د. أمين الزاوي - "يناير" عيد رأس السنة الأمازيغية ضحية الثقفوت واللاهوت

في 12 يناير (كانون الثاني) من كل عام يحتفل الأمازيغ في بلدان شمال أفريقيا والعالم بعيد رأس السنة الأمازيغية، ومع كل حلول لهذا الاحتفال المدني يعود النقاش حول مسألة الهوية والتاريخ، ويدخل كالعادة "المتدينون المتطرفون" على الخط ليخلطوا ما بين الديني والدنيوي ليفسدوا الفرحة الشعبية العفوية والعريقة، ويدخل الثقفوت "أشباه المثقفين" ليفتوا في التاريخ وعلم الأعراق والجغرافيا البشرية! كل واحد يلغط بلغطه مع رهطه.
بحسب التقويم الأمازيغي الذي حدده الباحث الجزائري عمار نقادي (1943-2008) نحن في عام 2973، وقد تم ضبط وتحديد هذا التقويم من تاريخ اعتلاء شيشناق الأول الأمازيغي عرش الفرعونية، وهذا الأخير من قبيلة مشواش الليبية، كان ذلك ما بين 950 أو 952 قبل الميلاد.
ومع حلول أعياد رأس السنة الأمازيغية "ينّايرْ" يظهر عدوان أساسيان لمثل هذا الاحتفال الشعبي، وهما: العروبيون المتطرفون وغلاة الدين المتشددون.
وكالعادة يذهب العروبيون الخصوم إلى نفي هذه المقاربة التاريخية التي استند إليها الباحث عمار نقادي وبعض الباحثين الآخرين في تحديد رأس السنة الأمازيغية، معتبرين هذه المقاربة أسطورية وغير تاريخية.
وأمام هذا، نتساءل: أليست تواريخ الأمم كلها مؤسسة في عمقها العتيق على الأساطير، فالأساطير هي العماد الصلب الذي تقوم عليه عملية بناء الأمة، وكلما كانت الأساطير قوية كان تقارب وتفاعل مكونات الأمة تفاعلاً قوياً.
الأمة التي تملك أساطير قديمة هي الأمة التي تملك مستقبلاً أكثر استقراراً وأكثر ضماناً وأكثر تفتحاً.
إن المعارضة العروبية المتطرفة لهذا التقويم الأمازيغي ليس غرضها النقاش العلمي الهادئ بل مبتغاها هو نفي وجود أمة أمازيغية لها ماضيها العريق بلغتها وثقافتها ورموزها التي هي فخر لجزائر اليوم.
ومع أن دستور الجزائر (دستور 2020)، يعترف باللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية جنباً إلى جنب مع أختها اللغة العربية، لا صراع بينهما بل ما يجب أن يجمعهما هو التكامل والدفاع عن التنوع لا الحقد أو الكراهية العرقية.
إن كثيراً من الأصوات، للأسف، التي تدعي بأنها تنتمي إلى مجتمع المثقفين والجامعيين لا تزال يراكم حقداً عنصرياً كبيراً ضد هذه اللغة الوطنية التي عرفت في تاريخها القريب والبعيد المحن والمنع. وقد وصل الأمر بالناطقين بها في الجزائر، في سنوات السبعينيات، إلى أن كانوا يخافون الحديث بها في الشارع، فقد يتم الاشتباه في مواطن فقط لأنه يتكلم هذه اللغة، والثقفوت الجامعي وأتباعه الذي يعارض بحدة وتطرف هذا الاحتفال المدني الفلاحي ويسخر من هذا التقويم يبغي من ورائه ضرب ومعارضة دسترة اللغة والثقافة الأمازيغية والوقوف ضد ترقيتها وتعميمها في التعليم بالجزائر.
إن اللغة، أية لغة كانت، لا يمكنها أن تحلم بغد كبير وسعيد إلا إذا كانت محصنة بمحيط ملائم ثقافياً واجتماعياً وتعليمياً وأكاديمياً - لسانياً يحرسها وينميها ويطورها، لذا فمعاداة الاحتفال بعيد رأس السنة الأمازيغية هو في نهاية الأمر محاولة للتشويش على العودة الطبيعية والتدريجية للغة الأمازيغية وإلى مقاعد الدراسة في المدرسة الجزائرية الجديدة واسترجاعها من قبل أهلها في الفنون والآداب والعلم والحياة الاجتماعية.
لقد تغيرت الأمور كثيراً في الجزائر، فعيد رأس السنة الأمازيغية أصبح يوماً وطنياً وعطلة رسمية مدفوعة الأجر لجميع الجزائريات والجزائريين، يحتفل به المواطنون البسطاء بكل فرح ومن دون عقدة أيديولوجية دينية كانت أو هوياتية، يحتفل به الجزائريون من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، كما يحتفلون بأعيادهم الأخرى كعيد المولد النبوي الشريف أو رأس السنة الميلادية أو عيد الأضحى أو عيد الفطر، يحتفلون به على إيقاع شعبي وثقافي واسع ومكثف.
وليس الاحتفال بعيد رأس السنة الأمازيغية، يَنّايَرْ، بجديد على أمازيغ شمال أفريقيا، فقد كان الأمازيغ / البربر يحتفلون به في الأندلس أيام الوجود الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية، وهناك نصوص لبعض الكتاب تصف أسواق قرطبة وغرناطة وهي تعرض حلويات وفواكه الاحتفال بعيد "ينّايرْ"، (يمكن العثور على بعض هذه النصوص في كتاب "الدر المنظم في مولد النبي المعظم" للإمام محمد بن أحمد العزفي اللخمي السبتي الأندلسي، وهو من تحقيق وتقديم عبد الله حمادي).
وكما ينزل سيل فتاوى التحريم والتكفير من قبل السلفيين المتشددين ضد الاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية وضد الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، يتحرك أعداء الفرح من أجل إفساد الفرحة بعيد رأس السنة الأمازيغية على المواطن البسيط، فتوزع الفتاوى المحرمة لمثل هذا الاحتفال على منصات وسائل التواصل الاجتماعي وعلى حسابات بعض الدعاة المتطرفين الذين يريدون عودة الجزائر إلى مربع التشرذم والاقتتال، وكأنهم لم يقرؤوا، ولا يريدون قراءة، درس العشرية الدموية الفظيع.
ويمكن اعتبار الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهم وأعرق احتفال مدني شعبي في بلدان شمال أفريقيا وبالأساس في الجزائر والمغرب وتونس وليبيا. فهو مستمر منذ قرون بطرق شعبية تكاد تكون متشابهة في هذه البلدان، حيث تمتلئ الأسواق بحلويات خاصة، وتؤدى أغان خاصة، وتحضر أكلات خاصة.
يعيد الاحتفال بعيد رأس السنة الأمازيغية الاعتبار للأسرة كمكون مركزي في المجتمع، ففي هذا العيد المدني يجتمع أفراد العائلة على الفرح والتفاؤل والتسامح.
الاحتفال بالعيد المدني، كما هو مع عيد رأس السنة الأمازيغية، قوة تاريخية واجتماعية رمزية تعيد اللغة والطمأنينة وتحافظ على لحمة أبناء البلد الواحد، وتكسر الحدود الوهمية بينهم مع الحفاظ على التنوع، وأما الفتاوى الدينية المتطرفة بمضمونها التكفيري، وكذا المقاربات العنصرية المثقفاتية المتشبهة بالبحث فهي من يثير النعرة ويفسد المودة بين أبناء البلد الواحد من أمازيغ وعرب المتعايشين منذ قرون على هذه الأرض.
مع حلول عيد رأس الأمازيغية السنة 2973، نتمنى للجزائر وللشعوب الأمازيغية في شمال أفريقيا عامة الاستقرار والعيش الهنيء على أرضهم وبلغتهم وفي ثقافتهم، بكل تواصل وانسجام مع المكون العربي على هذه الأرض بلغتهم وثقافتهم، من أجل خلق مستقبل قائم على العيش المشترك واحترام سيادة المواطنة وسلطة القانون التي تسنها غالبية دساتير بلدان هذه المنطقة الأفريقية الحساسة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...