يقول مؤلف كتاب «النحت في الزمن» أندريه تاركوفسكي ان الغرض من كتابه هذا ليس تعليم الآخرين أو فرض وجهة نظره عليهم وانما غايته الرئيسية هو ايجاد طريقة للمؤلف عبر متاهة من الامكانات والاحتمالات المتضمنة في شكل السينما - الذي لم يسبر جوهرياً الا في حدود ضيقة.
فالابداع الفني على رغم كل شيء - والكلام لا يزال لتاركوفسكي - ليس خاضعاً لقوانين مطلقة، سارية المفعول من عصر الى عصر. بما أنه متصل بالهدف العام، أي فهم العالم كاملا، فان له عددا لا متناهيا من الأوجه، ومن الصلات التي تربط الانسان بنشاطه الحيوي.
خطوة غير محدودة
وحتى لو كان الطريق نحو المعرفة بلا نهاية، فان أية خطوة تقرب الانسان من الفهم الكلي لمعنى وجوده، لا يمكن أن تكون محدودة بحيث لا تؤخذ في الاعتبار. ان جسم النظرية المتصلة بالسينما لا يزال هزيلاً وواهياً، لذلك فان توضيح حتى النقاط الثانوية يمكن أن يساعد في إلقاء الضوء على قوانينها الأساسية.
تعود أهمية تاركوفسكي، كما يؤكد النقاد، الى: «الدفـق الروحاني الذي يغمر افلامه، مثلما كان القلق الروحاني هو نسخ الرواية الروسية. فالصراع بين المعاناة الناتجة عن إدراك تراجيديا الواقع البشري المعاصر، الخالي من التناسب والاتساق والعدالة، وبين الثقة الطفولية بالإنسانية وبالحلم البشري عن عالم اخوي تحكمه الروح الإنسانية، كان أحد مشكلات تاركوفسكي، مثلما كان شكل التعبير الفني عن هذا الصراع هو مشكلة جمالية بحتة أقلقته كثيراً.
هذه الطريقة في التعبير والسرد السينمائي لدى تاركوفسكي تدخل ضمنياً في عملية بناء الشكل الفني للفيلم، كما أنها وسيلة ناجحة لمعالجة العالم الروحـي للإنسان ومنحه إمكان المنولوج الداخلي، أي أن إشكال الماضي والحاضر، الذاكـرة والواقع، تطرح مشكلة مسئولية الإنسان أمام نفسه وأمام الآخرين.
ملاحظات على شكل يوميات
وكتاب تاركوفسكي «النحت في الزمن» لمترجمه أمين صالح، - ملاحظات على شكل يوميات، محاضرات ومناقشات يتحدث فيه تاركوفسكي عن تجاربه السينمائية، عن أفكاره ورؤاه وذكرياته، عن امكانات السينما واحتمالاتها المتضمنة والتي لم تسبر جوهرياً الا في حدود ضيقة، عن طبيعة الابداع الفني، عن المعضلات الخاصة بالفن السينمائي، وعن ضرورة الفن وحاجة الانسان اليه، عن العناصر الفنية والفكرية التي تشكل الفعل الابداعي، وعن المعنى الشعري لفن السينما. فهو كتاب يكتسب قيمته وأهميته من وضوح الرؤى وعمق الأفكار التي تطرحها، ومن ثراء وروعة العوالم التي طبعها في أفلامه.
وجهة نظر في الفن
يعرض تاركوفسكي في كتابه للكثير من عناصر العمل السينمائي محللاً وناقداً حين يتحدث عن الزمن المطبوع، وعن الدور المقدر للسينما، وعن الصورة السينمائية، وعن المبدع في بحثه عن الجمهور، وعن مسئولية الفنان. وحين يتحدث عن جملة من أفلامه متتبعا خيوط العمل والرؤى التي تشتغل في ذهنه طوال فترة الاعداد للفيلم حتى لحظة ظهوره في السينما. مبديا وجهة نظره بشأن الفن الذي يراه: «مدعوا لأن يعبر عن الحرية المطلقة للامكان الروحية لدى الانسان. فالفن كان دائماً سلاح الانسان ضد الأمور المادية التي تهدد بافتراس روحه. اذ ليس صدفة أنه في غضون ألفي عام تقريباً من المسيحية، تطور منذ زمن طويل جداً في سياق الأفكار والأهداف الدينية. فوجوده ذاته قد حافظ على اتقاد فكره التناغم في البشرية المتنافرة، المنقسمة على نفسها.
ان الفن كان يجسد المثل الأعلى. وكان مثالاً للتوازن التام بين المبادئ الأخلاقية والمادية. وكان برهانا على حقيقة أن مثل هذا التوازن ليس خرافة في حقل الايديولوجيا بل شيئا يمكن أن يتحقق ضمن أبعاد العالم الظاهري، المدرك بالحواس. لقد كان الفن يعبر عن حاجة الانسان الى التناغم واستعداده لأن يشن الحرب ضد نفسه، ضمن وجوده الشخصي، من أجل احراز التوازن الذي يهفو اليه.
تاركوفسكي في سطور
ولد تاركوفسكي في 4 أبريل/ نيسان العام 1932 في شمال شرقي موسـكو. وبدأ دراسته في العام 1954 بمعهد السينما لعموم الاتحاد السوفيتي بموسكو.
وحقق مع «الكسندر كوردون» في العام 1959 فيلماً تلفزيونياً هو «اليوم لن تكون استقالة». وأنهى دراسته في العام 1960 بمعهد السينما. وأخرح في العام 1962 فيلم «طفـولـة إيفــان». وشارك به في مهرجان البندقـية السينمائي العام 1962 فحصل على الجائزة الأولى. وعلى جائزة النقاد البولونية الى جانب أربع جوائز عالمية أخرى. الأمر الذي حدا ببعض النقاد الغربيين الى اعتباره أهم مخرج سينمائي روسي. وبعد ذلك وفي العام 1964 أخرج فيلما عن حياة رسـام الأيقونـات اندريـه روبلـوف، وعرض في العام 1969 خارج المسابقة الرسمية بمهرجان «كان» وحصل على جائزة النقاد العالمية.
وعاد تاركوفسكي في العام 1971 وعرض فيلم «سولاريس» في مهرجان (كان) بصفة رسمية باعتباره الفيلم السوفياتي الرسمي وحصل على جائزة النقاد، وكذلك على جائزة مهرجان لندن، وجوائز أخرى. كما قدم فيلم المرآة في العام 1974 وفيلم «سـتالكـر» الذي يعد انعطـافة مهمـة وكبيـرة في مسيرته. حتى وفاته في ديسمبر/ كانون الأول العام 1986 في باريس.
فالابداع الفني على رغم كل شيء - والكلام لا يزال لتاركوفسكي - ليس خاضعاً لقوانين مطلقة، سارية المفعول من عصر الى عصر. بما أنه متصل بالهدف العام، أي فهم العالم كاملا، فان له عددا لا متناهيا من الأوجه، ومن الصلات التي تربط الانسان بنشاطه الحيوي.
خطوة غير محدودة
وحتى لو كان الطريق نحو المعرفة بلا نهاية، فان أية خطوة تقرب الانسان من الفهم الكلي لمعنى وجوده، لا يمكن أن تكون محدودة بحيث لا تؤخذ في الاعتبار. ان جسم النظرية المتصلة بالسينما لا يزال هزيلاً وواهياً، لذلك فان توضيح حتى النقاط الثانوية يمكن أن يساعد في إلقاء الضوء على قوانينها الأساسية.
تعود أهمية تاركوفسكي، كما يؤكد النقاد، الى: «الدفـق الروحاني الذي يغمر افلامه، مثلما كان القلق الروحاني هو نسخ الرواية الروسية. فالصراع بين المعاناة الناتجة عن إدراك تراجيديا الواقع البشري المعاصر، الخالي من التناسب والاتساق والعدالة، وبين الثقة الطفولية بالإنسانية وبالحلم البشري عن عالم اخوي تحكمه الروح الإنسانية، كان أحد مشكلات تاركوفسكي، مثلما كان شكل التعبير الفني عن هذا الصراع هو مشكلة جمالية بحتة أقلقته كثيراً.
هذه الطريقة في التعبير والسرد السينمائي لدى تاركوفسكي تدخل ضمنياً في عملية بناء الشكل الفني للفيلم، كما أنها وسيلة ناجحة لمعالجة العالم الروحـي للإنسان ومنحه إمكان المنولوج الداخلي، أي أن إشكال الماضي والحاضر، الذاكـرة والواقع، تطرح مشكلة مسئولية الإنسان أمام نفسه وأمام الآخرين.
ملاحظات على شكل يوميات
وكتاب تاركوفسكي «النحت في الزمن» لمترجمه أمين صالح، - ملاحظات على شكل يوميات، محاضرات ومناقشات يتحدث فيه تاركوفسكي عن تجاربه السينمائية، عن أفكاره ورؤاه وذكرياته، عن امكانات السينما واحتمالاتها المتضمنة والتي لم تسبر جوهرياً الا في حدود ضيقة، عن طبيعة الابداع الفني، عن المعضلات الخاصة بالفن السينمائي، وعن ضرورة الفن وحاجة الانسان اليه، عن العناصر الفنية والفكرية التي تشكل الفعل الابداعي، وعن المعنى الشعري لفن السينما. فهو كتاب يكتسب قيمته وأهميته من وضوح الرؤى وعمق الأفكار التي تطرحها، ومن ثراء وروعة العوالم التي طبعها في أفلامه.
وجهة نظر في الفن
يعرض تاركوفسكي في كتابه للكثير من عناصر العمل السينمائي محللاً وناقداً حين يتحدث عن الزمن المطبوع، وعن الدور المقدر للسينما، وعن الصورة السينمائية، وعن المبدع في بحثه عن الجمهور، وعن مسئولية الفنان. وحين يتحدث عن جملة من أفلامه متتبعا خيوط العمل والرؤى التي تشتغل في ذهنه طوال فترة الاعداد للفيلم حتى لحظة ظهوره في السينما. مبديا وجهة نظره بشأن الفن الذي يراه: «مدعوا لأن يعبر عن الحرية المطلقة للامكان الروحية لدى الانسان. فالفن كان دائماً سلاح الانسان ضد الأمور المادية التي تهدد بافتراس روحه. اذ ليس صدفة أنه في غضون ألفي عام تقريباً من المسيحية، تطور منذ زمن طويل جداً في سياق الأفكار والأهداف الدينية. فوجوده ذاته قد حافظ على اتقاد فكره التناغم في البشرية المتنافرة، المنقسمة على نفسها.
ان الفن كان يجسد المثل الأعلى. وكان مثالاً للتوازن التام بين المبادئ الأخلاقية والمادية. وكان برهانا على حقيقة أن مثل هذا التوازن ليس خرافة في حقل الايديولوجيا بل شيئا يمكن أن يتحقق ضمن أبعاد العالم الظاهري، المدرك بالحواس. لقد كان الفن يعبر عن حاجة الانسان الى التناغم واستعداده لأن يشن الحرب ضد نفسه، ضمن وجوده الشخصي، من أجل احراز التوازن الذي يهفو اليه.
تاركوفسكي في سطور
ولد تاركوفسكي في 4 أبريل/ نيسان العام 1932 في شمال شرقي موسـكو. وبدأ دراسته في العام 1954 بمعهد السينما لعموم الاتحاد السوفيتي بموسكو.
وحقق مع «الكسندر كوردون» في العام 1959 فيلماً تلفزيونياً هو «اليوم لن تكون استقالة». وأنهى دراسته في العام 1960 بمعهد السينما. وأخرح في العام 1962 فيلم «طفـولـة إيفــان». وشارك به في مهرجان البندقـية السينمائي العام 1962 فحصل على الجائزة الأولى. وعلى جائزة النقاد البولونية الى جانب أربع جوائز عالمية أخرى. الأمر الذي حدا ببعض النقاد الغربيين الى اعتباره أهم مخرج سينمائي روسي. وبعد ذلك وفي العام 1964 أخرج فيلما عن حياة رسـام الأيقونـات اندريـه روبلـوف، وعرض في العام 1969 خارج المسابقة الرسمية بمهرجان «كان» وحصل على جائزة النقاد العالمية.
وعاد تاركوفسكي في العام 1971 وعرض فيلم «سولاريس» في مهرجان (كان) بصفة رسمية باعتباره الفيلم السوفياتي الرسمي وحصل على جائزة النقاد، وكذلك على جائزة مهرجان لندن، وجوائز أخرى. كما قدم فيلم المرآة في العام 1974 وفيلم «سـتالكـر» الذي يعد انعطـافة مهمـة وكبيـرة في مسيرته. حتى وفاته في ديسمبر/ كانون الأول العام 1986 في باريس.