د. محمد عباس محمد عرابي - حدث بالفعل (1) ورع ابن سيرين وصدق البخاري

ابن سيرين تابعي كبير وإمام جليل في الفقه والحديث والتفسير ،وله شهرة واسعة في تفسير الأحلام ،بالإضافة لذلك كان تاجرًا صادقًا ،وبسبب أمانته ،وحرصه على عدم الغبن والتدليس في البيع والشراء حُبس، وفي سبب حبسه قال الخطيب البغدادي في تاريخه، و قال المدائني كذلك: كان ابن سيرين تاجرًا وبسبب ،وأن سبب حبسه أنه أخذ زيتًا بأربعين ألف درهم، فوجد في زَقّ منه فأرة فظن أنها وقعت في المعصرة، فمن ورعه صبّ الزّيت كله وخسر ثمنه ؛ حيث قال في نفسه: «"إن الزيت كله كان في المعصرة في مكان واحد وإن النجاسة ليست خاصة بهذا الزيت دون سواه، وإن رددته للبائع بالعيب فربما باعه للناس. فأراق الزيت كله (1)

هذا عن روع ابن سيرين، أما عن صدق البخاري، ‏ فللإمام البخاري قصة حدثت معه في السفينة خلاصتها لا تعطي سِرَّك لأحد ...! فقد ‏ذكر عبد السلام المباركفوري (2) في سيرة الإمام البخاري أن الإمام البخاري ركب البحر ذات مرة طلبا للعلم، وكان معه ألف دينار، ‏فجاءه رجل ، وأظهر له حبه وتعلقه به ، فلما رأى الإمام حبه مالَ إليه ، واخبره عن الدنانير الموجودة معه ، وذات يوم قام الرجل من نومه وهو يبكي ، ويمزق ثيابه ، ويلطم وجهه ،فلما رأى الناس حالته تلك ، أخذو يسألونه عن السبب ،

فقال لهم: "كانت عندي صرة فيها ألف دينار، وقد ضاعت،

فقام أصحاب السفينة يفتشون ركاب السفينة واحدا بعد واحد،

ولما فطِن البخاري للمكيدة، أخرج صرة الدنانير خفية دون أن يلاحظه أحد، وألقاها في البحر!

وعندما وصلوا إليه وفتشوه لم يجدوا شيئا معه، ‏ولما وصلوا وجهتهم ونزل الناس من السفينة جاء الرجل إلى الإمام البخاري

وسأله قائلا: "ماذا فعلت بصرة الدنانير؟ !"

فقال: "ألقيتها في البحر!"

قال الرجل: "كيف صبرت على ضياع هذا المال العظيم؟!" ‏

فقال له الإمام (رحمه الله): يا جاهل! أتدري أنني أفنيت حياتي كلها في جمع حديث النبى ﷺ، وقد عرف الناس صدقي، ووثقوا بي، فكيف ينبغي لي أن أجعل نفسي عرضة للتهمة من أجل دنانير معدودة؟ !!

فما أجمل الورع والصدق حينما يتحلى بهما المرء في حياته وفي تعاملاته مع الآخرين !!



(1) ينظر: الخطيب البغدادي
(2) سيرة الإمام البخاري -للإمام عبد السلام المباركفوري (١/122)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...