خيري حسن - من "باب" الأسانسير إلى "باب" الله

"أما أنا – وقد امتلأت
بكل أسباب الرحيل-
فلست لي
أنا لست لي"
(القاهرة - إبريل1981)

على باب شقتها بحي جاردن سيتي بوسط القاهرة.. وقفت الفنانة القديرة «نادية لطفى» - ولدت فى 3 يناير 1937 - ورحلت 2020) تودع الأديب الشاب - حينذاك - «يحيى الطاهر عبدالله».
الآن الأسانسير وصل..وضعت يدها على بابه حتى ينتهي من كلامه ثم قالت: "مع السلامة يا يحيى".
رد:"الله يسلمك يا نادية"
بعد لحظات من الصمت الذي أطبق على المكان قال: "في المرة المقبلة سنواصل الكلام عن ملامح سيناريو الفيلم، الذي يدور في ذهني، والذي أراكِ أنتِ البطلة فيه"!
- ابتسمت وهي تقول: "اتفقنا يا صديقي"!
وبعدما غابت البسمة عن ملامح وجهها.. قالت:" بمناسبة الحلم الذي رأيته وحكيت لى عنه قبل قليل.. أنا أقول لك إنه لن يتحقق..
•••
( باب الاسانسير - بعد 5 دقائق)
ثم واصلت قولها: "أعتقد يا صديقي العزيز أن الموت أذكى من أن يخطف أمثالك".. ثم قالت وضحكتها تكاد تصل للسماء:" يعني لما أنت تموت يا يحيي ...مين اللى يعيش"؟!
ابتسم وهو يهز رأسه ويتمتم بكلمات لم تسمعها قال فيها:" تقولين أنت ذلك مع إن الست فاطنة قنديل - يقصد فاطمة والدة صديقه الشاعر عبد الرحمن الابنودي - قالت لى قبل سنوات:" والله يا واد أنت شكلك كده ابن موت.. اللى زيك مش هيطول فيها كتير "!
•••
( باب الاسانسير - بعد 10 دقائق)
واصلت نادية لطفي كلامها: "أما عن حادث السيارة الذي رأيته في حلمك، فهو - من الآخر (كده)- مجرد حلم؛ لا تفكر فيه كثيراً".
كانت نجمة ذلك الزمان، والمكان وقتها، وفاتنة أجيال كاملة، وحلمهم الأسطوري، تتحدث إلى ذلك الشاب الصعيدي الواقف أمامها والذي جاء للقاهرة قبل سنوات حاملاً معه، حلمه، وإبداعه، وعبقريته، وتفرده في كتابة القصة القصيرة وهو يهز رأسه، ويضغط بيده على باب الأسانسير حتى لا يهرب منه.. وقلبه يهفو إلى حديثها، وصوتها الدافئ. أما عقله فقد استسلم تماماً، دون أدنى مقاومة لفكرة الموت.
وقبل أن يودعها قال:" عموماً.. دي أعمار"!
- ردت: "هل سأراك الأسبوع المقبل، لنكمل معاً الحديث عن مشروع الفيلم".
- رد بعدما وضع قدمه الأولى فى الأسانسير: "لا أظن" - وكررها عدة مرات - ثم ألقى نظرة حزينة عليها وعلى المكان قبل أن يقول:" أشوف وشك بخير يا نادية..وداعاً.. إلى اللقاء"!
- ردت:" مع السلامة يا يحيى"!
•••
(صحراء الوادي الجديد - 9 أبريل - 1981)
وبعد 7 أيام بالتمام والكمال مات يحيى الطاهر عبدلله فى حادث السيارة الشهير.. كما توقع هو لنفسه، ولم يعد إليها كما توقعت هي عندما ودعته أمام باب شقتها!
•••
القاهرة - (فبراير 20 20 )
•••
"لا شيء يبقى على حاله
للولادة وقت
وللموت وقت
وللصمت وقت"
...وفى النهاية رحلت نادية لطفي.. لتلحق بصديقها الذي ودعته على "باب" الأسانسير - قبل 38 سنة - وتركها مندهشة، وصامتة، وحزينة، فربما - أقول ربما - يلتقيان مرة أخري على "باب" الله
--
----------------
خيري حسن



- الأحداث حقيقية...والسيناريو من خيال الكاتب.
- الشعر المصاحب للكتابة للشاعر الكبير محمود درويش.
---------------
الصور:
نادية لطفي
يحيي الطاهر عبدالله
---------------









تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...