د. محمد عباس محمد عرابي - المشاعر الإنسانية وتصحرها في كتابات الأستاذ الدكتور /محمد عيسى

المشاعر الإنسانية غير ثابتة، وهي تختلف من إنسان، وللتربويين ولعلماء النفس رؤى واتجاهات حولها، وفي هذا المقال رأي لأحد علماء التربية فيها حيث يعرض لرأي الأستاذ الدكتور /محمد عيسى فيها؛ حيث يعرف لنا المشاعر الإنسانية، ويبين أسباب تصحرها على النحو التالي:

أولا: مفهوم المشاعر الإنسانية:

يرى الأستاذ الدكتور /محمد عيسى أن المشاعر الإنسانية: عطاءٌ أبيض، وصدورٌ معافاة، ويرى أنه: غني حقاً، ذلك الإنسان الذي منحه الله قلبًا عامرًا بالمشاعر الإنسانية، يفيض قلبه بـ"حب الحياة والناس فلا يحمل قلبه إلا الخير والإيثار، والحب والتعاطف، والرحمة واحترام الضعف الإنساني بدون أية حسابات أو مصالح أو معارف ... يزرعُ الأملَ في النفوس ولا يحطمها، ويدخل السرور في القلوب ولا يسرق فرحتها، ويتعامل مع الناس بمنتهى المودة واللطف والذكاء

يخلو قلبه وفعاله من كلِّ مشاعر الحقد، والضِّغن، والشَّر، وإنكار الجميل للآخرين

فياله من إنسانٍ، ذلك الذي تجتمعُ فيه تلك المشاعر!

إنها حديقةٌ دائمة الخضرة والنَّضارة، والعَطاء والحياة ...

ولله دَرُّ الأديب السعودي "عبد العزيز الرفاعي"، يدعو لسقي المحبةَ بيننا، نشرًا للصفاء، ونبذًا للكراهية:

طُوبى لمن جَعل المحبةَ جدولاً

فسقى أحبتَه؛ فطابَ، وطابوا

ويبقى سؤالان :

ما الذي قد يُصيب مشاعرنا الإنسانية من مخاطر على طريق الحياة؟

وكيف نعيد للمشاعر الإنسانية حيويتها ودفئها في زمن الجدب والقسوة؟

أعرف أن الكلام عن المشاعر الإنسانية والرقي الإنساني سهلٌ! وأن الواقع والتنفيذ أقسى وأصعب!

أعرف ذلك جيدًا

أُحبكم جميعًا في الله، وأدعوه سبحانه وتعالى

أن يجعل صُدُورَنا سَليمةً معافاة، وأَن يُمِدَنا بتأييد من عنده وسَداد

ثانيا: ما يعترض مشاعرنا الإنسانية:

وحول ما يعترض مشاعرنا الإنسانية يقول الأستاذ الدكتور /محمد عيسى تحت عنوان:

«روائح سلوكية كريهة على طريق مشاعرنا الإنسانية»

أنه في النفس البشرية نوعان من المشاعر؛ أحدهما إيجابي ينحاز للحياة، والبناء والتعمير، ويمتاز هذا النوع من المشاعر بالبساطة والصدق، والرقة والعُذوبة، ويتدفق بالحب والتعاطف، والبسمة والسعادة....

والآخر يتوجه ضد الحياة، وكره الآخر وإيقاع الأذى والشر به، ويتسم هذا النوع من المشاعر بالتحجر والصَّمم، والخوف والقلق، والعداء والحذر وعلى الرغم من الوجع والألم الذي يخلفه بخلُ العواطف، وفقرُ المشاعر، وخطورة عواقبهما على الحياة... فإنَّ هناك جانبًا آخر هو الأشدُّ إيلامًا وخطورةً، ذلك عندما تتحول مشاعرنا إلى ساحات للكراهية والبغضاء، ومناخات للحقد والغل، "تجعل كل ما يحيط بالحياة مُعتمًا مظلمًا، مُلبدًا بالسحب والغيوم السَّوداء، وتُحمّل النفوسَ عبئًا نفسيًا ثقيلاً، يكادُ يخرجها عن طبيعتها الإنسانية السَّوية، ويحولها إلى كتل من النَّار تحرق كلَّ من حولها؛ فتنشط الصراعات المبررة، وغير المبررة بين بني البشر، حيث يأكل بعضُهم بعضًا، وينتج الخوف والقلق، والهدم والدمار، والتخلف والفقر؛ حتى لتكاد الحياة تفقد معناها «الإنساني» بين هؤلاء البشر"

وأختم بقول أحد الأدباء: "لا تتركوا مشاعركم تنضب، ولا عواطفكم تذبل، ولا قلوبكم من الحبّ النّقي تفرغ، هذا ما نحتاج إليه في حياتنا؛ ليكون إداماً لأرواحنا، وسِقاء لمشاعرنا ،جعل اللهُ صدري وصدوركم سليمةً مُعافاة

وعطرَّ اللهُ أيامي وأيامكم، وعمري وأعماركم بالروائح السلوكية الطيبة، والمسك والعنبر.

: «تصحّر المشاعر الإنسانية» ثالثا:

يقول الأستاذ الدكتور /محمد عيسى تحت عنوان: تصحّر المشاعر الإنسانية:

التصحَّر" هو: الجَدبُ والغِلظة، وتصحَّرَ المَكانُ: تحوَّل إلى صَحراء مُوحشة، فقيرة الماء، تخلو من الحياة والناس، وتصحُّر الأراضي بسبب الجفاف، يمثِّل خطرًا كبيرًا على اقتصاد الدول، ومثلما يترك التصحَّر -بسبب عوامل التعرية والجفاف-بصماته المخربة على وجه كرتنا الأرضية .. فإن "التصحَّر العاطفي" و"الجفاف العاطفي" -بسب تحكم المادة والمصالح الشخصية-يترك بصماته السلبية على مستوى تفاهمنا وتواصلنا، وعلى دفء مشاعرنا، وعلى تماسك علاقاتنا الاجتماعية والأسرية؛ فتتبلد وتتجمد، وتتكدر وتسوء، وتضعف، وتتحطم....

ولذا كانَ أعظمُ البخل، "بخل العواطف"، وأشد الفقر "فقر المشاعر"، وهنا يقول أحد الكُتّاب في مقال له بعنوان الجفاف العاطفي:

«جوع المعدة أمره يسير، يسده رغيفٌ، ويُسكته صحن أرز مهما تأخّر، أما جوع المشاعر والأحاسيس فقاتِلٌ، إن لم يُقدّم في وقته! وأكثر أنواع البخل إيذاءً ليس ذاك الذي يتعلّق بالمال، وإنّما ذاك الذي يتعلّق بالاهتمام! الفقرُ الحقيقيّ ليس في الجَيْبِ وإنّما في القلب! ونحن في الغالب نتقبل فكرة فقر من حولنا ونتعايش مع قلة إمكاناتهم؛ لأننا نعرفُ أنّ هذا رزقٌ، ليس لهم في قلّته يد، ولكن الذي لا نتعايشُ معه هو فقرُ الأحاسيس! وقلّة ذات القلب!

والمشاعر الإنسانية والعاطفية والتعبير عنها من "حبٍ وشوق، ومودة وحنانٍ، ورحمة وتعاطف، وحلمٍ ووفاء، وشكرٍ وامتنان، واحترامٍ وتوقير، وابتسامةٍ وكلمةٍ لينة ..."، هي أشياء بالمجان، لا تُكلّف الإنسانُ شيئًا أو كثيرًا، ولكنها تجعل الحياة رغم قسوتها، أكثر قيمةً ومعنى، وبهجةً وجمالاً...

وللجميع:

طابت أوقاتكم بكل الخير، ودامـت محـبـتـُكـم في القلوب وبيـن كـلّ البشـر

ونخلص من ذلك إلى أن المشاعر الإنسانية والعاطفية في فكر وكتابات الأستاذ الدكتور محمد عيسى تتطلب منا كل "حبٍ وشوق، ومودة وحنانٍ، ورحمة وتعاطف، وحلمٍ ووفاء، وشكرٍ وامتنان، واحترامٍ وتوقير، وابتسامةٍ وكلمةٍ لينة ..."،ونبذ كل ما يعوقها من تصحر من الخوف والقلق، والهدم حتى تكون حياتنا سعيدة آمنة مطمئنة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...