المعرفة، في الأصل، واحدة وموحَّدة حيث كانت وحدةُ هذه المعرفة عند القدماء واضحةً وضوح الشمس. كان هؤلاء القدماء علماءَ بما للكلمة من معنى بدْأً من الحضارات القديمة كالحضارة اليونانية و مرورا بالحضارة العربية الإسلامية...
كان العالِمُ يجمع بين عدَّة مجالات من المعرفة. فتجده، في آن واحد، طبيبا و فيلسوفا و عالمَ اجتماع و فيزيائيا و عالمَ فلك و عالم رياضيات...
في الحقيقة، العلوم متشابكة و مُتداخلة. الرياضيات لها علاقة بالفيزياء و الفيزياء لها علاقة بالكيمياء و البيولوجيا لها علاقة بالكيمياء و البيولوجيا لها علاقة بالأنثروبولوجيا و علم النفس و الطب و البيطرة، الخ.
و إذا رجعنا إلى القرآن الكريم، سنجد أن كلمةَ "عِلْمٍ" وردت فيه فقط على صيغة المفرد و لا يوجد فيه أثر لصيغة الجمع "علوم". و المقصود بالعلم هو العِلم الشامل الذي يتمكَّن الإنسان بواسطته من معرفة الكون بصفة عامَّة و من معرفة الأرض التي أوصى الله الإنسانَ أن يُعمِّرَها بصفةٍ خاصَّة. و لن يستطيعَ الإنسان أن يُعمِّرَها بدون معرفة، أي بدون علمٍ.
غير أن المعارف التي أنتجها الإنسان لإعمار الأرض إلى حدِّ الآن باتت مُستقلَّةً و منعزلة بعضها عن البعض الآخر و لم تَعُد تستجيب لمفهوم "العلم الشامل" science globale. بمعنى أن المحالات العلمية تمَّت إحاطتِها بحواجز تمنعها من الإطلالة و الاستفادة من المجالات الأخرى. و أخطر هذه الحواجز هي تلك التي وُضِعت بين ما يُسمَّى بالعلوم الدقيقة و العلوم الطبيعية، من جهة، و العلوم الإنسانية من جهةِ أخرى.
غير أن إعمارَ الأرض لا يمكن أن يتمَّ فقط من خلال ما أنتجته العلوم الدقيقة و العلوم الطبيعية من معارف. لأن إعمارَ الأرض هدفه الأساسي هو إسعاد البشر. و هذا يعني أن إعمارَ الأرض يجب أن لا يُلحقَ أضراراً لا بالأرض و لا بما عليها و ما فيها من مُكوِّنات حيّة و غير حيٌّة بما فيها الإنسان. فالإعمارُ له قواعده و يتطلَّبُ سلوكياتٍ و أخلاقياتٍ و قيماً معينة. فمِن أين ستأتي هذه القواعد و السلوكيات و الأخلاقيات و القيم؟ العلوم الإنسانية هي التي تُنتج المعارف التي لها علاقة بالإعمار المرغوب فيه. و هذا هو مثلا دور الفلسفة و الأنثروبولوجيا و علم الاجتماع و علم النفس و التاريخ و علوم الاقتصاد و التدبير و السياسة و البيئة و التربية، الخ.
إن إعمارَ الأرض المرغوبَ فيه يتطلَّبُ حتما تكاملَ المعارف بمعنى أن مجالا مُعيَّنا من المعرفة يجب أن ينفتحَ على المجالات الأخرى لينهلَ منها ما هو لائق لسيرورة حسنة لهذا الإعمار.
و بكل أسف، هذا الانفتاجُ يكاد يكون حاليا مُنعدما نظرا للتَّضخُّم الذي عرفته و تعرفه التخصُّصات. و لهذا، قد نجد في حياتًِنا اليومية أمهرَ و أكفأَ المهندسين و الأطباء و الفيزيائيين و علماء الفضاء و الصيدلانيين، الخ.، لكنهم، فيما يخصُّ انفتاحَهم على مجالات المعرفة الأخرى و خصوصا منها مجالات العلوم الإنسانية، يبقون سجناء تخصُّصاتهم لكون العلومَ الدقيقة علوم مجفَّفة من الأحاسيس و الوجدان و الروحانية التي بدونها قد يتجرَّد الإنسان من إنسانيته.
و خِتاما، قد لا أبالغ إذا قلتُ إن العلوم الإنسانية يجب دائما أن تسبقَ العلوم الدقيقة و الطبيعية لأنها تهُمُّ الإنسان و وجودَه على الأرض. و الإنسان هو المسئول الأول و الأخير عن إعمار الأرض، إعمارا يصون الأرضَ و ما تأويه و ما تحتويه من مُكوِّنات.
كان العالِمُ يجمع بين عدَّة مجالات من المعرفة. فتجده، في آن واحد، طبيبا و فيلسوفا و عالمَ اجتماع و فيزيائيا و عالمَ فلك و عالم رياضيات...
في الحقيقة، العلوم متشابكة و مُتداخلة. الرياضيات لها علاقة بالفيزياء و الفيزياء لها علاقة بالكيمياء و البيولوجيا لها علاقة بالكيمياء و البيولوجيا لها علاقة بالأنثروبولوجيا و علم النفس و الطب و البيطرة، الخ.
و إذا رجعنا إلى القرآن الكريم، سنجد أن كلمةَ "عِلْمٍ" وردت فيه فقط على صيغة المفرد و لا يوجد فيه أثر لصيغة الجمع "علوم". و المقصود بالعلم هو العِلم الشامل الذي يتمكَّن الإنسان بواسطته من معرفة الكون بصفة عامَّة و من معرفة الأرض التي أوصى الله الإنسانَ أن يُعمِّرَها بصفةٍ خاصَّة. و لن يستطيعَ الإنسان أن يُعمِّرَها بدون معرفة، أي بدون علمٍ.
غير أن المعارف التي أنتجها الإنسان لإعمار الأرض إلى حدِّ الآن باتت مُستقلَّةً و منعزلة بعضها عن البعض الآخر و لم تَعُد تستجيب لمفهوم "العلم الشامل" science globale. بمعنى أن المحالات العلمية تمَّت إحاطتِها بحواجز تمنعها من الإطلالة و الاستفادة من المجالات الأخرى. و أخطر هذه الحواجز هي تلك التي وُضِعت بين ما يُسمَّى بالعلوم الدقيقة و العلوم الطبيعية، من جهة، و العلوم الإنسانية من جهةِ أخرى.
غير أن إعمارَ الأرض لا يمكن أن يتمَّ فقط من خلال ما أنتجته العلوم الدقيقة و العلوم الطبيعية من معارف. لأن إعمارَ الأرض هدفه الأساسي هو إسعاد البشر. و هذا يعني أن إعمارَ الأرض يجب أن لا يُلحقَ أضراراً لا بالأرض و لا بما عليها و ما فيها من مُكوِّنات حيّة و غير حيٌّة بما فيها الإنسان. فالإعمارُ له قواعده و يتطلَّبُ سلوكياتٍ و أخلاقياتٍ و قيماً معينة. فمِن أين ستأتي هذه القواعد و السلوكيات و الأخلاقيات و القيم؟ العلوم الإنسانية هي التي تُنتج المعارف التي لها علاقة بالإعمار المرغوب فيه. و هذا هو مثلا دور الفلسفة و الأنثروبولوجيا و علم الاجتماع و علم النفس و التاريخ و علوم الاقتصاد و التدبير و السياسة و البيئة و التربية، الخ.
إن إعمارَ الأرض المرغوبَ فيه يتطلَّبُ حتما تكاملَ المعارف بمعنى أن مجالا مُعيَّنا من المعرفة يجب أن ينفتحَ على المجالات الأخرى لينهلَ منها ما هو لائق لسيرورة حسنة لهذا الإعمار.
و بكل أسف، هذا الانفتاجُ يكاد يكون حاليا مُنعدما نظرا للتَّضخُّم الذي عرفته و تعرفه التخصُّصات. و لهذا، قد نجد في حياتًِنا اليومية أمهرَ و أكفأَ المهندسين و الأطباء و الفيزيائيين و علماء الفضاء و الصيدلانيين، الخ.، لكنهم، فيما يخصُّ انفتاحَهم على مجالات المعرفة الأخرى و خصوصا منها مجالات العلوم الإنسانية، يبقون سجناء تخصُّصاتهم لكون العلومَ الدقيقة علوم مجفَّفة من الأحاسيس و الوجدان و الروحانية التي بدونها قد يتجرَّد الإنسان من إنسانيته.
و خِتاما، قد لا أبالغ إذا قلتُ إن العلوم الإنسانية يجب دائما أن تسبقَ العلوم الدقيقة و الطبيعية لأنها تهُمُّ الإنسان و وجودَه على الأرض. و الإنسان هو المسئول الأول و الأخير عن إعمار الأرض، إعمارا يصون الأرضَ و ما تأويه و ما تحتويه من مُكوِّنات.