في الخامس عشر من شهر تشرين ثان من العام 1988،وبعد أحد عشر شهر ونصف تقريبا على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الاولى،ومن قلب الجزائر،وفي خضم عقد المجلس الوطني الفلسطيني،اعلن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف،أي قبل اربع وثلاثين عاما،وقد اعتبر الحدث في ذلك الوقت حدثا مهما ومفصليا بالرغم من وجود الاحتلال،وكان التبرير لإصداره ان الشعب الفلسطيني المنتفض شكل بإنتفاضته المساحة المعنوية لاستقلال الارض الفلسطينية،ورسم بتضحياته تلك الحدود المرحلية إن جاز التعبير،التي من الممكن ترسيخها كحدود دولة فلسطينيين او الحد الادنى من الحدود التي يقبل بها المعظم الفلسطيني،بالإضافة لحق العودة والتعويض كنوع من حل الصراع العربي "الاسرائيلي"
القيادة الفلسطينية وقتها حاولت تقديم هذه المبادرة للعالم لتقول لهم،نحن جاهزون لحل سياسي للقضية الفلسطينية وفق هذه الرؤيا،وخاصة ان إنتفاضة الحجارة وقتها رفعت القضية الفلسطينية في العالم الى اعلى مستوى،وحصدت من التعاطف الشعوب والامم مع القضية الفلسطينية الكثير والغير مسبوق،فكان لابد من فعل شيء يكون ما بعده ملازم ومكمل له،خاصة ان تلك الفترة كانت على أعتاب حصول منظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف الامريكي او على الاقل فتح قنوات اتصال بين الادارة الامريكية ومنظمة التحرير الفلسطينية على إعتبار ان الاعتراف او التواصل بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية سيكون مفتاح او بداية القبول بالحد الادنى للمطالب الفلسطينية وبداية ممارسة الضغط على الجانب الاسرائيلي للوصول لحل لجوهر الصراع في الشرق الاوسط وهي القضية الفلسطينية.
كانت القيادة الفلسطينية وقتها حالمة بتحقيق الدولة والعودة والعاصمة القدس عبر تلك المقدمة التي قدمتها،وبدلا ان تلتقط الادارة او الادارات الامريكية تلك الفرصة،وتعمل على تفكيك هذا الصراع بشكل منفصل عن سياساتها في الشرق الاوسط،لتجني الاستقرار التي أقض مضاجعها خلال عقود طويلة،وإستنزف ميزانياتها،تعاملت مع المبادرة الفلسطينية وهي اعلان الاستقلال وما تنتج عنها كملحق في قضايا المنطقة،وهذا واضح في تصرفها فيما تلى ذلك الاعلان من احداث،فبعد حرب الخليج الثانية،التي تلت دخول الرئيس العراقي صدام حسين للكويت،وما دفع الادارة الامريكية من تشكيل قوات تحالف بقيادتها من دول غربية وعربية،كان شرط الدول العربية فيه هو ايجاد حل للقضية الفلسطينية،تظاهرت الولايات المتحدة باحترامه،لكنها تعاملت معه من زاويتها حينما اعلنت تنظيم مؤتمر مدريد لكي تدمج اسرائيل في المنطقة العربية عبر إقامة سلام وتطبيع بين الفلسطينيين والاردنيين والسوريين من جهة و"اسرائيل" من جهة ثانية عبر قنوات تفاوض ثنائية،ورأت في هذا الفتات تجاوب من تلك المبادرة الفلسطينية،التي بدأت قيادتهاــ أي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ــ الطريق ولم تكمله إلا من خلال مسرب جانبي صب في اتفاقية اوسلو التي كانت وما زالت آثارها باقية لغاية الان،اوسلو التي جاءت الحدث الثاني المهم الذي تلى الاستقلال،بل قاد اعلان الاستقلال إلى متاهه غرقت فيها القيادة الفلسطينية،وأغرقت شعبها ولم تنجوا منها رغم مرور ثمانية وعشرون عاما من التفاوض العقيم.
إن اعلان الاستقلال الذي يحتفل فيه الجانب الفلسطيني رسميا،كحالة فريدة وغير مفهومة،ومغايرة لكل تجارب الامم والشعوب التي حصلت على الاستقلال،حالة غريبة ومعكوسة،ففي تجارب الامم التي ناضلت وكافحت للحصول على استقلالها،والتي منها الشعوب والامم التي اعلنت الاستقلال قبل الجلاء التام للمستعر او المحتل،كان العامل الزمني في المسألة يتناسب طرديا مع مرور الزمن،فكلما مضى الزمن للامام تجذر وتجسد الاستقلال في جميع جوانبه،الا نحن الفلسطينيون،كلما مر الزمن نفقد صور الاستقلال بكل جوانبه،فمثلا قبل اعلان الاستقلال كان عدد المستوطنين في الضفة لا يتعدى المئة الف مستوطن،اليوم فاق السبعماية وخمسين الفا،زاد وزادت معه مساحة السيطرة على الارض المتبقية من فلسطين التاريخية،قبل اعلان الاستقلال كان الوضع الاقتصادي لسكان الضفة والقطاع أفضل بكثير من الان،ليس لقيمة الدخل ومستواه،ولكن لسيطرة الجانب الاسرائيلي على عوائد الشعب الفلسطيني سواء من خلال اليات عمل اتفاقية باريس الاقتصادية،أو حتى لاحقا لما سيكون لاسرائيل من تحكم في الثروة الغازية والنفطية في بحر غزة والتي سيتحكم الجانب الاسرائيلي في سحبها وتصديرها وقبض عوائدها قبل ان يحول حصة الفلسطينيين منها حسب الاتفاق غير معروف التفاصيل لغاية الان،وإن الدول العربية التي كانت تعترف وتقيم علاقات باسرائيل قبل اعلان الاستقلال في العام 88 من القرن الماضي لم تكن الا دولة واحدة وهي مصر بفعل اتفاقية كامب ديفيد بينها وبين اسرائيل،الان هناك ثمانية دول عربية تقيم علاقات مباشرة وقوية وتطبيع مع اسرائيل وهي الاردن والامارات والبحرين والسودان والمغرب علاقات كاملة،والسعودية وسلطنة عُمان وقطر تقوم بتطبيع متفاوت الدرجة،ناهيك عن دول عربية اخرى تجري اتصالات مع "الإسرائيليين" من تحت الطاولة،كل هذه العلاقات كان لاتفاق اوسلو أثر فيه ،حيث يبرر الجانب العربي اول فيما يبرر علاقاته وتطبيعه مع الاسرائيلي بالقول" الفلسطينيون أو من اقامة علاقة مع الاسرائليين عبر اتفاق اسلو بعد مصر".
لذلك،نحن عندما ننتقد اعلان الاستقلال ولا نرى له طعما في حياتنا،لا نرفضه حبا في معارضته،وإنما رفضه وننقده من قبيل أن هذا الحدث المفصلي في تاريخ النضال الفلسطيني،والذي قد يكون أريد له أن يكون قاعدة لبناء خطوات استقلال حقيقي عليه،للاسف بنيت عليه خطوات ذهبت بالشعب الفلسطيني إلى التيه،وقضيته للتراجع،وانسداد الافق، والبعد الحقيقي عن مفهوم الاستقلال الحقيقي،وأنا هنا اسوق مثلا أتذكره كلما جاء ذلك اليوم الذي نسميه بيوم الاستقلال... " في شهر تشرين ثان من العام 1989،أي بعد عام على اعلان الاستقلال،كنت معتقلا في سجن الفارعة،فأدخل علينا مجموعة جديدة من المعتقلين من البلدة القديمة في نابلس،حدثنا أحدهم أنه أعتقل أثناء قيامة بإشعال لعبة نارية ضمن حفل نُظِّمَ بيوم الاستقلال الاول،وأنه اعتقل بعد أن تلقى "شَلّوُتْ" من الخلف بقدم ضابط محتل جاءه من الخلف،دفعه ليطير بجسمه قليلا ويقع على الارض ومن ثمّ يتم اعتقاله..."
هذه القصة تقفز في كل عام الى ذاكرتي عندما يحين أو يقترب تاريخ النصف من تشرين ثان في كل عام،ولم تحدث القصة المضادة أن تمحو تلك القصة من ذاكرتي.
القيادة الفلسطينية وقتها حاولت تقديم هذه المبادرة للعالم لتقول لهم،نحن جاهزون لحل سياسي للقضية الفلسطينية وفق هذه الرؤيا،وخاصة ان إنتفاضة الحجارة وقتها رفعت القضية الفلسطينية في العالم الى اعلى مستوى،وحصدت من التعاطف الشعوب والامم مع القضية الفلسطينية الكثير والغير مسبوق،فكان لابد من فعل شيء يكون ما بعده ملازم ومكمل له،خاصة ان تلك الفترة كانت على أعتاب حصول منظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف الامريكي او على الاقل فتح قنوات اتصال بين الادارة الامريكية ومنظمة التحرير الفلسطينية على إعتبار ان الاعتراف او التواصل بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية سيكون مفتاح او بداية القبول بالحد الادنى للمطالب الفلسطينية وبداية ممارسة الضغط على الجانب الاسرائيلي للوصول لحل لجوهر الصراع في الشرق الاوسط وهي القضية الفلسطينية.
كانت القيادة الفلسطينية وقتها حالمة بتحقيق الدولة والعودة والعاصمة القدس عبر تلك المقدمة التي قدمتها،وبدلا ان تلتقط الادارة او الادارات الامريكية تلك الفرصة،وتعمل على تفكيك هذا الصراع بشكل منفصل عن سياساتها في الشرق الاوسط،لتجني الاستقرار التي أقض مضاجعها خلال عقود طويلة،وإستنزف ميزانياتها،تعاملت مع المبادرة الفلسطينية وهي اعلان الاستقلال وما تنتج عنها كملحق في قضايا المنطقة،وهذا واضح في تصرفها فيما تلى ذلك الاعلان من احداث،فبعد حرب الخليج الثانية،التي تلت دخول الرئيس العراقي صدام حسين للكويت،وما دفع الادارة الامريكية من تشكيل قوات تحالف بقيادتها من دول غربية وعربية،كان شرط الدول العربية فيه هو ايجاد حل للقضية الفلسطينية،تظاهرت الولايات المتحدة باحترامه،لكنها تعاملت معه من زاويتها حينما اعلنت تنظيم مؤتمر مدريد لكي تدمج اسرائيل في المنطقة العربية عبر إقامة سلام وتطبيع بين الفلسطينيين والاردنيين والسوريين من جهة و"اسرائيل" من جهة ثانية عبر قنوات تفاوض ثنائية،ورأت في هذا الفتات تجاوب من تلك المبادرة الفلسطينية،التي بدأت قيادتهاــ أي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ــ الطريق ولم تكمله إلا من خلال مسرب جانبي صب في اتفاقية اوسلو التي كانت وما زالت آثارها باقية لغاية الان،اوسلو التي جاءت الحدث الثاني المهم الذي تلى الاستقلال،بل قاد اعلان الاستقلال إلى متاهه غرقت فيها القيادة الفلسطينية،وأغرقت شعبها ولم تنجوا منها رغم مرور ثمانية وعشرون عاما من التفاوض العقيم.
إن اعلان الاستقلال الذي يحتفل فيه الجانب الفلسطيني رسميا،كحالة فريدة وغير مفهومة،ومغايرة لكل تجارب الامم والشعوب التي حصلت على الاستقلال،حالة غريبة ومعكوسة،ففي تجارب الامم التي ناضلت وكافحت للحصول على استقلالها،والتي منها الشعوب والامم التي اعلنت الاستقلال قبل الجلاء التام للمستعر او المحتل،كان العامل الزمني في المسألة يتناسب طرديا مع مرور الزمن،فكلما مضى الزمن للامام تجذر وتجسد الاستقلال في جميع جوانبه،الا نحن الفلسطينيون،كلما مر الزمن نفقد صور الاستقلال بكل جوانبه،فمثلا قبل اعلان الاستقلال كان عدد المستوطنين في الضفة لا يتعدى المئة الف مستوطن،اليوم فاق السبعماية وخمسين الفا،زاد وزادت معه مساحة السيطرة على الارض المتبقية من فلسطين التاريخية،قبل اعلان الاستقلال كان الوضع الاقتصادي لسكان الضفة والقطاع أفضل بكثير من الان،ليس لقيمة الدخل ومستواه،ولكن لسيطرة الجانب الاسرائيلي على عوائد الشعب الفلسطيني سواء من خلال اليات عمل اتفاقية باريس الاقتصادية،أو حتى لاحقا لما سيكون لاسرائيل من تحكم في الثروة الغازية والنفطية في بحر غزة والتي سيتحكم الجانب الاسرائيلي في سحبها وتصديرها وقبض عوائدها قبل ان يحول حصة الفلسطينيين منها حسب الاتفاق غير معروف التفاصيل لغاية الان،وإن الدول العربية التي كانت تعترف وتقيم علاقات باسرائيل قبل اعلان الاستقلال في العام 88 من القرن الماضي لم تكن الا دولة واحدة وهي مصر بفعل اتفاقية كامب ديفيد بينها وبين اسرائيل،الان هناك ثمانية دول عربية تقيم علاقات مباشرة وقوية وتطبيع مع اسرائيل وهي الاردن والامارات والبحرين والسودان والمغرب علاقات كاملة،والسعودية وسلطنة عُمان وقطر تقوم بتطبيع متفاوت الدرجة،ناهيك عن دول عربية اخرى تجري اتصالات مع "الإسرائيليين" من تحت الطاولة،كل هذه العلاقات كان لاتفاق اوسلو أثر فيه ،حيث يبرر الجانب العربي اول فيما يبرر علاقاته وتطبيعه مع الاسرائيلي بالقول" الفلسطينيون أو من اقامة علاقة مع الاسرائليين عبر اتفاق اسلو بعد مصر".
لذلك،نحن عندما ننتقد اعلان الاستقلال ولا نرى له طعما في حياتنا،لا نرفضه حبا في معارضته،وإنما رفضه وننقده من قبيل أن هذا الحدث المفصلي في تاريخ النضال الفلسطيني،والذي قد يكون أريد له أن يكون قاعدة لبناء خطوات استقلال حقيقي عليه،للاسف بنيت عليه خطوات ذهبت بالشعب الفلسطيني إلى التيه،وقضيته للتراجع،وانسداد الافق، والبعد الحقيقي عن مفهوم الاستقلال الحقيقي،وأنا هنا اسوق مثلا أتذكره كلما جاء ذلك اليوم الذي نسميه بيوم الاستقلال... " في شهر تشرين ثان من العام 1989،أي بعد عام على اعلان الاستقلال،كنت معتقلا في سجن الفارعة،فأدخل علينا مجموعة جديدة من المعتقلين من البلدة القديمة في نابلس،حدثنا أحدهم أنه أعتقل أثناء قيامة بإشعال لعبة نارية ضمن حفل نُظِّمَ بيوم الاستقلال الاول،وأنه اعتقل بعد أن تلقى "شَلّوُتْ" من الخلف بقدم ضابط محتل جاءه من الخلف،دفعه ليطير بجسمه قليلا ويقع على الارض ومن ثمّ يتم اعتقاله..."
هذه القصة تقفز في كل عام الى ذاكرتي عندما يحين أو يقترب تاريخ النصف من تشرين ثان في كل عام،ولم تحدث القصة المضادة أن تمحو تلك القصة من ذاكرتي.