المحامي علي أبو حبله - «التعصب الحزبي» و«الانغلاق الفكري» ظواهر تقود لتفكك البنيان المجتمعي وتباعد بين أفراد المجتمع

إن «التعصب» ظاهرة اجتماعية قديمة ـ حديثة، هي ظاهره مقيتة تقود للانقياد الأعمى وتنشر ثقافة الكره والعداء والحقد.

اتخذ « التعصب « أشكالاً عديدة، فتارة يكون التعصب للقبيلة أو للعائلة، وتارة يكون التعصب لاتجاه فكري معين، أو لحزب سياسي ما وهلم جرا.

إن التعصب الحزبي نقيض التسامح والانفتاح.. نقيض الفكر والإبداع.. عدو التواصل والتعايش الآمن. إن التعصب يحمل في جنباته معنى التشدد والانغلاق والجمود؛ ورفض الآخر ـ وإن كان الآخر على صواب ـ.

إن التعصب له صلة وثيقة بصفة «العمى»، ولهذه الصلة معنى عميق ودلالة واضحة، بحيث تعني أن المتعصب: أعمى البصر والبصيرة معا، فهو أعمى وإن كان مبصراً، لا يرى إلا ما يفكر به وفي حقيقة نفسه أنها الصواب ويصر ليخطئ الآخرين وأحيانا يكفرهم وهذا المتعصب يفتقد للرؤية السليمة والصحيحة.

يعتبر التعصب جمودا في العقل لأنه لا يسمح بالتعددية الفكرية التي من خلالها نصل إلى الأفضل ونقف على مسافه واحده من حرية الرأي والرأي الواحد وتقبل الآخر وبذلك نبتعد عن السلبيات ، لقد ابتلي مجتمعنا العربي بالتعصب ذلك المرض الاجتماعي الخطير الذي تتعدد وتتنوع أشكاله وأخطرها التعصب الديني، الذي يكون غالبا لأسباب تافهة جدا، يسهم الأعداء في تذكيتها مستغلين وسائل إعلام غير مسؤولة لتوسيع هوة الخلاف.. والخاسر،الأكبر سواء في التعصب للرأي أو التعصب المذهبي والعقدي، أو حتى التعصب الرياضي، هو المجتمع بمختلف مكوناته. وأكد علماء الدين والاجتماع والتربية والنفس أن خطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها قائمة على الكراهية والازدراء والتمييز وأن أغلب الأفعال الوحشية التي ارتكبها البشر جاءت بسبب تعصب أفراد عاديين لم يكونوا قبلها مجرمين أو فاقدي العقل.

إن القرآن الكريم شجع على التحاور والوسطية في الرأي بعيدا عن التعصب حتى في أمور العقيدة بمقارعة الحجة بالحجة كما بيّن إيجابية الاختلاف التي يظهر فيها التنوع في الخبرات والقدرات والأفكار لتصل بجميع الأطراف إلى أفضل الحلول ما يجعل الاختلاف أداة تعارف ويجعل الشعوب والقبائل تحتاج لبعضها بعضاً فيصبح التعارف وسيلة لاكتشاف الآخر. فالتعصب جاهلية مقيتة حسمها الإسلام وقضى عليها من جذورها وذم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم العصبية والتعصب في كثير من أحاديثه ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام « ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية «.

إن التعصب للحزب؛ أو لزعيم الحزب يعد من أخطر الآفات التي تعاني منها الحركات عموما والحركات الإسلامية على وجه الخصوص.

فالتعصب الحزبي هو سلوك مَرَضي خطير ناتج عن انحراف وخطأ في التنشئة الاجتماعية والسياسية والدينية التي يخضع لها الأفراد في مؤسسات التنظيم المختلفة، والممارسات السلوكية التي يأتيها مع المحيط الاجتماعي، والأفكار والمعقدات التي يعتنقها الفرد ويؤمن بها.

والتعصب الحزبي يؤدي إلى تمزق نسيج المجتمع، وفتور ـ إن لم يكن انقطاع ـ في العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وغياب الكثير من القيم والأخلاقيات الاجتماعية الحسنة، مثل: (التكافل، المحبة، الإيثار، التعاون، التعاضد... إلخ)، وتحل محلها قيم سلبية وسيئة مثل: (الحقد، الكراهية، البغضاء، الشحناء، الأنانية... إلخ)، وليس أدل على صحة ما نقول ما يمر به مجتمعنا الفلسطيني بشكل خاص والمجتمع العربي و الإسلامي بشكل عام، بسبب التعصب الحزبي الأعمى المشين الذي تربى عليه أبناء الحركات والجماعات التي تنقاد انقياد أعمى وراء المصلحة والمنفعة وهي اولويه على الوطن واحتياجاته ومتطلباته،هذا التعصب الحزبي المقيت أدى إلى تفتيت لبنية المجتمع الفلسطيني وتفكك في المجتمع العربي والإسلامي، وتهديد لأواصر الترابط داخل الأسرة الفلسطينية الواحدة والمجتمع العربي، ناهيك عن مشاعر الحقد الدفين والكره الأعمى لكل من هم ليسوا من جماعته.

إن التعصب الحزبي ضد وحدة الأمة وتماسكها:

لقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث للحفاظ على وحدة وسلامة المجتمع الإسلامي، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى». وقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا». وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا».

لقد لعب الاستعمار دورا ومازال في تنمية التعصب بين أبناء الأمة العربية والإسلامية، حيث عمل على تقسيم العالم الإسلامي إلى دول، وفصل بعضها عن البعض بحدود مصطنعة، تركت آثاراً سلبية في وحدته، وأن هذا التعصب لا ينسجم مع دعوة الإسلام لوحدة الأمة وتوحيد الصف والتعاون والتكافل والتضامن في ما بينهم.

ان تعصب الإنسان لرأيه والتمسك به والذي يعتقد خطأ أنه صحيح لا يحتمل الخطأ، بينما يرى رأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب، وبالتالي فإنه يرفض آراء الآخرين ويعاديها، حتى ولو كانت صحيحة من دون نظر أو تمحيص، وهذا يعني إلغاء الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وحريته في إبداء الرأي.

أن الإسلام نهى عن هذا السلوك، وشرع الشورى التي تحمي الإنسان من التعصب للرأي، وعدم تقبل رأي الآخرين ولقد ضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً رائعاً في الشورى، فبالرغم من تأييده بالوحي، كان يستشير أصحابه ومن حوله ويأخذ برأيهم إذا كان في ذلك الحق.

ونخلص إلى أن الاختلاف ظاهرة طبيعية ـ صحية، لكننا في ذات الوقت نستطيع تقريب وجهات النظر وتجسير الهوة، ولابد لنا من التأدب بآداب وأخلاق الإسلام في التعامل مع المخالف. وان نبتعد من حوار المتعصب،والرد عليه بشكل علمي وكشف خطئه، وبيان نوع الزلل الواقع فيه، مع الحفاظ على أدب النقد العلمي الرصين، وأدب التعامل مع المخالف، وعدم إطلاق الأحكام المتعصبة جزافاً لمجرد المخالفة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...