تعدد الممنوعات السياسية والدينية والأخلاقية يجعل القارئ العربي لا يرتاح ولا يثق بما يكتبه الكاتب العربي (أ ف ب )
لماذا يا ترى يفضل القارئ العربي النصوص الروائية المترجمة من اللغات الأجنبية على النصوص المحلية العربية؟
هذا التفضيل الملموس يؤكده الناشر العربي من خلال الإقبال الملاحظ على النصوص السردية المترجمة في معارض الكتب التي تقام على مدار السنة في عواصم الدول العربية جميعها.
على رغم ضعف الترجمة إلى اللغة العربية والرقابة التي قد تقطع أوصال النص المترجم جزئياً والفوضى القائمة في فضاء الترجمة عند العرب والمغاربيين، وعلى رغم غياب استراتيجية شاملة للترجمة وأن الترجمة في غالبيتها قائمة على اجتهادات فردية وأن كثيراً من الناشرين لا يحترمون حقوق الترجمة، وعلى رغم ضعف مستوى اللغات الأجنبية في الجامعات العربية والمغاربية، يمكننا أن نعدد معوقات أخرى وأعطاب كثيرة تعرفها تجربة الترجمة إلى العربية، إلا أن الأمر الغريب هو إقبال القارئ العربي على هذه الترجمات بشكل لافت، وبالأساس الروايات المترجمة لكتاب معروفين من أمثال باولو كويلو وفيليب روث وإيزابيل الليندي وهاروكي موراكامي وبول أوستير وفرجينيا وولف وأمين معلوف وغيرهم، بل إن هذا الإقبال يمس حتى الأسماء غير المعروفة.
إذاً ما سر هذا الإقبال على الرواية المترجمة إلى العربية؟ وما سبب النفور أو إحجام هذا القارئ عن الرواية المكتوبة بالعربية مباشرة؟
في تصوري يعود هذا التفضيل إلى مسألة سياسية بالأساس، فالقارئ العربي بشكل عام يتأفف مما ينشر في العالم العربي من نصوص عربية، فهو، أي القارئ المواطن البسيط، يعيش في هذا المجتمع السياسي الذي تغيب فيه حرية التعبير ولا إبداع من دون حرية التعبير، وهو يعرف أن الرقابة لا تنام لها عين تحت السماء العربية، عين تفكك كل ما يكتب وكل ما ينشر، لا شيء يمر إلى القارئ من دون غربال.
لذا فأمام هذا الحصار والرقابة والقص يطرح القارئ سؤالاً مركزياً وعضوياً وبديهياً أيضاً، قبل اقتناء الرواية، ماذا ستقدم لي رواية عربية أو مغاربية من فكر أو متعة أو تحليل صادق وهي المكتوبة في مجتمع تغيب فيه حرية الكاتب وحرية التعبير وتفرض على النصوص مصفاة لا تسمح بمرور ما يمكنه أن ينقد أو يدين السلطات السياسية أو الأخلاقية أو الدينية؟ وهو سؤال مفصلي.
لا يمكنني تصور قارئ عربي أو مغاربي لا يسأل نفسه هذا السؤال قبل الإقدام على اقتناء رواية محلية، حتى إن كانت الرواية تعرف رواجاً ما.
أمام هذا الشعور الذي يغلب عليه عدم الارتياح المسبق للنص المحلي، يتوجه القارئ العربي والمغاربي إلى اقتناء الرواية الأجنبية المترجمة بغض النظر عن مستوى الترجمة، وهو مقدم على هذا التفضيل في الاقتناء يقول بينه وبين نفسه، هو أهون الشرين، فمهما كان مستوى الترجمة ومهما كانت عين الرقيب العربي لا تنام لكنها ستكون رحيمة إلى حد ما حيال النص المترجم.
في نهاية الأمر، سيقول الرقيب مبرراً سماحه لمرور بعض الأفكار الجريئة، هذا النص لا يتكلم عنا، لا ينقد أنظمتنا السياسية، لا يعرض واقعنا الاجتماعي، لا يفكك أخلاق الفرد أو المجتمع عندنا، لا يتحدث عن المرأة العربية، لا يعرض العلاقات الحميمية في مجتمعنا، لذا فالسماح بنشره لن يخلق اضطراباً ولا يشوش طمأنينة القارئ العربي ولن يثير زوابع وقوافل السلفيين.
في ضوء هذه الأسئلة التي تصدر عن الرقيب العربي حيال النص الأجنبي المترجم تؤسس الرواية الأجنبية وجودها المميز في المقروئية بالعربية، وبمثل هذه المقاربة التي يؤسس عليها الرقيب سياسة المنع تتنفس الحياة الثقافية قليلاً من أوكسجين الحرية.
في ظل هذه الحالة السيكولوجية- الثقافية يختار القارئ العربي الرواية الأجنبية ويفضلها لأنها ومهما تعرضت للقص والبتر معتقداً مسبقاً بأنه سيجد فيها بعضاً من متعة القراءة لأنها تتعرض لمجتمع غير مجتمعنا.
وللسبب نفسه، لا تجد الرواية العربية المترجمة إلى اللغات الأجنبية قارئاً، فالقارئ الغربي كما الناشر، يتساءل تساؤل المتيقن، كيف يمكن لكاتب عربي أو مغاربي أن ينشر نصاً سردياً ناجحاً وحراً وناقداً وجميلاً في بلدان عربية أو مغاربية تعيش رقابة شديدة ومتنوعة سياسية وأخلاقية ودينية؟
هذا السؤال الاستباقي المؤسس على حكم مسبق يجعل الرواية العربية والمغاربية المكتوبة بالعربية والمنشورة في بلدانها الأصلية والمترجمة إلى اللغات الأجنبية لا تحظى بأي اهتمام لدى القارئ الغربي.
وبالإحساس ذاته لا يقبل الناشر الغربي على نشر الروايات العربية لأنه يدرك بأن هناك حكماً مسبقاً يسكن القارئ الغربي الذي بموجبه لن يقبل على قراءة هذا النص، وهو ما جعل الرواية العربية المكتوبة بالعربية في أسفل سلم اهتمامات النشر في أوروبا وفي أسفل سلم الترجمة.
ويحدث أن تتبنى مؤسسات عربية دعم نشر هذه الرواية أو تلك، وهو ما يضمن الجانب المادي مسبقاً للناشر الأوروبي، لكن هذه المظلة المالية المؤسساتية العربية بقدر ما تكون حامية مادياً للناشر فإنها تكون وباء على الكاتب، لأن الكاتب الذي تحمي نصوصه مؤسسة عربية رسمية يظل في نظر القارئ الأجنبي كما في نظر الإعلام الغربي بشكل عام كاتباً مدجناً لا يمكن لنصوصه أن تقدم إضافة نوعية تساعد على رسم صورة صادقة للمجتمع العربي.
إن كثيراً من النصوص السردية بالعربية المتوجة بجوائز عربية محترمة والمنشورة في دور النشر العربية أو المغاربية، وعلى رغم النجاح النسبي لبعضها بين القراء العرب إلا أنها وبعد ترجمتها إلى اللغات الأجنبية الكبرى كالإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو الألمانية أو الإيطالية لا تثير أي نقاش ولا تحقق أية مقروئية بارزة.
إن الوضع في المجتمعات العربية بما هو عليه من تقلص مساحات الحرية وتعدد الممنوعات السياسية والدينية والأخلاقية هو ما يجعل القارئ العربي لا يرتاح ولا يثق بما يكتبه الكاتب العربي، بالتالي يبحث عن متنفسه في النصوص الأجنبية المترجمة.
أمين الزاوي
pourquoi le lecteur arabe préfère-t-il le roman traduit?
(المقال الأسبوعي، كل خميس؛ في أندبندنت اللندنية، الخميس 1 ديسمبر 2022.
الرابط: https://www.independentarabia.com/.../%D9%84%D9%85%D8%A7...)
لماذا يا ترى يفضل القارئ العربي النصوص الروائية المترجمة من اللغات الأجنبية على النصوص المحلية العربية؟
هذا التفضيل الملموس يؤكده الناشر العربي من خلال الإقبال الملاحظ على النصوص السردية المترجمة في معارض الكتب التي تقام على مدار السنة في عواصم الدول العربية جميعها.
على رغم ضعف الترجمة إلى اللغة العربية والرقابة التي قد تقطع أوصال النص المترجم جزئياً والفوضى القائمة في فضاء الترجمة عند العرب والمغاربيين، وعلى رغم غياب استراتيجية شاملة للترجمة وأن الترجمة في غالبيتها قائمة على اجتهادات فردية وأن كثيراً من الناشرين لا يحترمون حقوق الترجمة، وعلى رغم ضعف مستوى اللغات الأجنبية في الجامعات العربية والمغاربية، يمكننا أن نعدد معوقات أخرى وأعطاب كثيرة تعرفها تجربة الترجمة إلى العربية، إلا أن الأمر الغريب هو إقبال القارئ العربي على هذه الترجمات بشكل لافت، وبالأساس الروايات المترجمة لكتاب معروفين من أمثال باولو كويلو وفيليب روث وإيزابيل الليندي وهاروكي موراكامي وبول أوستير وفرجينيا وولف وأمين معلوف وغيرهم، بل إن هذا الإقبال يمس حتى الأسماء غير المعروفة.
إذاً ما سر هذا الإقبال على الرواية المترجمة إلى العربية؟ وما سبب النفور أو إحجام هذا القارئ عن الرواية المكتوبة بالعربية مباشرة؟
في تصوري يعود هذا التفضيل إلى مسألة سياسية بالأساس، فالقارئ العربي بشكل عام يتأفف مما ينشر في العالم العربي من نصوص عربية، فهو، أي القارئ المواطن البسيط، يعيش في هذا المجتمع السياسي الذي تغيب فيه حرية التعبير ولا إبداع من دون حرية التعبير، وهو يعرف أن الرقابة لا تنام لها عين تحت السماء العربية، عين تفكك كل ما يكتب وكل ما ينشر، لا شيء يمر إلى القارئ من دون غربال.
لذا فأمام هذا الحصار والرقابة والقص يطرح القارئ سؤالاً مركزياً وعضوياً وبديهياً أيضاً، قبل اقتناء الرواية، ماذا ستقدم لي رواية عربية أو مغاربية من فكر أو متعة أو تحليل صادق وهي المكتوبة في مجتمع تغيب فيه حرية الكاتب وحرية التعبير وتفرض على النصوص مصفاة لا تسمح بمرور ما يمكنه أن ينقد أو يدين السلطات السياسية أو الأخلاقية أو الدينية؟ وهو سؤال مفصلي.
لا يمكنني تصور قارئ عربي أو مغاربي لا يسأل نفسه هذا السؤال قبل الإقدام على اقتناء رواية محلية، حتى إن كانت الرواية تعرف رواجاً ما.
أمام هذا الشعور الذي يغلب عليه عدم الارتياح المسبق للنص المحلي، يتوجه القارئ العربي والمغاربي إلى اقتناء الرواية الأجنبية المترجمة بغض النظر عن مستوى الترجمة، وهو مقدم على هذا التفضيل في الاقتناء يقول بينه وبين نفسه، هو أهون الشرين، فمهما كان مستوى الترجمة ومهما كانت عين الرقيب العربي لا تنام لكنها ستكون رحيمة إلى حد ما حيال النص المترجم.
في نهاية الأمر، سيقول الرقيب مبرراً سماحه لمرور بعض الأفكار الجريئة، هذا النص لا يتكلم عنا، لا ينقد أنظمتنا السياسية، لا يعرض واقعنا الاجتماعي، لا يفكك أخلاق الفرد أو المجتمع عندنا، لا يتحدث عن المرأة العربية، لا يعرض العلاقات الحميمية في مجتمعنا، لذا فالسماح بنشره لن يخلق اضطراباً ولا يشوش طمأنينة القارئ العربي ولن يثير زوابع وقوافل السلفيين.
في ضوء هذه الأسئلة التي تصدر عن الرقيب العربي حيال النص الأجنبي المترجم تؤسس الرواية الأجنبية وجودها المميز في المقروئية بالعربية، وبمثل هذه المقاربة التي يؤسس عليها الرقيب سياسة المنع تتنفس الحياة الثقافية قليلاً من أوكسجين الحرية.
في ظل هذه الحالة السيكولوجية- الثقافية يختار القارئ العربي الرواية الأجنبية ويفضلها لأنها ومهما تعرضت للقص والبتر معتقداً مسبقاً بأنه سيجد فيها بعضاً من متعة القراءة لأنها تتعرض لمجتمع غير مجتمعنا.
وللسبب نفسه، لا تجد الرواية العربية المترجمة إلى اللغات الأجنبية قارئاً، فالقارئ الغربي كما الناشر، يتساءل تساؤل المتيقن، كيف يمكن لكاتب عربي أو مغاربي أن ينشر نصاً سردياً ناجحاً وحراً وناقداً وجميلاً في بلدان عربية أو مغاربية تعيش رقابة شديدة ومتنوعة سياسية وأخلاقية ودينية؟
هذا السؤال الاستباقي المؤسس على حكم مسبق يجعل الرواية العربية والمغاربية المكتوبة بالعربية والمنشورة في بلدانها الأصلية والمترجمة إلى اللغات الأجنبية لا تحظى بأي اهتمام لدى القارئ الغربي.
وبالإحساس ذاته لا يقبل الناشر الغربي على نشر الروايات العربية لأنه يدرك بأن هناك حكماً مسبقاً يسكن القارئ الغربي الذي بموجبه لن يقبل على قراءة هذا النص، وهو ما جعل الرواية العربية المكتوبة بالعربية في أسفل سلم اهتمامات النشر في أوروبا وفي أسفل سلم الترجمة.
ويحدث أن تتبنى مؤسسات عربية دعم نشر هذه الرواية أو تلك، وهو ما يضمن الجانب المادي مسبقاً للناشر الأوروبي، لكن هذه المظلة المالية المؤسساتية العربية بقدر ما تكون حامية مادياً للناشر فإنها تكون وباء على الكاتب، لأن الكاتب الذي تحمي نصوصه مؤسسة عربية رسمية يظل في نظر القارئ الأجنبي كما في نظر الإعلام الغربي بشكل عام كاتباً مدجناً لا يمكن لنصوصه أن تقدم إضافة نوعية تساعد على رسم صورة صادقة للمجتمع العربي.
إن كثيراً من النصوص السردية بالعربية المتوجة بجوائز عربية محترمة والمنشورة في دور النشر العربية أو المغاربية، وعلى رغم النجاح النسبي لبعضها بين القراء العرب إلا أنها وبعد ترجمتها إلى اللغات الأجنبية الكبرى كالإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو الألمانية أو الإيطالية لا تثير أي نقاش ولا تحقق أية مقروئية بارزة.
إن الوضع في المجتمعات العربية بما هو عليه من تقلص مساحات الحرية وتعدد الممنوعات السياسية والدينية والأخلاقية هو ما يجعل القارئ العربي لا يرتاح ولا يثق بما يكتبه الكاتب العربي، بالتالي يبحث عن متنفسه في النصوص الأجنبية المترجمة.
أمين الزاوي
pourquoi le lecteur arabe préfère-t-il le roman traduit?
(المقال الأسبوعي، كل خميس؛ في أندبندنت اللندنية، الخميس 1 ديسمبر 2022.
الرابط: https://www.independentarabia.com/.../%D9%84%D9%85%D8%A7...)