إسرائيل تعيش أزمة وجود وصراع قبلي
إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله
إذا أخذنا بالرؤيا التحليلية الموضوعية فان إسرائيل تعيش أزمة صراع داخلي بفعل عدم التجانس السكاني والقبلي المكون للمجتمع الصهيوني ، وقد تناول الرئيس الإسرائيلي السابق في خطابه " بمؤتمر هرتسيليا " بكل صراحة أشار ريفلين إلى الفجوة الهائلة بين هاتين "القبيلتين" كما سماهما، وبين القبيلتين الأخرتين، وهما الصهاينة المتدينين والعلمانيين، والتي تنعكس في هيمنة القبيلتين الأخيرتين على شتى مناحي الحياة الإسرائيلية ثقافيًا واقتصاديًا، بدءًا من المدن التي يتم استعراضها يوميًا في النشرة الجوية، والتي لا تتضمن أية مدينة عربية أو حريدية، وحتى مستوى المعيشة والوظائف التي تشغلها كل قبيلة من الأربعة، والتي تُظهر تفاوتًا واضحًا بين هذين المعسكرين، ناهيك عن تشكيلة قوات الدفاع الإسرائيلية التي يغيب عنها بشكل شبه تام العرب والحريديم.
لنُدرك مدى التغير الجذري الذي سيشهده المجتمع الإسرائيلي سنسلط الضوء هنا على القبيلتين غير الصهيونتين اللتين أشار لهما ريفلين، أو على واحدة فقط منهما هي الحريديم، إذ أننا نعرف بالطبع من هُم العرب، على تنوعاتهم بين مسلم ومسيحي ودُرزي، ومدى ابتعادهم عن الأفكار الصهيونية المؤسسة للدولة في إسرائيل وإن تفاوت انتماؤهم لها وفق مصالحهم وتوجهاتهم، كما سنلقي الضوء على جوانب من علاقة الحر يديم بالدولة ربما لا يعرفها كثيرون، وهي جوانب يبدو أنها بدأت في التأثير سلبًا على العقد الاجتماعي داخل إسرائيل.
حين تأسست الدولة الإسرائيلية عام 1948، اعتقد بن جوريون، وهو اليهودي العلماني غير المبالي بالتعاليم الدينية، أن نجاح المشروع الإسرائيلي سيؤدي تدريجيًا إلى زوال اليهودية الأرثوذكسية، وبالتالي لم يمانع منح بعض المميزات لهذا المجتمع الصغير من المتزمتين اليهود آنذاك في مقابل اجتذابهم إلى إسرائيل في إطار جهوده لتوحيد كافة أطياف اليهود مهما كان الثمن.
تباعًا، أبرم بن جوريون اتفاقًا مع زعيم اليهود الأرثوذكس أنذاك، إسحاق مائر ليفين، تضمن السماح لأي فصيلة من المتدينين اليهود أن يشكلوا نظامهم التعليمي الخاص بهم على نفقة الدولة، واتباعهم للشريعة اليهودية وفق تفسيراتهم في شؤونهم الشخصية، والالتزام بكون "الشبات" أجازة رسمية (أي الجمعة والسبت،) بالإضافة إلى إعفاء أي رجل اختار تكريس وقته لدراسة التوراة من الخدمة العسكرية.
تنازلات ضخمة هي كما يبدو، ولكنها لم تشغل بن جوريون كثيرًا في زمن لم يتجاوز فيه عدد المنكفئين على التوراة سوى 400 شاب، لكن مع ارتفاع معدلات إنجابهم وعلى مدار عقود طويلة، بالإضافة إلى تحول بعض اليهود إلى مذهبهم، أصبحت مسألة الحريديم وحياتهم المنعزلة عن بقية الإسرائيليين بمدارسهم وقوانينهم وأحيائهم، وإعفائهم من التجنيد، واحدة من أبرز المواضيع الساخنة اجتماعيًا وسياسيًا، والتي لا تقل سخونة عن مسألة عرب 48، فالحريديم إذن جيتو آخر داخل المجتمع الإسرائيلي مثلهم مثل العرب، وهو أمر خطير بالنظر لتشكيل العرب وحدهم رُبع التعداد الإسرائيلي، وتشكيل الحريديم لحوالي خُمس اليهود الإسرائيليين (يصل عددهم لحوالي مليون ومائتي ألف، وهو رقم مرشح للازدياد من الآن، حيث يشكل أطفالهم رُبع طلبة المدارس كما ذكرنا.)
بين الحين والآخر يدفع بعض السياسيين العلمانيين بفكرة إجبار الحريديم على دخول الجيش، أو إدخال مواد تعليمية إلزامية بكافة المدارس في إسرائيل بغض النظر عن هويتها؛ حريدية أو عربية أو غير ذلك، وهو أمر تعارضه وبقوة كافة شرائح الحريديم التي بنت عقدها الاجتماعي الغريب من نوعه على امتلاكها بالكامل زمام أمورها بعيدًا عن نطاق الدولة ككيان علماني، بغض النظر عن كونها في الواقع دولة لليهود فقط، فالصهيونية في نظر الحريديم فكرة فاسدة تنتمي لعصر التنوير الأوروبي، ولا علاقة بينها وبين اليهودية الأصيلة التي يتبعونها.
هي قبائل بالمعنى الحرفي للكلمة إذن من حيث خروجها من نطاق سلطان الدولة تشريعيًا وهوياتيًا، وإن كانت لا تملك على غرار القبائل التقليدية قوة سلاح منفصلة، والتشريع بالتحديد هو نقطة خلاف رئيسية تثير المشكلات باستمرار، فمحاكم الدولة الإسرائيلية كدولة حديثة لا تعني الحريديم في شيء، والذين يتبعون قوانين الحاخامات فقط، ففي أزمة سابقة كانت المحكمة العليا قد حكمت لصالح مجموعة من الفتيات السفرديم ممن ثبت إقصائهم وسوء معاملتهم في مدرسة يهيمن عليها الحريديم، وكانت حجة الحريديم الرئيسية هي أنهن "غير ملتزمات" بما يكفي لإدماجهم في الصف أولًا، وأن مرجعهم في تصرفهم هذا هو القوانين اليهودية، وأن حكم المحكمة ليس ملزمًا لهم كطائفة من الناحية الشرعية.
إسرائيل وفق كل المؤشرات تعيش الخطر في الداخل وهي بالمفهوم العام تعيش أزمة وجود في ظل حكومة الائتلاف التي يرئسها نتنياهو ، قد يشهد الإسرائيليون استمرارية في السياسات الخارجية، وليس في السياسات الداخلية على الأرجح، خصوصاً في سياسات مؤسسات رئيسة. وقد يغيّر نتنياهو، في المرة الخامسة التي يتولى فيها رئاسة الحكومة وجه البلاد إلى الأبد. وكشف حزب الصهيونية الدينية عن خطط شاملة تؤدي إلى تقليص دور السلطة القضائية في إسرائيل، وتقوّض كل القيود الفعلية والمؤثرة على سلطة الحكومة. وتعقب هذه الخطط حملة قام بها اليمين طوال عام لنزع الشرعية عن القضاء، وانضم نتنياهو إلى حملة اليمين وجهوده إثر تحقيقات خضع لها وتتعلق بممارساته. وقادت التحقيقات المذكورة إلى اتهامات بالفساد وُجّهت إليه عام 2020. ونفى نتنياهو تلك الاتهامات، معتبراً المحاكمات اضطهاداً سياسياً ومحاولة "انقلابية"، واصفاً شخصيات قضائية بأنها تنتمي إلى "الدولة العميقة".
وتدعو الخطة القضائية التي وضعها حزب الصهيونية الدينية إلى إلغاء واحدة من أهم الاتهامات التي اتهم بها نتنياهو، على رغم نفي الحزب بأنه يحاول حماية نتنياهو شخصياً. كذلك تقترح الخطة إرساء سيطرة سياسية شبه تامة على التعيينات القضائية، وإقرار قانون جديد يسمح للكنيست بتخطي قرارات المحكمة العليا التي تبطل قوانين تنتهك الحقوق التي ترعاها "القوانين الأساسية" لإسرائيل، وتُعتبر بمثابة شرعة الحقوق في البلاد.
تحولات وتغييرات كهذه قد تزيل العقبات القليلة المتبقية أمام شرعنة مستوطنات الضفة الغربية التي تعتبرها إسرائيل غير شرعية، وتصادر الأراضي الفلسطينية. وهي قد تضعف، في الوقت نفسه، المعارضة المدنية لسياسات الحكومة، وتقلّص صلة المواطنين بالمحكمة العليا، وهي في إسرائيل المرجع القضائي الذي يبتُّ في الدعاوى على الدولة. وتسعى الأحزاب الدينية الثلاثة التي تدعم نتنياهو إلى ضمان سيطرة القوى الدينية على الحياة العامة، وتشديد سيطرة المتعصبين على تدابير "الكوشير" (الأطعمة المراعية للشروط الدينية) ومراقبتها في المؤسسات العامة، وتعطيل محاولات تشغيل أدنى حد من وسائل النقل العام أيام السبت وإغلاق المتاجر ومرافق الترفيه في هذا اليوم، وشل إرادة تغيير سياسات عمرها عقود تمنح السلطات الدينية سيطرة على قوانين العائلة، كاقتراح قانون الزواج المدني مثلاً. ويصرّح أنصار الصهيونية الدينية على الدوام بآراء معادية للعرب، وبين نوابهم كثيرون يظهرون ارهاب المثلية. لذا يصح القول إن إسرائيل على أهبة الدخول في حقبة سمّتها طغيان الأكثرية اليمينية على السياسات، وطغيان الأقلية الدينية والمتعصبة على المجتمع.
وإذا سعى نتنياهو في استمالة أحد الأحزاب التي باتت في المعارضة، عليه أن يتعهّد بأنه لن تُسنّ قوانين جديدة تؤثر في الإجراءات القانونية التي تطاوله، وإذا أرادت الحكومة إقرار إصلاحات قانونية مطلوبة، ينبغي أن تتلافى المقترحات المتشددة والهادفة إلى تجريد القضاء من سلطته. وقد يستوقف، في هذا السياق، أن يقوم نتنياهو، إلى اليوم، بالتخطيط لتعيين وزير من حزبه (الليكود) لتولي وزارة العدل، بدلاً من أن يقترحها على الأحزاب الأكثر تطرفاً – على رغم أن بعض شخصيات الليكود لا تقل عداءً لاستقلال القضاء. وتفيد التقارير بأن نتنياهو وافق، في المبدأ، على تجاوز القانون. ولكن، على رغم مصلحته الشخصية في تقليص نفوذ السلطة القضائية، فهو قد يفضّل تلافي إلحاق ضرر فيها، لا رجعة فيه.
ومن ناحية أخرى فإن سجل صداقات نتنياهو مع مُعادين للحرية والديمقراطية في العالم واضح الدلالة، ومن غير الممكن تصور عودته إلى حل الدولتين القابلتين للعيش، أو كبح جماح احتلال الأراضي الفلسطينية. وقد لا تعلن حكومته الحرب على المؤسسات الإسرائيلية. ويبقى المجتمع المدني والسلطة القضائية في إسرائيل، على رغم العيوب، أبرز مجالين في البلاد للاعتراض والاحتجاج والتنافس الديمقراطي– وهما السبيل الوحيد لممارسة الضوابط والتوازنات في نظام لا يفرض قيوداً كثيرة على سلطة قادته.
ردود فعل غاضبه حسب ما ذكرت " يديعوت أحرونوت: " عمداء كليات الحقوق في المؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء إسرائيل أصدروا بيانًا يدين الإصلاح المخطط له من قبل وزير القضاء ياريف ليفين في النظام القضائي، وحذروا من أن الإصلاح يهدد في الواقع الطبيعة الديمقراطية والشاملة لإسرائيل والمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، وأن التغييرات ستسمح بالتمييز والإقصاء غير المناسبين ضد مختلف الفئات. "
الانقسام الحاد في المجتمع الإسرائيلي وقد بدت بوادر خلافات داخل الائتلاف الحكومي في "إسرائيل"، الذي يقوده حزب الليكود إضافة إلى 5 أحزاب من أقصى اليمين القومي والديني، على خلفية عمل القطار في يوم السبت المقدس لدى اليهود.
ما يطرح السؤال التالي في ظل أزمة الوجود الإسرائيلي وهيمنة المتدينين " هل يطيح "السبت" بحكومة نتنياهو؟
ويتكون الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو من الليكود برئاسة الأخير، و"شاس" و"يهدوت هتوراه" (يهودية التوراة) الدينيين، و"الصهيونية الدينية" و"عوتسما يهوديت" (قوة يهودية)"، و"نوعم" القومية.
ويوم الأحد الواقع في 8/1/2023 ، بعث الحاخام يتسحاق غولدكنوبف رئيس "يهدوت هتوراه"، الذي يشغل منصب وزير الإسكان، رسالة إلى وزيرة المواصلات ميري ريغيف (ليكود) بعنوان "تدنيس يوم السبت على قطار إسرائيل"، وطالبها بوقف أعمال السكة الحديدية يوم السبت، بناء على الاتفاقيات الائتلافية.
وقال غولدكنوبف: "علمتُ أن هناك أعمالا يتم تنفيذها في يوم السبت من قبل هيئة السكك الحديدية الإسرائيلية، على خط سكة حديد تل أبيب بين مفترق روكاح وتقاطع ههلاخا (..) حسب فهمي، إن هذه الأعمال هي نتيجة لاتفاقيات موقعة من قبل الحكومات السابقة، لكن تم الاتفاق في الاتفاقيات الائتلافية الموقعة بين حزبي الليكود ويهدوت هتوراه على وقف هذه الأعمال".
وفقا للاتفاقيات الموقعة من قبل جميع أطراف الائتلاف الحكومي، سيتم إلحاق ممثل عن الحاخامية العليا بلجنة منح تصاريح العمل يوم السبت - بهدف تعزيز اعتبارات الشريعة في مداولاتها، وبالتالي تقليل حجم العمل، لكن لم يتم تنفيذ هذا الجزء من الاتفاقيات بعد.
وكتب رئيس المعارضة يائير لابيد ""وقف العمل في السكك الحديدية يوم السبت له معنى واحد - المزيد من الاختناقات المرورية والمزيد من الاختناقات المرورية والمزيد من الاختناقات المرورية". وكثيرا ما شكلت مسألة تشغيل الخدمات في يوم السبت بما في ذلك عمل القطار والمواصلات العامة خلافا بين الحريديم والعلمانيين في إسرائيل.
وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" فإن الحافلات والقطارات عموما لا تعمل في المدن الإسرائيلية ذات الأغلبية اليهودية المتدينة، ابتداء من مساء الجمعة حتى مساء السبت "ونشأت هذه الممارسة عن اتفاق تم التوصل إليه بين المجتمع اليهودي المتشدد وأول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون، قبل تأسيس الدولة".
وأوضحت الصحيفة "تعارض المؤسسة الدينية الإسرائيلية بشدة المواصلات العامة خلال أيام السبت. ولطالما انزعج الإسرائيليون العلمانيون من عدم قدرتهم التنقل في يوم إجازتهم ما لم يكن بحوزتهم سيارة".
صحيح أن نتنياهو استطاع تشكيل حكومة من ائتلاف يميني أصولي يجنح بإسرائيل إلى أقصى اليمين المتطرف وهذا الائتلاف يساهم في تفسخ المجتمع اليهودي الذي في الأصل يعيش أزمة الوجود والهوية وتنافر الثقافة ، بن غفير وسومت يرش وأعضاء آخرين ولهم تاريخ في العنصرية والفاشية ويسعيان نحو كيان اصولي ديني يلغي الوجود العلماني الصهيوني خاصة وأن الثنائي اليميني الفاشي بن غفير وسموترتش هما سيدا هذه الحكومة وأن نتنياهو هو الخادم لهما. حكومة رأت النور حسب طلبات أو بالأحرى حسب أوامر من الثنائي اليميني الفاشي، وبالتحديد من بن غفير. نتنياهو لا يهمه أبدًا إذا كانت هذه الحكومة ستسيء لسمعة إسرائيل وستلحق ضرراً سياسياً بها أو تقود لتفكك المجتمع الصهيوني وتخلق أزمة وجود وهويه ، لأن ما يهمه فقط هو تشكيل حكومة بأي ثمن، لأن ذلك سينقذه من السجن.
ما تشهده الساحة السياسية والحزبية في إسرائيل من تفاعلات وخلافات وصراعات متسارعة ، يدلل ويؤكد عمق الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني ، فهل ما يحدث من تناحر غير مسبوق بين مختلف القوى الفاعلة على الساحة السياسية الإسرائيلية ، هذه الأزمة لها أبعادها التاريخية والنفسية الوجودية؟ فالمجتمع الإسرائيلي الذي يعاني مجموعة من التناقضات الدينية والإثنية والفكرية قد انتقل بعد سنوات طويلة من حالة الصراع الوجودي مع أعداء محتملين أو متخيلين إلى صراع وجودي أكثر شراسة وشدة، وقد يكون مقدمة لمجموعة من الأعراض التي بدأت تظهر على هذا المجتمع، فالمجتمعات الكولانيالية عبر التاريخ تفككت واندثرت مع اندثار العدو الخارجي، وذلك بسبب طبيعتها غير المنسجمة مع حقائق التاريخ والجغرافيا، وهذا التجمع الغريب الذي لا تربطه أي أواصر عرقية أو ثقافية أو حتى دينية، بدأت تظهر عيوبه التي حاول إخفاءها منذ عقود طويلة، فالتباينات الحاصلة داخل المجتمع الإسرائيلي، وإن لم تحدث الانهيار حالياً، فإنها تؤشر بما لا يدعو مجالاً للشك إلى ظهور بعض المقدمات التي تشير إلى أمراض مستعصية يعيشها هذا المجتمع، فالقوة العسكرية أو التحالف الإستراتيجي مع القوى العظمى، أو حتى الحصول على صكوك التطبيع والسلام غير المتكافئ وقد أحدثته بعض الظروف القاهرة التي تعيشها بعض الأنظمة العربية من عجز وهوان وخروج عن الاراده الشعبية لا تعطي هذا المجتمع الحصانة الكافية للاستمرار بالنهج والأسلوب نفسيهما اللذين يسير بهما منذ أكثر من سبعة عقود.
لذلك وفق كل التحليلات تؤكد وتدلل أن ما تواجهه إسرائيل في هذه اللحظة التاريخية هو أزمة وجودية حقيقية قد حذرت منها مجموعة من مراكز الأبحاث الإستراتيجية وأجهزة الأمن الإسرائيلي، فحجم هذه الدولة حتى وإن كانت إمكاناتها العسكرية والتكنولوجية كبيرة جدا فإنها غير قادرة ثقافياً وحضارياً على الصمود في وجه هذه التقلبات والاصطفاف العرقي والديني المتنامية في المجتمع الإسرائيلي ، وهذا تحديداً ما سيهدد وجودها وإمكانية استمرارها على المدى البعيد، فقد كان مخطط الآباء الأوائل لها أن يحصل الاندماج والانصهار السريع، وأن تتم إزالة كل الفوارق النفسية والثقافية بين فئات المجتمع، وهذا ما لم يحصل، بل على العكس تماماً فهو يزداد اتساعاً وتجذراً مع مرور الوقت وباتت انعكاساته وارتداه واضحه للعيان وهذا ما تخشاه أمريكا والغرب من فقدان الكيان الاسرائيلي لوجوده وأهميته بفعل الصراع الوجودي والقبلي الذي تعيشه إسرائيل
إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله
إذا أخذنا بالرؤيا التحليلية الموضوعية فان إسرائيل تعيش أزمة صراع داخلي بفعل عدم التجانس السكاني والقبلي المكون للمجتمع الصهيوني ، وقد تناول الرئيس الإسرائيلي السابق في خطابه " بمؤتمر هرتسيليا " بكل صراحة أشار ريفلين إلى الفجوة الهائلة بين هاتين "القبيلتين" كما سماهما، وبين القبيلتين الأخرتين، وهما الصهاينة المتدينين والعلمانيين، والتي تنعكس في هيمنة القبيلتين الأخيرتين على شتى مناحي الحياة الإسرائيلية ثقافيًا واقتصاديًا، بدءًا من المدن التي يتم استعراضها يوميًا في النشرة الجوية، والتي لا تتضمن أية مدينة عربية أو حريدية، وحتى مستوى المعيشة والوظائف التي تشغلها كل قبيلة من الأربعة، والتي تُظهر تفاوتًا واضحًا بين هذين المعسكرين، ناهيك عن تشكيلة قوات الدفاع الإسرائيلية التي يغيب عنها بشكل شبه تام العرب والحريديم.
لنُدرك مدى التغير الجذري الذي سيشهده المجتمع الإسرائيلي سنسلط الضوء هنا على القبيلتين غير الصهيونتين اللتين أشار لهما ريفلين، أو على واحدة فقط منهما هي الحريديم، إذ أننا نعرف بالطبع من هُم العرب، على تنوعاتهم بين مسلم ومسيحي ودُرزي، ومدى ابتعادهم عن الأفكار الصهيونية المؤسسة للدولة في إسرائيل وإن تفاوت انتماؤهم لها وفق مصالحهم وتوجهاتهم، كما سنلقي الضوء على جوانب من علاقة الحر يديم بالدولة ربما لا يعرفها كثيرون، وهي جوانب يبدو أنها بدأت في التأثير سلبًا على العقد الاجتماعي داخل إسرائيل.
حين تأسست الدولة الإسرائيلية عام 1948، اعتقد بن جوريون، وهو اليهودي العلماني غير المبالي بالتعاليم الدينية، أن نجاح المشروع الإسرائيلي سيؤدي تدريجيًا إلى زوال اليهودية الأرثوذكسية، وبالتالي لم يمانع منح بعض المميزات لهذا المجتمع الصغير من المتزمتين اليهود آنذاك في مقابل اجتذابهم إلى إسرائيل في إطار جهوده لتوحيد كافة أطياف اليهود مهما كان الثمن.
تباعًا، أبرم بن جوريون اتفاقًا مع زعيم اليهود الأرثوذكس أنذاك، إسحاق مائر ليفين، تضمن السماح لأي فصيلة من المتدينين اليهود أن يشكلوا نظامهم التعليمي الخاص بهم على نفقة الدولة، واتباعهم للشريعة اليهودية وفق تفسيراتهم في شؤونهم الشخصية، والالتزام بكون "الشبات" أجازة رسمية (أي الجمعة والسبت،) بالإضافة إلى إعفاء أي رجل اختار تكريس وقته لدراسة التوراة من الخدمة العسكرية.
تنازلات ضخمة هي كما يبدو، ولكنها لم تشغل بن جوريون كثيرًا في زمن لم يتجاوز فيه عدد المنكفئين على التوراة سوى 400 شاب، لكن مع ارتفاع معدلات إنجابهم وعلى مدار عقود طويلة، بالإضافة إلى تحول بعض اليهود إلى مذهبهم، أصبحت مسألة الحريديم وحياتهم المنعزلة عن بقية الإسرائيليين بمدارسهم وقوانينهم وأحيائهم، وإعفائهم من التجنيد، واحدة من أبرز المواضيع الساخنة اجتماعيًا وسياسيًا، والتي لا تقل سخونة عن مسألة عرب 48، فالحريديم إذن جيتو آخر داخل المجتمع الإسرائيلي مثلهم مثل العرب، وهو أمر خطير بالنظر لتشكيل العرب وحدهم رُبع التعداد الإسرائيلي، وتشكيل الحريديم لحوالي خُمس اليهود الإسرائيليين (يصل عددهم لحوالي مليون ومائتي ألف، وهو رقم مرشح للازدياد من الآن، حيث يشكل أطفالهم رُبع طلبة المدارس كما ذكرنا.)
بين الحين والآخر يدفع بعض السياسيين العلمانيين بفكرة إجبار الحريديم على دخول الجيش، أو إدخال مواد تعليمية إلزامية بكافة المدارس في إسرائيل بغض النظر عن هويتها؛ حريدية أو عربية أو غير ذلك، وهو أمر تعارضه وبقوة كافة شرائح الحريديم التي بنت عقدها الاجتماعي الغريب من نوعه على امتلاكها بالكامل زمام أمورها بعيدًا عن نطاق الدولة ككيان علماني، بغض النظر عن كونها في الواقع دولة لليهود فقط، فالصهيونية في نظر الحريديم فكرة فاسدة تنتمي لعصر التنوير الأوروبي، ولا علاقة بينها وبين اليهودية الأصيلة التي يتبعونها.
هي قبائل بالمعنى الحرفي للكلمة إذن من حيث خروجها من نطاق سلطان الدولة تشريعيًا وهوياتيًا، وإن كانت لا تملك على غرار القبائل التقليدية قوة سلاح منفصلة، والتشريع بالتحديد هو نقطة خلاف رئيسية تثير المشكلات باستمرار، فمحاكم الدولة الإسرائيلية كدولة حديثة لا تعني الحريديم في شيء، والذين يتبعون قوانين الحاخامات فقط، ففي أزمة سابقة كانت المحكمة العليا قد حكمت لصالح مجموعة من الفتيات السفرديم ممن ثبت إقصائهم وسوء معاملتهم في مدرسة يهيمن عليها الحريديم، وكانت حجة الحريديم الرئيسية هي أنهن "غير ملتزمات" بما يكفي لإدماجهم في الصف أولًا، وأن مرجعهم في تصرفهم هذا هو القوانين اليهودية، وأن حكم المحكمة ليس ملزمًا لهم كطائفة من الناحية الشرعية.
إسرائيل وفق كل المؤشرات تعيش الخطر في الداخل وهي بالمفهوم العام تعيش أزمة وجود في ظل حكومة الائتلاف التي يرئسها نتنياهو ، قد يشهد الإسرائيليون استمرارية في السياسات الخارجية، وليس في السياسات الداخلية على الأرجح، خصوصاً في سياسات مؤسسات رئيسة. وقد يغيّر نتنياهو، في المرة الخامسة التي يتولى فيها رئاسة الحكومة وجه البلاد إلى الأبد. وكشف حزب الصهيونية الدينية عن خطط شاملة تؤدي إلى تقليص دور السلطة القضائية في إسرائيل، وتقوّض كل القيود الفعلية والمؤثرة على سلطة الحكومة. وتعقب هذه الخطط حملة قام بها اليمين طوال عام لنزع الشرعية عن القضاء، وانضم نتنياهو إلى حملة اليمين وجهوده إثر تحقيقات خضع لها وتتعلق بممارساته. وقادت التحقيقات المذكورة إلى اتهامات بالفساد وُجّهت إليه عام 2020. ونفى نتنياهو تلك الاتهامات، معتبراً المحاكمات اضطهاداً سياسياً ومحاولة "انقلابية"، واصفاً شخصيات قضائية بأنها تنتمي إلى "الدولة العميقة".
وتدعو الخطة القضائية التي وضعها حزب الصهيونية الدينية إلى إلغاء واحدة من أهم الاتهامات التي اتهم بها نتنياهو، على رغم نفي الحزب بأنه يحاول حماية نتنياهو شخصياً. كذلك تقترح الخطة إرساء سيطرة سياسية شبه تامة على التعيينات القضائية، وإقرار قانون جديد يسمح للكنيست بتخطي قرارات المحكمة العليا التي تبطل قوانين تنتهك الحقوق التي ترعاها "القوانين الأساسية" لإسرائيل، وتُعتبر بمثابة شرعة الحقوق في البلاد.
تحولات وتغييرات كهذه قد تزيل العقبات القليلة المتبقية أمام شرعنة مستوطنات الضفة الغربية التي تعتبرها إسرائيل غير شرعية، وتصادر الأراضي الفلسطينية. وهي قد تضعف، في الوقت نفسه، المعارضة المدنية لسياسات الحكومة، وتقلّص صلة المواطنين بالمحكمة العليا، وهي في إسرائيل المرجع القضائي الذي يبتُّ في الدعاوى على الدولة. وتسعى الأحزاب الدينية الثلاثة التي تدعم نتنياهو إلى ضمان سيطرة القوى الدينية على الحياة العامة، وتشديد سيطرة المتعصبين على تدابير "الكوشير" (الأطعمة المراعية للشروط الدينية) ومراقبتها في المؤسسات العامة، وتعطيل محاولات تشغيل أدنى حد من وسائل النقل العام أيام السبت وإغلاق المتاجر ومرافق الترفيه في هذا اليوم، وشل إرادة تغيير سياسات عمرها عقود تمنح السلطات الدينية سيطرة على قوانين العائلة، كاقتراح قانون الزواج المدني مثلاً. ويصرّح أنصار الصهيونية الدينية على الدوام بآراء معادية للعرب، وبين نوابهم كثيرون يظهرون ارهاب المثلية. لذا يصح القول إن إسرائيل على أهبة الدخول في حقبة سمّتها طغيان الأكثرية اليمينية على السياسات، وطغيان الأقلية الدينية والمتعصبة على المجتمع.
وإذا سعى نتنياهو في استمالة أحد الأحزاب التي باتت في المعارضة، عليه أن يتعهّد بأنه لن تُسنّ قوانين جديدة تؤثر في الإجراءات القانونية التي تطاوله، وإذا أرادت الحكومة إقرار إصلاحات قانونية مطلوبة، ينبغي أن تتلافى المقترحات المتشددة والهادفة إلى تجريد القضاء من سلطته. وقد يستوقف، في هذا السياق، أن يقوم نتنياهو، إلى اليوم، بالتخطيط لتعيين وزير من حزبه (الليكود) لتولي وزارة العدل، بدلاً من أن يقترحها على الأحزاب الأكثر تطرفاً – على رغم أن بعض شخصيات الليكود لا تقل عداءً لاستقلال القضاء. وتفيد التقارير بأن نتنياهو وافق، في المبدأ، على تجاوز القانون. ولكن، على رغم مصلحته الشخصية في تقليص نفوذ السلطة القضائية، فهو قد يفضّل تلافي إلحاق ضرر فيها، لا رجعة فيه.
ومن ناحية أخرى فإن سجل صداقات نتنياهو مع مُعادين للحرية والديمقراطية في العالم واضح الدلالة، ومن غير الممكن تصور عودته إلى حل الدولتين القابلتين للعيش، أو كبح جماح احتلال الأراضي الفلسطينية. وقد لا تعلن حكومته الحرب على المؤسسات الإسرائيلية. ويبقى المجتمع المدني والسلطة القضائية في إسرائيل، على رغم العيوب، أبرز مجالين في البلاد للاعتراض والاحتجاج والتنافس الديمقراطي– وهما السبيل الوحيد لممارسة الضوابط والتوازنات في نظام لا يفرض قيوداً كثيرة على سلطة قادته.
ردود فعل غاضبه حسب ما ذكرت " يديعوت أحرونوت: " عمداء كليات الحقوق في المؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء إسرائيل أصدروا بيانًا يدين الإصلاح المخطط له من قبل وزير القضاء ياريف ليفين في النظام القضائي، وحذروا من أن الإصلاح يهدد في الواقع الطبيعة الديمقراطية والشاملة لإسرائيل والمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، وأن التغييرات ستسمح بالتمييز والإقصاء غير المناسبين ضد مختلف الفئات. "
الانقسام الحاد في المجتمع الإسرائيلي وقد بدت بوادر خلافات داخل الائتلاف الحكومي في "إسرائيل"، الذي يقوده حزب الليكود إضافة إلى 5 أحزاب من أقصى اليمين القومي والديني، على خلفية عمل القطار في يوم السبت المقدس لدى اليهود.
ما يطرح السؤال التالي في ظل أزمة الوجود الإسرائيلي وهيمنة المتدينين " هل يطيح "السبت" بحكومة نتنياهو؟
ويتكون الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو من الليكود برئاسة الأخير، و"شاس" و"يهدوت هتوراه" (يهودية التوراة) الدينيين، و"الصهيونية الدينية" و"عوتسما يهوديت" (قوة يهودية)"، و"نوعم" القومية.
ويوم الأحد الواقع في 8/1/2023 ، بعث الحاخام يتسحاق غولدكنوبف رئيس "يهدوت هتوراه"، الذي يشغل منصب وزير الإسكان، رسالة إلى وزيرة المواصلات ميري ريغيف (ليكود) بعنوان "تدنيس يوم السبت على قطار إسرائيل"، وطالبها بوقف أعمال السكة الحديدية يوم السبت، بناء على الاتفاقيات الائتلافية.
وقال غولدكنوبف: "علمتُ أن هناك أعمالا يتم تنفيذها في يوم السبت من قبل هيئة السكك الحديدية الإسرائيلية، على خط سكة حديد تل أبيب بين مفترق روكاح وتقاطع ههلاخا (..) حسب فهمي، إن هذه الأعمال هي نتيجة لاتفاقيات موقعة من قبل الحكومات السابقة، لكن تم الاتفاق في الاتفاقيات الائتلافية الموقعة بين حزبي الليكود ويهدوت هتوراه على وقف هذه الأعمال".
وفقا للاتفاقيات الموقعة من قبل جميع أطراف الائتلاف الحكومي، سيتم إلحاق ممثل عن الحاخامية العليا بلجنة منح تصاريح العمل يوم السبت - بهدف تعزيز اعتبارات الشريعة في مداولاتها، وبالتالي تقليل حجم العمل، لكن لم يتم تنفيذ هذا الجزء من الاتفاقيات بعد.
وكتب رئيس المعارضة يائير لابيد ""وقف العمل في السكك الحديدية يوم السبت له معنى واحد - المزيد من الاختناقات المرورية والمزيد من الاختناقات المرورية والمزيد من الاختناقات المرورية". وكثيرا ما شكلت مسألة تشغيل الخدمات في يوم السبت بما في ذلك عمل القطار والمواصلات العامة خلافا بين الحريديم والعلمانيين في إسرائيل.
وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" فإن الحافلات والقطارات عموما لا تعمل في المدن الإسرائيلية ذات الأغلبية اليهودية المتدينة، ابتداء من مساء الجمعة حتى مساء السبت "ونشأت هذه الممارسة عن اتفاق تم التوصل إليه بين المجتمع اليهودي المتشدد وأول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون، قبل تأسيس الدولة".
وأوضحت الصحيفة "تعارض المؤسسة الدينية الإسرائيلية بشدة المواصلات العامة خلال أيام السبت. ولطالما انزعج الإسرائيليون العلمانيون من عدم قدرتهم التنقل في يوم إجازتهم ما لم يكن بحوزتهم سيارة".
صحيح أن نتنياهو استطاع تشكيل حكومة من ائتلاف يميني أصولي يجنح بإسرائيل إلى أقصى اليمين المتطرف وهذا الائتلاف يساهم في تفسخ المجتمع اليهودي الذي في الأصل يعيش أزمة الوجود والهوية وتنافر الثقافة ، بن غفير وسومت يرش وأعضاء آخرين ولهم تاريخ في العنصرية والفاشية ويسعيان نحو كيان اصولي ديني يلغي الوجود العلماني الصهيوني خاصة وأن الثنائي اليميني الفاشي بن غفير وسموترتش هما سيدا هذه الحكومة وأن نتنياهو هو الخادم لهما. حكومة رأت النور حسب طلبات أو بالأحرى حسب أوامر من الثنائي اليميني الفاشي، وبالتحديد من بن غفير. نتنياهو لا يهمه أبدًا إذا كانت هذه الحكومة ستسيء لسمعة إسرائيل وستلحق ضرراً سياسياً بها أو تقود لتفكك المجتمع الصهيوني وتخلق أزمة وجود وهويه ، لأن ما يهمه فقط هو تشكيل حكومة بأي ثمن، لأن ذلك سينقذه من السجن.
ما تشهده الساحة السياسية والحزبية في إسرائيل من تفاعلات وخلافات وصراعات متسارعة ، يدلل ويؤكد عمق الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني ، فهل ما يحدث من تناحر غير مسبوق بين مختلف القوى الفاعلة على الساحة السياسية الإسرائيلية ، هذه الأزمة لها أبعادها التاريخية والنفسية الوجودية؟ فالمجتمع الإسرائيلي الذي يعاني مجموعة من التناقضات الدينية والإثنية والفكرية قد انتقل بعد سنوات طويلة من حالة الصراع الوجودي مع أعداء محتملين أو متخيلين إلى صراع وجودي أكثر شراسة وشدة، وقد يكون مقدمة لمجموعة من الأعراض التي بدأت تظهر على هذا المجتمع، فالمجتمعات الكولانيالية عبر التاريخ تفككت واندثرت مع اندثار العدو الخارجي، وذلك بسبب طبيعتها غير المنسجمة مع حقائق التاريخ والجغرافيا، وهذا التجمع الغريب الذي لا تربطه أي أواصر عرقية أو ثقافية أو حتى دينية، بدأت تظهر عيوبه التي حاول إخفاءها منذ عقود طويلة، فالتباينات الحاصلة داخل المجتمع الإسرائيلي، وإن لم تحدث الانهيار حالياً، فإنها تؤشر بما لا يدعو مجالاً للشك إلى ظهور بعض المقدمات التي تشير إلى أمراض مستعصية يعيشها هذا المجتمع، فالقوة العسكرية أو التحالف الإستراتيجي مع القوى العظمى، أو حتى الحصول على صكوك التطبيع والسلام غير المتكافئ وقد أحدثته بعض الظروف القاهرة التي تعيشها بعض الأنظمة العربية من عجز وهوان وخروج عن الاراده الشعبية لا تعطي هذا المجتمع الحصانة الكافية للاستمرار بالنهج والأسلوب نفسيهما اللذين يسير بهما منذ أكثر من سبعة عقود.
لذلك وفق كل التحليلات تؤكد وتدلل أن ما تواجهه إسرائيل في هذه اللحظة التاريخية هو أزمة وجودية حقيقية قد حذرت منها مجموعة من مراكز الأبحاث الإستراتيجية وأجهزة الأمن الإسرائيلي، فحجم هذه الدولة حتى وإن كانت إمكاناتها العسكرية والتكنولوجية كبيرة جدا فإنها غير قادرة ثقافياً وحضارياً على الصمود في وجه هذه التقلبات والاصطفاف العرقي والديني المتنامية في المجتمع الإسرائيلي ، وهذا تحديداً ما سيهدد وجودها وإمكانية استمرارها على المدى البعيد، فقد كان مخطط الآباء الأوائل لها أن يحصل الاندماج والانصهار السريع، وأن تتم إزالة كل الفوارق النفسية والثقافية بين فئات المجتمع، وهذا ما لم يحصل، بل على العكس تماماً فهو يزداد اتساعاً وتجذراً مع مرور الوقت وباتت انعكاساته وارتداه واضحه للعيان وهذا ما تخشاه أمريكا والغرب من فقدان الكيان الاسرائيلي لوجوده وأهميته بفعل الصراع الوجودي والقبلي الذي تعيشه إسرائيل