من الحقائق التي تتصل بالوجود الإنساني أن الإنسان يسعى نحو الحصول على المعرفة لمساعدته على مواجهة مصاعب الحياة، وحل المشاكل التي تعترض طريقه؛ لكي يعيش في سعادة وهناء. من هنا كانت الاكتشافات والاختراعات في مجالات العلوم المختلفة في الطب، والفضاء، والطاقة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع.، مما مكن الإنسان من التغلب على بعض الأمراض، والتخفيف من وقع الكوارث الطبيعية، وإقامة النظم الإدارية والسياسية، وتسهيل سبل الاتصال والتواصل بين الناس.
في الجانب الآخر استخدم الإنسان المعرفة في جلب الشر إلى نفسه وإلى الآخرين؛ فغير في المناخ، وعبث في مكونات الطبيعة؛ فهدم الجبال، وردم البحيرات، وجفف الأنهار، ودمر الغابات، وصنع الأدوية لتقليل نسله، وإضعاف وجوده على سطح الأرض. كما صنع الأسلحة لقتل الناس وخراب البلدان. لقد أراد أن ينافس سلطة الله أو يلغيها على الأرض، ويتحدى وجوده في السماء، كأنه يصدق ما قاله عنه شكسبير بأنه إله صغير، مع أنه، أي شكسبير لم يقصد ذلك على وجه الحقيقة.
ووجه الغرابة أن بعض العلماء ساهموا بعلمهم وأبحاثهم، في خدمة الشر وليس في خدمة الإنسانية، عندما وضعوا علمهم في أيدي القوى المتحكمة، فاستخدمته في قتل الأبرياء، وإلحاق الضرر بالطبيعة والحياة، مدفوعين بالرغبة في السيطرة وبسط الهيمنة. لم يدرك هؤلاء العلماء الخطر الذي جلبوه على البشرية إلا بعد فوات الأوان عندما رأوا نتائج معرفتهم تصنع الموت والألم لا السعادة والفرح.
من أخطر هؤلاء العلماء الذين جاؤوا بالوبال والدمار على الإنسانية، وانتابهم الندم وعذاب الضمير على ما قدموه من معرفة للطغاة ومحبي الظلم والاستعباد ثلاثة، هم: ألفرد نوبل (1833- 1865م)، وألبرت أينشتاين(1879-1955)، وروبرت أوبنهايمر(1904-1967م) فألفرد نوبل ذلك العالم الذي أمضى حياته في دراسة المتفجرات، واستطاع في حياته أن يصدر ثلاثمئة وخمسين براءة اختراع، وإنشاء تسعين مصنعًا للأسلحة. وكان الديناميت المادة المتفجرة اختراعه المهم عام 1867.
لم يبدأ إحساسه بعذاب الضمير والندم على اختراعه مادة الديناميت إلا بعد أن نشرت صحيفة فرنسية نعيه خطأ بدلًا من أخيه لودفيج، الذي توفي في زيارة له لمدينة كان الفرنسية عام1888 . ونددت الصحيفة به وباختراعه، وأعلنت خبر موته المزعوم بجملة "تاجر الموت ميت"، ووصفته بأنه غني من خلال إيجاد طرق لقتل المزيد من الناس أسرع من أي وقت مضى.
لقد شعر نوبل بخيبة أمل، وعد نفسه مجرمًا بحق البشرية، وخاف على ذكراه بعد الموت. فعزم على أن يضع أمواله لخدمة السلام والعلم والحب، في جوائز سماها باسمه. وفي عام 1895 وقع وصيته الأخيرة في النادي السويدي النرويجي في باريس على تخصيص جزء من أمواله الكثيرة لهذه الجائزة التي تمنح سنويًا دون تمييز للفائزين بها. وبعد عام من ذلك توفي العالم وحيدًا في مدينة “سان ريمو” الإيطالية وليس حوله إلا خدمه؛ فهو لم يتزوج.
أما العالم الثاني فهو ألبرت أينشتاين، العالم الألماني الذي كان يدرس الرياضيات في معهد الدراسات المتقدمة في برينكتون بأمريكا التي انتقل إليها عام 1933، بعد أن استلمت النازية الحكم في ألمانيا بقيادة هتلر. كتب هذا العالم إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يدعوه إلى صناعة القنبلة الذرية، مخافة أن يسبقه النازيون الألمان إلى صناعتها. هكذا تورط أينشتاين في الأعمال النظرية لمشروع القنبلة الذرية الأمريكية دون أن يعمل لتطوير سلاح نووي في مشروع مانهاتن وهو الاسم الرمزي للأبحاث النووية التي قامت بها أمريكا في منطقة "لوس آلاموس". التي تقع في ولاية نيو مكسيكو أثناء الحرب العالمية الثانية وشارك في هذا المشروع علماء بارزون من أقطار مختلفة بالتعاون مع الجيش الأمريكي. وقد أطلقت أولى تجاربه في عام 1942. وتمكنت أمريكا عام 1945 بإسقاط قنبلتين نوويتين على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما اليابانيتين؛ وبإثرهما انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار أمريكا والحلفاء.
شعر ألبرت أينشتاين بالحزن لما حدث وانتابه الندم على دوره في الجريمة واعترف بأن "أمريكا ربحت الحرب لكن الإنسانية خسرت السلام، فيا لها من خيانة، أعددنا القنبلة لمقاومة الألمان وها هو ترومان يلقيها على اليابانيين".
أما أوبنهايمر أبو القنبلة النووية فهو فيزيائي أمريكي، اختياره الجيش الأمريكي بعد غزو النازيين لبولندا عام 1939 ليدير مختبر "مشروع مانهاتن" لتصميم القنبلة النووية.
شاهد أوبنهايمر ما أحدثته القنبلة النووية التي ساهم في اختراعها من دمار دفعته للاستقالة من منصبه. وذكر الكاتب الأمريكي آرثر ميلر أنه كان يؤكد له مسؤوليته عن الدمار الذي حل بالمدينتين هيروشيما وناجازاكي اللتين أسقطت عليهما أمريكا قنبلتين نوويتين. وكان في آخر حياته يشعر باليأس والحزن الشديد، لا بسبب ما كان يعانيه من سرطان الرئة بل بسبب ما أحدثه اختراعه من دمار. وصرح في لقاء إعلامي أنه "الآن أنا الموت، ومحطم العوالم".
هكذا استخدم هؤلاء العلماء المعرفة في إلحاق الأذى بالبشرية. غاب عنهم أن علمهم يجب أن ينتفع به الناس، وأنهم يتحملون المسؤولية في جعل علومهم في خدمة الإنسان، وليس في تدميره. لكن للأسف ما زلنا نرى كثيرًا من العلماء والأفراد الأذكياء يستخدمون معرفتهم لنشر الفساد في الأرض، وبث الفوضى في المجتمع، وإعاقة تقدم الحياة وتطورها. ولا يقل عن هؤلاء خطرًا أن بعض العلماء والأذكياء ينأون عن استخدام المعرفة ويتخلون عن المسؤولية التي تفرضها عليهم المعرفة في مواجهة قوى الشر والفساد في الأرض.
ما نريد قوله: إن المعرفة خلقت تحديًا للإنسان العارف؛ فهو مطالب بتطبيق معرفته على أرض الواقع، وتوظيفها لخدمة الإنسانية، وإن لم يفعل سيكون مسؤولًا عن ذلك أمام ضميره وأمام خالقه؛ فالمعرفة مسؤولية، ومن يعرف فهو مسؤول عن تطبيق هذه المعرفة لما ينفع الناس.
.
في الجانب الآخر استخدم الإنسان المعرفة في جلب الشر إلى نفسه وإلى الآخرين؛ فغير في المناخ، وعبث في مكونات الطبيعة؛ فهدم الجبال، وردم البحيرات، وجفف الأنهار، ودمر الغابات، وصنع الأدوية لتقليل نسله، وإضعاف وجوده على سطح الأرض. كما صنع الأسلحة لقتل الناس وخراب البلدان. لقد أراد أن ينافس سلطة الله أو يلغيها على الأرض، ويتحدى وجوده في السماء، كأنه يصدق ما قاله عنه شكسبير بأنه إله صغير، مع أنه، أي شكسبير لم يقصد ذلك على وجه الحقيقة.
ووجه الغرابة أن بعض العلماء ساهموا بعلمهم وأبحاثهم، في خدمة الشر وليس في خدمة الإنسانية، عندما وضعوا علمهم في أيدي القوى المتحكمة، فاستخدمته في قتل الأبرياء، وإلحاق الضرر بالطبيعة والحياة، مدفوعين بالرغبة في السيطرة وبسط الهيمنة. لم يدرك هؤلاء العلماء الخطر الذي جلبوه على البشرية إلا بعد فوات الأوان عندما رأوا نتائج معرفتهم تصنع الموت والألم لا السعادة والفرح.
من أخطر هؤلاء العلماء الذين جاؤوا بالوبال والدمار على الإنسانية، وانتابهم الندم وعذاب الضمير على ما قدموه من معرفة للطغاة ومحبي الظلم والاستعباد ثلاثة، هم: ألفرد نوبل (1833- 1865م)، وألبرت أينشتاين(1879-1955)، وروبرت أوبنهايمر(1904-1967م) فألفرد نوبل ذلك العالم الذي أمضى حياته في دراسة المتفجرات، واستطاع في حياته أن يصدر ثلاثمئة وخمسين براءة اختراع، وإنشاء تسعين مصنعًا للأسلحة. وكان الديناميت المادة المتفجرة اختراعه المهم عام 1867.
لم يبدأ إحساسه بعذاب الضمير والندم على اختراعه مادة الديناميت إلا بعد أن نشرت صحيفة فرنسية نعيه خطأ بدلًا من أخيه لودفيج، الذي توفي في زيارة له لمدينة كان الفرنسية عام1888 . ونددت الصحيفة به وباختراعه، وأعلنت خبر موته المزعوم بجملة "تاجر الموت ميت"، ووصفته بأنه غني من خلال إيجاد طرق لقتل المزيد من الناس أسرع من أي وقت مضى.
لقد شعر نوبل بخيبة أمل، وعد نفسه مجرمًا بحق البشرية، وخاف على ذكراه بعد الموت. فعزم على أن يضع أمواله لخدمة السلام والعلم والحب، في جوائز سماها باسمه. وفي عام 1895 وقع وصيته الأخيرة في النادي السويدي النرويجي في باريس على تخصيص جزء من أمواله الكثيرة لهذه الجائزة التي تمنح سنويًا دون تمييز للفائزين بها. وبعد عام من ذلك توفي العالم وحيدًا في مدينة “سان ريمو” الإيطالية وليس حوله إلا خدمه؛ فهو لم يتزوج.
أما العالم الثاني فهو ألبرت أينشتاين، العالم الألماني الذي كان يدرس الرياضيات في معهد الدراسات المتقدمة في برينكتون بأمريكا التي انتقل إليها عام 1933، بعد أن استلمت النازية الحكم في ألمانيا بقيادة هتلر. كتب هذا العالم إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يدعوه إلى صناعة القنبلة الذرية، مخافة أن يسبقه النازيون الألمان إلى صناعتها. هكذا تورط أينشتاين في الأعمال النظرية لمشروع القنبلة الذرية الأمريكية دون أن يعمل لتطوير سلاح نووي في مشروع مانهاتن وهو الاسم الرمزي للأبحاث النووية التي قامت بها أمريكا في منطقة "لوس آلاموس". التي تقع في ولاية نيو مكسيكو أثناء الحرب العالمية الثانية وشارك في هذا المشروع علماء بارزون من أقطار مختلفة بالتعاون مع الجيش الأمريكي. وقد أطلقت أولى تجاربه في عام 1942. وتمكنت أمريكا عام 1945 بإسقاط قنبلتين نوويتين على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما اليابانيتين؛ وبإثرهما انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار أمريكا والحلفاء.
شعر ألبرت أينشتاين بالحزن لما حدث وانتابه الندم على دوره في الجريمة واعترف بأن "أمريكا ربحت الحرب لكن الإنسانية خسرت السلام، فيا لها من خيانة، أعددنا القنبلة لمقاومة الألمان وها هو ترومان يلقيها على اليابانيين".
أما أوبنهايمر أبو القنبلة النووية فهو فيزيائي أمريكي، اختياره الجيش الأمريكي بعد غزو النازيين لبولندا عام 1939 ليدير مختبر "مشروع مانهاتن" لتصميم القنبلة النووية.
شاهد أوبنهايمر ما أحدثته القنبلة النووية التي ساهم في اختراعها من دمار دفعته للاستقالة من منصبه. وذكر الكاتب الأمريكي آرثر ميلر أنه كان يؤكد له مسؤوليته عن الدمار الذي حل بالمدينتين هيروشيما وناجازاكي اللتين أسقطت عليهما أمريكا قنبلتين نوويتين. وكان في آخر حياته يشعر باليأس والحزن الشديد، لا بسبب ما كان يعانيه من سرطان الرئة بل بسبب ما أحدثه اختراعه من دمار. وصرح في لقاء إعلامي أنه "الآن أنا الموت، ومحطم العوالم".
هكذا استخدم هؤلاء العلماء المعرفة في إلحاق الأذى بالبشرية. غاب عنهم أن علمهم يجب أن ينتفع به الناس، وأنهم يتحملون المسؤولية في جعل علومهم في خدمة الإنسان، وليس في تدميره. لكن للأسف ما زلنا نرى كثيرًا من العلماء والأفراد الأذكياء يستخدمون معرفتهم لنشر الفساد في الأرض، وبث الفوضى في المجتمع، وإعاقة تقدم الحياة وتطورها. ولا يقل عن هؤلاء خطرًا أن بعض العلماء والأذكياء ينأون عن استخدام المعرفة ويتخلون عن المسؤولية التي تفرضها عليهم المعرفة في مواجهة قوى الشر والفساد في الأرض.
ما نريد قوله: إن المعرفة خلقت تحديًا للإنسان العارف؛ فهو مطالب بتطبيق معرفته على أرض الواقع، وتوظيفها لخدمة الإنسانية، وإن لم يفعل سيكون مسؤولًا عن ذلك أمام ضميره وأمام خالقه؛ فالمعرفة مسؤولية، ومن يعرف فهو مسؤول عن تطبيق هذه المعرفة لما ينفع الناس.
.