المقال رقم (٢٥) ضمن سلسلة مقالات (القبح والجمال)..
أحياناً ووسط زحام الموجات والعبارات التي تخترقنا كل يوم من هنا وهناك قد تختلط علينا بعض الأمور وبعض الكلمات وحتى بعض المشاعر فتحولها إلى عكس ما هي حقاً عليه، وتفرغها من مضمونها مع كثرة تداولها وابتذالها، أو حتى تركز على جانبٍ واحدٍ من معناها برغم أن لها أكثر من معنى بحسب الظروف والإستخدام، واستكمالاً للمقال السابق والسلسلة ككل بعد الحديث عن المتغيرات التي طالت حياتنا لا بد من استرجاع مرحلة هامة شهدها الإعلام..
فعلى الصعيد السياسي وبعد احتلال العراق وتعدد القنوات الفضائية والمنابر بدأت (النبرة التقسيمية) في الحديث عن بلادنا بشكل تدريجي تغزو الشاشات وهو ما أثر على حياتنا كشعوب، وأما كنتيجة لموجات الإسفاف والإبتذال والعري التي صاحبت افتتاح (القنوات الموسيقية) الخاصة والتنافس الشرس بينها دون وجود أي رقابة أو سقف لما يمكن عرضه حيث فاقت فيما تعرضه (أحياناً) القنوات الغربية (رغم صعوبة تصديق ذلك للبعض) بسبب الفوضى التي عمت المشهد، والتي بدأت مع قناة (ميلودي) التي تم إغلاقها تقريباً عام (٢٠١٢) من قبل مالكها وليتبعها عدد لا يحصى من القنوات، وقد تحدثنا عن جزء من المشكلة في المقال السابق ولكن جزءًا منها ومن تداعياتها أيضاً عاشه الإعلام..
فإنتقلنا بفضل الڤيديو كليبات المثيرة إلى حالة مسعورة بشكلٍ عام حيث انتقلت بعض مفردات هذه الأغنيات وأسماء مغنييها ومغنياتها إلى عدد من الأفلام والمسلسلات كما انتقلت إلى الصحف وغذت ما يعرف بالصحافة الصفراء القائمة على(الفضائح والقيل والقال) وتتبع الحياة الشخصية للناس والأخبار الرخيصة، والتي لم تتوقف عند هذا الحد بل تحولت إلى (صحافة صفراء متلفزة)، وبكل أسف نقلت هذه الثقافة إلى كل البيوت ونقلت كل المفردات والتشبيهات والإيحاءات الجنسية على الشاشات التي كانت (سابقاً) تجمع العائلة وتؤمن لهم سهرةً أو تجمعاً لطيفاً برفقة بعضهم البعض، فيما أصبح هذا (حالياً) شبه مستحيل بعد انتشار تنبيهات (+١٦) و(+١٨) والنصح بالإشراف العائلي وغيرها على أغلب البرامج، وهو ما ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تغير اهتمامات العائلة التي تفككت أكثر وأكثر لاحقاً..
ليس هذا فقط بل إن ما كنا نفهمه ضمن الخصوصيات لأي إنسان عادي أصبح محل تباري بين الأسماء التي أنتجتها هذه المرحلة لتكون (حديث الساعة) ولتكون اللحظات الخاصة وحرمة البيوت وما يتم في غرف النوم معروضاً على الملأ مقابل (أعلى نسبة مشاهدة) و(شهرة كبيرة) تستثمر لتكون جزءًا من سلسلة فضائح متتالية تضمن أن تظل هذه الوجوه تحت الضوء ومحل (كلام الناس) بإستمرار..
هذه الموجات من البرامج والقنوات والأغنيات والوجوه خلقت (زلزالاً) في حياتنا وليعتبرني القارىء أبالغ بعض الشيء، فمع مرور الوقت واكتشاف المشاهد العادي لفبركة الكثير من هذه الأحداث والمقصد التجاري البحت من ورائها، أصبح الجميع أقل تعاطفاً مع غيرهم من الناس لأنهم أصبحوا يرون (تقليد ومحاكاة) الكثيرين من حولهم لهذا المحتوى وأصبحوا يفترضون الكذب منهم حتى في أكثر الأمور إنسانية وأخلاقية، كما أصبح تفكير قطاع لا يستهان به يميل لتفسير أو تأويل أو أخذ أغلب ما يراه مهما كان عادياً بشكل جنسي أو إباحي، وقد يعبر عنه لفظياً أو قد يظل في داخله دون الإفصاح عنه لكنه أصبح جزءًا من (أفكاره) التي أصبحت لا شعورياً تفكر في هذا الإتجاه، كما أن لغة الحوار بين الناس وفي الشارع أصبحت جنسية بإمتياز وأصبحت الكثير من الأفلام في مختلف الدول العربية تعتمد على الألفاظ السوقية والبذيئة تحت مسميات (محاكاة الواقع)، واختفت البراءة بشكل شبه كامل من حياتنا مع زيادة نسبة التحرش الجنسي وتفسير أي سلوك عادي أو طبيعي أو أي تواصل بين رجل وامرأة على أنه ذو معنى أو مغزى جنسي حتى داخل أماكن العمل، كما أننا لا نستطيع إنكار إقبال الكثيرين وإدمانهم على ثقافة الفضائح وحب الخوض في خصوصيات الآخرين وأعراضهم بسبب وبدون سبب ودون أي دليل مع تراجع المفهوم الحميد لكلمة (العيب)..
هذه الكلمة بمعناها الإيجابي التي كانت بمثابة صمام أمان وفرامل تربينا عليها ونشأنا على معناها (الحقيقي) في احترام النفس واحترام الآخرين وخصوصياتهم وعدم التدخل فيها أو السماح بتناقل أو تداول أي خبر قد يجرح شخصاً أو يسيء إليه، معناها الذي يحمل نوعاً كبيراً من المسؤولية خاصةً عندما يتذكر كلٌ منا معنى وقيمة الحفاظ على سمعة الغير والضرر الأدبي والمعنوي الذي قد يمتد ويتجاوز الشخص ليشمل العائلة والأبناء والأصدقاء والجيران والمحيط لكل شخص، العيب الذي يقمع كل فعل مادي غرائزي أناني لتغليب المصلحة العامة، فكل هذه الموجات أخذت منا دون أن ندري وسلبت منا مفاهيم إنسانية قدمت لنا مالم تقدمه الحياة الحديثة ولم يقدمه لنا التطور لأن القيم ينبغي أن تعاش لا أن يحكى عنها..
للسلسلة بقية..
خالد جهاد..
أحياناً ووسط زحام الموجات والعبارات التي تخترقنا كل يوم من هنا وهناك قد تختلط علينا بعض الأمور وبعض الكلمات وحتى بعض المشاعر فتحولها إلى عكس ما هي حقاً عليه، وتفرغها من مضمونها مع كثرة تداولها وابتذالها، أو حتى تركز على جانبٍ واحدٍ من معناها برغم أن لها أكثر من معنى بحسب الظروف والإستخدام، واستكمالاً للمقال السابق والسلسلة ككل بعد الحديث عن المتغيرات التي طالت حياتنا لا بد من استرجاع مرحلة هامة شهدها الإعلام..
فعلى الصعيد السياسي وبعد احتلال العراق وتعدد القنوات الفضائية والمنابر بدأت (النبرة التقسيمية) في الحديث عن بلادنا بشكل تدريجي تغزو الشاشات وهو ما أثر على حياتنا كشعوب، وأما كنتيجة لموجات الإسفاف والإبتذال والعري التي صاحبت افتتاح (القنوات الموسيقية) الخاصة والتنافس الشرس بينها دون وجود أي رقابة أو سقف لما يمكن عرضه حيث فاقت فيما تعرضه (أحياناً) القنوات الغربية (رغم صعوبة تصديق ذلك للبعض) بسبب الفوضى التي عمت المشهد، والتي بدأت مع قناة (ميلودي) التي تم إغلاقها تقريباً عام (٢٠١٢) من قبل مالكها وليتبعها عدد لا يحصى من القنوات، وقد تحدثنا عن جزء من المشكلة في المقال السابق ولكن جزءًا منها ومن تداعياتها أيضاً عاشه الإعلام..
فإنتقلنا بفضل الڤيديو كليبات المثيرة إلى حالة مسعورة بشكلٍ عام حيث انتقلت بعض مفردات هذه الأغنيات وأسماء مغنييها ومغنياتها إلى عدد من الأفلام والمسلسلات كما انتقلت إلى الصحف وغذت ما يعرف بالصحافة الصفراء القائمة على(الفضائح والقيل والقال) وتتبع الحياة الشخصية للناس والأخبار الرخيصة، والتي لم تتوقف عند هذا الحد بل تحولت إلى (صحافة صفراء متلفزة)، وبكل أسف نقلت هذه الثقافة إلى كل البيوت ونقلت كل المفردات والتشبيهات والإيحاءات الجنسية على الشاشات التي كانت (سابقاً) تجمع العائلة وتؤمن لهم سهرةً أو تجمعاً لطيفاً برفقة بعضهم البعض، فيما أصبح هذا (حالياً) شبه مستحيل بعد انتشار تنبيهات (+١٦) و(+١٨) والنصح بالإشراف العائلي وغيرها على أغلب البرامج، وهو ما ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تغير اهتمامات العائلة التي تفككت أكثر وأكثر لاحقاً..
ليس هذا فقط بل إن ما كنا نفهمه ضمن الخصوصيات لأي إنسان عادي أصبح محل تباري بين الأسماء التي أنتجتها هذه المرحلة لتكون (حديث الساعة) ولتكون اللحظات الخاصة وحرمة البيوت وما يتم في غرف النوم معروضاً على الملأ مقابل (أعلى نسبة مشاهدة) و(شهرة كبيرة) تستثمر لتكون جزءًا من سلسلة فضائح متتالية تضمن أن تظل هذه الوجوه تحت الضوء ومحل (كلام الناس) بإستمرار..
هذه الموجات من البرامج والقنوات والأغنيات والوجوه خلقت (زلزالاً) في حياتنا وليعتبرني القارىء أبالغ بعض الشيء، فمع مرور الوقت واكتشاف المشاهد العادي لفبركة الكثير من هذه الأحداث والمقصد التجاري البحت من ورائها، أصبح الجميع أقل تعاطفاً مع غيرهم من الناس لأنهم أصبحوا يرون (تقليد ومحاكاة) الكثيرين من حولهم لهذا المحتوى وأصبحوا يفترضون الكذب منهم حتى في أكثر الأمور إنسانية وأخلاقية، كما أصبح تفكير قطاع لا يستهان به يميل لتفسير أو تأويل أو أخذ أغلب ما يراه مهما كان عادياً بشكل جنسي أو إباحي، وقد يعبر عنه لفظياً أو قد يظل في داخله دون الإفصاح عنه لكنه أصبح جزءًا من (أفكاره) التي أصبحت لا شعورياً تفكر في هذا الإتجاه، كما أن لغة الحوار بين الناس وفي الشارع أصبحت جنسية بإمتياز وأصبحت الكثير من الأفلام في مختلف الدول العربية تعتمد على الألفاظ السوقية والبذيئة تحت مسميات (محاكاة الواقع)، واختفت البراءة بشكل شبه كامل من حياتنا مع زيادة نسبة التحرش الجنسي وتفسير أي سلوك عادي أو طبيعي أو أي تواصل بين رجل وامرأة على أنه ذو معنى أو مغزى جنسي حتى داخل أماكن العمل، كما أننا لا نستطيع إنكار إقبال الكثيرين وإدمانهم على ثقافة الفضائح وحب الخوض في خصوصيات الآخرين وأعراضهم بسبب وبدون سبب ودون أي دليل مع تراجع المفهوم الحميد لكلمة (العيب)..
هذه الكلمة بمعناها الإيجابي التي كانت بمثابة صمام أمان وفرامل تربينا عليها ونشأنا على معناها (الحقيقي) في احترام النفس واحترام الآخرين وخصوصياتهم وعدم التدخل فيها أو السماح بتناقل أو تداول أي خبر قد يجرح شخصاً أو يسيء إليه، معناها الذي يحمل نوعاً كبيراً من المسؤولية خاصةً عندما يتذكر كلٌ منا معنى وقيمة الحفاظ على سمعة الغير والضرر الأدبي والمعنوي الذي قد يمتد ويتجاوز الشخص ليشمل العائلة والأبناء والأصدقاء والجيران والمحيط لكل شخص، العيب الذي يقمع كل فعل مادي غرائزي أناني لتغليب المصلحة العامة، فكل هذه الموجات أخذت منا دون أن ندري وسلبت منا مفاهيم إنسانية قدمت لنا مالم تقدمه الحياة الحديثة ولم يقدمه لنا التطور لأن القيم ينبغي أن تعاش لا أن يحكى عنها..
للسلسلة بقية..
خالد جهاد..