علجية عيش - الدكتور محمد بوروايح : الدين لا يجافي الحداثة والتقنية والتطور

دعا إلى تحالفات دينية و تشكيل جبهة دينية مشتركة تعمل في إطار المشترك الديني المتاح

الفكرة الدينية في نظره تعاني تقصيرًا لافتًا للنظر إما بسبب الاختلال أو الاختلاف الفكري السلبي

يرى الدكتور محمد بوروايح أن المخرج الوحيد من حالة الجمود لتحقيق النهضة المرجوة، أو استعادة تألُّقنا النهضوي بالأحرى، يكون بدراسة واعية ومدركة ومستدركة لأسباب الجمود وبتحقيق شروط هذه النهضة ومنها إعطاء حرية المبادرة الفكرية ووضع حد للوصاية الفكرية، التي لا تخدم إلا نزعة الأنا الفكري، دعا محمد بوروايح مختص في مقارنة الأديان إلى تكوين تحالفات دينية على غرار التحالفات الاقتصادية للوقوف صفًّا واحدًا في مواجهة المد الحداثي، ولو بتقوية الحس الديني، في حالة كون النص الديني ليس مهيَّئًا للمواجهة العقلية والفكرية ، كما دعا إلى تشكيل جبهة دينية مشتركة تعمل في إطار المشترك الديني المتاح ، و قال أن الدين في حقيقة أمره لا يجافي الحداثة والتقنية والتطور، و الدكتور محمد بوروايح متفرغ بجامعة بروفانس بمرسيليا – فرنسا، تحدث في حوار أجراه معه مركز نماء للبحوث و الدراسات حول العديد من قضايا العصر لاسيما ما تعلق بالخطاب الديني و الطائفية في رده على أسئلة الحداثيين و المجددين



كثير من دعاة الفكر الحداثي والفكر الديني يقعون في جدلية خاطئة وهي الاعتقاد بوجود تنافر طبيعي بين ما هو حداثي من نتاج العقل وبين ما هو ديني من نتاج الوحي، هذا ما قاله الدكتور محمد بوروايح مختص في مقارنة الأديان في حوةار أرجاه معه مركز نماء للباحث و الدراسات ليوضح أن ّ الدين في مفهومه الشمولي يستغرق كل القيم العقلية التي قامت عليها الحداثة، من وجهة نظره ، فإن الحداثة أضيفت إليها أفكار دخيلة ليست من جنسها فلوثتها، عندما سئل عن فكرة الحوار و التعايش بين الحضارات و كيف فرضت الأديان نفسها في وسائل الإعلام الدولية و في غرف الدردشة في الفضاء الأزرق و من باب التفصيل يرى الدكتور محمد بوروايح أن العقل وكل متعلقاته من حداثة وتقنية وتطور، كل هذا الزخم العقلي متضمن في الدين، من حيث إن الدين في حقيقة أمره لا يجافي الحداثة والتقنية والتطور، فمن وجهة نظره هو فالدين ليس صورة نمطية واحدة، بل هو مزيج من التصورات والاعتقادات أو بما سمّاه بـ: الفسيفساء الدينية، التي تصبغ صورة العالم المتدين.

و هو يرد على أسئلة الكاتب و الباحث المغربي الدكتور يوسف محمد بناصر دعا محمد بوروايح إلى وجوب المقارنة بين الدين القادر على التحدي والثبات في الصراع الذي فرض عليه من دعاة الحداثة، وبين دين لا يملك مقومات هذا التحدي، فالإسلام الذي من خصائصه الشمول والعقلانية والعالمية قادر لا محالة على مواكبة العصر ومواجهة أي حملات مضادة، تستهدف كيانه وقيمه ووجوده، فالفكرة الدينية تملك في نموذجها الرباني الإسلامي و من الناحية النظرية دون إهمال الناحية الواقعية ( الملموسة) كلَّ مقومات البقاء والمواجهة، لأن الفكرة الدينية تعاني تقصيرًا لافتًا للنظر إما بسبب الاختلال أو الاختلاف الفكري السلبي الذي أصبح يميِّز العقل المسلم اليوم، ولذلك فإن المخرج من هذا الوضع المهين لا يكون إلا بعودة الدين إلى أهله، ثم يتبع هذه الخطوة بالضرورة تشكيل جبهة دينية مشتركة تعمل في إطار المشترك الديني المتاح بغض النظر عن الاختلافات القائمة.

يعود محمد بوروايح في حواره هذا إلى إشكالية التعايش مع الأخر و المشترك الإنساني الذي يجمع بينهما و يحقق لهما السّلام ، من خلال رجوعه إلى التاريخ القديم مقدما في ذلك نماذج للتعايش الإنساني في ظل الاختلاف الديني، و تؤكد ذلك مواثيق كثيرة للتعايش الإنساني بين أتباع الأديان المختلفة، من بينها تحالفات الرسول التي وقعها مع بعض الأطياف الدينية، دفاعًا عن المشترك الإنساني، واعتبرها من المقدسات الإنسانية التي يجب أن تذوب أمامها فوارق الدين، وسار على نهجه عمر بن الخطاب بوضع ما سمي العهدة العمرية، يتعهد فيها باسم الضمير الجمعي للدولة الإسلامية في ذلك الوقت بحماية أهل الكتاب من كل عدوان على نفوسهم وممتلكاتهم، وعلى هذا النهج سار القادة المسلمون المحرِّرون والمجددون في القرون اللاحقة، على نحو ما فعل عبد الكريم الخطيب في المغرب، وعمر المختار في ليبيا، والأمير عبد القادر في الجزائر، و تحدث الدكتور محمد بوروايح عن الصحوة الفكرية التي بدأ يشهدها العقل المسلم، مقارنة بالقرون العجاف التي تميزت بالجدب الفكري والجمود العقلي اللذين ضربا بجيرانهما على كل جوانب الإبداع الفكري، حيث جاءت كما قال عن طريق المراجعات و أزالت كثير من الغموض و الغبار المتراكم عليها طيلة قرون من الزمن ، إلا أن هذه الجهود رغم أهميتها تبقى دون تحقيق الأمل المرتجى في ظل استمرار سيطرة النزعة المذهبية الضيقة على حساب المجهود الفكري الجامع، وعدم وجود مرجعية فكرية، فالرهان الفكري المطلوب اليوم بإلحاح، هو البحث عن إيجاد مرجعية فكرية، قبل الاهتمام بمواصلة وتطوير المراجعات الفكرية.

و يعتبر محمد بوروايح الشيخ محمد الغزالي إحدى المرجعيات الدينية الموثوق فيها ، من حيث معالجتها أسباب تأخر العرب والمسلمين في القرون المتأخرة، رغم أنهم احتلوا الصدارة في القرون الأولى، وأرجع ذلك في الأساس إلى تقهقر العقل المسلم وميله إلى التقليد الأعمى والجمود، وبعده عن منابعه الحقيقية المستمدة من الشريعة الغراء، محمد بوروايح في هذا الحوار يقف عكس ما يراه المجددون في معالجتهم المسائل المستعصية و يرون أنها تحتاج إلى تجديد ، فعلى سبيل المثال يؤكد موقفه من فكرة الجهاد و مباحث أخرى تتعلق بأهل الذمة و دار الكفر بحيث يؤكد موقفه من أن هذه المباحث من حيث الأصل الشرعي الذي وضعت له لا تحتاج إلى تجديد؛ لأنها لا تزال تحقق مرادها الشرعي بعيدًا عن التأويلات التي أساءت تفسيرها، فالقرآن الكريم ميَّز في الجهاد بين المحارب الذي تجب محاربته وبين غير المحارب الذي يجب تأمينه، ومن ثم فليس في شريعة الجهاد ما يثير الشبهة إلا ما ألصق به من فتاوى الدهماء ( العامة من الناس) ، وأما الجزية فهي دليل على إنسانية الإسلام وتسامحه، فلم يؤثر عن تاريخ الإسلام أن الجزية كانت عقابًا لأهل الذمة، بل كانت وسيلة لحفظ ذممهم وأموالهم في مقابلة حمايتهم والدفاع عنهم، هذه هي حقيقة الجزية، وما خرج عن ذلك فإنما هو من حصاد الفكر المهزوز والمغشوش.

أما فيما يتعلق بالخطاب يرى بوروايح أن الأزمة هي أزمة مفاهيم و مصطلحات فكثير ممن يخلطون بين مفهوم الخطاب الشرعي، والخطاب الديني والخطاب الإسلامي، مع أنَّ لكل واحد من هذه المصطلحات مؤداه ومراده، فقد شاع استعمال الخطاب الديني مثلا في الدراسات الاستشراقية والحداثية، لتمييزه عن الأنماط الأخرى من الخطابات الفلسفية والعلمية والاجتماعية وغيرها، لدرجة أن البعض يطلق عليه بالخطاب الأصولي أو النصي ، لأنه يستند إلى حرفية النص الديني، أما الخطاب الإسلامي ربطه آخرون بالخطاب الإعلامي ، ويتخذ هذا الخطاب الإسلام مرجعية له في مقابل الخطابات الأخرى التي تتخذ مرجعيات دينية أخرى، و يلائم هذا النوع من الخطاب المنهج الإقناعي؛ لأن التأثير في الآخر يحتاج إلى قوة الإقناع بالدرجة الأولى، و يفهم من كلام محمد بوروايح أن الخطاب الديني أسيئ فهمه خاصة في المشرق الإسلامي و سوء الفهم هذا أدى إلى انقسام المسلمين و نشوء مذاهب متعددة فيما يعرف بـ: "الطائفية" .

و إن كانت الحركة المذهبية في المغرب الإسلامي عرفت بعض الركود بسبب الأوضاع الجديدة التي واجهتها ، يخطئ محمد بوروايح المصادر التي تقول أن هذا الحركة كانت عديمة الإيجابية والفاعلية، ما يجعلها تعاني من التضييق عليها، و يقدم الباحث نموذجا حين تحدث عن الإباضية في الجزائر بأنها لا تواجه أي نوع من أنواع التضييق التي يشهدها في بلاد عربية أخرى، وهو مذهب طائفة منتشرة بكثرة في وادي ميزاب، وبعض المناطق الأخرى، وهذا المذهب في الجزائر يمتاز بالرغبة في الانخراط في المجتمع وعدم الانزواء والانطواء، ولم تشهد الجزائر أيَّ دعوة من المذهب الإباضي إلى فرض نفسه بالقوة أو إعلان تبرُّمه من الأغلبية المالكية، ثم أن علاقة الجماعة الإباضية بعموم المجتمع الجزائري الشعبي والرسمي علاقة تنوع وتشارك وليس علاقة توتر وصدام.

قراءة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...