د. محمد عبدالله القواسمة - رنقطتا التاء المربوطة

المعروف أن التاء المربوطة، أو القصيرة، أو التاء المدورة، أو هاء التأنيث هي التي تكتب هاء بنقطتين (ة)، وتكتب تاء عند الوصل، وتنطق هاء عند الوقف، مثل: غرفة، شجرة، طاولة، وعند اتصالها بضمير تكتب تاء صريحة، نقول: غرفتنا، شجرتهم، طاولتنا. إنها شكل مختلف لحرف التاء على صورة هاء، تعلوها نقطتان متجاورتان، وتأتي في نهاية الكلمة دائمًا. وتلتبس كتابتها بكتابة الهاء. وللتفريق بين التاء المربوطة والهاء. علينا في البدء ملاحظة أن التاء المربوطة جزء أساسي من الكلمة، بخلاف الهاء فهي جزء مضاف إلى الكلمة، ونرى بعد ذلك إذا أمكن تنوين الكلمة أو وصلها بما بعدها، فإن نطقت تاءً وتم معنى الكلمة فتكتب تاء مربوطة، وإن نطقت هاءً وتم معنى الكلمة فتكتب هاء من دون النقطتين.

يتشدد بعض مدرسي اللغة العربية في المدارس والجامعات، فيرون ضرورة أن يضع الطالب النقطتين المتجاورتين على الهاء حتى تغدو تاء مربوطة، وترك النقطتين أو إهمال وضعهما يعد خطأ فاحشًا؛ ففي رأيهم أن ذلك يُحدث التباسًا في المعنى، فكيف نفرق بين قولنا: صديقة وصديقه، بين رماة ورماه، بين مكتبة ومكتبه؟

أرى أن ترك التاء المربوطة دون نقطتين ليس خطأ إملائيًا فاحشًا، ولا يجعل معنى الكلام غامضًا إذا فهمناه ضمن السياق العام للكلمة أو الجملة؛ فغموض المعنى في الأمثلة السابقة نتج لنزعنا الكلمات من السياق العام للقول. فلو قلنا: لي صديقه وفيه لن يستقيم المعنى ويكون الكلام هلوسة إذا قرأنا التاء المربوطة بأنها هاء، فضمن السياق العام نفهم الهاء بأنها تاء مربوطة.

إن التشدد في وضع النقطتين تحدر إلينا من الاهتمام بالكلمة منعزلة عن السياق أو النظم، على حد تعبير الناقد الفذ عبد القاهر الجرجاني في نظريته، فالنقطتان ليستا العنصر الحاسم في بيان المعنى للكلمة إذا كانت ضمن السياق العام للقول. والأساس أن السياق هو الذي يمنح الكلمة الحياة، وخروجها منه يعني أنها كلمة ميتة، كما يحدث للسمك إذا خرج من الماء.

أذكر تجربة قاسية لي في الجامعة مع التاء المربوطة. كان أستاذنا رحمه الله متشددًا في مراقبة النقطتين على التاء المربوطة أكثر من اهتمامه بالنحو، ففي أول امتحان في اللغة العربية لاحق التاء المربوطة في اسمي. وكان أن خسف علامتي في الامتحان إلى الحضيض لمجرد أني تركت النقطتين من كلمة القواسمة. وعندما راجعته قال: هل أنت القواسمةُ بالتاء المربوطة أم القواسمهُ بالهاء؟ والحقيقة لا أذكر أن أحدًا ناداني القواسمة بتحريك التاء المربوطة وإنما القواسمه بتسكينها. وكذلك ننطق أسماء الأعلام المشابهة، مثل: المشارقة والخصاونة والنوايسة والمعايطة بالوقوف عليها بالهاء. كان موقف أستاذي من نقطتي التاء المربوطة صدمة لي خاصة وأنا كنت في السنة الأولى مغرورًا في ذلك الوقت. ولعل الخطأ في اسمي يكمن في النسبة بالتاء المربوطة وليس بالياء، فنحن ننسب بياء النسبة فنقول القواسمي وليس القواسمة.

هكذا فإن عدم وضع النقطتين على التاء المربوطة ليس مهمًا، وإن تركهما لا يجعل الكلمة في دائرة الخطأ، كما أن ذلك لا يؤثر في المعنى، لا شك في أن القول بأهمية النقطتين جاء من النظرة القديمة للكلمة معزولة عن النص، وكان التدريس على ضوئها يهمل السياق. ونتج عن التشدد في وضع النقطتين أن لجأ بعض الطلاب إلى وضع النقطتين على كل هاء في نهاية الكلمة سواء أكانت جزءًا منها أو ملحقة بها.

على ضوء التجربة، وهذا الفهم للتاء المربوطة والهاء في نهاية الكلمة، وعلى ضوء نظرية النظم؛ فأرى طلبًا للخفة، وتسهيلًا للكتابة الإملائية ولجعل القارئ أو المتلقي متفاعلًا في عملية القراءة والفهم ضرورة إهمال النقطتين في التاء المربوطة. ولا صعوبة في ذلك؛ فنحن نستطع الفهم والقراءة الصحيحة للكلمات التي تنتهي بالياء في الكتب المصرية، فنفرق من خلال السياق بين الياء والألف المقصورة. فعلى سبيل المثال، نفرق بين على حرف الجر وعلى اسم شخص في النص. إن السياق هو المهم في التعامل مع الكلمات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...