بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون؛ زرت أحمد وأحمد، باسم، حسام، سامر، سائد، شادي، طيون، عاصم، كريم، كميل، مروان، ناصر، هيثم، وائل ووائل، وليد ومعتز وغيرهم ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة؛
عقّبت الصديقة هدى عثمان أبو غوش:"صدقًا، أحيانا أحاول الهروب من قراءة حروفك القيّمة عن وجع الأسرى، بسبب المشهد الإنساني المعذّب للأسرى. اللهمّ الفرج لجميع الأسرى واللّطف بهم".
أما الروائي مصطفى عبد الفتاح فعقّب:"محزن جدًا ومثير للسخط من عالم لا يعرف الحد الادنى من الانسانية. إنّه يدمي القلب. ويزيد النفس حزنًا. أتمنى له ولهم الشفاء. والحرية الفوريّة والانعتاق من براثن السجون. ولك صديقي حسن ألف تحية لأنك تعيش مأساتهم وتوصلنا بعالمهم ولو عن بُعد. الحرية لهم جميعا".
تعاصفنا وتثاقفنا، نعم، وجدت اللقاء وما يكتبونه متنفّسًا عبر القضبان.
"بدّيش أهلي يعرفوا"
زرت هذا الصباح سجن عسقلان للقاء ثلاثة أسرى، وشبح بعبع الكورونا يخيّم في فضائنا؛ طلبت منّي إدارة السجن أن أبكّر لإجراءات أمنيّة ووصلت الساعة السابعة والربع صباحًا بسبب حركة السير الخفيفة على غير المعتاد بسبب الكورونا، والتقيت بدايةُ بالأسير"X"بناءً على توصية من صديقي معتز؛ وجدته مرتبكًا شاحبًا بعكس الطلّة التي اعتدت عليها من جميع الأسرى الذين التقيتهم في الأشهر الأخيرة، ولتلطيف الأجواء سألته عن سبب شحوبه وإذ كان استيقاظه باكرًا من دون فطور؟ فأجابني: بل هي خُزعة من قبل"مطبّبة"أسنان في السجن، قلبت حياتي رأسًا على عقب!
تبيّن أنّ تلك الخُزعة الخبيثة سبّبت له خدرًا وجعلته مهووسًا، يعاني من أوجاع في الحلق والمعدة، خدر في أطرافه ولا ينام الليل، ورغم ذلك لم يتلقَّ أيّ علاج غير المسكّنات التي لا تُسمن ولا تغني عن جوع.
توجّه لإدارة السجن يوميًا ولم يفحصه طبيب مختصّ حتى اليوم وكلّ طلباته بأن يفحصه طبيب من خارج السجن باءت بالفشل.
كان رياضيًا متميّزًا قُبيل أسره وحالته الصحيّة تسوء من يوم إلى آخر!
شكا لي انعدام الظروف الصحيّة الملائمة داخل الأسر ممّا يزيد مخاوفهم وقلقهم في ظلّ العمّة كورونا وزيارتها المباغتة لعالمنا.
ظاهرة الإهمال الطبي تجاه الأسرى الفلسطينيّين أودت بحياة عدد كبير منهم، وما زالت تهدّد حيوات العشرات، والسلطات تتجاهل ضاربة بعرض الحائط القانون الدولي.
رغم الأوجاع والألم، عيناه تشعّان أملًا وإصرارًا.
حين ودّعته قال لي:"وحياتك؛ بدّيش أهلي يعرفوا".
"وااو...إسمي على رمال عسقلان؟!"
مباشرة حين انتهاء اللقاء أطلّ الأسير وائل حجازي ياسين أبو شخدم الحسيني وابتسامته العريضة تسبقه بأمتار.
تحدّثنا بداية عن زيارة العمّة كورونا غير المرغوب بها وثقل دمّها والاحتياطات التي يتّخذونها خلف القضبان لمواجهتها، قلقهم تجاهها وخاصّة أنّ غالبيّة الأسرى في سجن عسقلان مرضى ويعانون من الإهمال الطبيّ المريب؛ سألته عن طبخة اليوم، فهو يعشق الطبيخ بالفطرة، أجابني أنّه سيفاجئ رفاقه بمحاشي الباذنجان والفلفل...والخيار.
حدّثني عن مشروعه الأدبي؛ ديوانه"المشتاق"الذي كان رسالة عشق وتمنّي معنونة لإسرائه وكم كان سعيدًا حين وصلتها الرسالة عبر الديوان وتم الارتباط والخطوبة فتولّد ديوانه الثاني"أميرة الصباح"، وحين أخبرني من هي إسراء حدّثته عن مداخلتي حول رواية الشندغة لصديقي الروائي قاسم توفيق وشطحة ولاء في شاطئ حيفا لترسم اسم خطيبها النابلسيّ على رماله، تمامًا كما فعلت إسراء في طريق عودتها من الزيارة الأخيرة حين رسمت إسم وائلها على رمال بحر عسقلان ونشرت الصورة على صفحتها، كم كان سعيدًا ومنفعلًا حين أخبرته بذلك فسرَح مع المشهد للحظات طويلة.
منذ خطوبته صار للزيارة مذاقٌ آخر، ينتظرها بفارغ الصبر ليلتقي خطيبته ساعة زيارتها لأخيها معتز، وهي الأمل بمستقبل حرّ ليتمتّعا معًا بعناق شمس الحريّة على شاطئ المتوسّط...رغم مؤبّداتهم!
تحدّثنا عن ديوانه القادم وكان سعيدًا حين أخبرته بتعهّد صديقي الأديب فراس عمر حج محمد بتنقيحه وتحريره.
داهمنا الوقت وعيناه تشعّان أملًا بغدٍ مُشرق.
"شعلة أمل"
وثالثهم الأسير معتز محمد فخري عبد الله الهيموني الذي أطلّ بابتسامة مشتعلة وكأنّنا أصدقاء طفولة.
تحدّثنا بداية عن زيارة كورونا الكونيّة لكلّ أرجاء المعمورة في آن واحد وقلقهم تجاهها، آخذين بعين الاعتبار أنّ غالبيّة أسرانا في سجن عسقلان مرضى ويعانون من الإهمال الطبيّ المُزمن، فهو يؤمن بأنّه مهما كان الإنسان قويًا فسيسقط حتمًا إذا ما كان نظيفًا في داخله، وإذا نظّفنا المخّ ينظف كلّ شيء.
حدّثته عن انطباعاتي من زيارتي ل"ملتقى أكاديمية الشعلة الثقافي"يوم السبت 22.02.20 في الخليل ولقاء طاقمه الرائع وحلمه الذي صار حقيقة، عبّر عن انفعاله من تغريدتي"لديّ حلم"،
نعم، مهمّة الثقافة أن تجعلنا نحافظ على إنسانيّتنا!
ناقشنا روايته"سراج عشق خالد"(قيد الطبع وستصدر قريبًا عن المكتبة الشعبيّة النابلسيّة) وقرأت على مسامعه المقدّمة التي كان لي شرف تصدّرها للرواية.
معتز نصير المرأة، وللمرأة دور نضالي مميّز في الرواية، ومنح نسرين شرف قتل أخيها راضي العميل وتخليص المجتمع منه لتقول:"لن أحرم نفسي شرف ما فعلت مهما كان الثمن، أنا من قتله، ليعلم الكبير والصغير أنني غسلت عاري بيدي".
ناقشنا فكرة مشروع"إحنا معك"لمتابعة مِحنة الإهمال الطبّي الذي يعاني منه أسرانا التي سيُعلن عن إطلاقها قريبًا.
هرول الوقت والحديث يطول...
حين ودّعته قال لي:"خلّي عنوان اللقاء: شعلة أمل"!!
لكم أعزائي"X"، وائل ومعتز أحلى التحيّات، الحريّة لكم ولجميع رفاق دربكم من أسرى الحريّة على أمل لقاء قريب في حيفا كما تواعدنا.
***الأسير"X"من مواليد 1988، أُعتقل يوم 5 أيار 2009، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد مدى الحياة.
***الأسير وائل أبو شخدم من مواليد 1982، أُعتقل يوم 16 نيسان 2002، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه سبعة مؤبّدات.
*** الأسير معتز الهيموني من مواليد 1981، أعتقل يوم 25 نيسان 2002، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد 6 مرات وعشرون عامًا.
عقّبت الصديقة هدى عثمان أبو غوش:"صدقًا، أحيانا أحاول الهروب من قراءة حروفك القيّمة عن وجع الأسرى، بسبب المشهد الإنساني المعذّب للأسرى. اللهمّ الفرج لجميع الأسرى واللّطف بهم".
أما الروائي مصطفى عبد الفتاح فعقّب:"محزن جدًا ومثير للسخط من عالم لا يعرف الحد الادنى من الانسانية. إنّه يدمي القلب. ويزيد النفس حزنًا. أتمنى له ولهم الشفاء. والحرية الفوريّة والانعتاق من براثن السجون. ولك صديقي حسن ألف تحية لأنك تعيش مأساتهم وتوصلنا بعالمهم ولو عن بُعد. الحرية لهم جميعا".
تعاصفنا وتثاقفنا، نعم، وجدت اللقاء وما يكتبونه متنفّسًا عبر القضبان.
"بدّيش أهلي يعرفوا"
زرت هذا الصباح سجن عسقلان للقاء ثلاثة أسرى، وشبح بعبع الكورونا يخيّم في فضائنا؛ طلبت منّي إدارة السجن أن أبكّر لإجراءات أمنيّة ووصلت الساعة السابعة والربع صباحًا بسبب حركة السير الخفيفة على غير المعتاد بسبب الكورونا، والتقيت بدايةُ بالأسير"X"بناءً على توصية من صديقي معتز؛ وجدته مرتبكًا شاحبًا بعكس الطلّة التي اعتدت عليها من جميع الأسرى الذين التقيتهم في الأشهر الأخيرة، ولتلطيف الأجواء سألته عن سبب شحوبه وإذ كان استيقاظه باكرًا من دون فطور؟ فأجابني: بل هي خُزعة من قبل"مطبّبة"أسنان في السجن، قلبت حياتي رأسًا على عقب!
تبيّن أنّ تلك الخُزعة الخبيثة سبّبت له خدرًا وجعلته مهووسًا، يعاني من أوجاع في الحلق والمعدة، خدر في أطرافه ولا ينام الليل، ورغم ذلك لم يتلقَّ أيّ علاج غير المسكّنات التي لا تُسمن ولا تغني عن جوع.
توجّه لإدارة السجن يوميًا ولم يفحصه طبيب مختصّ حتى اليوم وكلّ طلباته بأن يفحصه طبيب من خارج السجن باءت بالفشل.
كان رياضيًا متميّزًا قُبيل أسره وحالته الصحيّة تسوء من يوم إلى آخر!
شكا لي انعدام الظروف الصحيّة الملائمة داخل الأسر ممّا يزيد مخاوفهم وقلقهم في ظلّ العمّة كورونا وزيارتها المباغتة لعالمنا.
ظاهرة الإهمال الطبي تجاه الأسرى الفلسطينيّين أودت بحياة عدد كبير منهم، وما زالت تهدّد حيوات العشرات، والسلطات تتجاهل ضاربة بعرض الحائط القانون الدولي.
رغم الأوجاع والألم، عيناه تشعّان أملًا وإصرارًا.
حين ودّعته قال لي:"وحياتك؛ بدّيش أهلي يعرفوا".
"وااو...إسمي على رمال عسقلان؟!"
مباشرة حين انتهاء اللقاء أطلّ الأسير وائل حجازي ياسين أبو شخدم الحسيني وابتسامته العريضة تسبقه بأمتار.
تحدّثنا بداية عن زيارة العمّة كورونا غير المرغوب بها وثقل دمّها والاحتياطات التي يتّخذونها خلف القضبان لمواجهتها، قلقهم تجاهها وخاصّة أنّ غالبيّة الأسرى في سجن عسقلان مرضى ويعانون من الإهمال الطبيّ المريب؛ سألته عن طبخة اليوم، فهو يعشق الطبيخ بالفطرة، أجابني أنّه سيفاجئ رفاقه بمحاشي الباذنجان والفلفل...والخيار.
حدّثني عن مشروعه الأدبي؛ ديوانه"المشتاق"الذي كان رسالة عشق وتمنّي معنونة لإسرائه وكم كان سعيدًا حين وصلتها الرسالة عبر الديوان وتم الارتباط والخطوبة فتولّد ديوانه الثاني"أميرة الصباح"، وحين أخبرني من هي إسراء حدّثته عن مداخلتي حول رواية الشندغة لصديقي الروائي قاسم توفيق وشطحة ولاء في شاطئ حيفا لترسم اسم خطيبها النابلسيّ على رماله، تمامًا كما فعلت إسراء في طريق عودتها من الزيارة الأخيرة حين رسمت إسم وائلها على رمال بحر عسقلان ونشرت الصورة على صفحتها، كم كان سعيدًا ومنفعلًا حين أخبرته بذلك فسرَح مع المشهد للحظات طويلة.
منذ خطوبته صار للزيارة مذاقٌ آخر، ينتظرها بفارغ الصبر ليلتقي خطيبته ساعة زيارتها لأخيها معتز، وهي الأمل بمستقبل حرّ ليتمتّعا معًا بعناق شمس الحريّة على شاطئ المتوسّط...رغم مؤبّداتهم!
تحدّثنا عن ديوانه القادم وكان سعيدًا حين أخبرته بتعهّد صديقي الأديب فراس عمر حج محمد بتنقيحه وتحريره.
داهمنا الوقت وعيناه تشعّان أملًا بغدٍ مُشرق.
"شعلة أمل"
وثالثهم الأسير معتز محمد فخري عبد الله الهيموني الذي أطلّ بابتسامة مشتعلة وكأنّنا أصدقاء طفولة.
تحدّثنا بداية عن زيارة كورونا الكونيّة لكلّ أرجاء المعمورة في آن واحد وقلقهم تجاهها، آخذين بعين الاعتبار أنّ غالبيّة أسرانا في سجن عسقلان مرضى ويعانون من الإهمال الطبيّ المُزمن، فهو يؤمن بأنّه مهما كان الإنسان قويًا فسيسقط حتمًا إذا ما كان نظيفًا في داخله، وإذا نظّفنا المخّ ينظف كلّ شيء.
حدّثته عن انطباعاتي من زيارتي ل"ملتقى أكاديمية الشعلة الثقافي"يوم السبت 22.02.20 في الخليل ولقاء طاقمه الرائع وحلمه الذي صار حقيقة، عبّر عن انفعاله من تغريدتي"لديّ حلم"،
نعم، مهمّة الثقافة أن تجعلنا نحافظ على إنسانيّتنا!
ناقشنا روايته"سراج عشق خالد"(قيد الطبع وستصدر قريبًا عن المكتبة الشعبيّة النابلسيّة) وقرأت على مسامعه المقدّمة التي كان لي شرف تصدّرها للرواية.
معتز نصير المرأة، وللمرأة دور نضالي مميّز في الرواية، ومنح نسرين شرف قتل أخيها راضي العميل وتخليص المجتمع منه لتقول:"لن أحرم نفسي شرف ما فعلت مهما كان الثمن، أنا من قتله، ليعلم الكبير والصغير أنني غسلت عاري بيدي".
ناقشنا فكرة مشروع"إحنا معك"لمتابعة مِحنة الإهمال الطبّي الذي يعاني منه أسرانا التي سيُعلن عن إطلاقها قريبًا.
هرول الوقت والحديث يطول...
حين ودّعته قال لي:"خلّي عنوان اللقاء: شعلة أمل"!!
لكم أعزائي"X"، وائل ومعتز أحلى التحيّات، الحريّة لكم ولجميع رفاق دربكم من أسرى الحريّة على أمل لقاء قريب في حيفا كما تواعدنا.
***الأسير"X"من مواليد 1988، أُعتقل يوم 5 أيار 2009، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد مدى الحياة.
***الأسير وائل أبو شخدم من مواليد 1982، أُعتقل يوم 16 نيسان 2002، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه سبعة مؤبّدات.
*** الأسير معتز الهيموني من مواليد 1981، أعتقل يوم 25 نيسان 2002، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد 6 مرات وعشرون عامًا.