المقال رقم (٢١) ضمن سلسلة مقالات (القبح والجمال)..
لا يخلو أي بيت أو مجتمع من المشكلات، ولكن النقطة الجوهرية تكمن في كيفية مواجهتها وإحتوائها بقدر من الحكمة والذكاء، فيبدأ الحل بالإعتراف بها وتشخيصها بوضوح وتسمية الأمور بأسمائها دون التفاف أو مواربة، والتعامل معها بأسلوبٍ قد يكون أحياناً أقرب لأسلوب الفنان الحقيقي بحيث نعيش دور الآخر ونستحضر الأجواء المحيطة به، فنحاول أن نفكر بأسلوبه ونرى الأمور من زاويته لنقترب منه إنسانياً بدلاً من الإكتفاء بالحكم عليه ووضعه ضمن صورة نمطية كثيراً ما تكون بعيدةً عنه، فإذا قرر كل منا أن يعيش حياة غيره (ولو في خياله) ليومٍ واحد سنتغير كثيراً نحو الأفضل..
فإذا قررنا التحدث بنوعٍ من الشفافية سنجد أن العديد من العيوب التي عانينا منها لأجيال في مجتمعاتنا لم تتغير قدر أنملة، وبما أننا لا زلنا في هذه السلسلة في الفترة مابين العام ٢٠٠٠-٢٠٠٢ سيستغرب البعض إذا ما قلنا أن البوصلة كانت ولازالت وربما ستظل لفترة طويلة مفقودة، كون مشكلة اضطراب الهوية بين محلية أو شرقية وبين غربية تحكمنا منذ زمن بعيد، كما أننا نعيش دوماً ذلك التناقض بين ما نحبه وبين ما نريده لذا نحاول إيجاد مكانٍ للجميع بحيث نحتوي بعضنا بدلاً من الإقصاء وبدلاً من أن تكون الهجرة هي أقصى الطموحات..
وبالعودة إلى تلك الفترة الممتلئة بالترقب والتوقعات كانت العديد من الظواهر تطفو على السطح مع بدء تراجع نمط الحياة الإجتماعية الذي اعتدناه والذي كان يشبهنا من ناحية العلاقات والصداقات والتزاور الذي تأثر بتغير الأذواق لتعلن عن بداية تغييرٍ وشيك سيقسم المجتمعات ويبدل تركيبتها، فشهدت هذه الفترة موجاتٍ متعددة على الصعيد الفني والثقافي محلياً وإقليمياً ودولياً تقاطعت مع موجاتٍ مماثلة في الشأن السياسي الذي لا ينفصل عنهم جميعاً..
فبين الأمس واليوم وفي ظل الواقع الذي تعيشه بلادنا من أزمات هجرة مستمرة وما تبعها من مشكلات بعد الوصول إلى الضفة الأخرى، نذكر في تلك الفترة تحديداً (نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة) كثرة الحديث عن مشاريع لتسهيل وصول أسماء فنية وثقافية عربية أو محلية إلى ما يسمى بالعالمية، خاصةً عبر مجالي الغناء والتمثيل والتي كان بعضها قائماً بشكلٍ فعلي، لكن تم إجهاضه باكراً لأسباب لا علاقة لها بالموهبة أو الكفاءة أو الإحترافية، فكان الإعتقاد المنتشر بسذاجة بيننا كمراهقين عند سماع تلك الأخبار (وأتحدث عن جيلي والأجيال الأصغر مني آنذاك) أن الموضوع مرتبط بإتقان اللغة الإنجليزية أو بضع لغاتٍ أجنبية مع تغيير في المظهر، كما كان (الحلم الأميريكي) يجتاح مخيلة الشباب من ناحية الهجرة والإستقرار والفرص المتعددة والثراء السريع والحياة الرغيدة، ولكن بمرور الوقت اتضح أن كل هذه التفاصيل مجرد شكليات، فليس الموضوع مجرد تغيير في اللغة وهو ما نسمعه اليوم بكثافة من المحللين السياسيين والمختصين في شؤون مناطق مختلفة من العالم خاصةً بعد موجات الهجرة والنزوح المستمرة منذ سنوات، بل إن الموضوع مرتبط تحديداً بالهوية (بالنسبة إلى المهاجرين)، فلا مشكلة مع من تتوافق ثقافتهم أو تتقارب مع ثقافة البلد الذي ينتقلون إليه كبريطاني يهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن الهوية الغربية وتركيبة المجتمع لن تختل أو تختلف بسببه، ورأينا ذلك في وجود أسماء من مختلف أنحاء أوروبا والغرب في هوليوود بشكل طبيعي عكس ما يحدث مع المهاجرين العرب والمسلمين الذين ينقلون ثقافتهم معهم ويعتبرها الغرب تغييراً جذرياً في أسسه ومبادئه ووجوده، وهذا الموضوع هو ما عشناه ولا زلنا نعيشه ونتصارع عليه ولأجله منذ عقود وحتى الآن..
فننسى في تلك الفترة بداية صعود الكثير من التيارات المستترة خلف الدين والتي خلقت حالة من البلبلة والخوف والقلق في الشارع للركوب (كعادتهم) على أحداث وطنية وسياسية ودينية وإنسانية، وحتى على قرارات شخصية كقرار الكثير من الفنانات الإعتزال وارتداء الحجاب والقيام بالتشويش عليهن والإساءة لبعضهن، والذي كان موجة في ذروتها تقريباً منذ منتصف الثمانينات حتى عام ٢٠٠٥، وكان عدول الكثيرات عن هذا القرار دليل كونه قراراً شخصياً بحتاً قد تتخذه أي سيدة حسب قناعاتها الدينية، فأدى تدخلهم بالإضافة إلى الكثير من السلوكيات والأفكار التحريضية التي ارتكبوها ضد الغير وضد من يختلف عنهم إلى خلق تيار مضاد، وأحياناً بشكل لا واعي أخطأ بشدة في الخلط بينهم وبين فئات عادية وبسيطة من الشعب من ناحية وبين التطرف وبين الدين من ناحية أخرى، وهو مالم يقف هنا لأنه أثر لفترةٍ قصيرة نسبيا ً على العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بشكلٍ خاص نتيجةً للأفعال التي لم يستطيعوا تفسيرها من قبل بعضهم، والتي التقطتها بكل أسف أصوات تحريضية أخرى كانت تهاجم المسلمين أيضاً، وكنتيجة لملاحقة هذا التطرف اضطروا جميعاً إلى الهروب الى بلدان مجاورة كقبرص واليونان وغيرها في أوروبا لتأسيس منابر إعلامية تكرس للتطرف من كل الطوائف والتي عانينا منها الأمرين، لينصرف الأغلبية عنها بمرور الوقت بعد الكثير من الأحداث كإندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية عام ٢٠٠٠ عقب تدنيس رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ومجرم الحرب آرييل شارون إلى باحات المسجد الأقصى، مروراً بأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام ٢٠٠١ وصولاً إلى احتلال أفغانستان عام ٢٠٠١ والعراق عام ٢٠٠٣ ومجزرة جنين في الضفة الغربية المحتلة عام ٢٠٠٢، وهو ما ترافق مع صراعات طاحنة في السر والعلن عن هوية مجتمعاتنا وتم توظيف المرأة فيها بشكل غير مسبوق (ومستمر حتى الآن) في شتى ميادين الإعلام والفنون، وكما ذكرنا في مقالات سابقة عن التدرج في شكل الفتيات عبر ثقافة الفيديو كليب في حقبتي الثمانينات والتسعينيات إضافة إلى البرامج الترفيهية شهدت الألفية الجديدة تغيراً جذرياً على صعيد الصورة، وبعد أن كانت الأسماء الغنائية العربية تقدم شكلاً تقليدياً عبر الأغاني المصورة محصورةً في بضع أسماء معروفة تحاول من وقت لآخر محاكاة التجارب الغربية برزت على الساحة أسماء جديدة نقلت عبر أغنياتها وأعمالها ومظهرها الفن والمرأة والمجتمع العربي بأكمله إلى مرحلة العولمة التي أسست من خلالها لكل ما نعيشه من أحداث وأفكار على مختلف الأصعدة..
للسلسلة بقية..
خالد جهاد..
لا يخلو أي بيت أو مجتمع من المشكلات، ولكن النقطة الجوهرية تكمن في كيفية مواجهتها وإحتوائها بقدر من الحكمة والذكاء، فيبدأ الحل بالإعتراف بها وتشخيصها بوضوح وتسمية الأمور بأسمائها دون التفاف أو مواربة، والتعامل معها بأسلوبٍ قد يكون أحياناً أقرب لأسلوب الفنان الحقيقي بحيث نعيش دور الآخر ونستحضر الأجواء المحيطة به، فنحاول أن نفكر بأسلوبه ونرى الأمور من زاويته لنقترب منه إنسانياً بدلاً من الإكتفاء بالحكم عليه ووضعه ضمن صورة نمطية كثيراً ما تكون بعيدةً عنه، فإذا قرر كل منا أن يعيش حياة غيره (ولو في خياله) ليومٍ واحد سنتغير كثيراً نحو الأفضل..
فإذا قررنا التحدث بنوعٍ من الشفافية سنجد أن العديد من العيوب التي عانينا منها لأجيال في مجتمعاتنا لم تتغير قدر أنملة، وبما أننا لا زلنا في هذه السلسلة في الفترة مابين العام ٢٠٠٠-٢٠٠٢ سيستغرب البعض إذا ما قلنا أن البوصلة كانت ولازالت وربما ستظل لفترة طويلة مفقودة، كون مشكلة اضطراب الهوية بين محلية أو شرقية وبين غربية تحكمنا منذ زمن بعيد، كما أننا نعيش دوماً ذلك التناقض بين ما نحبه وبين ما نريده لذا نحاول إيجاد مكانٍ للجميع بحيث نحتوي بعضنا بدلاً من الإقصاء وبدلاً من أن تكون الهجرة هي أقصى الطموحات..
وبالعودة إلى تلك الفترة الممتلئة بالترقب والتوقعات كانت العديد من الظواهر تطفو على السطح مع بدء تراجع نمط الحياة الإجتماعية الذي اعتدناه والذي كان يشبهنا من ناحية العلاقات والصداقات والتزاور الذي تأثر بتغير الأذواق لتعلن عن بداية تغييرٍ وشيك سيقسم المجتمعات ويبدل تركيبتها، فشهدت هذه الفترة موجاتٍ متعددة على الصعيد الفني والثقافي محلياً وإقليمياً ودولياً تقاطعت مع موجاتٍ مماثلة في الشأن السياسي الذي لا ينفصل عنهم جميعاً..
فبين الأمس واليوم وفي ظل الواقع الذي تعيشه بلادنا من أزمات هجرة مستمرة وما تبعها من مشكلات بعد الوصول إلى الضفة الأخرى، نذكر في تلك الفترة تحديداً (نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة) كثرة الحديث عن مشاريع لتسهيل وصول أسماء فنية وثقافية عربية أو محلية إلى ما يسمى بالعالمية، خاصةً عبر مجالي الغناء والتمثيل والتي كان بعضها قائماً بشكلٍ فعلي، لكن تم إجهاضه باكراً لأسباب لا علاقة لها بالموهبة أو الكفاءة أو الإحترافية، فكان الإعتقاد المنتشر بسذاجة بيننا كمراهقين عند سماع تلك الأخبار (وأتحدث عن جيلي والأجيال الأصغر مني آنذاك) أن الموضوع مرتبط بإتقان اللغة الإنجليزية أو بضع لغاتٍ أجنبية مع تغيير في المظهر، كما كان (الحلم الأميريكي) يجتاح مخيلة الشباب من ناحية الهجرة والإستقرار والفرص المتعددة والثراء السريع والحياة الرغيدة، ولكن بمرور الوقت اتضح أن كل هذه التفاصيل مجرد شكليات، فليس الموضوع مجرد تغيير في اللغة وهو ما نسمعه اليوم بكثافة من المحللين السياسيين والمختصين في شؤون مناطق مختلفة من العالم خاصةً بعد موجات الهجرة والنزوح المستمرة منذ سنوات، بل إن الموضوع مرتبط تحديداً بالهوية (بالنسبة إلى المهاجرين)، فلا مشكلة مع من تتوافق ثقافتهم أو تتقارب مع ثقافة البلد الذي ينتقلون إليه كبريطاني يهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن الهوية الغربية وتركيبة المجتمع لن تختل أو تختلف بسببه، ورأينا ذلك في وجود أسماء من مختلف أنحاء أوروبا والغرب في هوليوود بشكل طبيعي عكس ما يحدث مع المهاجرين العرب والمسلمين الذين ينقلون ثقافتهم معهم ويعتبرها الغرب تغييراً جذرياً في أسسه ومبادئه ووجوده، وهذا الموضوع هو ما عشناه ولا زلنا نعيشه ونتصارع عليه ولأجله منذ عقود وحتى الآن..
فننسى في تلك الفترة بداية صعود الكثير من التيارات المستترة خلف الدين والتي خلقت حالة من البلبلة والخوف والقلق في الشارع للركوب (كعادتهم) على أحداث وطنية وسياسية ودينية وإنسانية، وحتى على قرارات شخصية كقرار الكثير من الفنانات الإعتزال وارتداء الحجاب والقيام بالتشويش عليهن والإساءة لبعضهن، والذي كان موجة في ذروتها تقريباً منذ منتصف الثمانينات حتى عام ٢٠٠٥، وكان عدول الكثيرات عن هذا القرار دليل كونه قراراً شخصياً بحتاً قد تتخذه أي سيدة حسب قناعاتها الدينية، فأدى تدخلهم بالإضافة إلى الكثير من السلوكيات والأفكار التحريضية التي ارتكبوها ضد الغير وضد من يختلف عنهم إلى خلق تيار مضاد، وأحياناً بشكل لا واعي أخطأ بشدة في الخلط بينهم وبين فئات عادية وبسيطة من الشعب من ناحية وبين التطرف وبين الدين من ناحية أخرى، وهو مالم يقف هنا لأنه أثر لفترةٍ قصيرة نسبيا ً على العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بشكلٍ خاص نتيجةً للأفعال التي لم يستطيعوا تفسيرها من قبل بعضهم، والتي التقطتها بكل أسف أصوات تحريضية أخرى كانت تهاجم المسلمين أيضاً، وكنتيجة لملاحقة هذا التطرف اضطروا جميعاً إلى الهروب الى بلدان مجاورة كقبرص واليونان وغيرها في أوروبا لتأسيس منابر إعلامية تكرس للتطرف من كل الطوائف والتي عانينا منها الأمرين، لينصرف الأغلبية عنها بمرور الوقت بعد الكثير من الأحداث كإندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية عام ٢٠٠٠ عقب تدنيس رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ومجرم الحرب آرييل شارون إلى باحات المسجد الأقصى، مروراً بأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام ٢٠٠١ وصولاً إلى احتلال أفغانستان عام ٢٠٠١ والعراق عام ٢٠٠٣ ومجزرة جنين في الضفة الغربية المحتلة عام ٢٠٠٢، وهو ما ترافق مع صراعات طاحنة في السر والعلن عن هوية مجتمعاتنا وتم توظيف المرأة فيها بشكل غير مسبوق (ومستمر حتى الآن) في شتى ميادين الإعلام والفنون، وكما ذكرنا في مقالات سابقة عن التدرج في شكل الفتيات عبر ثقافة الفيديو كليب في حقبتي الثمانينات والتسعينيات إضافة إلى البرامج الترفيهية شهدت الألفية الجديدة تغيراً جذرياً على صعيد الصورة، وبعد أن كانت الأسماء الغنائية العربية تقدم شكلاً تقليدياً عبر الأغاني المصورة محصورةً في بضع أسماء معروفة تحاول من وقت لآخر محاكاة التجارب الغربية برزت على الساحة أسماء جديدة نقلت عبر أغنياتها وأعمالها ومظهرها الفن والمرأة والمجتمع العربي بأكمله إلى مرحلة العولمة التي أسست من خلالها لكل ما نعيشه من أحداث وأفكار على مختلف الأصعدة..
للسلسلة بقية..
خالد جهاد..