في كل عام ، وعند حلول عيد ميلادي ، تصيبني حالة أشبه بتصوّف الحلاج ، فأمكث بعقر داري ، واتأمل الكون بنظرة متفحصة ثاقبة عبر نظارات القراءة ، ولا ينقصني سوى وضع (شرشف) ابيض اللون على كتفي ، لأصبح صورة َ٩طبق الأصل من (غاندي) !
في يوم ميلادي لا تغوص ذاكرتي ببحر الأحداث ، بل تطرق بابي الأحداث سراعا، تذكّرني بما حظيت به من سرور وحزن، ونجاح واخفاق ، وضيق وانبساط ،وأمل وخيبة أمل ، ثم تنطوي مثل سجلّ يحلق بعيدا ، ليعود لي في عامي المقبل .
ولعل أول ما تمر بي ، سحنة وجه الراحلة المضحية أمي ، وكيف اصطحبتني صباحا الى المدرسة في يومي الأول، وقد وضعت في حقيبتي عُدّةَ مسافرٍ الى حرب في قفقاسيا ومهاجرٍ الى المانيا ، وكيف وصلتُ الى المدرسة وأنا في غاية السعادة وقد باءت عشرُ محاولات بالإفلات من يديها بالفشل ، فاصطحبني الساعي (عاشور) إلى الصف الأول عند اليوم الأول من حلولي في عالمي الجديد !
كان معظم الطلبة من صحبي ، وقد طُبعتْ على الكثير منهم آثار محبات امهاتهم : صفعات وركلاتٌ وشدّ على ثيابهم ، ولم يك فيها من جديد سوى الأستاذ (فضيل) معلم العربية .
والأستاذ (فضيل) قصير كأنه طفل نسيه أهله فشاب شعر رأسه، واحدودب ظهرُه ، وتقلصتْ أمعاؤه وبانت أضلاعُه ، ليس له من رفيق فيأتي وحده، ويعود وحيدا في الطرقات على طريقة (عبد الحليم) في أغنية (شارع الضباب) ، يسكن قرب بيوتنا ويترنح سكّيرا ليلا كمن مكث دهرا في حانة الأقدار التي عربدت فيها لياليه ، فصال وجال وعربد، وكأنه قد احتسى ضوء كل نجم في السماء خمرا وهو يغني بصوت مبحوح
يا حبيبي كلما هب الهوا
وشدا البلبل نجوى حبه
لفّني السكر وأضناني الهوى ( كحمار) ليس يدري ما به
لم تكن لديه من مهمة في الحياة سوى منادمة كأس الطلا والضرب، فإنْ غضب ركل ، وإنْ رضي صفع ، وإنْ فرح دفع !!
ورغم أن هذا الأستاذ يجعلك تكره الكون واللغة والأقدار والوطن ، إلّا أنني عشت مغرما باللغة العربية ، عاشقا لأحرفها متيّما بكلماتها ، وهو ما دفعني لكتابة أول قصة قصيرة وأنا في العاشرة من عمري ، وقد ذهبتُ بها فرِحا مزهوا لأبي الذي تلقّفها مني بلهفة ، ثم سرعان ما طالعها بشغف تام ليتخذ قرارا بقطع مصروفي ثلاثة أيام ، وذلك نظرا لتفاهتها ورقاعتها وانحطاطها من جميع النواحي ، محذّرا إياي من أنّ العقوبة في حالة التكرار ستكون الحرمان بشكل تام من المصروف كوني (مجرم حرف) ، مع تسليم أوراقي الى فضيلة المفتي للنظر في القضية !!
ولن تغيب عن خاطري سحنة وجه أستاذي الكبير (محمود الريفي) عند الدراسة المتوسطة ، والأستاذ (عبد الهادي العبيدي) مدرس الاعدادية، الذين سيّراني على الدرب الصحيح في الكتابة ، يوم أهدياني -كلّ على حدة- كتباً في الأدب لم أزل أحتفظ بها حتى الساعة، وبقيت أتصفحها طوال يوم مولدي .
وما فتيء يمر أمامي يومي الأول في الجامعة ، وكيف كنتُ أسير بين مبانيها الضخمة مثل مولود من العدم وهو يسبح في بحر من اللانهائية ،غريب وسط زملاء بعمري، وآخرين أكبر منا عمرا ، تحسب أن حقبة من زمان تفصل بيننا ، منهم من شهد معركة (عين جالوت) ، وآخر ناول الفاتح العربي (طارق بن زياد) شعلةً ليحرق السفن ، ومنهم مَن هو أقدم من ذلك ، وهو يحتفظ بصورة للذكرى مع ديناصور قبل انقراضه !!
لم أزل أذكر أول يوم لي في عالم الوظيفة ، وكيف كنا نتقاضى مرتبا لا يكفي لمعيشة نملة نصف ساعة ، وكيف كنا نعمل طوال اليوم بعد الوظيفة ،كي نستطيع أن نحتفظ بالوظيفة !!
أما عالم الصحافة فلم أزل أردد أنني كنتُ محظوظا فيه، وكيف لا وقد تشبع نظري وسمعي بالعظماء الكبار ، شيخ بغداد العلامة الدكتور (محفوظ) ، و(الوردي) و(المخزومي) و(جواد علي) و(الأخوين عواد) وسواهم من الأعلام الذين اصطحبني والدي وأنا طفل الى مجالسهم الثقافية، فلم تكن المجالس مدارس فحسب، بل كلّ منهم مدرسة متكاملة من علم وأدب وتقى وابداع .
كانت أول مقالة نشرت لي في صحيفة تدعى (النور) وذلك عقب السقوط بشهر ، ولا أستطيع وصف مشاعري وأنا أجد اسمي وكلماتي مطبوعة وأتلمس سحر الطباعة، فحسبت أني أصبحت شهيرا كـ(العقاد) وعظيم أثر مثل (طه حسين)، ثم كانت الصدمة حين علمتُ أنْ لا أحد قد طالع المقالة، وأننّي أنا شخصيا أكثر انتشارا من هذه الصحيفة التي أصدرتْ عددا واحدا بلا ثانٍ !!
ولن انسى ما حييت فضل أستاذي الكبير (هاني العقابي) الذي أخذ بيدي لأعمل في صحيفة (الأحرار) ، فكنت في حجرة واحدة مع أعز من عرفت ، الشاعر الجميل الفقيد والحبيب (مروان عادل حمزة) .
كنا نتسامر سويا ونكتب سويا ونتجول في بغداد معا ، وعند كل ساعة يهزنا صوت انفجار وتكبتُ فرحَنا مجزرةٌ هنا وهناك .
تعرفتُ خلال حياتي على الموهوب والموهوم ، والصادق والمشعوذ، والأمين والجاحد ، وعلى كلّ ذي صفة ومن يتصف بخلافها .
تعرفت على النصاب (أزهر) الذي وصل به الحال الى سرقة مقالات (هيكل) و(الزيات )وقصائد (البحتري) و(ابي تمام) و(الجواهري) وتنسيبها لنفسه ، حتى اذا ما كشفَ أمرُه وفصل من الصحيفة ،عاد باكيا جاثيا على قدميه مثل (بروتس) راجيا السماح والعفو ، لكنه سرعان ما سطا على قصة لأديب عراقي كبير ونشرها باسمه ، ثم أكتشف أمره وطُردَ شر طردة وصار يهيم على وجهه في الطرقات ، وقد عثرنا عليه بعد سنوات سبع ، وقد أصبح مديرا عاما في إحدى المفاصل الهامة ، يشرف بنفسه على تطبيق قانون النزاهة صباحا ، ويعدّ ما اختلسه ليلا مع باقي شياطينه الكبار !
ولم يزل يطوف بخاطري الناقد (عبد الجليل) ، الذي اذا اختلفتَ معه في رأي أدبي هدّدكَ بالأهل والعشيرة و(الدگة العشائرية)، حتى يتم الصلح وقد رضختَ لرأيه الصائب ورضيتَ بالحمار أديبا والتافه شاعرا .
عملتُ في صحف (المدى والمشرق والشرق وكل العراق والأحرار وألف باء والدستور وزهرة الخليج ومنبر الجوادين) وسواها كثير، وكتبتُ في شعر أذهلني وكلمات أصابتني بوجع جميل ، نسجته أنامل ما كنت لأتصور وجودها في عالمنا الصاخب المزيف الجديد.
وصاحبتُ اساتذة جامعات ومهندسين وأطباء ومحامين وفنانين ونحاتين ونقادا كبارا ومثقفين أعلام، وذقتُ حلو الحياة ومرها فلم أجد أمرّ من فقد حبيب يغيب بغتة الى الأبد دون وداع.
لقد علمتني الحياة أن أرى الحقيقة كما هي بلا رتوش أو تزويق، وأن الاحلام هي رؤوس أموال المفلسين، وأن كلمة صديق هي آخر ما نطلقه على انسان، وان لا ارسم لصديق صورة زاهية حتى أجربه وان بدا نبيا، فلربما كان في جوفه الف شيطان قذر رجيم.
َوأن لا ضمانة في الدنيا لعيش ،وهي قد تصب فيضا من سعادة على من تفيض لديه السعادة ، وتمطر على صاحب المصيبة ألف مصيبة وحجارة ، كأنّ لها قلبا من حجارة.
وآمنتُ حقا أن لن يستطيع أحد ركوب ظهرك لو لم يكُ منحنيا ، وأن لاشيء على الأرض يعدل انحناءة ظهر لمخلوق ، وأن ليس أغلى من عزة نفس وكرامة ، وليس وراء كل ليل من صباح ، ولا معنى لتفاؤل إن لم تتلمس خلف الغمامات شمسا في طريقها نحو الطلوع ، فليس كل ما يقال عن جمال الحياة صادق وان كان قولا ناعما جميلا، وليس كل صاحب بسمة يضمر مودة وحبا، وليس كل صاحب وجه جميل بجميل.
وآمنت حد اليقين أن لا كنز أعظم من راحة البال ، وأن أشقى الناس من اشترى أرقا بنوم ، وأن ليس كل من سار على الدرب وصل ، فالدرب الذي يوصل إنسانا نحو قمة عالية ، قد يحطّ بسواه إلى أفظع هاوية ، وأن أعمل وأعمل ولست أشترط النجاح ، بل كي لا ألوم النفس لو لم يكتب لي النجاح .
وختاما أحبتي :
أعجز عن الرد على كل من هنأني كتابه أو إتصالا هذا اليوم، ومن ذا الذي يرد على من سكنوا قلبه وأقاموا خلف الضلوع.
كل عام وانتم جميعا بخير وبسمة وفرح وجمال..
في يوم ميلادي لا تغوص ذاكرتي ببحر الأحداث ، بل تطرق بابي الأحداث سراعا، تذكّرني بما حظيت به من سرور وحزن، ونجاح واخفاق ، وضيق وانبساط ،وأمل وخيبة أمل ، ثم تنطوي مثل سجلّ يحلق بعيدا ، ليعود لي في عامي المقبل .
ولعل أول ما تمر بي ، سحنة وجه الراحلة المضحية أمي ، وكيف اصطحبتني صباحا الى المدرسة في يومي الأول، وقد وضعت في حقيبتي عُدّةَ مسافرٍ الى حرب في قفقاسيا ومهاجرٍ الى المانيا ، وكيف وصلتُ الى المدرسة وأنا في غاية السعادة وقد باءت عشرُ محاولات بالإفلات من يديها بالفشل ، فاصطحبني الساعي (عاشور) إلى الصف الأول عند اليوم الأول من حلولي في عالمي الجديد !
كان معظم الطلبة من صحبي ، وقد طُبعتْ على الكثير منهم آثار محبات امهاتهم : صفعات وركلاتٌ وشدّ على ثيابهم ، ولم يك فيها من جديد سوى الأستاذ (فضيل) معلم العربية .
والأستاذ (فضيل) قصير كأنه طفل نسيه أهله فشاب شعر رأسه، واحدودب ظهرُه ، وتقلصتْ أمعاؤه وبانت أضلاعُه ، ليس له من رفيق فيأتي وحده، ويعود وحيدا في الطرقات على طريقة (عبد الحليم) في أغنية (شارع الضباب) ، يسكن قرب بيوتنا ويترنح سكّيرا ليلا كمن مكث دهرا في حانة الأقدار التي عربدت فيها لياليه ، فصال وجال وعربد، وكأنه قد احتسى ضوء كل نجم في السماء خمرا وهو يغني بصوت مبحوح
يا حبيبي كلما هب الهوا
وشدا البلبل نجوى حبه
لفّني السكر وأضناني الهوى ( كحمار) ليس يدري ما به
لم تكن لديه من مهمة في الحياة سوى منادمة كأس الطلا والضرب، فإنْ غضب ركل ، وإنْ رضي صفع ، وإنْ فرح دفع !!
ورغم أن هذا الأستاذ يجعلك تكره الكون واللغة والأقدار والوطن ، إلّا أنني عشت مغرما باللغة العربية ، عاشقا لأحرفها متيّما بكلماتها ، وهو ما دفعني لكتابة أول قصة قصيرة وأنا في العاشرة من عمري ، وقد ذهبتُ بها فرِحا مزهوا لأبي الذي تلقّفها مني بلهفة ، ثم سرعان ما طالعها بشغف تام ليتخذ قرارا بقطع مصروفي ثلاثة أيام ، وذلك نظرا لتفاهتها ورقاعتها وانحطاطها من جميع النواحي ، محذّرا إياي من أنّ العقوبة في حالة التكرار ستكون الحرمان بشكل تام من المصروف كوني (مجرم حرف) ، مع تسليم أوراقي الى فضيلة المفتي للنظر في القضية !!
ولن تغيب عن خاطري سحنة وجه أستاذي الكبير (محمود الريفي) عند الدراسة المتوسطة ، والأستاذ (عبد الهادي العبيدي) مدرس الاعدادية، الذين سيّراني على الدرب الصحيح في الكتابة ، يوم أهدياني -كلّ على حدة- كتباً في الأدب لم أزل أحتفظ بها حتى الساعة، وبقيت أتصفحها طوال يوم مولدي .
وما فتيء يمر أمامي يومي الأول في الجامعة ، وكيف كنتُ أسير بين مبانيها الضخمة مثل مولود من العدم وهو يسبح في بحر من اللانهائية ،غريب وسط زملاء بعمري، وآخرين أكبر منا عمرا ، تحسب أن حقبة من زمان تفصل بيننا ، منهم من شهد معركة (عين جالوت) ، وآخر ناول الفاتح العربي (طارق بن زياد) شعلةً ليحرق السفن ، ومنهم مَن هو أقدم من ذلك ، وهو يحتفظ بصورة للذكرى مع ديناصور قبل انقراضه !!
لم أزل أذكر أول يوم لي في عالم الوظيفة ، وكيف كنا نتقاضى مرتبا لا يكفي لمعيشة نملة نصف ساعة ، وكيف كنا نعمل طوال اليوم بعد الوظيفة ،كي نستطيع أن نحتفظ بالوظيفة !!
أما عالم الصحافة فلم أزل أردد أنني كنتُ محظوظا فيه، وكيف لا وقد تشبع نظري وسمعي بالعظماء الكبار ، شيخ بغداد العلامة الدكتور (محفوظ) ، و(الوردي) و(المخزومي) و(جواد علي) و(الأخوين عواد) وسواهم من الأعلام الذين اصطحبني والدي وأنا طفل الى مجالسهم الثقافية، فلم تكن المجالس مدارس فحسب، بل كلّ منهم مدرسة متكاملة من علم وأدب وتقى وابداع .
كانت أول مقالة نشرت لي في صحيفة تدعى (النور) وذلك عقب السقوط بشهر ، ولا أستطيع وصف مشاعري وأنا أجد اسمي وكلماتي مطبوعة وأتلمس سحر الطباعة، فحسبت أني أصبحت شهيرا كـ(العقاد) وعظيم أثر مثل (طه حسين)، ثم كانت الصدمة حين علمتُ أنْ لا أحد قد طالع المقالة، وأننّي أنا شخصيا أكثر انتشارا من هذه الصحيفة التي أصدرتْ عددا واحدا بلا ثانٍ !!
ولن انسى ما حييت فضل أستاذي الكبير (هاني العقابي) الذي أخذ بيدي لأعمل في صحيفة (الأحرار) ، فكنت في حجرة واحدة مع أعز من عرفت ، الشاعر الجميل الفقيد والحبيب (مروان عادل حمزة) .
كنا نتسامر سويا ونكتب سويا ونتجول في بغداد معا ، وعند كل ساعة يهزنا صوت انفجار وتكبتُ فرحَنا مجزرةٌ هنا وهناك .
تعرفتُ خلال حياتي على الموهوب والموهوم ، والصادق والمشعوذ، والأمين والجاحد ، وعلى كلّ ذي صفة ومن يتصف بخلافها .
تعرفت على النصاب (أزهر) الذي وصل به الحال الى سرقة مقالات (هيكل) و(الزيات )وقصائد (البحتري) و(ابي تمام) و(الجواهري) وتنسيبها لنفسه ، حتى اذا ما كشفَ أمرُه وفصل من الصحيفة ،عاد باكيا جاثيا على قدميه مثل (بروتس) راجيا السماح والعفو ، لكنه سرعان ما سطا على قصة لأديب عراقي كبير ونشرها باسمه ، ثم أكتشف أمره وطُردَ شر طردة وصار يهيم على وجهه في الطرقات ، وقد عثرنا عليه بعد سنوات سبع ، وقد أصبح مديرا عاما في إحدى المفاصل الهامة ، يشرف بنفسه على تطبيق قانون النزاهة صباحا ، ويعدّ ما اختلسه ليلا مع باقي شياطينه الكبار !
ولم يزل يطوف بخاطري الناقد (عبد الجليل) ، الذي اذا اختلفتَ معه في رأي أدبي هدّدكَ بالأهل والعشيرة و(الدگة العشائرية)، حتى يتم الصلح وقد رضختَ لرأيه الصائب ورضيتَ بالحمار أديبا والتافه شاعرا .
عملتُ في صحف (المدى والمشرق والشرق وكل العراق والأحرار وألف باء والدستور وزهرة الخليج ومنبر الجوادين) وسواها كثير، وكتبتُ في شعر أذهلني وكلمات أصابتني بوجع جميل ، نسجته أنامل ما كنت لأتصور وجودها في عالمنا الصاخب المزيف الجديد.
وصاحبتُ اساتذة جامعات ومهندسين وأطباء ومحامين وفنانين ونحاتين ونقادا كبارا ومثقفين أعلام، وذقتُ حلو الحياة ومرها فلم أجد أمرّ من فقد حبيب يغيب بغتة الى الأبد دون وداع.
لقد علمتني الحياة أن أرى الحقيقة كما هي بلا رتوش أو تزويق، وأن الاحلام هي رؤوس أموال المفلسين، وأن كلمة صديق هي آخر ما نطلقه على انسان، وان لا ارسم لصديق صورة زاهية حتى أجربه وان بدا نبيا، فلربما كان في جوفه الف شيطان قذر رجيم.
َوأن لا ضمانة في الدنيا لعيش ،وهي قد تصب فيضا من سعادة على من تفيض لديه السعادة ، وتمطر على صاحب المصيبة ألف مصيبة وحجارة ، كأنّ لها قلبا من حجارة.
وآمنتُ حقا أن لن يستطيع أحد ركوب ظهرك لو لم يكُ منحنيا ، وأن لاشيء على الأرض يعدل انحناءة ظهر لمخلوق ، وأن ليس أغلى من عزة نفس وكرامة ، وليس وراء كل ليل من صباح ، ولا معنى لتفاؤل إن لم تتلمس خلف الغمامات شمسا في طريقها نحو الطلوع ، فليس كل ما يقال عن جمال الحياة صادق وان كان قولا ناعما جميلا، وليس كل صاحب بسمة يضمر مودة وحبا، وليس كل صاحب وجه جميل بجميل.
وآمنت حد اليقين أن لا كنز أعظم من راحة البال ، وأن أشقى الناس من اشترى أرقا بنوم ، وأن ليس كل من سار على الدرب وصل ، فالدرب الذي يوصل إنسانا نحو قمة عالية ، قد يحطّ بسواه إلى أفظع هاوية ، وأن أعمل وأعمل ولست أشترط النجاح ، بل كي لا ألوم النفس لو لم يكتب لي النجاح .
وختاما أحبتي :
أعجز عن الرد على كل من هنأني كتابه أو إتصالا هذا اليوم، ومن ذا الذي يرد على من سكنوا قلبه وأقاموا خلف الضلوع.
كل عام وانتم جميعا بخير وبسمة وفرح وجمال..