وأغلب ما يقدمه إلى (إعلان) طالما توفرت المادة بغض النظر عن المضمون، وهو ما جعل المصداقية بكل أسف (إلى انحسار) بسبب تسليع كل شيء وجعله فرصةً قابلة للإستثمار، بعدما كان جزء كبير من الأعمال الفنية والبرامج التلفزيونية سابقاً يتوجه إلى مختلف شرائح المجتمع ويحترمها بدلاً من استفزازها والتقليل منها وخلق صورة غير حقيقية عنها، فكنا نرى من يشبهوننا ويمثلوننا على الشاشة بكل تفاصيلهم وكنا نشعر نحوهم بالمحبة والتقدير والإحترام لأننا اعتبرناهم جزءًا منا بينما لا يتذكر البعض اليوم أحبائه، ويشعر الكثيرون ممن لا حيلة لهم وسط هذا الزحام والضجيج بأن الحياة ليست لهم، فهي لا تعبأ بهموم المشتتين بين عدة وظائف وبين زحام المواصلات، ولا بمتوسطي الجمال أو بأصحاب الوزن الزائد أو بذوي الإحتياجات الخاصة، لا يشغلها حزن رجلٍ خمسيني في الثالثة صباحاً، أو طفلٍ يتنافس مع القطط والكلاب على ما يلقى في حاويات القمامة، أو شابةٍ تنام كل ليلة ٍبين أنقاض المباني كل لا تبيع جسدها لأحد.. وغيرهم الكثيرون ممن لم يجدوا بعد الوقت للبحث عن ذاتهم، ولم يجدوا عنواناً أو مكاناً لهم على الخريطة وغالباً ما يغادرون الحياة وهم لا يملكون حتى ظلهم في واقعٍ يمتلأ بالأنا الكاذبة، والتي لا تحب أن تراهم لأنها تذكرهم بزيف مخبرهم..
خالد جهاد..