د. محمد الشرقاوي - قمم الاستغياب والاستحضار

يتفتق العقل السياسي العربي خاصة في حقبة التقلبات الاستراتيجية وتداعيات حرب أوكرانيا وارتفاع الأسعار والتضخم بالتعثر الذاتي في تحقيق شعار "لمّ الشمل العربي". وعلى خلاف المؤتمرات الأوروبية التي لا تتجاوز ساعتين أو ثلاث في أغلب الحالات وتخرج بقرارات مدروسة وقابلة للتطبيق، يعمل العرب بعدّاد الأيام وليس الساعات: يومان لاجتماعات وزراء الخارجية، ويومان للقادة ملوكا وأولياء عهد ورؤساء حكومات دون مؤشرات واضحة على قياس النجاح أو الفشل.
لم يصل العقل السياسي العربي حدّ البراغماتية وتحقيق النتائج بعد، بل يبدو عالقًا في الإجراء دون المحصلة النهائية. ويغلب الحديث منذ أسابيع عمن سيحضر ومن سيتغيب، أو معضلة الاستغياب والاستحضار، وللعبارة معنى قريب بمن سيشرف القمة بحضوره ومعنى بعيد بالنميمة داخل وخارج مقر المؤتمر.
من سوء حظ شعوب المنطقة أنّ النخب السياسية العربية تقلب الآية. وبدلا من تحقيق التوافقات وتنسيق الاستراتيجيات، لم يعد سقف التوقعات سواء في قمة الجزائر الراهنة أو القمم العشر السابقة يتجاوز سؤال من سيحضر ومن سيغيب. وفي المقابل، تخوض منصات الإعلام الرسمي وإعلام النگافات معارك داحس والغبراء في النفخ في حضور الحاكم الفلاني والتقليل من غياب آخر.
هذه القمم العربية منفصمة الشخصية بين الحضور والغياب تجسد حقيقة أن العقل السياسي في المنطقة يدور في مدارات مزاجية وانفعالية، وليس في جيناته حسابات مصلحة الشعوب أو همّ تشكيل قطب عربي استراتيجي إلى جانب القطب الروسي والقطب الصيني والقطب الأوروبي والقطب الأمريكي. وبالتالي، تظل النخب السياسية العربية مجرد ظاهرية انطباعية تحكمها الآنفة المتعالية وليس الحد الأدنى من العقلانية ومنطق قياس "العمل العربي المشترك" بالنتائج وليس الخطابات الرنّانة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...