د. مصطفى رجب - تشابه أسماء!!

جزعت جزعاً شديداً عندما أصر أحد طلابي الذي يجلسون للاختبار الشفوي على أن الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل هو مؤلف رواية " زينب " الشهيرة ، وكاتب كتاب " حياة محمد " ، فلما أوضحت له أنه يقصد الكاتب الراحل الدكتور محمد حسين هيكل وزير المعارف والسياسي المعروف في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين ، لم أر على وجه الطالب كبير اهتمام ، ولم أر الدهشة التي كنت أنتظرها منه بحجم خطئه ، فأدركت أن الأمر يحتاج إلى إعمال فكر . .
وعدت إلى كتب التاريخ والتراجم ، فهالني ما وجدته فيها من ظواهر تتماس إلى حد كبير مع الموقف الذي شهدته ، فهناك العشرات من الأعلام تتشابه ألقابهم ، وأحياناً تتشابه أسماؤهم مما قد يوقع البعض في خطأ النقل المتسرع .
وقديماً كانت دوافع بحث مثل هذه القضية جديرة بالرعاية ، لأنها دوافع قوية تستند إلى أساس تاريخي يتمثل في طريقة تداول المعرفة عبر عمليات " النسخ " اليدوي للمخطوطات وهي عمليات تخضع بدورها لمدى ثقافة " الناسخ " الذي كان يتخذ من " الوراقة والنسخ " حرفة يرتزق منها بصرف النظر عما إذا كان أهلاً لاستيعاب ما ينسخه أو لم يكن ، ومن هنا نشأ ما سمي فيما بعد بـ " التصحيف " بمعنى الخطأ الناتج عن النقل من الصحف .
وقد ذكر العسكري " الحسن بن عبد الله (ت 382هـ ) " في كتابه " شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف "(1) طرائف كثيرة وأنماطاً مضحكة من التصحيفات التي تشبه نوادر عصرنا الحاضر المسماة بالأخطاء المطبعية .
على أن هذه المشكلة قد حلت إلى حد كبير بوضع النقط والإعجام في عهد بني أمية(2) ولم تبق لهذه المشكلة الفنية أصداء تذكر إلا على سبيل التفكه والتندر حين يقع الخطأ نتيجة غفلة الناسخ أو حمقه .
غير أن جزءاً طفيفاً من هذه المشكلة ظل قائماً وهو الخاص بضبط أسماء الرجال ( = الأعلام ) من رواة وشعراء ومحدثين ونقلة لغة وغيرهم مما حدا برجال التاريخ المعنيين بـ" الأعلام " أو مؤلفي كتب الطبقات أن يبذلوا جهداً إضافياً لضبط الأعلام – حتى لو كانت أسماء البلدان كما نقل " ياقوت الحموي " في معجم البلدان – ونظراً لخوفهم من أخطاء النساخ لجئوا إلى الضبط بالكتابة فيقولون مثلا ً : أسيوط : بفتح الهمزة ، أو ما شابه ذلك في أسماء الرجال .
ولعل هذا يفسر لنا سر تكاثر المؤلفات العربية التي عنيت بهذا الجانب المعرفي المهم وهو : ضبط متشابهات الأسماء ، فمن هذه المؤلفات :
1-مختلف القبائل ومؤتلفها(3) لابن حبيب البغدادي (ت 245هـ ) وهو من أوائل المؤلفات في هذا المجال وقد اهتم مؤلفه بأسماء القبائل المتشابهة .
2- المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء (4) للآمدي ( أبو القاسم الحسن بن بشر ت 370هـ ) .
3- المختلف والمؤتلف في أسماء الرجال(5) للدارقطني ت 385هـ .
4- الإيناس في علم الأنساب (6) للوزير المغربي ( أبو القاسم الحسين بن علي بن الحسين المغربي يعرف بالوزير أحياناً وبابن الوزير أحياناً أخرى ت 418هـ ) وهو تهذيب للكتاب الأول في هذه القائمة الذي ألفه ابن حبيب البغدادي فرأى ابن الوزير المغربي أنه مبستر لشدة اختصاره واقتصاره على ضبط الأسماء ، فأعاد صياغته ووسع مادته العلمية ودعمها بالأشعار والروايات .
5- المعجم في مشتبه أسامي المحدثين (7) للهروي ت 438هـ .
6- للخطيب البغدادي ت 463هـ كتابان في هذا الفن ، أحدهما أكمل به "المؤتلف والمختلف" للدارقطني و"المؤتلف والمختلف ومشتبه النسب " لعبد الغني الأزدي وسماه " المؤتنف لكلمة المؤتلف والمختلف "(
.
وله كتاب آخر سماه " تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم "
7- " الإكمال في دفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب "(9) لابن ماكولا ( الأمير علي بن هبة الله بن علي بن جعفر المقتول سنة 474هـ وقيل 487هـ ) حاول فيه تكملة ما فات الخطيب البغدادي وتصويب ما رأى أنه غلط فيه ، وقد أشاد بكتاب ابن ماكولا هذا كثير من الحفاظ والمحققين .
8- " تقييد المهمل وتمييز المشكل " (10) للجياني الأندلسي ت 498هـ جعله مؤلفه عشرة أجزاء ، الأربعة الأولى منها فيما يأتلف خطه ويختلف لفظه من أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم ، والأجزاء الخمسة التالية في التنبيه على الأوهام الواقعة في أسماء رواة الصحيحين ، والجزء العاشر في الألقاب خاصة .
9- " المشتبه في أسماء الرجال وأنسابهم "(11) للحافظ الذهبي ت 748هـ .
10- " تحفة الأرب في مشكل الأسماء والنسب " (12) لابن خطيب الدهشة الهمذاني ت 834هـ.
11- " تبصير المنتبه بتحرير المشتبه " (13) للحافظ ابن حجر العسقلاني ت 852هـ .
وليست هذه القائمة إلا على سبيل التمثيل ، فكتب تحرير متشابهات الأسماء أكبر بكثير من هذه القائمة التي حاولت أن أجمع فيها أشهر كتب هذا الفن العسير .
ولابد للقارئ والكاتب في عصرنا الحاضر من التحري بدقة عند ذكر اسم شخصية تراثية أو لقبها ، حتى لا تتشابه الأسماء،، فيقع في المحظور وهو الخلط بين الأسماء المتشابهة ، فإذا كان الباحث –على سبيل المثال- أمام اسم أو لقب " الشاطبي " فيجب أن يفرق بين الشخصيات التالية وكل منها يلقب بالشاطبي :
I) الشاطبي ( أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ت 790 هـ ) الفقيه المالكي اللغوي المفسر مؤلف " الاعتصام " و " الموافقات " .
II) الشاطبي ( أبو العباس أحمد بن محمد بن حسن ت 674هـ ) المقرئ الفقيه ، له كتب في القراءات ، وهناك شاطبي آخر يشبهه حتى في الاسم ومقرئ أيضاً هو :
III) الشاطبي ( أحمد بن محمد بن خلف ت 516هـ ) وله كتب في القراءات أيضاً منها : المقنع في القراءات السبع ، والمفيد في القراءات الثمان .
IV) الشاطبي ( أحمد بن هارون ت609 هـ ) وهو محدث وحافظ ، وله كتب منها : النزهة في التعريف بشيوخ الوجهة ، وريحانة النفس وراحة الأنفس في ذكر شيوخ الأندلس ، وهناك شاطبي آخر محدث أيضاً هو :
V) الشاطبي ( أبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة ت 465هـ ) محدث لغوي ، صنف غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام على حروف المعجم .
VI) الشاطبي ( محمد بن عبد الرحمن الخزرجي ت 691هـ ) الفقيه ، القاضي ، له مؤلفات منها : شرح الجزولية .
VII) الشاطبي ( محمد بن يحيى ت 547هـ ) المؤرخ الأديب النحوي الخطيب العروضي ، له مؤلفات منها : تاريخ ملوك الأندلس والأعيان والشعراء بها ، وله مصنف في الحماسة .
.......فالشاطبي : هذا ..لقبٌ واحدٌ لثمانية أعلام مختلفين ،
وهناك ثمانية آخرون غيرهم ملقبون بالشاطبي أيضاً أعرضنا عن ذكرهم خشية الإطالة ، فالهدف الأساسي من هذا المقال : الدعوة إلى التريث عند التعرض لأي علم من الأعلام لحين التثبت من المعلومات الواردة عنه .
ومن الأمثلة الشهيرة على الخطأ في هذا الصدد ما يحدث من خلط عند بعض الكتاب إذا تحدثوا عن ابن الأثير برغم أن أبناء الأثير ثلاثة أشقاء هم :
- ابن الأثير المحدث ( المبارك بن محمد ت 606 هـ )
- وابن الأثير المؤرخ ( علي بن محمد ت 630 هـ )
- وابن الأثير البلاغي الكاتب ( ضياء الدين نصر الله بن محمد ت 637هـ )
ولكل من الثلاثة كتب شهيرة معروفة ، ولكن نظراً لكونهم أشقاء ، ولأن المعارف في العصور القديمة لم تكن بالتخصيص الدقيق الواضح الآن في عصرنا ، فإن البعض قد يتسرع فينسب بعض ما ورد عن أحدهم إلى أخيه.


======
===== =
======
هوامش :
1) حققه عبد العزيز أحمد ونشرته مكتبة البابي الحلبي بالقاهرة 1963م.
2) المقصود بالنقط ليس ما يفهمه البعض من وضع نقطة تحت الباء مثلاً ، إنما المقصود هنا الضبط بالحركات من فتحة وضمة وكسرة وهو ما نسميه اليوم بالتشكيل أو الضبط ، أما الإعجام فهو ما نسميه اليوم بالنقط التي توضع فوق الحرف أو تحته فتتميز الباء من التاء .
3) نشرته دار اليمامة بالرياش 1980م. بتحقيق العلامة حمد الحاسر .
4) نشره المستشرق الألماني كرنكو 1354هـ ثم نشره عبد الستار أحمد فراج بالقاهرة سنة 1961م.
5) حققه باحث لنيل درجة الدكتوراه من جامعة أم القرى اسمه موفق عبد الله عبد القادر .
6) نشره العلامة حمد الجاسر في دار اليمامة بالرياض 1980م.
7) مذكور في فهرس المخطوطات المصورة رقم 693 .
ذكره بروكلمان 6/60 .
9) فهرس المخطوطات المصورة رقم 190.
10) السابق رقم 770، 1005 .
11) طبع طبعتين : أولاهما بتحقيق المستشرق دي يونج 1881 في ليدن ، والثانية طبعة البابي الحلبي بالقاهرة بتحقيق علي محمد البيجاوي .
12) طبع في ليدن 1905م. بعناية الدكتور تروجوت مان .
13) طبع بمطبعة البابي الحلبي بالقاهرة بتحقيق البيجاوي 1967م.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...