كان عليّ أن أشق كل تلك البنى اللغوية وتراكيبها بكل قصورها وأسمائها المتنوعة والمختلفة أن أرسم لنفسي خارطة تضم كل الجهات ورزنامة لمعرفة تاريخ المدن التي دخلتها.
فأنا وحيدة في هذه الرحلة الشاقة التي بدأتها ووحدتي قاتلة ، ما انفكت تبعث في نفسي حالة من الارتباك والشك ، فقد يرمى بي سفري الى المجهول حيث لا عودة الى موطني ولا استقرار.
كل ما كتب وما قيل لم يعد يعنيني ،بات يشكل لي جبالا من الحواجز التي لا تنتهي للوصول الى ذلك المنبع البعيد ، منبع الصفاء.
أود أن أدخل مملكة الصمت وأن أنسى كل الكلمات والعبارات المعروفة والمكتوبة وبل و الممكنة والمتخيلة ، أن أتجاوز كل الأفكار بسماواتها وأفقها وسحبها وتاريخها القديم والبعيد والحديث ،أن أعود الى عهد ما قبل الطفولة وما قبل الكلمة ، أن اتصل مرة أخرى بإحساسي قبل أن يشوبه الشك والخوف والتعثر والخيبة ، بتقمصه جلباب اللغة و تكبيله بقيود الفكرة ، أريد أن أعود الى صفاء الاحساس فرحا كان أم حزنا ، الى مساحة ذلك الوجد المتصل بالوجود الشبيه بخيوط الشمس، كي أشعر بقدرته على النفاذ الى كل الكائنات والموجدات دون تردد ولا انكسار.أن أكون في حيز الفرح المحض الذي لم يزعزعه شك ولا خوف ، أن أكتشف شعاعه النوراني وسفره الى الشجر والورد والزهرة القريبة والنجمة البعيدة،أن لا يلتقي وجداني بأية ذكرى قديمة ولا تاريخ لفرح سابق كان قد انهار لاي سبب كان.
فاتصالي بذلك الشعاع، معناه أن لا يسكنني إحساسي باعتباره حالة عابرة تضاف لسجل ما عاشت وما عرفت .
كلا ،بل ما أطمح إليه يتجاوز إحساسي بالفرح أو الحزن، ألا وهو أن أكون المحبة بكل شدتها ورقتها وما تبعثه من بهجة وضياء، دون أن أنتظر أي وجه أو أعانق أي شخص مهما كان أو أتذكر أي فراق أو أخشى أي جرح أو أشتاق إلى أي لقاء .
أود أن أكون المحبة قبل نشأة كل والحكايات والقصائد والأشعار وما وصف وقيل ، قبل لقاء آدم بحواء وتواصل الكائنات وصلب المسيح وقتل الحلاج ، أن أكون تلك البهجة السخية المتقبلة لكل شيء ،أن أكون صفحة من ماء لم تعرف بعد لا الخير ولا الشر، بل العطاء لقدرتها على إحياء كل الكائنات من خلال مرآتها .
أن أكون ذلك التدفق الذي لا ينضب ولا يخشى الفناء ولا يكترث بالكم ولا بحلول الجفاف ، وأن أشبه ذلك النغم المكتفي بألحانه الذي لا يحتاج إلى مفردات اللغة .
أود أن أحيا خارج دائرة الذكرى ودوامة الأفكار ، مع الشمس أن أحيا ، وعند ظهور القمر أن أحيا، لا قولا بل وجدانا وشعورا بمعنى الصفاء والتدفق والسخاء دون تداخل بين اللحظات السابقة واللاحقة،ولا بين مشاعر المحبة والصفاء ونقيضها .
إذا امتلأت النفس شعورا صافيا مثل الماء ، مشعا مثل خيوط الشمس ،متواصلا مع كل ما يحيط بها ، أغنت صاحبها عن البحث عن كل لذة أو رغبة وجعلته يلامس كل موجودات فيدرك ما كان منها ، ذلك لان الحياة ليست قابلة للتقسيم والتقييم والتقدير والتوزيع والتعليب والمحافظة وإلا لتحولت الى حافظة أشياء نمتلكها ونخشى أن تضيع منا ،إذ ينمو الاحساس حين يبدأ الضياع بانسياب طاقة عجيبة منا، تنساق إليها لتلتقي بها ،دون عنوان ولا دليل .
إذا ما كنت في الاحساس المحض ، كان لك العرفان بما تعلم ولا تعلم ، دون أن يعتريك شك أو لا ريب ، لانه رسالة خفية أرسلتها نفسك الى ما يحيط بها ، كي تحمل بصماتها وأنفاسها وقدرتها على المحبة التي هي العلم كله بما نجهل .
فما يجعل الاحساس غامضا مندفعا غاشما ليست طبيعته بل تورطه في شباك اللغة والفكرة واختلاطه بالماضي وبالذكرى وفقدانه لطبيعته الأولى .
أطفالنا يدركون كل شيء عنا بالإحساس ،ما نعلمه عن الآخرين يتشكل بالإحساس، ما يجعلنا لا نرى هو الإحساس إذا ما بقي حبيس رغبة ما أو انتظار ولم يتخلص مما يشوبه من اهتزاز وفوضى .
وقد يكون الاحساس محملا بالكراهية والبغض والحسد والعنف ، فيصيب النفس بالالم الشديد وبالمرض فيتحوله الى ليل طويل لا نهاية له ،حتى تصبح حياتنا ظلمة مستمرة ، وأنفسنا آبار عميقة خالية من ماء ، تشكو عطشا لا يروى ، يملؤها الدمار والفناء .
أما إذا ما تشابكت أحاسيس المحبة بالكراهية والفرح بالغضب والحسد بالانبهار والعنف بالرأفة ولم يعد بالامكان الفصل بينهما ثم تراكمت وأنشأت لنفسها سجلا طويلا من الاحداث والذكريات المنبعثة منها، ثم انسجمت مع الكلمات والعبارات التي تصفها واندمجت في قاموس اللغة فأصبحت هي قادرة على إحياءها وإثارتها فاعلم أنك دخلت مملكة الوهم ، وهم السيطرة على الحياة ومعرفتها لانك ستقول وتصف ما لا تشعر وستشعر وتحس بما لا تعلم ، لن ينقذك من هذه الورطة أكبر علماء النفس ولا الاطباء، ستغرق في عصاب اللغة التي قيل لك أنها ملاذك الاخير حتى من أكبر مراجع علم النفس ، لان اللغة في الاصل تصور واستحضار.
كاهنة عباس .
فأنا وحيدة في هذه الرحلة الشاقة التي بدأتها ووحدتي قاتلة ، ما انفكت تبعث في نفسي حالة من الارتباك والشك ، فقد يرمى بي سفري الى المجهول حيث لا عودة الى موطني ولا استقرار.
كل ما كتب وما قيل لم يعد يعنيني ،بات يشكل لي جبالا من الحواجز التي لا تنتهي للوصول الى ذلك المنبع البعيد ، منبع الصفاء.
أود أن أدخل مملكة الصمت وأن أنسى كل الكلمات والعبارات المعروفة والمكتوبة وبل و الممكنة والمتخيلة ، أن أتجاوز كل الأفكار بسماواتها وأفقها وسحبها وتاريخها القديم والبعيد والحديث ،أن أعود الى عهد ما قبل الطفولة وما قبل الكلمة ، أن اتصل مرة أخرى بإحساسي قبل أن يشوبه الشك والخوف والتعثر والخيبة ، بتقمصه جلباب اللغة و تكبيله بقيود الفكرة ، أريد أن أعود الى صفاء الاحساس فرحا كان أم حزنا ، الى مساحة ذلك الوجد المتصل بالوجود الشبيه بخيوط الشمس، كي أشعر بقدرته على النفاذ الى كل الكائنات والموجدات دون تردد ولا انكسار.أن أكون في حيز الفرح المحض الذي لم يزعزعه شك ولا خوف ، أن أكتشف شعاعه النوراني وسفره الى الشجر والورد والزهرة القريبة والنجمة البعيدة،أن لا يلتقي وجداني بأية ذكرى قديمة ولا تاريخ لفرح سابق كان قد انهار لاي سبب كان.
فاتصالي بذلك الشعاع، معناه أن لا يسكنني إحساسي باعتباره حالة عابرة تضاف لسجل ما عاشت وما عرفت .
كلا ،بل ما أطمح إليه يتجاوز إحساسي بالفرح أو الحزن، ألا وهو أن أكون المحبة بكل شدتها ورقتها وما تبعثه من بهجة وضياء، دون أن أنتظر أي وجه أو أعانق أي شخص مهما كان أو أتذكر أي فراق أو أخشى أي جرح أو أشتاق إلى أي لقاء .
أود أن أكون المحبة قبل نشأة كل والحكايات والقصائد والأشعار وما وصف وقيل ، قبل لقاء آدم بحواء وتواصل الكائنات وصلب المسيح وقتل الحلاج ، أن أكون تلك البهجة السخية المتقبلة لكل شيء ،أن أكون صفحة من ماء لم تعرف بعد لا الخير ولا الشر، بل العطاء لقدرتها على إحياء كل الكائنات من خلال مرآتها .
أن أكون ذلك التدفق الذي لا ينضب ولا يخشى الفناء ولا يكترث بالكم ولا بحلول الجفاف ، وأن أشبه ذلك النغم المكتفي بألحانه الذي لا يحتاج إلى مفردات اللغة .
أود أن أحيا خارج دائرة الذكرى ودوامة الأفكار ، مع الشمس أن أحيا ، وعند ظهور القمر أن أحيا، لا قولا بل وجدانا وشعورا بمعنى الصفاء والتدفق والسخاء دون تداخل بين اللحظات السابقة واللاحقة،ولا بين مشاعر المحبة والصفاء ونقيضها .
إذا امتلأت النفس شعورا صافيا مثل الماء ، مشعا مثل خيوط الشمس ،متواصلا مع كل ما يحيط بها ، أغنت صاحبها عن البحث عن كل لذة أو رغبة وجعلته يلامس كل موجودات فيدرك ما كان منها ، ذلك لان الحياة ليست قابلة للتقسيم والتقييم والتقدير والتوزيع والتعليب والمحافظة وإلا لتحولت الى حافظة أشياء نمتلكها ونخشى أن تضيع منا ،إذ ينمو الاحساس حين يبدأ الضياع بانسياب طاقة عجيبة منا، تنساق إليها لتلتقي بها ،دون عنوان ولا دليل .
إذا ما كنت في الاحساس المحض ، كان لك العرفان بما تعلم ولا تعلم ، دون أن يعتريك شك أو لا ريب ، لانه رسالة خفية أرسلتها نفسك الى ما يحيط بها ، كي تحمل بصماتها وأنفاسها وقدرتها على المحبة التي هي العلم كله بما نجهل .
فما يجعل الاحساس غامضا مندفعا غاشما ليست طبيعته بل تورطه في شباك اللغة والفكرة واختلاطه بالماضي وبالذكرى وفقدانه لطبيعته الأولى .
أطفالنا يدركون كل شيء عنا بالإحساس ،ما نعلمه عن الآخرين يتشكل بالإحساس، ما يجعلنا لا نرى هو الإحساس إذا ما بقي حبيس رغبة ما أو انتظار ولم يتخلص مما يشوبه من اهتزاز وفوضى .
وقد يكون الاحساس محملا بالكراهية والبغض والحسد والعنف ، فيصيب النفس بالالم الشديد وبالمرض فيتحوله الى ليل طويل لا نهاية له ،حتى تصبح حياتنا ظلمة مستمرة ، وأنفسنا آبار عميقة خالية من ماء ، تشكو عطشا لا يروى ، يملؤها الدمار والفناء .
أما إذا ما تشابكت أحاسيس المحبة بالكراهية والفرح بالغضب والحسد بالانبهار والعنف بالرأفة ولم يعد بالامكان الفصل بينهما ثم تراكمت وأنشأت لنفسها سجلا طويلا من الاحداث والذكريات المنبعثة منها، ثم انسجمت مع الكلمات والعبارات التي تصفها واندمجت في قاموس اللغة فأصبحت هي قادرة على إحياءها وإثارتها فاعلم أنك دخلت مملكة الوهم ، وهم السيطرة على الحياة ومعرفتها لانك ستقول وتصف ما لا تشعر وستشعر وتحس بما لا تعلم ، لن ينقذك من هذه الورطة أكبر علماء النفس ولا الاطباء، ستغرق في عصاب اللغة التي قيل لك أنها ملاذك الاخير حتى من أكبر مراجع علم النفس ، لان اللغة في الاصل تصور واستحضار.
كاهنة عباس .