إسماعيل نوري الربيعي - مقاربة تداولية في كوخ محمد مزيد

كم كان محمد مزيد موفقا في استعمال اللغة بوصفها تواصلا مع المتلقي؟ و هل استطاع أن يؤكد الطابع الخطابي لحكايته؟ و هل قيض له أن يعقد حالة من الانسجام بين الإيغال في الرمزية و استخدام اللغة؟ ينفتح مزيد محاولا إيقاع المتلقي في فخ الدهشة ، الحبور، المفاجأة، الغريب الخلاب. عبر توظيف الدلالي و النحوي و علم الأصوات الوظيفي. مستجمعا جمّ مدركاته حول علم اللغة الاجتماعي ، بحساب البحث عن المشتركات القائمة بين المرسل و المستلم، و الاستطراد في تجليات علم اللغة النفسي المستند إلى الذاكرة و التركيز و محاولة تحديد ملامح الشخصيات ، عبر تقديم جرعة مركزة في وحدات تحليل تخصه هو ( السارد) . ها نحن بإزاء أحوال ( الخطاب و فاعله) باعتبار الوقوف على الفاعل السارد الذي يقوم بإنتاج النص، و المسعى نحو عقد نوع من العلاقة الحوارية مع المتلقي. و الممكنات المتاحة للتعرف على أحوال الفاعل عبر التركيز على ( الخطاب ) الذي يجترحه و الإجراءات الصادرة عنه. إنه البحث العميق في ( الموقف الداخلي للسارد) تجاه خطابه، و البحث في صلب آليات التعبير الصادرة عنه، و طريقة تفاعله و علاقاته و الأحداث و مستوى فهمه للواقع. إنها المشتركات المباشرة حول علاقة السارد بالزمان و المكان، و ومحاولة تمييز المواقف الصادرة عنه حول ( الشك أم اليقين) ، ( الحقيقة أم الوهم) و موقف السارد من القول الذي يطرحه؛ ( أسكنُ بالقربِ من مزرعةٍ في كوخٍ صغير على سفحِ جبلٍ) .
ما يكتبه مزيد لا ينطوي على نص مغلق، بقدر ما ينفتح على أفق خطلبي أكثر سعة و دلالة، حيث الحضور الكثيف لتمايز المواضع الجدلية، حيث التقابل بين اليقين و التمويه، المغالطة و البرهان. تفاعل لا يني أن يتمظهر في ( يطلُ كوخي على كوخٍ آخر أسفل السفح تسكنه أرملة بيضاء) . هكذا يحمّل محمد مزيد النص المزيد من الحراك التركيبي و الصوتي. ليدخل في روع المنتلقي أن ثمة نشيدا يراد له أن يفتتح مشهدا يشي بالمزيد من المفاجاءات التي تنتظر المتلقي. النص يحدد ؛ كوخ و كوخ آخر ، لا ثالث بينهما. إنها الخلوة التي تفعل الأفاعيل في روع المتلقي العربي. حيث الشيطان الحاضر الثالث؟! في استدعاء للمجمل من رموز الإرث الخطابي. فيما يستحضر مفهوم العلّو و الصدارة عبر إطلالة كوخه على آخر يقع آخر أسفل السفح.، باعتبار لنا الصدر دون العالمين أو القبر. لتتبدى ملامح الغنيمة و التي تتمثل في ( الأرملة البيضاء) . هاهو ذا مزيد يدعوا القاريء نحو الانفتاح على السياق الخارجي، عبر التركيز على تفعيل العلاقات. كل شيء في هذا النص مترابط و محدد ، و يؤدي دوره المرسوم له. بدءا من الكوخ ، سعيا في توزيع العلاقة المكانية، وصولا بالمكافئة التي تتمايز بضة مغناج تشي بالمزيد من الإغراء و الاشتهاء و الشبق.
البنية الداخلية للنص تحدد مسار العلاقة بين طرفي العلاقة ( بيني وبين تلك الأرملة حوار صامت ، مرة بالنظرات، ومرات بالمراوغة والمخاتلة في الدخول والخروج من كوخينا) ، فيما تتفاعل بنية الخطاب للنص ما بين الذات و المتلقي. بلى يحدد السارد أحوال النظرات و المراوغة و المخاتلة و أوضاع القلق المحتدم بين الطرفين ، لكن الخطاب يقوم على أحوال التشخيص لحالة الهيام التي اعترت السارد، و محاولة إفراد مكانته و فرادته و إبراز قدرته على التأثير و الانجاز. إنه المسعى لتمييز معالم الانجاز عبر توثيق عرى العلاقة القائمة بين الحدث و الفعل. بناء على تحديد ملامح العلاقة القائمة بين العلامة اللغوية بالمستخدم لها. ومن هذا يندرج محمد مزيد في فعالية التفسير التداولي للنص .
يوغل السارد في الوصف و الإنشاء، عبر تمييز ملامح المعنى الذي يقوم عليه معطى الص و غايته و الهدف المكتوب من أجله. و مايضع من تضمينات على مستوى القول أو الفعل ( حين تجدني جالسا ساهما أفكر بوحدتي ، تنزوي هي بسرعة الى كوخها أيضا ، وحين تخرج منه وتنظر صوبي ، أنزوي بسرعة ) . إنه يترك المساحة مفتوحة لتفسير المتلقي حول لعبة القط و الفأر التي يخبرنا بها السارد حول علاقته بتلك بالأرملة البيضاء، حيث التساوي في الفعل و ردة الفعل، التساوي في ردات الفعل ، و لكن لا وجود للمساواة في الموقع بالنسبة للكوخ و الكوخ الآخر . هاهو ذا السارد يمهد لثمة مواقع أخرى يتركها لأفق توقع القاريء بين طرفي العلاقة. و ها هو التضمين يحضر بكثافة حول تقليص المسافة بين الكوخين ( كأننا نلعب لعبة صغيرة جميلة لا تليق بعمرينا ، عمري الذي يقارب الخمسين وعمرها الذي يقارب الاربعين ) و هكذا تتبدى ملامح نتائج الفعل و القول الصادر عن السارد. من خلال التمهيد عبر عناصر اللغة الموحية حيث اللعبة الصغيرة و الجميلة ، لا تليق بعمرينا. السارد يمهد لأمر ما ، تقارب من نوع أكثر عمقا و قوة. حيث التركيز على استثمار الفهم المسبق للمتلقي، و العمل على وضع فعل الانجاز في سياق أو موقف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...