علجية عيش - هذه منطقة القبائل بالجزائر معقل الثوار الأمازيغ

(الأربعاء ناث إيراثن "نموذجا" )
نبذة تاريخية

تؤكد الكتابات التاريخية أن كلمة أمازيغ عربية الأصل، لكون الأمازر من الرجال في اللغة العربية تعني الأقوياء أشداء القلوب، و آخرون قسموا الكلمة إلى مقطعين اثنين وهما: ماس mas ومعناه السيّد، و زيري ziri) و معناه النبيل و بالتالي فكلمة أمازيغ تعني السيد النبيل، كما تنطق ماس زيري maziri نسبة إلى زيري ابن مناد مؤسس الدولة الزيرية، و تواجد الإنسان في منطقة القبائل ( تيزي وزو) حسب المؤرخين يعود إلى فترة ما قبل التاريخ من خلال البقايا الأثرية التي تم العثور عليها في مناطق مختلفة كتيقزيرت، أزفون، عزازقة، ذراع الميزان..) و هي مناطق جبلية ريفية عانت منذ القدم نم قبل شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط بدءًا من الفينيقيين و الرومان ثم البيزنطيون ، و قبل مجيء الأتراك كانت منطقة القبائل على شكل كونفدراليات كآث فراوسن، و آث إيراثن، إلى أن استولى عليها الجيش الفرنسي الذي شرع في بناء مدن صغيرة و قرى ذات طابع أوروبي في أماكن عديدة مثل: تيزي وزو، تيقزيرت، ذراع بن خدة، أزفون و الأربعاء ناث إيراثن.

و تحتوي منطقة القبائل على تراث تاريخي اثري ثقافي يتمثل في أدوات حجرية، نحوت و رسومات جدارية و معالم جنائزية، أبراج و حصون و آثار لمدن قديمة، كما تتميز منطقة القبائل بتقاليدها و عاداتها الخاصة، و نلمس ذلك من خلال التظاهرات الثقافية التي تناقلتها الأجيال تتمثل في الطقوس الموروثة والتي ما تزال المنطقة متشبثة بها رغم تعاقب الأجيال و نذكر على سبيل المثال: "أنزار يناير" و أنزار يعني إله المطر، فهو طقس من الطقوس العريقة و التي تمارس إلى يومنا هذا و يتمثل في حمل ملعقة كبيرة متنكرة في زىّ امرأة و يسير بها موكب يردد: " أنزار أنزار" يا اله المطر أنزار ربي اسقي الأرض حتى الجذور" و هي عادة يمارسها أهل منطقة القبائل الكبرى في حالة الجفاف، و بسقوط الأمطار يحضر أهل المنطقة الواعدة بالكسكسى و اللحم و مزيج من البقول الجافة، و المتأمل في تاريخ الحركة الوطنية يقف على حقيقة مفادها أن منطقة القبائل ( تيزي وزو) أول من قدّمت الفيالق الأولى من المهاجرين بعد قيام السلطات الفرنسية بتحطيم أساسها الاقتصادي و مصادرة أراضيها.

ثقافة المجتمع عنوان هويته


( الأغنية القبائلية نموذجا)

يقال أن ثقافة أيّ مجتمع هي عنوان هويته، فإذا نظرنا إلى الأغنية القبائلية المعاصرة نجد أنها لعبت دورا هاما في تقوية الوعي بالانتماء إلى الهوية الأمازيغية بمنطقة القبائل الكبرى، وكانت لها قاعدة شعبية على يد مغنين قبائل أمثال سليمان عزام، إيدير، آيت منقلات وغيرهم الذين بدأت معهم حركة الاحتجاج المعلن و الشديد للأغنية القبائلية الجديدة وكان لهم جمهور واسع في الداخل والخارج، و الأغنية القبائلية بدأت تعرف النور في الفترة بين 1945 و 1950 عندما قام جيل من الشباب القبائلي المناضلين في صفوف التيار الوطني الراديكالي بتأليف أغاني ملتزمة ( les chansons engages ) باللغة الأمازيغية خاصة أناشيد الحركة الكشفية المتطورة في منطقة القبائل باستعمال كلمات النشيد: kker a mmi-s umazigh و معناها بالعربية "انهض يابن مازيغ "، و كان أساس و جوهر الأغنية القبائلية يغلب عليه الأثر الوطني الثوري و السياسي في محاولة تصحيح أخطاء النظام والدعوة إلى التحرر و نذكر على سبيل المثال لا الحصر: أغنية amzzarti أي الهارب من الجندية، و أغنية ( أدّو Adu ) و تعني ريح الحرية..الخ.

و من أغاني إيدير نقف على أغنية (تاقراولة tagrawla) و تعني في الأمازيغية الثورة و ( تيغري أنوقدود tighri n’ wegdud) و تعني نداء الشعب فضلا عن المجمعة النسوية "جرجرة" و الحرية التي غنت أغنية taqbaylit أي بنت القبائل، وابتداء من 1974 أعطت الأغنية القبائلية الحديثة خاصة مع النجاح الذي أحرزه المطرب إيدير و مجموعة من المطربين المؤلفين ذوي الموهبة الكبيرة أمثال آيت منقلات لموضوع الهوية الأمازيغية كقاعدة جماهيرية، كما عززت من مصداقية الثقافة الأمازيغية على المستوى الوطني و الدولي، أما الموسيقى في منطقة القبائل فهي تحمل الكثير من الإثارة حتى لو كانت في المناسبات العادية و هي تتميز بطابع شعبي محض،

لقد مكنت الأغنية من التنقل خارج الحدود على يد المؤلفين و المغنين أمثال: ( إقربوشن، الشيخ الحسناوي، سليمان عازم، شريف خدام، آيت منقلات، إيدير، معطوب الوناس و تكفاريناس..خ)، و ننوه أن بعض الأغاني ترافقها فنون الرقص التي تتداخل فيه الحركات الأنيقة مع الحفاظ على القيم الاجتماعية و قواعد الالتزام بالآداب، أي الالتزام باللباس المحتشم و هي ( الأقندور و البرنوس بالنسبة لرجل، و البرنوس الأبيض يمثل رمز الرجولة و الشرف و أيضا تلبسه المرأة يوم زفافها، أما بالنسبة للمرأة فنجد الفوطة أو كما تسمى: تيمحرمت، و الأمنديل و تعني الشال، و الأقوس أي الحزام و هي ألبسة ما تزال ترتديها المرأة القبائلية في منطقة القبائل الى يومنا هذا بكل فخر و اعتزاز لكونه مظهر يعكس الهوية الأمازيغية لاسيما و هو يكون مرفق دوما بحلي فضية، مثل : ( أزرار أي العقد، أخلخال، أبزين، ابروش، تيخوثام أي الخاتم و غير ذلك من الحلي التي تتزين بها المرأة.


لا غاربة إذن القول أن الأغنية القبائلية المعاصرة أدت دورا هاما في تقوية الوعي بالانتماء إلى الهوية الأمازيغية بمنطقة القبائل الكبرى، وكانت لها قاعدة شعبية على يد مغنين قبائل أمثال سليمان عزام، إيدير، آيت منقلات و غيرهم الذين بدأت معهم حركة الاحتجاج المعلن و الشديد للأغنية القبائلية الجديدة و كان لهم جمهور واسع في الداخل و الخارج، و نشير هنا إلى أن المهجر كان عاملا مهما لتطور الأغنية القبائلية الجديدة من حيث الشكل و المواضيع المعالجة ممزوجة بديناميكية الحركة من اجل إثبات الهوية الأمازيغية خاصة بالنسبة للنساء أمثال طاوس عمروش و ماسة بوشافة و غيرهن..، و إذا قلنا أن الثقافة تبدأ بلغة أهلها فيمكن القول أن الثقافة الأمازيغية لا يمكن أن تزدهر بلغات أخرى إلا بلغتها هي أي بحروفها لاسيما و هي تتميز عن باقي اللغات باختلاف بعض الحروف نذكر على سبيل المثال ( الحرف g فوقه (accent circonflexe) و مثاله كلمة igeni تنطق إيجنّي و معناها السماء، و الحرف z فوقه (accent circonflexe) و مثاله كلمة azar و تنطق أزّار و هي تعني الحذر، كذلك الحرف تشه tch و مثاله كلمة إيتشا itcha و لهذه الكلمة معاني كثيرة ، فهي تعني أكل، كما هي اسم لأنثى الطير..الخ ).
ومن أجل تخليد الحياة الثقافية أسست في ذلك جمعيات عديدة كان لها طابع ثقافي نذكر مثلا: ( الأكاديمية البربرية التي أنشأت عام 1967 باسم جمعية البربر لتبادل و البحوث الثقافية - أبارك- ثم تحولت إلى اسم ثقافة الأمازيغ عام 1969.

و نجد جمعية تيويزي tiwizi أنشاها علي مسيلي عشية أحداث تيزي وزو سنة 1980 بفرنسا لنشر الثقافة البربرية،، و موازاة مع إنشاء الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان في 30 جوان 1985 تحرك دعاة البربرية لمناقشة النظام حول الشرعية الثورية و التاريخية، فأسسوا جمعية ثقافية سميت thighri هدفها الاهتمام بتاريخ الثورة والحركة الوطنية، لكنها لم تعتمد مما دفع أعضاءها و هم من فئة أبناء الشهداء لمحاولة منهم إنشاء تنظيم مستقل عن حزب جبهة التحرير الوطني رغم الاعتقالات العديدة لأعضائها و على رأسهم نور الدين آيت حمودة ابن الشهيد عميروش، و المحامي مقران آيت العربي..

استمرت الحركات الثقافية في نشر الثقافة الأمازيغية و تحسيس الرأي العام بوجود ثقافة أمازيغية منبثقة من الهوية الأمازيغية و التي ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، و المطالبة بحق نشر هذه الثقافة كباقي الثقافات الموجودة ، ذلك ما نلحظه من خلال التظاهرات الثقافية التي تحييها منطقة القبائل اليوم على مدار السنة، مثل العروض المسرحية، أيام الشعر الأمازيغي، و الأغنية القبائلية، عيد الزربية، عيد الكرز، تقام في فضاءات مخصصة كدور الثقافة، المسرح الجهوي كاتب ياسين و المركز الثقافي مولود معمري لاحتضان هذا الزخم الثقافي..

هل فقدت الأغنية القبائلية بريقها بموت الوناس؟

السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو: أين وصلت الأغنية القبائلية في الألفية الثالثة؟ وهل فقدت الأغنية القبائلية بريقها بموت الوناس؟ لاسيما و هذه الأخيرة كما يبدو كانت و ما تزال محاصرة من كل جانب و معرضة لهدم و التحطيم و التراجع خاصة بعد موت رائد الأغنية القبائلية معطوب الوناس، ما وقفنا عليه من أفكار و أراء ولو أنها كانت متناقضة في مجملها أن الأغنية القبائلية فقدت بريقها بموت الوناس كما عرفت الجمعيات الثقافية تراجعا إلى الوراء باستثناء البعض منها مثل جمعية "تيقجديث" و هي ذات طابع ثقافي، و كما يبدو من خلال الحديث مع شباب منطقة القبائل الذين تحدثنا معهم فإنهم متعطشون إلى سماع الجديد و بروز جيل من نوع الوناس و إيدير و آيت منقلات.

فما هو موجود في سوق الأغنية القبائلية مقلد ، يقول أحد المتدخلين أن آيت منقلات في مستوى معطوب الوناس لكنه بدأ يكبر، و يقول آخر لدينا أصوات قبائلية في المستوى ، لكن غياب إمكانيات النشر جعلت ما سموه بالمادة الرمادية أو كما سماها أحدهم "الكريمة النقية" مهددة بالانهيار، المسألة حسبهم طبعا تتعلق بالمال من أجل إخراج شريط كاسيت أو قرص مضغوط ( سي دي أو دي في دي ) ما يلاحظ أن اسم سليمان غانم و معطوب الوناس مازال اسمهما يترددان على السنة الشباب الذين أكدوا أنهم لن يتسامحوا في دم الوناس، و كل من غنى لقضية الوطنية و الهوية الأمازيغية..

الأربعاء ناث إيراثن معقل "الأسود"

تتبع دائرة الأربعاء ناث إيراثن ولاية تيزي وزو، تتربع على مساحة تقارب 40 كيلومتر مربع، كما تبعد عن الولاية الأم تيزي وزو بـ: 27 كيلومتر، فمن يتأمل الأربعاء يجدها على شكل pièce monte ، تضم الأربعاء كل من: ( آث إيراثن، آت كرمة، آث إيرجن آت أوسمار و آث أومالو و التي تضم بدورها آت قواشة التي خرجت من بطن آت عكاشة) ، و هي منطقة جبلية ريفية تعتمد على زراعة الكرز..و الزائر إلى هذه البلدة الهادئة تقابله قرية عزوزة مسقط رأس الشهيد عبان رمضان مرورا عبر قرية عدني الشهيرة بنضالها و مقاومتها للجيش الفرنسي، وبالعودة إلى تاريخ هذه المنطقة فناث إيراثن حسب أعيان المنطقة كانت تسمى أشرعيون من عرش آث إيراثن، و الأربعاء تعني السوق في الأمازيغية يجتمع فيها التجار و الباعة في قرية أشرعيون، و آث إيراثن هي جمع "إيراث" و تعني "الأسود" مفردها إيزّام izem و في الجمع izamawen، و هي رمز للقوة و الصلابة، و هو ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون في كتاباته حول تاريخ المغرب، و لو أن للأسد أسماء عديدة منها: ( إيهّر iher و هي في الجمع إيهرن ihran ، و أيراد ayrad و هي في الجمع ayraden ثم اسم إيرات irat و هي في الجمع إيرا أو إيراثن ira أو irten لتتحول الكلمة إلى إيراثن


أما موقعها ككنفدرالية فالأربعاء ناث إيراثن تقع في شمال سلسلة جبال جرجرة يحيط بها آث جناد ، آت أواقنون في الشمال، آت محمود و آت عيسي و آت دوالة في الغرب ، و آت ينّي من الجنوب الغربي و من الجنوب قرية آت منقلات و من الشرق قرية آت فرعوسن، كما عرفت الأربعاء بتاريخ ثوري مجيد خرج من رحمها أبطال ضربوا المثل في التضحية و منهم الشهيد عبان رمضان المولود بقرية عزوزة، و إحياء لذكراه أقامت بلدية الأربعاء ناث إيراثن له تمثالا وسط ساحة سميت على اسمه تحيط به أربعة مدافع، و الساحة مقابلة للمجلس الشعبي البلدي،كما نصبت البلدية مقاما لشهداء الثورة المنحدرين من الأربعاء و هو المحاذي لمقر الأمن الحضري.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...