يوميات
صباح 8 - 3 - 2001· مطعم (الريتز)
محمد شكري يستفسر الزبير بن بوشتى عن موعد وصول أدونيس إلى طنجة· يستفيض الزبير في الحديث عن الإجراءات التي اتخذها فرع طنجة لاتحاد الكتاب لاستقباله· شكري ينصت· وأحيانا يعلق: "مزيان· ممتاز· ما عندي ما نسالكم"· بعد نصف ساعة غادر الزبير لارتباطه بمواعيد كثيرة· قال شكري:
ــ لا أحد يجاري الزبير في نشاطه· هل ستحضر غدا أمسية أدونيس؟
ــ بالتأكيد (قلت )·
يتراجع برأسه إلى الوراء· يجذب نفسا طويلا من سيجارته·
يقول:
ــ أدونيس شاعر كبير· أعتقد أن قاعة القنصلية الفرنسية سوف تمتلئ عن آخرها· قال لي الزبير إن الكثير من الكتاب سيأتون من الرباط والدار البيضاء·
أمنت على كلامه دون أن أنبس·
مساء 9 - 3 - 2001·
القنصلية الفرنسية بطنجة مكتظة بمريدي (الشيخ) أدونيس· الكل مستمتع بأجواء اللقاء· شكري يصفق بحرارة للقصيدة الأدونيسية "تقويم الفلك 2001"· لم يكن ممكنا الالتقاء بشكري وسط الزحام· غادرت، هتفت له· يأتيني صوته مختلطا بضجيج· بالكاد أسمعه يقول: "شوف· أنا موجود في مطعم (سان ريمو) صحبة أدونيس وحسن نجمي وعزيز أزغاي· نلتقي غدا في (الريتز) بسلامة"·
ظهر 10 - 3 - 2001·
وصلت متأخرا· كان شكري في كأسه الثالثة· بادرني حالما وقعت عيناه عليَّ:
ــ فلتت لك الجلسة ديال البارح· كانت سهرة رائعة·
تحدثنا حتى لم يعد في الحديث بقايا· علاش ما جتيشي؟
ــ لم أكن مدعوا·
ــ ألم أطلب منك المجيء عندما تلفنت لي؟
ــ لا· لم تطلب مني ذلك·
لم يقل شيئا· انصرف كل منا إلى الاستماع إلى نفسه، ثم انتقلنا إلى موضوع آخر·
بيتي ليس محلا عموميا
العاشرة صباحا· شارع البحتري لم يستيقظ من نومه بعد·
حوَّمت حول العمارة: "أصعد· لا أصعد· أصعد"· الطابق الخامس· أحسم ترددي· أضغط على جرس الباب· يأتيني صوت به بقايا نعاس:
ــ شكون؟
ــ أنا·· أنا بيريش آلسي محمد·
يفتح الباب· لا يزال في ثياب النوم· يتلفظ كلماته ببطء يشي بانزعاجه:
ــ ما الأمر؟ ما الذي يجعلك تطرق بابي في هذه الساعة؟!
أحسني كما لو أني انزلق في قشرة موز· أقول في ارتباك ملحوظ:
ــ عذرا للإزعاج· جئت لأسلمك مخطوطة كتابنا المشترك لتراجعه· سأسافر بعد نصف ساعة إلى تازة·
يخفت انزعاجه، يأخذ مني المخطوط· يدعوني إلى الدخول· أناوله سيجارة· يرفض أخذها:
ــ لم أتناول فطوري بعد· لا أريد أن أدمر نفسي بالتدخين على الريق·
ــ هل أزعجتك بمجيئي السي محمد؟
ــ لك عذرك، على الأقل أنت لست مثل بعض المزعجين الذين يطرقون بابي في السادسة أو السابعة صباحا لأسباب جد تافهة· إن بيتي ليس محلا عموميا!
ــ أكرر اعتذاري·
ــ لا داعي لكثرة الاعتذار· انس الأمر·
يقولها بطريقة تنبئ بأنه غفر لي "زلتي"!
حالة تسمم
كنا جالسين، ذات صبيحة صيفية، في (إلدورادو)· طوال ساعة ونصف ظل شكري يتحدث، يداعب نُدُل المطعم، يروي نكاتا، ويضحك بصوت عال يشي بمدى ابتهاجه·
فجأة، داهمه وجع في بطنه· "شيء ما يمزق أمعائي" ـ قال· بعد قليل أضاف بصوت واهن: "أشعر بدوار وغثيان"· ينهض بصعوبة· نهضت : "هل تحتاج إلى مساعدة؟" أشار بيده اليمنى: "شكرا· أستطيع الاعتماد على نفسي"· اندفع صوب المرحاض·
بعد دقائق قليلة، أقبل· صدره يعلو ويهبط· جبينه يتفصد عرقا· "لا باس عليك· شوية دابا؟" قلت· شرب قليلا من الماء: "قذفت من بطني سائلا أصفر مرا· يبدو أني تناولت أكلا فاسدا"·
رافقته حتى باب العمارة، في المساء هتفت له:
ــ كيف أنت الآن السي محمد؟
ــ زارني الطبيب قبل ساعتين· أمدَّني بأدوية· قال إني أصبت بحالة تسمم· هذه نتيجة الثقة في المعلبات!
نلتقي في الغد· أستفسره عن صحته· يقول ضاحكا:
ــ كما ترى· إن خديّ متوردان· ووجهي يتألق بالبِشر· ألا أبدو لك في صحة جيدة؟
ــ نعم، أنت تبدو كذلك· وهذا يسرني·
يضحك كطفل، لا ينسى المشاكسة:
ــ إذن، ابلع لسانك واسكت !
هذا يمر، هذا لا يمر
حين قرر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ترجمة "الخبز الحافي" إلى اللغة الأمازيغية، شن الإسلاميون حملة ضد الرواية· ومسحوا بكاتبها الأرض!
لم تنل الحملة من شكري· ظل محتفظا بهدوئه: "من حقي أن أكتب ما أشاء· ومن حق القارئ أن يقرأ ما يريد"·
في إبان الضجة الإعلامية، زرت شكري في (الريتز)· وجدته يتحدث من هاتفه النقال: "شوف السي لحسن، أنا أمازيغي· وأعتبر رفض ترجمة روايتي "الخبز الحافي" إلى الأمازيغية بمثابة رفض للذات· لن أخون جلدي القديم"·
يصمت · ينصت باهتمام بالغ· يواصل حديثه: "لا· لا· إن محمد شكري لا يتوفر على مؤسسة للتهييج الجنسي! أنا أرفض هذا الطرح المغلوط الذي يسقطه البعض على كتاباتي بنوايا مبيَّتة"·
يتوقف عن الكلام لثوان· ثم يواصل بشيء من الضحك:
"أريد أن أقتل هذه الرواية، لكنها ترفض أن تموت ! إنها تعيش رغما عني· عنيدة جدا هي· تثير الجدل باستمرار، ولا تهدأ!"·
يشعل سيجارة ظلَّت بين أصابعه طوال الحديث: "أعد ما قلت َ، من فضلك· لم أسمع جيدا· (صمت ) آ·· أعتقد أن ترجمة روايتي إلى الأمازيغية ستعيد الاعتبار إلى هذه اللغة، التي حوربت كثيرا، ومُنعت أيضا"·
ينهي مكالمته الهاتفية· يطلب لي فنجان قهوة· يقول:
ــ كنت أجيب عن أسئلة لحسن وريغ· صحافي في "الأحداث المغربية"· أعتقد أنني دافعت عن نفسي وكتاباتي بشكل جيد· وقلت ما كان يجب عليَّ أن أقوله·
ــ قرأت ما كتبه التيار الإسلامي حول كتاباتك·
يبدو لي أن ما صرحت به سيكون له أثره في هذه الضجة المفتعلة·
عيناه تضيئان بتحد· يلوح بقبضته في الهواء:
ــ ما عاد الأمر يطاق· إنهم يحشرون أنوفهم في كل شيء· لا يحاورون· لا يناقشون· لا يسمعون· لغتهم واحدة· أسلوبهم لا يتغير: هذا حلال يمر· هذا حرام ينبغي نسفه· هكذا دون نقاش·
أقول له مشاكسا:
ــ هذه الحملات تخدمك السي محمد· أليس كذلك؟!
يحدق فيَّ· يضحك:
ــ آ·· هذا صحيح· كلما أعلنوا الجهاد ضدي، ترتفع مبيعات كتبي!
8/15/2005
صباح 8 - 3 - 2001· مطعم (الريتز)
محمد شكري يستفسر الزبير بن بوشتى عن موعد وصول أدونيس إلى طنجة· يستفيض الزبير في الحديث عن الإجراءات التي اتخذها فرع طنجة لاتحاد الكتاب لاستقباله· شكري ينصت· وأحيانا يعلق: "مزيان· ممتاز· ما عندي ما نسالكم"· بعد نصف ساعة غادر الزبير لارتباطه بمواعيد كثيرة· قال شكري:
ــ لا أحد يجاري الزبير في نشاطه· هل ستحضر غدا أمسية أدونيس؟
ــ بالتأكيد (قلت )·
يتراجع برأسه إلى الوراء· يجذب نفسا طويلا من سيجارته·
يقول:
ــ أدونيس شاعر كبير· أعتقد أن قاعة القنصلية الفرنسية سوف تمتلئ عن آخرها· قال لي الزبير إن الكثير من الكتاب سيأتون من الرباط والدار البيضاء·
أمنت على كلامه دون أن أنبس·
مساء 9 - 3 - 2001·
القنصلية الفرنسية بطنجة مكتظة بمريدي (الشيخ) أدونيس· الكل مستمتع بأجواء اللقاء· شكري يصفق بحرارة للقصيدة الأدونيسية "تقويم الفلك 2001"· لم يكن ممكنا الالتقاء بشكري وسط الزحام· غادرت، هتفت له· يأتيني صوته مختلطا بضجيج· بالكاد أسمعه يقول: "شوف· أنا موجود في مطعم (سان ريمو) صحبة أدونيس وحسن نجمي وعزيز أزغاي· نلتقي غدا في (الريتز) بسلامة"·
ظهر 10 - 3 - 2001·
وصلت متأخرا· كان شكري في كأسه الثالثة· بادرني حالما وقعت عيناه عليَّ:
ــ فلتت لك الجلسة ديال البارح· كانت سهرة رائعة·
تحدثنا حتى لم يعد في الحديث بقايا· علاش ما جتيشي؟
ــ لم أكن مدعوا·
ــ ألم أطلب منك المجيء عندما تلفنت لي؟
ــ لا· لم تطلب مني ذلك·
لم يقل شيئا· انصرف كل منا إلى الاستماع إلى نفسه، ثم انتقلنا إلى موضوع آخر·
بيتي ليس محلا عموميا
العاشرة صباحا· شارع البحتري لم يستيقظ من نومه بعد·
حوَّمت حول العمارة: "أصعد· لا أصعد· أصعد"· الطابق الخامس· أحسم ترددي· أضغط على جرس الباب· يأتيني صوت به بقايا نعاس:
ــ شكون؟
ــ أنا·· أنا بيريش آلسي محمد·
يفتح الباب· لا يزال في ثياب النوم· يتلفظ كلماته ببطء يشي بانزعاجه:
ــ ما الأمر؟ ما الذي يجعلك تطرق بابي في هذه الساعة؟!
أحسني كما لو أني انزلق في قشرة موز· أقول في ارتباك ملحوظ:
ــ عذرا للإزعاج· جئت لأسلمك مخطوطة كتابنا المشترك لتراجعه· سأسافر بعد نصف ساعة إلى تازة·
يخفت انزعاجه، يأخذ مني المخطوط· يدعوني إلى الدخول· أناوله سيجارة· يرفض أخذها:
ــ لم أتناول فطوري بعد· لا أريد أن أدمر نفسي بالتدخين على الريق·
ــ هل أزعجتك بمجيئي السي محمد؟
ــ لك عذرك، على الأقل أنت لست مثل بعض المزعجين الذين يطرقون بابي في السادسة أو السابعة صباحا لأسباب جد تافهة· إن بيتي ليس محلا عموميا!
ــ أكرر اعتذاري·
ــ لا داعي لكثرة الاعتذار· انس الأمر·
يقولها بطريقة تنبئ بأنه غفر لي "زلتي"!
حالة تسمم
كنا جالسين، ذات صبيحة صيفية، في (إلدورادو)· طوال ساعة ونصف ظل شكري يتحدث، يداعب نُدُل المطعم، يروي نكاتا، ويضحك بصوت عال يشي بمدى ابتهاجه·
فجأة، داهمه وجع في بطنه· "شيء ما يمزق أمعائي" ـ قال· بعد قليل أضاف بصوت واهن: "أشعر بدوار وغثيان"· ينهض بصعوبة· نهضت : "هل تحتاج إلى مساعدة؟" أشار بيده اليمنى: "شكرا· أستطيع الاعتماد على نفسي"· اندفع صوب المرحاض·
بعد دقائق قليلة، أقبل· صدره يعلو ويهبط· جبينه يتفصد عرقا· "لا باس عليك· شوية دابا؟" قلت· شرب قليلا من الماء: "قذفت من بطني سائلا أصفر مرا· يبدو أني تناولت أكلا فاسدا"·
رافقته حتى باب العمارة، في المساء هتفت له:
ــ كيف أنت الآن السي محمد؟
ــ زارني الطبيب قبل ساعتين· أمدَّني بأدوية· قال إني أصبت بحالة تسمم· هذه نتيجة الثقة في المعلبات!
نلتقي في الغد· أستفسره عن صحته· يقول ضاحكا:
ــ كما ترى· إن خديّ متوردان· ووجهي يتألق بالبِشر· ألا أبدو لك في صحة جيدة؟
ــ نعم، أنت تبدو كذلك· وهذا يسرني·
يضحك كطفل، لا ينسى المشاكسة:
ــ إذن، ابلع لسانك واسكت !
هذا يمر، هذا لا يمر
حين قرر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ترجمة "الخبز الحافي" إلى اللغة الأمازيغية، شن الإسلاميون حملة ضد الرواية· ومسحوا بكاتبها الأرض!
لم تنل الحملة من شكري· ظل محتفظا بهدوئه: "من حقي أن أكتب ما أشاء· ومن حق القارئ أن يقرأ ما يريد"·
في إبان الضجة الإعلامية، زرت شكري في (الريتز)· وجدته يتحدث من هاتفه النقال: "شوف السي لحسن، أنا أمازيغي· وأعتبر رفض ترجمة روايتي "الخبز الحافي" إلى الأمازيغية بمثابة رفض للذات· لن أخون جلدي القديم"·
يصمت · ينصت باهتمام بالغ· يواصل حديثه: "لا· لا· إن محمد شكري لا يتوفر على مؤسسة للتهييج الجنسي! أنا أرفض هذا الطرح المغلوط الذي يسقطه البعض على كتاباتي بنوايا مبيَّتة"·
يتوقف عن الكلام لثوان· ثم يواصل بشيء من الضحك:
"أريد أن أقتل هذه الرواية، لكنها ترفض أن تموت ! إنها تعيش رغما عني· عنيدة جدا هي· تثير الجدل باستمرار، ولا تهدأ!"·
يشعل سيجارة ظلَّت بين أصابعه طوال الحديث: "أعد ما قلت َ، من فضلك· لم أسمع جيدا· (صمت ) آ·· أعتقد أن ترجمة روايتي إلى الأمازيغية ستعيد الاعتبار إلى هذه اللغة، التي حوربت كثيرا، ومُنعت أيضا"·
ينهي مكالمته الهاتفية· يطلب لي فنجان قهوة· يقول:
ــ كنت أجيب عن أسئلة لحسن وريغ· صحافي في "الأحداث المغربية"· أعتقد أنني دافعت عن نفسي وكتاباتي بشكل جيد· وقلت ما كان يجب عليَّ أن أقوله·
ــ قرأت ما كتبه التيار الإسلامي حول كتاباتك·
يبدو لي أن ما صرحت به سيكون له أثره في هذه الضجة المفتعلة·
عيناه تضيئان بتحد· يلوح بقبضته في الهواء:
ــ ما عاد الأمر يطاق· إنهم يحشرون أنوفهم في كل شيء· لا يحاورون· لا يناقشون· لا يسمعون· لغتهم واحدة· أسلوبهم لا يتغير: هذا حلال يمر· هذا حرام ينبغي نسفه· هكذا دون نقاش·
أقول له مشاكسا:
ــ هذه الحملات تخدمك السي محمد· أليس كذلك؟!
يحدق فيَّ· يضحك:
ــ آ·· هذا صحيح· كلما أعلنوا الجهاد ضدي، ترتفع مبيعات كتبي!
8/15/2005