المنطق يقول إن الإنسانية مصدرُها الإنسان. والمنطق مصدره العقل. والعقل هو الذي كان ويكون وراء التَّغيير. و التَّغيير إما يسير في اتجاه الخير وإما يسير في اتجاه الشر. ليس هناك شيء اسمه نصف الخير أو نصف الشر. ونفس العقل هو الذي يفكِّر في الخير ويفِكِّر في الشر. وهذا يعني أن نفسَ الإنسان قد تميل حينا إلى الخير و حينا آخر قد تميل إلى الشر. وهذه هي طبيعة البشر تتأرجح بين الخير والشر. وطبيعة البشرهكذا كانت ولا تزال. أي أن هذه الطبيعة، المتأرجحة بين الخير والشر، لازمت الإنسانَ منذ وجوده على سطح الأرض. بل منذ خلقه الله أول مرة حيث عصى خالِقَه بأكله من الشجرة الممنوعة. والكمال لله وحده ولله وحده كما بيَّنت ذلك بوضوحٍ كبيرٍ آيةُ الكرسي (البقرة، 255). والقرآن الكريم حافلٌ بالآيات التي تبيِّن طبيعةَ الإنسان المتأرجحة بين الخير و الشر، أذكر منها على سبيل المثال ما يلي :
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا (الإسراء، 67)
وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (إبراهيم، 34)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (ق، 16)
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ(النجم، 39).
في هذه الآيات الكريمة، الله سبحانه و تعالى لا يتوجَّه إلى الإنسانية و لكن للإنسان الذي هو أصل و باني هذه الإنسانية. كما أن هذه الآيات تبيِّن أن الإنسانَ، عندما يكون في وفرةٍ من النعيم، ينسى أن يشكرَ اللهَ الذي مكَّنه من هذا النعيم حيث ينغمس في الماديات بعيدا كل البعد عن كل ما هو روحاني من تبصُّر وتمعُّن فيما وفَّره الله لعباده من خيرات. وهذا الأمر ليس شيئا جديدا. بل إنه، كما سلف الذكرُ، ملازم للإنسان منذ وجوده ككائن عاقل على سطح الأرض وإلى يومنا هذا. وما دامت الإنسانيةُ نتيجةً لتصرفات البشر فوق الأرض، فإن الله سبحانه وتعالى، لُطفا ورأفةً بعباده، بعث لهؤلاء البشر رسلا و أنبياء للتأثير على طبيعتهم التي كانت تميل، عقائديا، إلى الشر أكثر من ميولها إلى الخير.
و قد يقول قائلٌ : "ما دامت طبيعة الإنسان تتأرجح بين الخير والشر وإلى يومنا هذا، لماذا كان محمدٌ (ص) خاتمَ الرسل والأنبياء والرسالات السماوية؟". حسب رأيي الشخصي (و هو رأيٌ لا يُلزم أحدا إلا أنا و الله أعلم)، كان محمد (ص) خاتمَ الأنبياء والرسل لأن اللهَ سبحانه وتعالى، بعد أن نصح عبادَه و أبان لهم ما هو حق وما هو باطل وما هو طيب وما هو خبيث وما هو مباح و ما هو غير مباح…، من خلال بَعْثِه للعديد من الأنبياء والرسل طيلة آلاف السنين، يكون قد رأى أن الإنسان قد بلغ مستوى من النضج العقلي و الفكري ما يجعله قادرا على توجيه تصرُّفاتِه وأعماله، لإعمار الأرض، لما فيه خيرٌ له ولجميع الكائنات الأخرى. وللتَّذكير، إن المدة الزمانيةَ التي تفصلنا عن رسالة محمد (ص) هي ألف سنة و أقل من نصف قرن. حينها، أي إثرَ ظهور رسالة محمد (ص)، كانت البشرية قد خطت خطوات مهمة في الحضارة و التَّمدُّن كما هو الشأن مثلا بالنسبة للحضارات الفارسية والرومانية و البيزنطية و البودية و المصرية و الصينية… و الحضارات يبنيها الإنسان بفكره وبعمله. وكل حضارة لها ثقافتُها إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو التِّقني أو الفلاحي أو الصناعي أو الفني…
و وصول كل حضارة إلى مستوى معيَّن من الثقافة، بغض النظر عن معتقداتها الدينية، دليل على أن هذه الحضارة بلغت مستوى من النضج الفكري جعلها تخطو خطوات مهمة في مختلف مجالات إعمار الأرض. حينها، تبقى مسألة العقيدة مسألةَ تحكيم الضمير. و تحكيم الضمير هو الذي يقود الإنسانَ إلى اعتناق الإسلام أو دين آخر. و هذا ليس مخالفا لِما قاله الله سبحانه و تعالى في العديد من آيات القرآن الكريم. الله سبحانه وتعالى يُندر عبادَه بقوله لهم مثلا : "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف، 29). و يقول سبحانه و تعالى في نفس الأمر : "لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية، 22). و قوله كذلك : "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (النور، 54).
فماذا يمكن أن يستنتِجَه العقل من هذه الآيات الكريمة؟ ما يمكن أن يستنتِجَه العقل هو أن الله عزَّ وجلَّ بعث للإنسان الأنبياءَ والرسلَ مُحمَّلين برسالاتٍ كلها خيرٌ للبشر وأمرَهم بأن مهمتَهم تقتصر على تبليغها لهذا الإنسان. فما على هذا الأخير إلا أن يُحكِّمَ ضميرَه ليختارَ إما الطاعةَ والهِدايةَ وإما أن يسيرَ في كريق مخالف. و الدليل على ذلك أن العديدَ من العلماء وعامة الناس من غير المسلمين و من جميع القارات حكَّموا ضمائرَهم واعتنقوا الإسلامَ عن درايةٍ وقناعة.
أليس هذا الاعتناقُ دليلٌ على أن طبيعةَ الإنسان من الممكن أن تتغيَّرَ حينما ترى الحقَّ حقا و الباطلَ باطلا. و تغييرُ الطبيعة البشرية يكون فعلا تغيرا لمَّا يكون نابعا من النفس البشرية مصداقا لقوله سبحانه و تعالى : "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد، 11).
السؤال الذي يفرض نفسَه هنا هو : "هل كل البشر الذين يعيشون حاليا على سطح الكوكب الأرضي يدينون بالإسلام أو بالمسيحية أو باليهودية أو بديانةٍ أخرى وضعية؟". بالطبع، لا. فماذا يعنيه هذا الوضع؟
ما يعنيه هذا الوضعُ هو أن طبيعةَ الإنسانَ لا تتغيَّر إلا إذا كان إيمانُه بالـَّغيير قويا وصادرا عن قناعة ودراية. وتغيير الطبيعة البشرية يزيد صعوبةً عندما تكون هذه الطبيعة جماعيةً أو مشتركةً بين العديد من البشر. وهو الشيء الذي جعل أقوامَ نوح و هود و تمود و عاد و لوط… من أشرس الأقوام التي قاومت التَّغييرَ الذي جاءت به الرسالات السماوية. وإن اختلفت هذه الأقوام من حيث الثقافة والتَّمذُّن والحضارة من البشر الذين يعمرون الأرضَ حاليا، فإن مقاومة التَّغيير والتَّشبُّثَ بما تُمليه الأهواء وحب الماديات عوضَ ما يمليه العقل من تبصُّر وتمعُّن، يبقيان القاسمَ المشتركَ بينهما. و لهذا، لا يجوز أن نقولَ : "تغيَّرت الأنسانية" ما دام الإنسانُ هو مصدر التَّغيير. و التَّغيير، كما سبق الذكرُ، إما أن يسيرَ في اتجاه الخير و إما أن يسير َ في اتجاه الشر.
أليس الإنسان هو مصدر الخير بجميع تجلياته؟ لكنه، في نفس الوقت، مصدر الحروب منذ القِدم ومصدر تَّغيُّر المناخ والتَّلوث. والإنسان هو مصدر الطغيان والجبروت والعبودية والظلم منذ آلاف السنين. الإنسان هو مصدر الخراب البيئي وتراجع التَّنوُّع البيولوجي وانتشار التَّصحر وظهور الاحتباس الحراري. الإنسان هو مصدر الأنانية وحب الذات وحب الماديات والفساد بجميع أشكاله…
ولهذا، فالإنسانية ليست إلا صورة طبق الأصل للإنسان الذي يبنيها. إن كانت صالحةً، فمنه وإن كانت مجانبةً للصواب، فمنه كذلك مصداقا لقوله سبحانه و تعالى : "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (العصر، 2). الإنسانية لا تتغيَّر إلا بتغيير فِكر الإنسان. وفكر الإنسان غارقٌ حاليا فيما يُسمٍّيه هذا الإنسانُ "تقدُّما اقتصاديا"، لكن تقدُّم اقتصادي مادي هدفُه الأساسي هو تراكم الثروات على مستوى الأفراد والبلدان وبعيد كل البعد عن القيم التي تتميَّز بها البشرية و التي تضمن تعايُشَ و تساكنَ الناس وتضمن كذلك إعمارَ الأرض إعمارا فيه الخير للجميع. فإلى أين تسير الإنسانية؟ الله وحده يعلم!
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا (الإسراء، 67)
وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (إبراهيم، 34)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (ق، 16)
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ(النجم، 39).
في هذه الآيات الكريمة، الله سبحانه و تعالى لا يتوجَّه إلى الإنسانية و لكن للإنسان الذي هو أصل و باني هذه الإنسانية. كما أن هذه الآيات تبيِّن أن الإنسانَ، عندما يكون في وفرةٍ من النعيم، ينسى أن يشكرَ اللهَ الذي مكَّنه من هذا النعيم حيث ينغمس في الماديات بعيدا كل البعد عن كل ما هو روحاني من تبصُّر وتمعُّن فيما وفَّره الله لعباده من خيرات. وهذا الأمر ليس شيئا جديدا. بل إنه، كما سلف الذكرُ، ملازم للإنسان منذ وجوده ككائن عاقل على سطح الأرض وإلى يومنا هذا. وما دامت الإنسانيةُ نتيجةً لتصرفات البشر فوق الأرض، فإن الله سبحانه وتعالى، لُطفا ورأفةً بعباده، بعث لهؤلاء البشر رسلا و أنبياء للتأثير على طبيعتهم التي كانت تميل، عقائديا، إلى الشر أكثر من ميولها إلى الخير.
و قد يقول قائلٌ : "ما دامت طبيعة الإنسان تتأرجح بين الخير والشر وإلى يومنا هذا، لماذا كان محمدٌ (ص) خاتمَ الرسل والأنبياء والرسالات السماوية؟". حسب رأيي الشخصي (و هو رأيٌ لا يُلزم أحدا إلا أنا و الله أعلم)، كان محمد (ص) خاتمَ الأنبياء والرسل لأن اللهَ سبحانه وتعالى، بعد أن نصح عبادَه و أبان لهم ما هو حق وما هو باطل وما هو طيب وما هو خبيث وما هو مباح و ما هو غير مباح…، من خلال بَعْثِه للعديد من الأنبياء والرسل طيلة آلاف السنين، يكون قد رأى أن الإنسان قد بلغ مستوى من النضج العقلي و الفكري ما يجعله قادرا على توجيه تصرُّفاتِه وأعماله، لإعمار الأرض، لما فيه خيرٌ له ولجميع الكائنات الأخرى. وللتَّذكير، إن المدة الزمانيةَ التي تفصلنا عن رسالة محمد (ص) هي ألف سنة و أقل من نصف قرن. حينها، أي إثرَ ظهور رسالة محمد (ص)، كانت البشرية قد خطت خطوات مهمة في الحضارة و التَّمدُّن كما هو الشأن مثلا بالنسبة للحضارات الفارسية والرومانية و البيزنطية و البودية و المصرية و الصينية… و الحضارات يبنيها الإنسان بفكره وبعمله. وكل حضارة لها ثقافتُها إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو التِّقني أو الفلاحي أو الصناعي أو الفني…
و وصول كل حضارة إلى مستوى معيَّن من الثقافة، بغض النظر عن معتقداتها الدينية، دليل على أن هذه الحضارة بلغت مستوى من النضج الفكري جعلها تخطو خطوات مهمة في مختلف مجالات إعمار الأرض. حينها، تبقى مسألة العقيدة مسألةَ تحكيم الضمير. و تحكيم الضمير هو الذي يقود الإنسانَ إلى اعتناق الإسلام أو دين آخر. و هذا ليس مخالفا لِما قاله الله سبحانه و تعالى في العديد من آيات القرآن الكريم. الله سبحانه وتعالى يُندر عبادَه بقوله لهم مثلا : "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف، 29). و يقول سبحانه و تعالى في نفس الأمر : "لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية، 22). و قوله كذلك : "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (النور، 54).
فماذا يمكن أن يستنتِجَه العقل من هذه الآيات الكريمة؟ ما يمكن أن يستنتِجَه العقل هو أن الله عزَّ وجلَّ بعث للإنسان الأنبياءَ والرسلَ مُحمَّلين برسالاتٍ كلها خيرٌ للبشر وأمرَهم بأن مهمتَهم تقتصر على تبليغها لهذا الإنسان. فما على هذا الأخير إلا أن يُحكِّمَ ضميرَه ليختارَ إما الطاعةَ والهِدايةَ وإما أن يسيرَ في كريق مخالف. و الدليل على ذلك أن العديدَ من العلماء وعامة الناس من غير المسلمين و من جميع القارات حكَّموا ضمائرَهم واعتنقوا الإسلامَ عن درايةٍ وقناعة.
أليس هذا الاعتناقُ دليلٌ على أن طبيعةَ الإنسان من الممكن أن تتغيَّرَ حينما ترى الحقَّ حقا و الباطلَ باطلا. و تغييرُ الطبيعة البشرية يكون فعلا تغيرا لمَّا يكون نابعا من النفس البشرية مصداقا لقوله سبحانه و تعالى : "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد، 11).
السؤال الذي يفرض نفسَه هنا هو : "هل كل البشر الذين يعيشون حاليا على سطح الكوكب الأرضي يدينون بالإسلام أو بالمسيحية أو باليهودية أو بديانةٍ أخرى وضعية؟". بالطبع، لا. فماذا يعنيه هذا الوضع؟
ما يعنيه هذا الوضعُ هو أن طبيعةَ الإنسانَ لا تتغيَّر إلا إذا كان إيمانُه بالـَّغيير قويا وصادرا عن قناعة ودراية. وتغيير الطبيعة البشرية يزيد صعوبةً عندما تكون هذه الطبيعة جماعيةً أو مشتركةً بين العديد من البشر. وهو الشيء الذي جعل أقوامَ نوح و هود و تمود و عاد و لوط… من أشرس الأقوام التي قاومت التَّغييرَ الذي جاءت به الرسالات السماوية. وإن اختلفت هذه الأقوام من حيث الثقافة والتَّمذُّن والحضارة من البشر الذين يعمرون الأرضَ حاليا، فإن مقاومة التَّغيير والتَّشبُّثَ بما تُمليه الأهواء وحب الماديات عوضَ ما يمليه العقل من تبصُّر وتمعُّن، يبقيان القاسمَ المشتركَ بينهما. و لهذا، لا يجوز أن نقولَ : "تغيَّرت الأنسانية" ما دام الإنسانُ هو مصدر التَّغيير. و التَّغيير، كما سبق الذكرُ، إما أن يسيرَ في اتجاه الخير و إما أن يسير َ في اتجاه الشر.
أليس الإنسان هو مصدر الخير بجميع تجلياته؟ لكنه، في نفس الوقت، مصدر الحروب منذ القِدم ومصدر تَّغيُّر المناخ والتَّلوث. والإنسان هو مصدر الطغيان والجبروت والعبودية والظلم منذ آلاف السنين. الإنسان هو مصدر الخراب البيئي وتراجع التَّنوُّع البيولوجي وانتشار التَّصحر وظهور الاحتباس الحراري. الإنسان هو مصدر الأنانية وحب الذات وحب الماديات والفساد بجميع أشكاله…
ولهذا، فالإنسانية ليست إلا صورة طبق الأصل للإنسان الذي يبنيها. إن كانت صالحةً، فمنه وإن كانت مجانبةً للصواب، فمنه كذلك مصداقا لقوله سبحانه و تعالى : "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (العصر، 2). الإنسانية لا تتغيَّر إلا بتغيير فِكر الإنسان. وفكر الإنسان غارقٌ حاليا فيما يُسمٍّيه هذا الإنسانُ "تقدُّما اقتصاديا"، لكن تقدُّم اقتصادي مادي هدفُه الأساسي هو تراكم الثروات على مستوى الأفراد والبلدان وبعيد كل البعد عن القيم التي تتميَّز بها البشرية و التي تضمن تعايُشَ و تساكنَ الناس وتضمن كذلك إعمارَ الأرض إعمارا فيه الخير للجميع. فإلى أين تسير الإنسانية؟ الله وحده يعلم!