الدكتور إلياس تيرس أستاذ الأدب العربي والدراسات الإسلامية بكلية الآداب – جامعة مدريد، ورئيس لهذا القسم خلفا للمستشرق المشهور غرسيا كومس، ويحتل الدكتور تيرس مكانة مرموقة في الاستشراق باسبانيا، وقد أشرف على عدة رسائل للدكتوراه أعدها طلاب عرب وغير عرب في موضوعات عربية وإسلامية، وله في قلوب تلامذته احترام وتقدير لما يتحلى به من فضائل "المشيخة"، وهو يحب العربية والعرب ويعطف على قضاياهم، كما أنه يحب المغرب وله فيه ذكريات حية وزملاء وأصدقاء.
وللرجل بحوث قيمة في مجال اختصاصه، نشر بعضها: وهي تمتاز بالشمول والدقة والموضوعية والتواضع، وإلى جانب ذلك فهو فنان موسيقي، يعيش بين مشاغل الأبحاث والقيثارة التي يستسلم لها استسلام الصوفي، وإن كان الجانب الأول يطغى على وقته خصوصا بعد أن تجاوز الخمسين من عمره منذ سنتين.
وهذا البحث الذي نقدمه للقراء هو جزء من بحث قيم نشره الدكتور تيرس في مجلة الأندلس Al-Andalous – وهو أحد المسؤولين عنها – المجلد 26 سنة 1961"
كان لأبي المخشي ابنة تدعى حسانة، التي لا نعرف عنها إلا الشيء القليل، إذ لم يحتفظ بذكراها – فيما نعلم – إلا في ترجمة شديدة الإيجاز عقدها لها ابن الأبار في تكملته، حيث يقول (1).
"حسانة بنت أبي المخشي عاصم بن زيد... كانت شاعرة مطبوعة ونظمت قصائد في مدح الأمير عبد الرحمن (الثاني) ابن الحكم، ذكر ذلك أبو عامر السالمي اعتمادا على أخبارها الواردة لدى ابن عياد"، ولدينا بصفة متوازية، أخبار تتصل بشاعرة أخرى تحمل نفس الاسم، وبالتدقيق تعاصر السالفة التي يقدمها المقري في النص التالي: (2).
"ومنهن حسانة التميمية بنت أبي الحسين الشاعر، تأدبت وتعلمت الشعر فلما مات أبوها كتبت إلى الحكم، وهي إذ ذاك بكر لم تتزوج:
إني إليك أبا العاصي موجعة = أبا الحسين سقته الواكف الديم
قد كنت أرتع في نعماه عاكفة = فاليوم آوي إلى نعماك يا حكم
أنت الإمام الذي انقاد الأنام له = وملكته مقاليد النهى الأمم
لا شيء أخشى إذا ما كنت لي كنفا = آوي إليه ولا يعروني العدم
لازلت بالعزة القعساء مرتديا = حتى تذل إليك العرب والعجم
فلما وقف الحكم على شعرها استحسنه، وأمر لها بإجراء مرتب، وكتب إلى عامله على البيرة فجهزها بجهاز حسن.
ويحكى أنها وفدت على ابنه عبد الرحمن بشكاية من عامله جابر بن لبيد (3) والي البيرة، وكان الحكم قد وقع لها بخط يده تحرير أملاكها وحملها في ذلك على البر والإكرام، فتوسلت إلى جابر بخط الحكم، فلم يفدها، فدخلت إلى الإمام عبد الرحمن، فأقامت بفنائه وتلطفت مع بعض نسائه، فانتسبت إليه فعرفها وعرف أباها ثم أنشدته:
إلى ذي الندى والمجد سارت ركائبي = على شحط تصلى بنار الهواجر
ليجبر صدعي، إنه خبر جابر = ويمنعني من ذي الظلامة "جابر"
فإني وأيتامي بقبضة كفه = كذي ريش أضحى في مخالب كاسر
جدير لمثلي أن يقال مروعة = لموت أبي العاصي الذي كان ناصري
سقاه الحيا لو كان حيا لما اعتدى = علي زمان باطش بطش قادر
ليمحو الذي خطته يمناه جابر = لقد سام بالأملاك إحدى الكبائر
ولما فرغت رفعت إليه خط والده، وحكت جميع أمرها، فرق لها، وأخذ خط أبيه فقبله ووضعه على عينيه، وقال: تعدى ابن لبيد طوره حتى رام نقض رأي الحكم، وحسبنا أن نسلك سبيله بعده، ونحفظ بعد موته عهده، انصرفي يا حسانة، فقد عزلته لك، ووقع لها بمثل توقيع أبيه الحكم فقبلت يده، وأمر لها بجائزة، فانصرفت وبعثت إليه بقصيدة منها:
ابن الهشامين (4) خير الناس مأثرة = وخير منتجع يوما لرواد
أن هز يوم الوغى أثناء صعدته = روى أنابيبها من صدق فرصاد
قل للإمام أيا خير الورى نسبا = مقابلا بين آباء وأجداد
جودت طبعي ولم ترض الظلامة لي = فهاك فضل ثناء رائح غاد
فإن أقمت ففي نعماك عاطفة = وإن رحلت فقد زودتني زادي"
هذا هو النص الكامل الذي يقدمه لنا المقري، وهذه المصادر تكون كل ما استطعنا أن نصل إليه حول حسانة التميمية.
بالنظر إلى النصوص المعروضة، وبدون زيادة عناصر يمكن أن تساعدنا فإن القارئ يشعر بميل إلى أن يتصور أن حسانة التميمية قد تكون ابنة أبي المخشي التي رأيناها منصوصا عليها في تكملة ابن الأبار، بتأكيد أن كلا المرأتين تتفق في النقاط التالية:
1- النسبة أو الأصل القبلي (فكلتاهما تنتمي إلى نسب تميم).
2- الموطن (فكلتاهما من البيرة).
3- العصر (كل منهما عاشت في فترة إمارة الحكم وعبد الرحمن الثاني).
4- كونهما شاعرتين (فكلتاهما قدمت قصائد مدحية للأمراء).
بناء على هذه المطابقات، الواضحة وذات دلالة، قد يمكن لنا أن نستنتج أن النصين المدروسين يشيران إلى شخصية وحيدة وبالذات، يعني تتعلق بابنة أبي المخشي.
لو أمكن أن يكون لنا تأكيد بذلك لكان مصدرا ذا قيمة بالنسبة لنا، ذلك أنه سيحملنا أن نقبل باستسلام وبكل وضوح التاريخ الذي يورده ابن سعيد لوفاة ذلك الشاعر (5) لأنه، حسب نص المقري، نرى بأن والد حسانة قد توفي في فترة إمارة الحكم الأول.
وواضح، بادئ ذي بدء أن هذا التوحيد بين الشخصيتين تعارض النسبة العائلية المنصوص عليها في النصوص: فواحدة ابنة الشاعر أبي المخشي والأخرى ابنة الشاعر أبي الحسين، ولكن ما زلنا هنا يمكن الوصول إلى تفسير معقول: ذلك أن الكنية "أبا المخشي" ليست معتادة بين العرب، بالضبط، ولغرابتها شكوا، أحيانا، في نقلها، وهكذا نجد مثلا مكتوبا: "أبو المحشي" في التكملة "أبو المخشبي" في الإحاطة، وبدون تعسف يمكن قبول بأن أبا الحسين والد حسانة التميمية – الشاعر الذي ليس لنا عنه، من جهة أخرى، أي ذكر أو إشارة – وقد وقع أن حرف إلى أبي المخشي من قبل النساخ، هو التحريف الذي يفسر بسهولة في دراسة الكتابة العربية القديمة غير أنه في هذه النقطة تبرز لنا صعوبة لا نستطيع أن نجد لها تفسيرا مقبولا: ذلك أنه في البيت الأول من القصيدة الأولى المنسوبة لحسانة التميمية يبدو اسم والدها أبا الحسين، لو نحن جعلنا مكانه اسم أبي المخشي لاختل النظام الداخلي للوزن الشعري الذي يفرضه بحر البسيط الذي نظمت القصيدة عليه، لهذا يجب أن نسلم بقراءة "أبا الحسين" فهي الصحيحة هنا، وبالتالي فالاسم هذا هو الأصيل، ويمكن أن يكون قد وقع أيضا أن يكون للشاعر كنيتان مختلفتان: أبو المخشي وأبو الحسين، ولكن هذا أمر لا نعرفه، الأمر الذي يجعلنا ملزمين – على الأقل ما دام لم يظهر لنا مصادر تثبت لنا العكس – بالاعتراف بأنه في النصوص المذكورة سالفا يتعلق الأمر بشاعرتين مختلفتين.
التعليق:
1- أنه أبو المخشي وليس أبا الحسين أو أبا المحشي أبا المخشبي
بدليل النص الوارد في تكملة ابن الأبار نسخة الخزانة الملكية ص 420 حيث يقول:
"حسانة بنت أبي المخشي عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن غدير بن زيد العبادي التميمي كانت شاعرة مطبوعة ومدحت الأمير عبد الرحمن بن الحكم ذكر (ذلك) (6) أبو عامر السالمي وفي خبرها عن ابن حيان"، وهذه النسخة محررة مضبوطة، كانت في ملك سعيد بن حكم القرشي أمير منورقة وقد قابلها على نسخة المؤلف مباشرة محمد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني تحت إشراف الأمير المذكور، والنسخة مكتوبة بخط محمد بن أحمد الفهري ابن الجلاب المتوفى بتونس سنة 664 هـ (1266 م) الذي ساهم في المقابلة والتصحيح بالاشتراك مع الأنصاري المذكور.
فإذن نحن نملك نسخة طبق الأصل من نسخة المؤلف المحررة المعتمدة وبذلك يكون اكتشاف الدكتور تيرس أن حسانة التميمية هي ابنة أبي المخشي صحيح، واستنتاجاته العلمية الرصينة قد انتهت به إلى ما ينبغي أن يقطع كل شك بعد العثور على هذا النص الموثق لأن ابن الأبار مؤرخ معتمد...
2 – أما الصعوبة التي تعترض توحيد الكنيتين على أساس أن أبا الحسين قد دخله تحريف على يد النساخ ولم يجد لها تأويلا أو تفسيرا مقبولا علميا فإن استخرجناه يؤيده في ذلك الافتراض الذي افترضه النص وهو أنه قد يكون للشاعر كنيتان: أبو الحسين وأبو المخشي، لأنه، أي النص، صريح لا يدع أي شك في أن "أبا المخشي" صحيح وأنه بريء من كل تحريف، والمخرج الوحيد من الصعوبة التي يضعها أمامنا البيت الذي ينكر وزنه إن نحن وضعنا "أبا المخشي" بدل "أبي الحسين" هو أن ندعم ذلك الافتراض، فقد يكون الشاعر الوالد كان يكنى بأبي الحسين، ثم عندما تعرض لتجربة العمى القاسية ونظم تلك القصيدة الرائعة التي يبكي فيها بصره لقب بأبي المخشي لقوله:
لم يزل في كل مخشي الردى يصطلي الحرب ويجتاب الدجى
فلعل ورود لفظة "مخشي" جعل الناس يطلقون عيه هذه الكنية الجديدة، وبذلك يمكن أن نجد تفسيرا مقبولا بالإضافة إلى الحجج البينة التي ساقها الدكتور تيرس للتدليل على أن الشخصيتين – الشاعرتين – شخصية واحدة وهي حسانة التميمية بنت أبي المخشي، خصوصا وأنه، لحد الآن، لا يعرف في هذا العصر بالذات شاعر يكنى بأبي الحسين، وله ابنة شاعرة... (7)
1) ترجمة النص الاسباني للعربي، والنص العربي الأصيل في التكملة رقم الترجمة 2851 تحقيق الأركون وبالنثيا، وليس بين يدي، وعلى كل، فإن هذا النص هو نفسه، تقريبا، الذي أوردته في التعليق (1).
2) نفح الطيب 5/299 – 301، ط القاهرة.
3) عن هذه الشخصية يمكن أن تنظر: العقد الفريد 2/365، ط. بولاق (1293)، أخبار مجموعة 129 = 116، البيان المغرب، لابن عذاري، 2/81 ط. دوزي (ترجمة فاكنان 2/128)، والمقري 5/300.
4) يقول عبد الرحمن الثاني عن نفسه في قصيدة منسوبة له في الفخر:
أنا ابن الهاشمين... (انظر إلياس تيرس: ابن الشمر، شاعر منجم في بلاط عبد الرحمن الثاني، مجلة الأندلس عدد 24 سنة 1959 صفحة 459، قلت: وانظر: أعمال الأعلام ص 18 – 19، نشر ليفى بروفنسال.
5) انظر مجلة الأندلس عدد 26 ص 240، والمغرب لابن سعيد 2/124.
6) التكملة الخزانة الملكية، رقم 1411.
7) انظر الدكتور هيكل، الأدب الأندلسي ص 109، حيث يذكر "أبا الحسين التميمي" من شعراء هذا العصر!
دعوة الحق
114 العدد
وللرجل بحوث قيمة في مجال اختصاصه، نشر بعضها: وهي تمتاز بالشمول والدقة والموضوعية والتواضع، وإلى جانب ذلك فهو فنان موسيقي، يعيش بين مشاغل الأبحاث والقيثارة التي يستسلم لها استسلام الصوفي، وإن كان الجانب الأول يطغى على وقته خصوصا بعد أن تجاوز الخمسين من عمره منذ سنتين.
وهذا البحث الذي نقدمه للقراء هو جزء من بحث قيم نشره الدكتور تيرس في مجلة الأندلس Al-Andalous – وهو أحد المسؤولين عنها – المجلد 26 سنة 1961"
كان لأبي المخشي ابنة تدعى حسانة، التي لا نعرف عنها إلا الشيء القليل، إذ لم يحتفظ بذكراها – فيما نعلم – إلا في ترجمة شديدة الإيجاز عقدها لها ابن الأبار في تكملته، حيث يقول (1).
"حسانة بنت أبي المخشي عاصم بن زيد... كانت شاعرة مطبوعة ونظمت قصائد في مدح الأمير عبد الرحمن (الثاني) ابن الحكم، ذكر ذلك أبو عامر السالمي اعتمادا على أخبارها الواردة لدى ابن عياد"، ولدينا بصفة متوازية، أخبار تتصل بشاعرة أخرى تحمل نفس الاسم، وبالتدقيق تعاصر السالفة التي يقدمها المقري في النص التالي: (2).
"ومنهن حسانة التميمية بنت أبي الحسين الشاعر، تأدبت وتعلمت الشعر فلما مات أبوها كتبت إلى الحكم، وهي إذ ذاك بكر لم تتزوج:
إني إليك أبا العاصي موجعة = أبا الحسين سقته الواكف الديم
قد كنت أرتع في نعماه عاكفة = فاليوم آوي إلى نعماك يا حكم
أنت الإمام الذي انقاد الأنام له = وملكته مقاليد النهى الأمم
لا شيء أخشى إذا ما كنت لي كنفا = آوي إليه ولا يعروني العدم
لازلت بالعزة القعساء مرتديا = حتى تذل إليك العرب والعجم
فلما وقف الحكم على شعرها استحسنه، وأمر لها بإجراء مرتب، وكتب إلى عامله على البيرة فجهزها بجهاز حسن.
ويحكى أنها وفدت على ابنه عبد الرحمن بشكاية من عامله جابر بن لبيد (3) والي البيرة، وكان الحكم قد وقع لها بخط يده تحرير أملاكها وحملها في ذلك على البر والإكرام، فتوسلت إلى جابر بخط الحكم، فلم يفدها، فدخلت إلى الإمام عبد الرحمن، فأقامت بفنائه وتلطفت مع بعض نسائه، فانتسبت إليه فعرفها وعرف أباها ثم أنشدته:
إلى ذي الندى والمجد سارت ركائبي = على شحط تصلى بنار الهواجر
ليجبر صدعي، إنه خبر جابر = ويمنعني من ذي الظلامة "جابر"
فإني وأيتامي بقبضة كفه = كذي ريش أضحى في مخالب كاسر
جدير لمثلي أن يقال مروعة = لموت أبي العاصي الذي كان ناصري
سقاه الحيا لو كان حيا لما اعتدى = علي زمان باطش بطش قادر
ليمحو الذي خطته يمناه جابر = لقد سام بالأملاك إحدى الكبائر
ولما فرغت رفعت إليه خط والده، وحكت جميع أمرها، فرق لها، وأخذ خط أبيه فقبله ووضعه على عينيه، وقال: تعدى ابن لبيد طوره حتى رام نقض رأي الحكم، وحسبنا أن نسلك سبيله بعده، ونحفظ بعد موته عهده، انصرفي يا حسانة، فقد عزلته لك، ووقع لها بمثل توقيع أبيه الحكم فقبلت يده، وأمر لها بجائزة، فانصرفت وبعثت إليه بقصيدة منها:
ابن الهشامين (4) خير الناس مأثرة = وخير منتجع يوما لرواد
أن هز يوم الوغى أثناء صعدته = روى أنابيبها من صدق فرصاد
قل للإمام أيا خير الورى نسبا = مقابلا بين آباء وأجداد
جودت طبعي ولم ترض الظلامة لي = فهاك فضل ثناء رائح غاد
فإن أقمت ففي نعماك عاطفة = وإن رحلت فقد زودتني زادي"
هذا هو النص الكامل الذي يقدمه لنا المقري، وهذه المصادر تكون كل ما استطعنا أن نصل إليه حول حسانة التميمية.
بالنظر إلى النصوص المعروضة، وبدون زيادة عناصر يمكن أن تساعدنا فإن القارئ يشعر بميل إلى أن يتصور أن حسانة التميمية قد تكون ابنة أبي المخشي التي رأيناها منصوصا عليها في تكملة ابن الأبار، بتأكيد أن كلا المرأتين تتفق في النقاط التالية:
1- النسبة أو الأصل القبلي (فكلتاهما تنتمي إلى نسب تميم).
2- الموطن (فكلتاهما من البيرة).
3- العصر (كل منهما عاشت في فترة إمارة الحكم وعبد الرحمن الثاني).
4- كونهما شاعرتين (فكلتاهما قدمت قصائد مدحية للأمراء).
بناء على هذه المطابقات، الواضحة وذات دلالة، قد يمكن لنا أن نستنتج أن النصين المدروسين يشيران إلى شخصية وحيدة وبالذات، يعني تتعلق بابنة أبي المخشي.
لو أمكن أن يكون لنا تأكيد بذلك لكان مصدرا ذا قيمة بالنسبة لنا، ذلك أنه سيحملنا أن نقبل باستسلام وبكل وضوح التاريخ الذي يورده ابن سعيد لوفاة ذلك الشاعر (5) لأنه، حسب نص المقري، نرى بأن والد حسانة قد توفي في فترة إمارة الحكم الأول.
وواضح، بادئ ذي بدء أن هذا التوحيد بين الشخصيتين تعارض النسبة العائلية المنصوص عليها في النصوص: فواحدة ابنة الشاعر أبي المخشي والأخرى ابنة الشاعر أبي الحسين، ولكن ما زلنا هنا يمكن الوصول إلى تفسير معقول: ذلك أن الكنية "أبا المخشي" ليست معتادة بين العرب، بالضبط، ولغرابتها شكوا، أحيانا، في نقلها، وهكذا نجد مثلا مكتوبا: "أبو المحشي" في التكملة "أبو المخشبي" في الإحاطة، وبدون تعسف يمكن قبول بأن أبا الحسين والد حسانة التميمية – الشاعر الذي ليس لنا عنه، من جهة أخرى، أي ذكر أو إشارة – وقد وقع أن حرف إلى أبي المخشي من قبل النساخ، هو التحريف الذي يفسر بسهولة في دراسة الكتابة العربية القديمة غير أنه في هذه النقطة تبرز لنا صعوبة لا نستطيع أن نجد لها تفسيرا مقبولا: ذلك أنه في البيت الأول من القصيدة الأولى المنسوبة لحسانة التميمية يبدو اسم والدها أبا الحسين، لو نحن جعلنا مكانه اسم أبي المخشي لاختل النظام الداخلي للوزن الشعري الذي يفرضه بحر البسيط الذي نظمت القصيدة عليه، لهذا يجب أن نسلم بقراءة "أبا الحسين" فهي الصحيحة هنا، وبالتالي فالاسم هذا هو الأصيل، ويمكن أن يكون قد وقع أيضا أن يكون للشاعر كنيتان مختلفتان: أبو المخشي وأبو الحسين، ولكن هذا أمر لا نعرفه، الأمر الذي يجعلنا ملزمين – على الأقل ما دام لم يظهر لنا مصادر تثبت لنا العكس – بالاعتراف بأنه في النصوص المذكورة سالفا يتعلق الأمر بشاعرتين مختلفتين.
التعليق:
1- أنه أبو المخشي وليس أبا الحسين أو أبا المحشي أبا المخشبي
بدليل النص الوارد في تكملة ابن الأبار نسخة الخزانة الملكية ص 420 حيث يقول:
"حسانة بنت أبي المخشي عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن غدير بن زيد العبادي التميمي كانت شاعرة مطبوعة ومدحت الأمير عبد الرحمن بن الحكم ذكر (ذلك) (6) أبو عامر السالمي وفي خبرها عن ابن حيان"، وهذه النسخة محررة مضبوطة، كانت في ملك سعيد بن حكم القرشي أمير منورقة وقد قابلها على نسخة المؤلف مباشرة محمد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني تحت إشراف الأمير المذكور، والنسخة مكتوبة بخط محمد بن أحمد الفهري ابن الجلاب المتوفى بتونس سنة 664 هـ (1266 م) الذي ساهم في المقابلة والتصحيح بالاشتراك مع الأنصاري المذكور.
فإذن نحن نملك نسخة طبق الأصل من نسخة المؤلف المحررة المعتمدة وبذلك يكون اكتشاف الدكتور تيرس أن حسانة التميمية هي ابنة أبي المخشي صحيح، واستنتاجاته العلمية الرصينة قد انتهت به إلى ما ينبغي أن يقطع كل شك بعد العثور على هذا النص الموثق لأن ابن الأبار مؤرخ معتمد...
2 – أما الصعوبة التي تعترض توحيد الكنيتين على أساس أن أبا الحسين قد دخله تحريف على يد النساخ ولم يجد لها تأويلا أو تفسيرا مقبولا علميا فإن استخرجناه يؤيده في ذلك الافتراض الذي افترضه النص وهو أنه قد يكون للشاعر كنيتان: أبو الحسين وأبو المخشي، لأنه، أي النص، صريح لا يدع أي شك في أن "أبا المخشي" صحيح وأنه بريء من كل تحريف، والمخرج الوحيد من الصعوبة التي يضعها أمامنا البيت الذي ينكر وزنه إن نحن وضعنا "أبا المخشي" بدل "أبي الحسين" هو أن ندعم ذلك الافتراض، فقد يكون الشاعر الوالد كان يكنى بأبي الحسين، ثم عندما تعرض لتجربة العمى القاسية ونظم تلك القصيدة الرائعة التي يبكي فيها بصره لقب بأبي المخشي لقوله:
لم يزل في كل مخشي الردى يصطلي الحرب ويجتاب الدجى
فلعل ورود لفظة "مخشي" جعل الناس يطلقون عيه هذه الكنية الجديدة، وبذلك يمكن أن نجد تفسيرا مقبولا بالإضافة إلى الحجج البينة التي ساقها الدكتور تيرس للتدليل على أن الشخصيتين – الشاعرتين – شخصية واحدة وهي حسانة التميمية بنت أبي المخشي، خصوصا وأنه، لحد الآن، لا يعرف في هذا العصر بالذات شاعر يكنى بأبي الحسين، وله ابنة شاعرة... (7)
1) ترجمة النص الاسباني للعربي، والنص العربي الأصيل في التكملة رقم الترجمة 2851 تحقيق الأركون وبالنثيا، وليس بين يدي، وعلى كل، فإن هذا النص هو نفسه، تقريبا، الذي أوردته في التعليق (1).
2) نفح الطيب 5/299 – 301، ط القاهرة.
3) عن هذه الشخصية يمكن أن تنظر: العقد الفريد 2/365، ط. بولاق (1293)، أخبار مجموعة 129 = 116، البيان المغرب، لابن عذاري، 2/81 ط. دوزي (ترجمة فاكنان 2/128)، والمقري 5/300.
4) يقول عبد الرحمن الثاني عن نفسه في قصيدة منسوبة له في الفخر:
أنا ابن الهاشمين... (انظر إلياس تيرس: ابن الشمر، شاعر منجم في بلاط عبد الرحمن الثاني، مجلة الأندلس عدد 24 سنة 1959 صفحة 459، قلت: وانظر: أعمال الأعلام ص 18 – 19، نشر ليفى بروفنسال.
5) انظر مجلة الأندلس عدد 26 ص 240، والمغرب لابن سعيد 2/124.
6) التكملة الخزانة الملكية، رقم 1411.
7) انظر الدكتور هيكل، الأدب الأندلسي ص 109، حيث يذكر "أبا الحسين التميمي" من شعراء هذا العصر!
دعوة الحق
114 العدد