في مقاله الذي نشر في الملحق الثقافي بجريدة الدستور يوم الجمعة 13\1\2023م بعنوان "الثنائيات المزيفة في الثقافة العربية" يرى الدكتور غسان عبد الخالق أن المثقفين العرب يلعبون "لعبة التنكر للثنائية الحقيقية الوحيدة الجديرة بالبحث عبر افتعال وابتكار العديد من الثنائيات المزيفة" والثنائية الحقيقية الوحيدة عنده هي ثنائية الدولة والمجتمع. ويرى بأن لعبهم هذا لا فائدة منه، كما سبق أن اهتموا ثلاثة قرون بالسرقات الأدبية. ويشبههم بالسفسطائيين الذين كانوا ومدينتهم القسطنطينية تدك من قبل محمد الفاتح يتناقشون على عدد الملائكة الذين يستطيعون الوقوف على رأس دبوس.
ويذكر المقال من الثنائيات المزيفة: الأصالة والمعاصرة، نحن والآخر، العرب والغرب، الهوية والخصوصية، والعولمة والخصوصية، والمثقف والسياسي، واللغة العربية الفصيحة والعامية.
إننا نعجب من وصف هذه الثنائيات عدا ثنائية المجتمع والدولة بالمزيفة، ونعجب أكثر من عدم بيان الأسباب التي من أجلها جُعلت ثنائية الدولة والمجتمع حقيقية دون غيرها من الثنائيات.
لا شك أن وصف تلك الثنائيات بالمزيفة يعني بطلان وجودها ونكرانه، أي لا وجود لها على أرض الواقع، ومما يؤكد هذا الوصف أو الحكم وروده في عنوان المقالة، والعنوان - كما هو معروف - عتبة مهمة تؤطر المقال وتوجهه وتنبئ بما يقوله. كما يرى خبراء العنونة كبسام قطوس على سبيل المثال وجيرار جينيت.
لعل وصف هذه الثنائيات بالمزيفة يخالف الحقيقة؛ فهي بخلاف ذلك ما زالت تؤثر في الثقافة العربية، وتؤثر في الحياة العربية. فنرى، على سبيل المثال بالنسبة إلى ثنائية الأصالة والمعاصرة، من يتمسك بالأصالة مثل السلفيين، ومن يتمسك بالحداثة مثل دعاة التنوير وغيرهم، ومن يقف في الوسط، ويسعى إلى التوفيق ، مثل محمد جابر الأنصاري. هل هؤلاء مزيفون؟ هل ما قامت به داعش وهم من أصحاب الفكر السلفي من خراب ودمار في السنوات الماضية نوع من التزييف؟
ثم من ينكر حقيقة ثنائية نحن والآخر ولا يعترف بوجودها ونحن نواجه الآخر ويواجهنا في كل حين، وما زلنا نتلقى هجماته على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
ثم من ينكر ثنائية العرب والغرب وثنائية العولمة والخصوصية، فهذا الغرب الذي ينظر إلى العرب نظرة استشراقية، كما تحدث عنها إدوارد سعيد في كتابه المهم "الاستشراق"، وتلك العولمة التي ما زالت في الواقع العربي وفي العالم، تعمل عملها ليسيطر عالم واحد، وهو العالم الرأسمالي الذي تتزعمه أمريكا على العالم كله.
هل محاولات فهم هذه الثنائيات ومناقشتها وطرح بدائل لها نوع من اللعب الذي لا طائل من ورائه؟ هل هذه الثنائيات التي تحرك العالم ثنائيات مزيفة؟ وما هي الصفات التي تتجلى في ثنائية الدولة والمجتمع التي يرى المقال بأنها الثنائية الوحيدة الحقيقية؟
هكذا فنحن نرى أن وصف هذه الثنائيات بأنها زائفة يتناقض مع الحقيقة، حتى إن المقال نفسه يعترف بوجودها حين ينتقد موقف المثقفين العرب منها، واهتمامهم بها، وحين يحكم عليها بأنها "عقيمة" مناقضًا وصفه السابق لها بالزيف.
إنّ الموقف الذي نراه سليماً هو الاعتراف بهذه الثنائيات التي تقوم عليها الحياة المعاصرة. لكن ما يجب أن نتوجه إليه بسهام الفكر والنقد هو كيفية فهمنا لهذه الثنائيات، وتجاوبنا معها، وموقفنا منها، والتعامل معها. وإذا كان من قصور في تفاعل المثقفين العرب مع هذه الثنائيات إنما يكمن في دراستها الدراسة المستفيضة والواعية، وإدراكها ضمن ظروفها التاريخية، والإفادة منها بما يتلاءم والواقع الذي نحياه.
فعلى سبيل المثال، بالعودة إلى ثنائية الأصالة والمعاصرة، فعلينا أن نرفض الأصالة بمعنى العيش في الماضي، ونرفض الحداثة بمعنى الالتحاق بالآخر، وإنما نواجه الواقع الذي نعايشه بالإبداع لا بالالتحاق بالآخرين من أجدادنا أو بالمعاصرين من الغربيين، وأن نقوم بابتداع حلول لواقعنا؛ فلا يمكن الاتفاق مع صاحب المقال حين يدعو إلى التفكير الجاد في حيازة شروط نادي صانعي العولمة مع الاحتفاظ بحماية الهوية الوطنية والصناعات المحلية؛ فمن الاستحالة تحقيق ذلك.
أرى أن فهم جانب كير من الفكر البشري ونموه سواء عند العرب أو غيرهم، ومعرفة الحضارات، وإدراك تطورها يقوم أساسًا على دراسة الثنائيات في شتى مجالات الحياة. هذا ما حاول القيام به المفكرون والفلاسفة من هرقليطس إلى ماركس وهيجل إلى سارتر والجابري وحنفي وغيرهم. وأظنهم لم يكونوا يلعبون في دراساتهم.
الخلاصة إنّ ما جاء في المقال عبارة عن أفكار متسرعة تفتقد إلى أساس فكري متماسك، وتنقصها الدقة والعمق، وتحتاج إلى إعادة نظر. فكيف نغمض أعيننا عما في الثقافة العربية من ثنائيات، ونتعامل معها بأنها مزيفة تارة وعقيمة تارة أخرى. لا شك أن ما أصاب وعينا من تخبط، وما أضر حياتنا وثقافتنا يكمن في جانب منه في عدم فهمنا هذه الثنائيات، وعدم اجتراح الوسائل الناجعة للتعامل معها على ضوء واقعنا الذي نعايشه لا واقع الآخرين من الغربيين، أو واقع الماضين من الأجداد.
ويذكر المقال من الثنائيات المزيفة: الأصالة والمعاصرة، نحن والآخر، العرب والغرب، الهوية والخصوصية، والعولمة والخصوصية، والمثقف والسياسي، واللغة العربية الفصيحة والعامية.
إننا نعجب من وصف هذه الثنائيات عدا ثنائية المجتمع والدولة بالمزيفة، ونعجب أكثر من عدم بيان الأسباب التي من أجلها جُعلت ثنائية الدولة والمجتمع حقيقية دون غيرها من الثنائيات.
لا شك أن وصف تلك الثنائيات بالمزيفة يعني بطلان وجودها ونكرانه، أي لا وجود لها على أرض الواقع، ومما يؤكد هذا الوصف أو الحكم وروده في عنوان المقالة، والعنوان - كما هو معروف - عتبة مهمة تؤطر المقال وتوجهه وتنبئ بما يقوله. كما يرى خبراء العنونة كبسام قطوس على سبيل المثال وجيرار جينيت.
لعل وصف هذه الثنائيات بالمزيفة يخالف الحقيقة؛ فهي بخلاف ذلك ما زالت تؤثر في الثقافة العربية، وتؤثر في الحياة العربية. فنرى، على سبيل المثال بالنسبة إلى ثنائية الأصالة والمعاصرة، من يتمسك بالأصالة مثل السلفيين، ومن يتمسك بالحداثة مثل دعاة التنوير وغيرهم، ومن يقف في الوسط، ويسعى إلى التوفيق ، مثل محمد جابر الأنصاري. هل هؤلاء مزيفون؟ هل ما قامت به داعش وهم من أصحاب الفكر السلفي من خراب ودمار في السنوات الماضية نوع من التزييف؟
ثم من ينكر حقيقة ثنائية نحن والآخر ولا يعترف بوجودها ونحن نواجه الآخر ويواجهنا في كل حين، وما زلنا نتلقى هجماته على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
ثم من ينكر ثنائية العرب والغرب وثنائية العولمة والخصوصية، فهذا الغرب الذي ينظر إلى العرب نظرة استشراقية، كما تحدث عنها إدوارد سعيد في كتابه المهم "الاستشراق"، وتلك العولمة التي ما زالت في الواقع العربي وفي العالم، تعمل عملها ليسيطر عالم واحد، وهو العالم الرأسمالي الذي تتزعمه أمريكا على العالم كله.
هل محاولات فهم هذه الثنائيات ومناقشتها وطرح بدائل لها نوع من اللعب الذي لا طائل من ورائه؟ هل هذه الثنائيات التي تحرك العالم ثنائيات مزيفة؟ وما هي الصفات التي تتجلى في ثنائية الدولة والمجتمع التي يرى المقال بأنها الثنائية الوحيدة الحقيقية؟
هكذا فنحن نرى أن وصف هذه الثنائيات بأنها زائفة يتناقض مع الحقيقة، حتى إن المقال نفسه يعترف بوجودها حين ينتقد موقف المثقفين العرب منها، واهتمامهم بها، وحين يحكم عليها بأنها "عقيمة" مناقضًا وصفه السابق لها بالزيف.
إنّ الموقف الذي نراه سليماً هو الاعتراف بهذه الثنائيات التي تقوم عليها الحياة المعاصرة. لكن ما يجب أن نتوجه إليه بسهام الفكر والنقد هو كيفية فهمنا لهذه الثنائيات، وتجاوبنا معها، وموقفنا منها، والتعامل معها. وإذا كان من قصور في تفاعل المثقفين العرب مع هذه الثنائيات إنما يكمن في دراستها الدراسة المستفيضة والواعية، وإدراكها ضمن ظروفها التاريخية، والإفادة منها بما يتلاءم والواقع الذي نحياه.
فعلى سبيل المثال، بالعودة إلى ثنائية الأصالة والمعاصرة، فعلينا أن نرفض الأصالة بمعنى العيش في الماضي، ونرفض الحداثة بمعنى الالتحاق بالآخر، وإنما نواجه الواقع الذي نعايشه بالإبداع لا بالالتحاق بالآخرين من أجدادنا أو بالمعاصرين من الغربيين، وأن نقوم بابتداع حلول لواقعنا؛ فلا يمكن الاتفاق مع صاحب المقال حين يدعو إلى التفكير الجاد في حيازة شروط نادي صانعي العولمة مع الاحتفاظ بحماية الهوية الوطنية والصناعات المحلية؛ فمن الاستحالة تحقيق ذلك.
أرى أن فهم جانب كير من الفكر البشري ونموه سواء عند العرب أو غيرهم، ومعرفة الحضارات، وإدراك تطورها يقوم أساسًا على دراسة الثنائيات في شتى مجالات الحياة. هذا ما حاول القيام به المفكرون والفلاسفة من هرقليطس إلى ماركس وهيجل إلى سارتر والجابري وحنفي وغيرهم. وأظنهم لم يكونوا يلعبون في دراساتهم.
الخلاصة إنّ ما جاء في المقال عبارة عن أفكار متسرعة تفتقد إلى أساس فكري متماسك، وتنقصها الدقة والعمق، وتحتاج إلى إعادة نظر. فكيف نغمض أعيننا عما في الثقافة العربية من ثنائيات، ونتعامل معها بأنها مزيفة تارة وعقيمة تارة أخرى. لا شك أن ما أصاب وعينا من تخبط، وما أضر حياتنا وثقافتنا يكمن في جانب منه في عدم فهمنا هذه الثنائيات، وعدم اجتراح الوسائل الناجعة للتعامل معها على ضوء واقعنا الذي نعايشه لا واقع الآخرين من الغربيين، أو واقع الماضين من الأجداد.