مقدّمة:
يمثّل النص السرديّ آفاقا لا محدودة من عوالم حكائيّة منفتحة. والقصّة الوجيزة تقوم على الحكاية لما لها من قدرة على شدّ المستمع أو القارئ وتضمين المعاني ضمن أطرها الخاصّة.
فكلّ نص أدبي هو محاورة بين المتلفّظ والمتلفّظ له الذي يحلّل الرسالة انطلاقا من السياق الذي وردت فيه.
وفي هذا الاتجاه ننزّل هذه المحاولة القرائيّة السياقيّة للمجموعة القصصية الموسومة بـ" موطئ قلم" والتي يقترحها علينا الكاتب المغربي حسن برطال 1وينزّل مجموعته في سياق تلقّ مخصوص هو القصة الوجيزة.
"الكتابة بحر، والقراءة مدّ وجزر... " بهذه الثنائيّة قدّم حسن برطال مجموعته القصصية "موطئ قلم"، ثنائية أردنا الخوض فيها وفحص هذه المساحة الفاصلة بين بناء النصّ وتلقّيه. وفي هذه المساحة تتحقّق عملية التواصل اللّغوي التي تنعقد بين طرفين أوّلهما الباثّ المرسل وثانيهما المتلقّي المرسل إليه الذي يحلّل الرسالة. والقارئ حين يتلقّى أيّ نصّ فهو بصدد تلقّي خطاب اقترحه عليه كاتب.
فكيف تحقّق التفاعل في هذا النص بين الذات الكاتبة والذات المتلقّية في تلك المساحة القائمة بين بناء النص وتلقّيه؟ وما هي رواسب السياق الذي حفّ بعمليّة الإنشاء وعمليّة التلقّي في مجموعة حسن برطال؟
فمجال البحث في سياق النص هو بحث في كيفية تصريف الكاتب لمعانيه في خطابه أو ملفوظه إذ يقول مانغينيو: "السياق هو تنزّل ذات الكاتب في خطابه في اللحظة التي أنشأ فيها ذلك النص.. علينا أن ندرك أنّ السياق ليس موجودا خارج النص وإنّما النص هو تصريف سياقه تحديدا" le texte est la gestion de son contexte)). والبحث في السياق هو بحث في طرائق الكاتب وليس بحثا في السياق التاريخي الذي نشأ فيه النص أو أنشأه وإنّما هو "بحث في كيفيّة اشتغال النص في صلته بسياق النشأة.
فكيف صرّف حسن برطال السياق الذي أنشا فيه موطئ قدم؟ وكيف بنى مشروعه السرديّ الوجيز؟ وما هي مختلف السياقات السردية التي ساعدته على تصوير فواعله ونموّها في السرد؟ وما هي الرموز والذاكرة النصّيّة التي يستدعيها؟
1° السارد: وجود السارد في الحكي من آثار هذه الذات الكاتبة. فهو مسألة ضرورية لأنّ الحكاية لا يمكن أن تصل إلى القارئ إلّا عبر السرد الذي يتكفّل به السارد. وحتّى إن اختفى نلمس حضوره وراء الشخصيات أو في بعض التعليقات: " كيف لا يحزن وهو الذي سلّم ظهر قضيّته (لحيوان)؟"(2)
أو في خطابه للقارئ "ما أجمل أن تحملك الأمّ في (القلب)"(3) أومن خلال زاويا النظر التي تحكم النص الحكائي من بدايته إلى نهايته.
2° العنوان: حسن برطال باني الخطاب أو الباث يركّب خطابه بما يعرفه عن المتلقّي. فهو يملك صورة عن هذا المتلقّي قبل لحظة القراءة، صورة متخيّلة ومدركة في الآن ذاته. وهذا الوعي بالقارئ الضمنيّ عند حسن برطال يظهر منذ العنوان: "موطئ قلم". إذ يكشف عنوان نصّه في قسمه الأول "موطئ" عن وعي المتلفّظ بالسياق اللّغوي لحظة الإنشاء وأنّه يخاطب متلقّيا عربيّا يبحث عن المعنى الكثير في اللّفظ القليل. وفي هذا المستوى (العنوان) يمكن ان نتبيّن السياق الأدبي العامّ الذي انتمى إليه حسن برطال إذ نادى بالإيجاز في الأدب والثقافة والفنّ وأن تكون أساليبنا مقتضبة موحية مستمدّة من مبدإ "أبلغ الكلام أوجزه". وكلمة "موطئ" المصرّفة من مادّة (و.ط.ء) تترسّب فيها دوائر دلالية تتنزّل ضمن معاني الوجيز. فالوطأة موضع القدم وهي كالضّغطة الشديدة التي نريد بها الكثرة من فعل الوطء. والواطئ هو المارّ وعابر السبيل. وهذه المحمولات الدلالية التي ينعقد عليها فعل الوطء تتواطأ وتتوافق مع أهمّ معاني الوجيز المتمثّلة في التكثيف الذي نريد به المعنى الكثير من اللّفظ القليل والإيماض الخفيف أو العبور الخاطف للمعنى القويّ المثيل بمرور ابن السبيل الذي يخلّف أثرا بالغا باقيا لا ينسى لما يثيره وطؤه القصير الشديد من دهشة ومفاجأة.
فحسن برطال هو ابن السبيل الواطئ بقلمه حقل الأدب موجزا في لفظه مكثّفا في معانيه لا يكاد يثبت في مكان حتّى ينتقل في خفّة إلى موضع آخر يطؤه في مدى قصير محدثا في موطئه دوائر متّسعة من المعنى الكثيف إلى حدّ الإعجاز. ولعلّ قصّته الوجيزة "مآرب أخرى" تؤكّد ما ذهبنا إليه: " ضربتُ (بقلمي) فانشقّ البحر وصنعت نفقا يربط طنجة بالخزيرات.. ولمّا اكتشفوا أنّ القلم من (خشب) أصبحتُ في نظرهم سارق (عصا موسى).."(4) فوطأة القلم هذه وطأة شديدة ساحرة تفتح أمام المعنى دروبا ولو بوخزة مسمار على نحو ما أعلن عنه حسن برطال في قصّته "موطئ قلم" التي وسم بها مجموعته القصصيّة "وقف الكاتب مستقيما، ينظر ناحية الأفق البعيد فلم يجد أيّة فكرة... ولمّا عاد إلى المسافة الضيّقة تحت قدميه وجد حكاية (مسمار الكيف).."(5)
والكاتب في بنائه للعنوان يلاعب القارئ وفق تصوّره لسياق التلقّي. ويدرك مسبقا مدى تفاعل القارئ مع العنوان الذي خلق سياق ألفة يدفع المتلقّي إلى التقاط الرسالة بسهولة. والكاتب في هذه القصّة الوجيزة حقّق نوعا من التوسّع في ملمح من ملامح العنوان. فكلمة "قلم" تكشف عن جمالية الألفة بين العنوان والكاتب كطرف أساسيّ يحدّد العالم السردي في الأدب الوجيز لأنّ القارئ يعي أنّ القلم يحيل مباشرة على سياق النشأة الذي اُجترح فيه هذا النص لأنّه أداة الإبداع والوطء الخلّاق.
فهل كان الكاتب في علاقة موضوعية بهذه الأداة القلم أم هو في علاقة ذاتية بهذه الأداة الرمزيّة؟
3° البنية: إنّ العنوان "موطئ قلم" علامة في شبكة من العناوين المتفرّعة عنه. وتتحرّك هذه العناوين ضمن سياق بنيويّ باعتبارنا نتعامل مع قصص وجيزة مستقلّة بنيويّا تمثّل كلّ واحدة منها وجها من وجوه الوطء الإبداعيّ.
وعناوين هذه المواطئ نجدها متنوّعة: أعلاما (يونس صديقي، أبو فراس..) وأماكن (الكرة الأرضية، أعالي البحار، مدينة المعرّي..) وقضايا (زنا المحارم، خيانة الأمانة، الزواج المختلط.، الهجرة السرّية..) وعبارات أجنبية (CV، التروتي-نت، فلاش – باك..) وأخرى من اللّهجة المحلّية المغربية (التشرميلو- فوميا، بوخنشة) وحيوانات (الطائر الحرّ، فصيلة البغال، بائع الحلزون..)
وينمّ هذا التنوّع عن وعيه بالسياق اللّغويّ العام المشترك بين الفصحى والعامية. فحسن برطال يتحرّك في سياق لغويّ يكشف عن طبقات المتلقّين: المتلقّي المحلّي المغربي والمتلقّي العربي. بل يضعنا طيلة المجموعة في سياق تمثّلي. وكأنّه يدعونا إلى أن نتمثّل أثر هذا الموطئ بموطئ نبيّ أو صديق نبيّ "يونس صديقي". حتّى أنّنا نلاحظ أنّ حسن برطال يماهي تماما بين القلم و"عصا موسى" " أصبحت في نظرهم سارق (عصا موسى)"(6)
فهو لا يتحدّث عن قلم بل عن معجزة مصيرها خلق الدهشة والمفاجأة مثل كلّ المعجزات لحمل المتلقّي على الإيمان. فكلّ الأقلام تضرب وتشقّ فتوقا من المعنى وتصنع الإعجاز. فموطئ قلم ليست سوى معجزة الإنسان في القدرة على الكتابة والإيجاز.
4° البرنامج السردي: حسن برطال يحوّل الشخصيّة القصصية من سياق وجيز إلى آخر ليرسم لنا ملامح البرامج السرديّة ويُعِدّ القارئ في كلّ مرّة لسياق سرديّ قادم. وأهمّ السياقات التي ساعدته على رسم برامجه وبناء مشروعه الجماليّ هي:
السياق الانعزالي مفهوم له علاماته اللّغويّة إذ نتحدّث عن السياق الانعزالي مع شخصية ما عندما نتحدّث عن المونولوج أو الحوار الباطني، لأنّ صوت الكاتب يظهر بجلاء أشدّ في الحوارات الباطنيّة. فيحضر السارد المتأمّل والسارد الناقد والساخر من الأوضاع الخاطئة التي تلبّست بها الإنسانيّة. يقول في قصّة (الكرة) الأرضيّة: " مشيتُ خلف الكرة المتدحرجة فوجدتني وسط مخلوقات آدميّة تحاصر ثعالب، سناجب، فيلة وأسودا... أنا الآن داخل (سرك) وليس (ملعبا).."(7)
فالذات الساردة تنخرط في عالم السرد ليتشكّل فيه "الأنا" حاضرا حضورا وظيفيّا إلى جانب الضمائر الأخرى. هذا الأنا الذي استولى على نصيب طيّب من المواطئ السرديّة(8) يُعدّ مكوّنا هامّا من مكوّنات هذا الفضاء السردي المتحرّك المتلوّن بتلوّن أوضاع الأنا. ومتى رصدنا الحركة الدّاخلية لهذا الأنا تتجلّى لنا أنّها حركة دائريّة مكثّفة الدّلالة تنطلق من البحر في أوّل موطئ له في قصّة "بحر القصيد": " تأكّدوا أنّني كنت أتكلّم عن البحر" لينتهي إليه في آخر موطئ له في العالم السردي في قصّة " مآرب أخرى": "ضربت بقلمي فانشقّ البحر"
وفي رحلته البحرية السرديّة يصارع الأنا الأنواء والعباب ويواجه الغرق وينتظر الإنقاذ أو الأداة السحريّة للنجاة "المروحية التي جاءت لإنقاذنا من الغرق طافت حولنا"(9) مخلّفا وراء خطابه السرديّ الوجيز دوائر شتّى من المتعة والجماليّة الفنّية التي قد تذكّرنا إلى حدّ بعيد بمغامرات سندباد الفضاء ليتّضح لنا أنّ حسن برطال يطأ بقلمه كلّ الفضاءات بحرا وبرّا وجوّا. بل الطريف الغريب أنّه يرفض العبور والتحوّل عن وضع الغريق "طلب منّي ركوب البحر للمغادرة والخروج فاعتذرت لمّا اكتشفت أنّي رجل ميّت و(الماء) لا يخرج منه سوى (الحيّ)"(10) والأنا في حضوره الدّلالي الرّمزيّ الكثيف يربط بين الفضاءات بحكيه ويشدّها إلى رباطه مهما اختلفت وتنوّعت دوائرها وتشظّت معانيها. وكأنّ بالكاتب يرفع شعار الحياة بالغرق في يمّ الكتابة.
فقد نكون داخل عوالم الأنا الشخصيّة في هواجسه وتأمّلاته أي في سياق داخليّ انعزالي خاصّ ولكن في ذات الآن نكون إزاء خطاب سرديّ يجوس في السياق الخارجي العامّ. فالسياقات السرديّة مفتوحة بعضها على بعض. وفي هذه اللّحظة السردية الداخلية الخاصّة ننفتح على سياق خارجيّ يستدعي سياقا مرجعيّا للخطاب يتمحور حول خصائص المجتمع المغربي في عصر الكاتب حيث كانت وضعية الإنسان وضعية دونية متقلّبة بين ثنائيّات عديدة تطفو على سطح النصوص بين الموت والحياة \ الحرام والحلال \ الروح والجسد \ الفقر والغنى \ الخيانة والوفاء \ الوهم والحقيقة \ المال والأخلاق \ العقم والإنجاب \ العهر والعفة ... ثنائيّات لا تنتهي حتّى أنّ القصص في جانب مهمّ منها وفي سياقات واسعة فيها تلتقي بقوّة مع ميشال فوكو في كتابه "ما المؤلّف؟"(11) والذي يحاول أن يبرهن فيه أنّ المهمّ ليس المؤلّف وإنّما الخطاب، أو في بقيّة كتبه التي عالج فيها مواضيع اجتماعية عديدة.
هو السياق الثاني لأنّ حسن برطال يحاول أن يفلسف وجوده ووجود شخصيّاته في مواجهتها لحدث الموت "لمّا نظرت إلى الجسر الذي يخترق المدينة ورأيتُ راجلين وراكبين يسيرون في الهواء رويدا.. رويدا، أدركت أنّنا تحته رفات عباد وبيوتنا مقابر"(12) فهذه القصص الوجيزة مكتوبة في أجواء ما يسمّى بالوجودية الفلسفيّة ولاسيّما في نظرة الكاتب إلى الموت، نظرة تأمّليّة كسا بها الأنا السارد وما يحيط به من شخصيّات.
السياق الثالث لأنّ الكاتب يحاول وسمَ "الأنا" بميسم تراجيديّ. ومن سماته: بطل فرد، العزلة، الموت، الدهر، الفناء، الصراع مع القوى الغيبية التي لا قبل له بها وتنتهي لابدّ بخسارة البطل. فشخصيّة الأنا شخصية مأساويّة تراجيدية تواجه الكون بمفردها. شخصية معرّضة للأذى وتستعدّ لمواجهة مصيرها بمفردها. ولهذا رفضُ العبور إلى البرّ في قصّة "العبور"(13) بعد صراعه مع الغرق في البحر (القدر) يدخل ضمن العقد القرائي المعروف بأنّ شرف البطل االتراجيدي ليس في انهزامه بل في صراعه مع القدر.
السياق الرّابع وهذا السياق يوسّع دائرة التأويل والمساحات الدلالية. ويخوّل للمتلقّي التأثير في معاني النص في ضوء ما يضعه النص بين يديه من سياقات. مثل قوله " و(الماء) لا يخرج منه سوى (الحيّ)" فالماء هنا يقوم بهذا الدور الرمزي في البعث والإحياء. وكأنّ العجز والذلّ والموت المعنويّ وساخة يرفضها الأنا ولا مخرج منها إلّا بالتطهير. والتطهير في التراجيديا يكون عادة بالكلام. لكن هنا يتمّ التطهير بالماء، ماء الحياة. بل جعل الانتصار لمن "عرشه على الماء"(14)
وفي موطن آخر مقابل يتهكّم السارد من الذي يؤمن بإمكانية خروج الحيّ من الميّت " المعلّم يسأل عن الذي يخرج الحيّ من الميّت... طفل يتكلّم عن (البحر الميّت) وعمليّات الإنقاذ الناجحة من قبل رجال الوقاية المدنيّة.."(15)
ومانغينيو أشار إلى عوامل أخرى تسهم في إنتاج النص الأدبي وهي الوسائط. وهي تشمل عناصر عديدة مثل: "الحمار، البغال، الثدي، الكرة، المركب، النّار، القدم، البحر، الطائر، القلم، القبر..." والهدف من هذه الوسائط إبراز القدرة الكامنة في الكلمة وتلك النّجاعة المتأتّية من الرمز:
رمز البغال فصيلة ترمز إلى العقم أو العيش العقيم،
ورمز المركب الذي أبحر به وطاله الغرق إلى الوسيلة المهترئة العاجزة عن تحقيق المآرب،
ورمز البحر إلى الصعاب والتحدّيات التي بها نكتسب شرف الحياة،
ورمز الكرة رمز إلى التدحرج والتلاعب والغشّ والخطاب المزدوج
وغيرها من الوسائط الرموز التي أثّث بها حسن برطال نصوصه واستدعى حضورها في عملية التلفّظ معوّلا على كفاءة المتلقّي في اكتشاف دلالاتها الرّمزيّة.
ففي البرنامج السردي الواحد قد يسع السياق الواحد كلّ هذه السياقات ليكون سياقا متعدّد الأصوات أو يتقلّب السارد بين سياق وآخر. وهذا التقلّب السياقيّ هو أداة الكاتب لتطوير مشروعه السرديّ بإنماء الأحداث والشخصية وبالتقدّم في عوالم التخييل دون إطناب ولا إسهاب لفظيّ. ويمكّن هذا التقلّب السياقيّ القارئ من مزيد الإحاطة بملامح الشخصيّات في بعدها المرجعيّ وبعدها النفسي والرمزيّ.
5° التبئير: يملك السارد خطّته السردية القادرة على ترك أثر في المسرود له (أي عمل قوليّ ناجع أو مؤثّر acte perlocutoire. وهي تقنية يختارها السارد للتأثير في المتلقّي (تقنية سينيموغرافية).
والتبئير عند جينات هو تسليط الضوء على وضعية الشخصية كتبئير شخصية زاني المحارم ووضعها تحت ضوء السرد "خطّط للعودة إلى عالمه الجميل الذي جاء منه فلم ينجح..."(16) وبقدر ما تُبأّر الشخصية تقترب من القارئ وتتوضّح ملامحها.
وشخصية الزاني بتبئيرها ستظهر الوجه الآخر لحسن برطال وهو وجه الكاتب النّاقد لمظاهر الخور في المجتمع حين يصبح مختصّا في كتابة القصّة الوجيزة ويصبح صديق يونس الذي اختزل فيه حسن برطال صورة النبيّ الذي طاف البحار كلّها حاملا سرّا خاصّا برمزية الموت والبعث: رحلة روحية وجدانية تتمّ بالفكر والخيال إلى جوف الحوت. فهذا العقاب بموته في بطن الحوت(17) ليس إلّا معاناة واجبة تهيّئه ليكون جاهزا لتحمّل مشاق تبليغ الدعوة. أ ليست هذه حال الكاتب "صديق النبيّ" وهو يتهيّأ للخلق والولادة من جديد مع كلّ مشروع جماليّ؟
6° التناصّ: ومن طرق الإجراء أيضا "التناصّ" أي استحضار نصوص الثقافة السابقة. فما هي النصوص التي يمكن أن نعثر عليها في ملفوظ موطئ قلم؟ وما هي اللفتات الأجناسيّة المتوفّرة في خطابه؟ كيف تبادل مثل هذه الإشارات النّصّية مع القارئ وأثّث بها السياق التلفّظي لحظة الكتابة بناء للحظة القراءة؟
ف"موطئ قلم " نسيج من التناصّ مع النص القرآني. والسياق الأجناسي le contexte intertextualité من أهمّ السياقات التي يمكن أن نتدبّر به هذا الخطاب. فمثلا قوله "ضربت (بقلمي) فانشقّ البحر"(18) يستدعي الآية القرآنية " فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كلّ فِرْق كالطود العظيم"(19)
فحسن برطال انزاح بهذه الصورة من هذه الأبعاد الدّينية ونقلها من بحر القرآن إلى بحر الأدب الوجيز. لكنّه لم يكتف بهذا الانزياح الجدّي بل نقله من هذا السياق إلى سياق آخر أدبيّ نقديّ. فقدّم صورة فرعون تقديما مضحكا ساخرا ليسخر من هذا البشر المتصلّف المدّعي، الرّمز إلى كلّ طغيان وروغ في قصّة "الفرعون" "لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا، يعيش وحيدا لا يعرفون عنه شيئا.. ولمّا قدّم نفسه وكشف عن هويّته قال أنا اللّه.." (20) أو حضور صورة الهدهد والنملة وسليمان في قصّة "الطائر الحرّ" أو قصّة يونس مع الحوت في "يونس صديقي" أو صورة نار الله الموقدة. فالكاتب وهو يبني هذا الخطاب يثير القارئ ليستدعي النص القرآني. فبنى مكوّنات العالم السرديّ بذاكرة نصّيّة معوّلا على ما يمتلكه القارئ من الكفاءة ومن الثقافة لتفكيك هذا السياق التمثيلي. فالكاتب وهو يتناصّ مع غيره يقول للقارئ عليك أن تمتلك القدرة لتلاحظ كيفية تصرّفي في هذا النص الجديد. وفي هذا السياق التناصيّ تتجلّى ذاكرة حسن برطال النصّيّة mémoire textuelle d’écrivain وثقافته من خلال السياق التناصي أو الأجناسي الذي يكشف عن طرائق الكاتب في تصريف ذاكرته النصيّة. بحيث تستحيل القراءة رصدا لثقافة المؤلّف وتتبّعا للنّصوص السّابقة التي استقرّت في لاوعيه يستحضرها مشدودا إلى لحظة الكتابة.
وفي إطار السياق الشفوي ينبغي أن نلتفت إلى ذاك الذاكرة النصّية التي حرّك من خلالها حسن برطال فعله الإنشائيّ باستحضار كلمات من المنطوق الشفوي المغربي على نحو "الويكلو، البطبوط، التروتي- نت، مُشرمل، فلاش- باك، دجاجة بكامونها، بوخنشة، أم كحلة، التيليسكوب.." بل إنّنا كما يذكر رولان بارت في نظرية النص "أمام نصّ يسعى إلى الإخبار بمختلف الملفوظات السّابقة أو المتزامنة معه".
فدائما ما يوجد النصّ ومن حوله السياق أي طرائق الكاتب في التفاوض مع محيطه عبر لغة النص، يعني طرائقه في الاستحواذ على الرصيد المشترك للّغة وإجرائه بحسابه الخاصّ حتّى يصبح "خطابا مشتغلا" يحمل سمات الذاتية وآثار حضور الذات في ملفوظها من خلال معيّناتها.
بل يمكن القول إنّ هذه القصص الوجيزة ليست غير تفاوض لغويّ بين الكاتب المتلفّظ والقارئ المتلفّظ له. فالمتلقّي يعدّ أحد الأركان الرّئيسية في العملية الإبداعية بل هو الهدف من هذه العملية. وهو الذي يحكم على العمل إن كان ناجحا أو لا. فحسن برطال منتج النص لا يحقّق غايته من عمله إلّا باستجابة المتلقّي لنصّه وردّة فعله. والمفهوم التداولي للنص لا يكتمل إلّا بوجود المتلقّي.
إذا كان المتلقّي هو محور النص بالأساس فإنّ السياق هو ذاكرة النص وخارطة التلقّي. ويقول رولان بارت في le brouissement de la langue "حفيف اللّغة" في حديثه عن سياق القراءة: "إنّ النص المكتوب لا يثبت على حال فهو يتعدّد بتعدّد القراءات". والمكتوب يجعل القراءة فعلا ذاتيّا تتحرّر من خلاله الذاكرة لينشأ الإبداع الفرديّ.
فالسياق لا بدّ منه لقراءة المنتج الإبداعي واختراق حجبه. فكلّما تناول القارئ النصّ رشح بالمزيد من المعاني والدّلالات. فرغم أنّ النصّ المكتوب ثابت غير قابل للتبديل فهو نص تعدّدي يتجدّد فيه سياق التلقّي مع كلّ قراءة ومن الطريف أنّ حسن برطال داخل سياق القراءة العام والخارجي لـ"موطئ قلم" أحدث سياق قراءة داخليّا وخاصّا بالكاتب وناقده وقارئه في قصّة وجيزة وسمها بـ"عدم الاختصاص": " كتب (قصة قصيرة جدّا) بدل رواية أو قصّة فاتّهمه الناقد (بالتقصير) في عمله.. القارئ الذي بحث عن (المتابعة) وجد هذا الأخير (يتابع) الكاتب قضائيّا.." وهذا دأبُ حسن برطال في فنّ المخاتلة والتورية باللّفظ وملاوصة المتلقّي بكلّ الأساليب واستفزازه ليشارك في إنتاج معان جديدة للنص. بل "تتشكّل تلك الإنتاجية من خلال الخزين المعرفي الذي يمتلكه القارئ" على حدّ عبارة فاطمة الشيدي في كتابها " المعنى خارج النص". وكلّما اتّسعت ثقافة القارئ ازدادت الإنتاجية الجديدة للنص.
فالنص خارج التلقّي هو عمل متوقّف الحدوث ضمنيّا. إذ يحدث النص بمجرّد أن يتحرّك المتلقّي من السياق ليصل إلى مضامين النص الغائبة أو يخترع القارئ معاني لم يتكهّنها المؤلّف.
من هنا تأتي قيمة السياق قراءة باعتباره عنصرا ضروريّا لتحقيق التفاعل بين الذات الكاتبة والمتلقّي. فإن كان لحسن برطال منتج النص حرّية تشكيل نصّه وفق خياراته النفسية والفنّيّة الخاصة كما أسلفنا في سياق النّشأة، فإنّ لمتلقّيه إمكانات من التأويل المتعدّدة ضمن سياقات النص التاريخية والاجتماعية والنفسية. إذن السياق بهذا المفهوم هو مدخل ضروري لقراءة عوالم النص السردي. هو أداة ضرورية من بين أدوات أخرى لتفكيك هذا الخطاب السردي الذي يقترحه علينا حسن برطال.
ويشترط فانديك في تدبّر السياق الملاءمة la pertinance. فماذا يمكن أن يحصل حين يفلت منّا شرط الملاءمة؟ يحصل تشوّه في عمليّة التأويل، مثلما يمكن أن يقع من سوء فهم في القصّة الوجيزة " توابل محلّية": بحثتُ عن المخّ (المُشرمَل) اللذيذ فوجدتُه في (رأس الحانوت).." إذ متى فكّك القارئ النص خارج سياقه المشترك ولم يقبض على شرط الملاءمة بين الملفوظ وبين السياق الذي وقع فيه التلفّظ وهو السياق قد يتشوّه الفهم أو ينعدم. فالكلمتان الموضوعتان بين قوسين لا يمكن فهمهما إلاّ داخل سياقهما الشفوي المحلّي المغربي فرأس الحانوت نوع من أنواع البهارات السائدة في المغرب وتستعمل في الأكلات الشعبيّة وتسمّى "المساخن" لأنّها ترفع درجة حرارة الجسم. وكذلك المُشرمل في اللّهجة المغربية مشتقة من شرمولة التي تعني مجموعة من نكهات الطعام التي تُضاف لأطباق اللّحوم لكن في السياق العام المشترك أصبح يُطلق على الشاب المسلّح بالسيوف والسكاكين ويتباهى بقدرته على السرقة وارتكاب الجرائم. والقارئ إذا فكّك هذا المعنى خارج سياقه المشترك يتشوّه الفهم. وهنا ندرك قيمة السياق فيما يسمّى بـ décodage أي تفكيك الرسالة.
ويقول عالم الاجتماع "بيار بوديو"Questions de sociologie 1993: " قد نجد الملفوظ يُخبر عن المتلفّظ من حيث انتمائه الجهويّ والطبقي." والقارئ سيكون مهتمّا في هذا الخطاب القصصي بتتبّع دور هذا الانتماء الطبقي والجهوي والفكري والثقافي في بناء الشخصيات والأحداث والمشروع القصصي. لأنّ بنيويّا هذه الشخصيّات "اللّامسمّاة" الحاضرة بضمائرها الفارغة من كلّ هويّة تمثّل مكوّنات العالم السرديّ في قصص حسن برطال. فهل ستكون الشخصيات نمطية، نامية، منفلتة، مفاجئة...؟ ما هو مسارها السردي؟ تلك أسئلة القارئ. وتلك تقنيات الكاتب في شدّ القارئ. إذن لا وجود لقراءة خارج النصّ وسياقه المرجعيّ.
فمفهوم السياق مفهوم ضروريّ في فعل التأويل. والمعنى في النص يخرج إلى دلالات كثيرة تقتضيها المواقف فيؤدّي السياق أمرين دلاليّين: المعنى الذي تدلّ عليه الكلمة والمعنى الذي تدلّ عليه إشارات معيّنة وهوما يسمّى في العلم الحديث بالدلالة الإشارية.
ومن هذه الإشارات:
الإشارة التأويلية (ظاهر اللّفظ لا يدلّ على ما يقصده القاصّ بل يخالفه ويعارضه: "فهو العبد (المذنب)"(22)
وإشارة الموضوع (ما يستوحى من معان ذات موضوع واحد: كموضوع الزواج من خلال تواتر مواقف الاستنكار من منزلة المرأة الدونية مع الإيمان بأنّ الجنة تحت أقدامها: "كان يقبّل قدم أمّه ويبحث تحتها عن (الجنّة)، بينما نصيب الزوجة من (الفلقة) فحدّث ولا حرج،"(23)
والإشارة الرمزية (بوخنشة، أمّ كحلة، الطائر، الكلب، الحمار...)
والإشارة الحضارية (خصوصية حضارة معيّنة أوأحداث تاريخية: مدينة المعرّي + إكرام غزّة)
4) كفاءة المتلقّي في تحليل السياق:
- كيف يكتسب المتلقّي الكفاءة لتحليل السياق؟
إنّ السياق السردي بثّا وتلقّيا تحكمه مجموعة من القوانين. وهذه القوانين في تحليل الخطاب السرديّ ضبطها دومينيك مانغينيو في فصل من كتابه lois de discours)) وسمّاها مبادئ يحتاج إليها كلّ من الباث والمتلقّي لفكّ شيفرة الملفوظ. وهذه القوانين هي:
بين الشخصيات (قصّة نقطة بيع: "فسألته عن (البيع بالتوقيع) أجاب: كما تفعلون في حفلاتكم"(24) وفي سياقاته الخارجية كما بين النص وقارئه
الكاتب وقرّائه. ويظهر هذا العقد في مقدّمة المجموعة: " فلنترك ميّتنا من (المعنى) يرقد في سلام وتفكّر في إنجاب جيل جديد من المعاني" فالقارئ سيدرك مدى استجابة الكاتب لما ودعا إليه ودرجة صدقه الفنّي في الالتزام بهذا العقد.
يخبر قارئه والشخصية تخبر شخصية أخرى أو تخبر ذاتها وقد يصل الإخبار إلى حدّ "الضغط" في قصّة سلسلة عدائيّة: "وزير الدفاع يضغط على قائد الجيش.. قائد الجيش يضغط على الجنديّ.. الجنديّ يضغط على (الزناد)، الرصاصة لم تستحمل هذا الضغط ونمفجر في وجه (أمّ كحلة) التي تساعد هؤلاء الغزاة."
كيف تتكلّم الشخصيّات المتحاورة؟ وكيف يتكلّم السارد وكيف يبني الكاتب جمله؟ كيف يتلقّى القارئ النص؟
الشخصية المهيمنة والشخصية المهيمن عليها. وقانون الهيمنة يصبح علامة لغويّة تلفت الانتباه وتدفع إلى التساؤل. كهيمنة حضور ضمير "الهي" على بقيّة الضمائر في المجموعة المعتمدة.
والحوار مجموعة من العقود: الاجتماعي، النفسي، الرّمزي، القيمي، اللّغويّ... تساعد القارئ على فهم العلاقات القائمة بين الفواعل السرديّة حيوانيّة أو بشريّة كالاتّفاق الضمني الرّمزي المبرم بين الإنسان والحمار الذي تتحوّل رمزيّته في دائرة الجدّ من رمز الغباء إلى رمز الحكمة والذكاء كما نجد ذلك في أولى قصص المجموعة "حيوان ناطق": "وجد نفسه جنبا إلى جنب مع حمار يرفض أن يركب ظهر أتانه (إنسان) فبكى، كيف لا يحزن وهو الذي سلّم ظهر قضيّته (لحيوان).."
وهذه القوانين هي التي تخلق الكفاءة لدى القارئ سواء أ كان باثّا أم متلقّيا. وهي كفاءة تجعل المتلقّي قادرا على تفكيك الخطاب وكشف أسراره. مثال في قصّة الطائر الحرّ: "يا صديقي الهدهد، ساعدني في البحث عن (بلقيس).. فأنا سليمان، اليوم عرفتُ ذلك لمّا طلبت يد (نملة) وهربتْ منّي مذعورة ودخلت بيتها.." أو في قصّة "المغضوب عليه":" في المدرسة صباحا تكلّم المعلّم عن الصّراط المستقيم وفي المساء طلب الصغير من أبيه أن يأخذه إلى (البهلوان) ليعلّمه كيف يمشي على الحبل.."
لا بدّ للقارئ أن يكون صاحب كفاءة وذا علم مسبق بعلم الدين والاجتماع والنفس حتى يفكّك هاتين القصّتين ويفهم طاقتهما الساخرة. والخطاب الساخر أكثر صدقا من الخطاب العادي لأنّ السخرية تملّك الخطاب طاقة صدقية وتكشف حيلة الرّاوي في الإخفاء.
خاتمة
تعاملت أوروكيوني مع السياق على أنّه فضاء تبادليّ بين طرفي الخطاب. واعتبرته متحرّكا في كلّ لحظة. وتتطلّب قراءة النصوص، بديهيّا، أن نباشرها ونحن مزوّدون بما تشترطه القراءة الجادّة من معارف وأدوات تمكّننا من تفكيك هذه النّصوص وإعادة تركيبها، من هدمها وإعادة بنائها. تعدّدت الشيفرات التبئيريّة والحكائية والرمزية في مجموعة "موطئ قلم" لتوسّع من المساحات الدلالية وبالتالي من مساحات التأويل.
إنّها المعارف والأدوات التي تمكّن المقبل على النصّ من "الوقوف على ذرائعه وممكناته"
فلدى حسن برطال حرّية تشكيل نصّه وفق خياراته النفسية والفنّيّة الخاصة. ثم لدى متلقّيه حالات التأويل المتعدّدة ضمن سياقات النص التاريخية والاجتماعية والنفسية والرمزية. وإذا كان التأويل ممكنا فلأنّ النص الوجيز ليس مغلقا على ذاته. لذلك يقول محمد صابر عبيد في كتابه "سحر النص": " إنّ فنّ الحكاية والسرد يمنح المتلقّي حرّيّة كبيرة في إطلاق نشاط المخيّلة لتصوّر أبعاده"
فلم تعد علاقة القارئ بالأثر مجرّد إسقاط واستهلاك بل أصبح القارئ "ذاك الذي يريد أن يكتب". ولعلّ ميزة النص السردي الوجيز أنّه في كلّ لحظةِ قراءةٍ يُفتح له سياق جديد. ومن هنا تختلف القراءات بين قارئ وآخر. فأن تقرأ يعني أن تنتج خطابا جديدا مرتبطا بالنص المقروء. لكنّ نص حسن برطال لا يفتح أفقه للقارئ من أوّل مراودة. بل لا بدّ من محاولات كشف عميقة لاستخراج الدلالات الكامنة.
وليس فعل القراءة في الأدب الوجيز إلّا مجموعة من التوقّعات قد تصيب وقد تخيب، فيستدعي القارئ مناطق غائبة في النص أو يقدّم مقترحات جديدة لقراءته وفق سياقاته النفسية والثقافية. فالقراءة عمليّة استعادة المعنى وتملّكه. ومنها ينشأ ما يسمّيه رولان بارت لذّة النص le plaisir du texte لأنّ النص الوجيز ابتداع عالم مخلوق لا نعلم عنه شيئا ومن هنا درجة التكثيف فيه عالية وتتحقق فيه الدهشة والمتعة واللذّة.
والنص الوجيز على خلاف الأجناس الأخرى كينونة زئبقية يتشكّل وفق رؤى الناقد وقارئ النص. ومن هنا تعدّدت الرّؤى والاتّجاهات في قراءة النص وتفسير دلالاته وتأويل منطلقاته.
====================
1- حسن برطال كاتب قصّة قصيرة جدّا، عضو اتّحاد كتّاب المغرب، صدر له: أبراج، منشورات وزارة الثقافة 2006- قوس قزح، فاس 2009- صورة على نسق، منشورات وزارة الثقافة 2010- سمفونيّة الببّغاء، الرباط 2012- مغرب الشمس، الرباط 2014- الماء والبنون، 2015- عائد إلى فيفا، مكناس الزيتون 2016- صورة من الأرشيف، 2016، فارسة الأحلام، 2017- يا ليتني كنت غرابا، فاس 2017- أحد عشر كوكبا، فاس 2019- لا شرقية ولا غربية، فاس 2019- موطئ قلم، فاس 2020- كورونيات عسر الفهم، فاس 2020- قبل النّوم بقليل، فاس 2022- ممتلكاتي أتفقّدها ليلا، فاس 2023.
2 - حسن برطال، موطئ قلم، قصة حيوان ناطق، المغرب، مطبعة وراقة بلال، 2020، ص7.
3 - نفسه، قصة العشاء الأخير، ص23
4- م. ن، ص91
5 - م. ن ص 99
6 - حسن برطال، موطئ قلم، ص91
7- نفسه، ص35
8- حضر ضمير الأنا في 18 قصّة من جملة 101 قصّة وجيزة: حضارة بائدة ص14، بحر القصيدص20، العشاء الأخير ص23، ديمقراطية الموت ص24، مدينة المعرّي ص25، مراقبة مستمرّة ص31، (الكرة) الأرضية ص35، نقطة بيع ص41، زيارة بالخطإ ص46، الطائر الحرّ ص42، جابوا الصخر بالواد ص49، يونس صديقي ص54، الحظّ السيّء ص55، العبور ص58، التشرميلو فوميا ص61، توابل محلّية ص62، بوخنشة ص84، مآرب أخرى ص91،
9 - حسن برطال، موطئ قلم، جابوا الصخر بالواد ص 49
10 - نفسه، العبور ص58
11 - ميشال فوكو، ما المؤلّف؟ سنة 1969، ترجمة فريق الترجمة بمجلّة الفكر العربي المعاصر العددان 6 – 7 1980 ص 1
12 - حسن برطال، موطئ قلم، مدينة المعرّي، ص25
13 - نفسه، ص 58
14 - حسن برطال، موطئ قلم، صواريخ ماء\ هواء، ص42
15- نفسه، طباق ص 83
16- م. ن، زنا المحارم، ص33
17- م. ن، يونس صديقي، ص54
18- حسن برطال، موطئ قلم، مآرب أخرى، ص91
19- الشعراء، الآية 63
20 - موطئ قلم، الفرعون، ص48
21 - حسن برطال، موطئ قلم، وكيل أعمال ص92
22 - نفسه، شهادة حقّ، ص39
23- م. ن، جنات ص107
24- م. ن، ص41
يمثّل النص السرديّ آفاقا لا محدودة من عوالم حكائيّة منفتحة. والقصّة الوجيزة تقوم على الحكاية لما لها من قدرة على شدّ المستمع أو القارئ وتضمين المعاني ضمن أطرها الخاصّة.
فكلّ نص أدبي هو محاورة بين المتلفّظ والمتلفّظ له الذي يحلّل الرسالة انطلاقا من السياق الذي وردت فيه.
وفي هذا الاتجاه ننزّل هذه المحاولة القرائيّة السياقيّة للمجموعة القصصية الموسومة بـ" موطئ قلم" والتي يقترحها علينا الكاتب المغربي حسن برطال 1وينزّل مجموعته في سياق تلقّ مخصوص هو القصة الوجيزة.
"الكتابة بحر، والقراءة مدّ وجزر... " بهذه الثنائيّة قدّم حسن برطال مجموعته القصصية "موطئ قلم"، ثنائية أردنا الخوض فيها وفحص هذه المساحة الفاصلة بين بناء النصّ وتلقّيه. وفي هذه المساحة تتحقّق عملية التواصل اللّغوي التي تنعقد بين طرفين أوّلهما الباثّ المرسل وثانيهما المتلقّي المرسل إليه الذي يحلّل الرسالة. والقارئ حين يتلقّى أيّ نصّ فهو بصدد تلقّي خطاب اقترحه عليه كاتب.
فكيف تحقّق التفاعل في هذا النص بين الذات الكاتبة والذات المتلقّية في تلك المساحة القائمة بين بناء النص وتلقّيه؟ وما هي رواسب السياق الذي حفّ بعمليّة الإنشاء وعمليّة التلقّي في مجموعة حسن برطال؟
- السياق من شروط الكتابة:
فمجال البحث في سياق النص هو بحث في كيفية تصريف الكاتب لمعانيه في خطابه أو ملفوظه إذ يقول مانغينيو: "السياق هو تنزّل ذات الكاتب في خطابه في اللحظة التي أنشأ فيها ذلك النص.. علينا أن ندرك أنّ السياق ليس موجودا خارج النص وإنّما النص هو تصريف سياقه تحديدا" le texte est la gestion de son contexte)). والبحث في السياق هو بحث في طرائق الكاتب وليس بحثا في السياق التاريخي الذي نشأ فيه النص أو أنشأه وإنّما هو "بحث في كيفيّة اشتغال النص في صلته بسياق النشأة.
فكيف صرّف حسن برطال السياق الذي أنشا فيه موطئ قدم؟ وكيف بنى مشروعه السرديّ الوجيز؟ وما هي مختلف السياقات السردية التي ساعدته على تصوير فواعله ونموّها في السرد؟ وما هي الرموز والذاكرة النصّيّة التي يستدعيها؟
1° السارد: وجود السارد في الحكي من آثار هذه الذات الكاتبة. فهو مسألة ضرورية لأنّ الحكاية لا يمكن أن تصل إلى القارئ إلّا عبر السرد الذي يتكفّل به السارد. وحتّى إن اختفى نلمس حضوره وراء الشخصيات أو في بعض التعليقات: " كيف لا يحزن وهو الذي سلّم ظهر قضيّته (لحيوان)؟"(2)
أو في خطابه للقارئ "ما أجمل أن تحملك الأمّ في (القلب)"(3) أومن خلال زاويا النظر التي تحكم النص الحكائي من بدايته إلى نهايته.
2° العنوان: حسن برطال باني الخطاب أو الباث يركّب خطابه بما يعرفه عن المتلقّي. فهو يملك صورة عن هذا المتلقّي قبل لحظة القراءة، صورة متخيّلة ومدركة في الآن ذاته. وهذا الوعي بالقارئ الضمنيّ عند حسن برطال يظهر منذ العنوان: "موطئ قلم". إذ يكشف عنوان نصّه في قسمه الأول "موطئ" عن وعي المتلفّظ بالسياق اللّغوي لحظة الإنشاء وأنّه يخاطب متلقّيا عربيّا يبحث عن المعنى الكثير في اللّفظ القليل. وفي هذا المستوى (العنوان) يمكن ان نتبيّن السياق الأدبي العامّ الذي انتمى إليه حسن برطال إذ نادى بالإيجاز في الأدب والثقافة والفنّ وأن تكون أساليبنا مقتضبة موحية مستمدّة من مبدإ "أبلغ الكلام أوجزه". وكلمة "موطئ" المصرّفة من مادّة (و.ط.ء) تترسّب فيها دوائر دلالية تتنزّل ضمن معاني الوجيز. فالوطأة موضع القدم وهي كالضّغطة الشديدة التي نريد بها الكثرة من فعل الوطء. والواطئ هو المارّ وعابر السبيل. وهذه المحمولات الدلالية التي ينعقد عليها فعل الوطء تتواطأ وتتوافق مع أهمّ معاني الوجيز المتمثّلة في التكثيف الذي نريد به المعنى الكثير من اللّفظ القليل والإيماض الخفيف أو العبور الخاطف للمعنى القويّ المثيل بمرور ابن السبيل الذي يخلّف أثرا بالغا باقيا لا ينسى لما يثيره وطؤه القصير الشديد من دهشة ومفاجأة.
فحسن برطال هو ابن السبيل الواطئ بقلمه حقل الأدب موجزا في لفظه مكثّفا في معانيه لا يكاد يثبت في مكان حتّى ينتقل في خفّة إلى موضع آخر يطؤه في مدى قصير محدثا في موطئه دوائر متّسعة من المعنى الكثيف إلى حدّ الإعجاز. ولعلّ قصّته الوجيزة "مآرب أخرى" تؤكّد ما ذهبنا إليه: " ضربتُ (بقلمي) فانشقّ البحر وصنعت نفقا يربط طنجة بالخزيرات.. ولمّا اكتشفوا أنّ القلم من (خشب) أصبحتُ في نظرهم سارق (عصا موسى).."(4) فوطأة القلم هذه وطأة شديدة ساحرة تفتح أمام المعنى دروبا ولو بوخزة مسمار على نحو ما أعلن عنه حسن برطال في قصّته "موطئ قلم" التي وسم بها مجموعته القصصيّة "وقف الكاتب مستقيما، ينظر ناحية الأفق البعيد فلم يجد أيّة فكرة... ولمّا عاد إلى المسافة الضيّقة تحت قدميه وجد حكاية (مسمار الكيف).."(5)
والكاتب في بنائه للعنوان يلاعب القارئ وفق تصوّره لسياق التلقّي. ويدرك مسبقا مدى تفاعل القارئ مع العنوان الذي خلق سياق ألفة يدفع المتلقّي إلى التقاط الرسالة بسهولة. والكاتب في هذه القصّة الوجيزة حقّق نوعا من التوسّع في ملمح من ملامح العنوان. فكلمة "قلم" تكشف عن جمالية الألفة بين العنوان والكاتب كطرف أساسيّ يحدّد العالم السردي في الأدب الوجيز لأنّ القارئ يعي أنّ القلم يحيل مباشرة على سياق النشأة الذي اُجترح فيه هذا النص لأنّه أداة الإبداع والوطء الخلّاق.
فهل كان الكاتب في علاقة موضوعية بهذه الأداة القلم أم هو في علاقة ذاتية بهذه الأداة الرمزيّة؟
3° البنية: إنّ العنوان "موطئ قلم" علامة في شبكة من العناوين المتفرّعة عنه. وتتحرّك هذه العناوين ضمن سياق بنيويّ باعتبارنا نتعامل مع قصص وجيزة مستقلّة بنيويّا تمثّل كلّ واحدة منها وجها من وجوه الوطء الإبداعيّ.
وعناوين هذه المواطئ نجدها متنوّعة: أعلاما (يونس صديقي، أبو فراس..) وأماكن (الكرة الأرضية، أعالي البحار، مدينة المعرّي..) وقضايا (زنا المحارم، خيانة الأمانة، الزواج المختلط.، الهجرة السرّية..) وعبارات أجنبية (CV، التروتي-نت، فلاش – باك..) وأخرى من اللّهجة المحلّية المغربية (التشرميلو- فوميا، بوخنشة) وحيوانات (الطائر الحرّ، فصيلة البغال، بائع الحلزون..)
وينمّ هذا التنوّع عن وعيه بالسياق اللّغويّ العام المشترك بين الفصحى والعامية. فحسن برطال يتحرّك في سياق لغويّ يكشف عن طبقات المتلقّين: المتلقّي المحلّي المغربي والمتلقّي العربي. بل يضعنا طيلة المجموعة في سياق تمثّلي. وكأنّه يدعونا إلى أن نتمثّل أثر هذا الموطئ بموطئ نبيّ أو صديق نبيّ "يونس صديقي". حتّى أنّنا نلاحظ أنّ حسن برطال يماهي تماما بين القلم و"عصا موسى" " أصبحت في نظرهم سارق (عصا موسى)"(6)
فهو لا يتحدّث عن قلم بل عن معجزة مصيرها خلق الدهشة والمفاجأة مثل كلّ المعجزات لحمل المتلقّي على الإيمان. فكلّ الأقلام تضرب وتشقّ فتوقا من المعنى وتصنع الإعجاز. فموطئ قلم ليست سوى معجزة الإنسان في القدرة على الكتابة والإيجاز.
4° البرنامج السردي: حسن برطال يحوّل الشخصيّة القصصية من سياق وجيز إلى آخر ليرسم لنا ملامح البرامج السرديّة ويُعِدّ القارئ في كلّ مرّة لسياق سرديّ قادم. وأهمّ السياقات التي ساعدته على رسم برامجه وبناء مشروعه الجماليّ هي:
- السياق الانعزالي le contexte d’isolation :
فالذات الساردة تنخرط في عالم السرد ليتشكّل فيه "الأنا" حاضرا حضورا وظيفيّا إلى جانب الضمائر الأخرى. هذا الأنا الذي استولى على نصيب طيّب من المواطئ السرديّة(8) يُعدّ مكوّنا هامّا من مكوّنات هذا الفضاء السردي المتحرّك المتلوّن بتلوّن أوضاع الأنا. ومتى رصدنا الحركة الدّاخلية لهذا الأنا تتجلّى لنا أنّها حركة دائريّة مكثّفة الدّلالة تنطلق من البحر في أوّل موطئ له في قصّة "بحر القصيد": " تأكّدوا أنّني كنت أتكلّم عن البحر" لينتهي إليه في آخر موطئ له في العالم السردي في قصّة " مآرب أخرى": "ضربت بقلمي فانشقّ البحر"
وفي رحلته البحرية السرديّة يصارع الأنا الأنواء والعباب ويواجه الغرق وينتظر الإنقاذ أو الأداة السحريّة للنجاة "المروحية التي جاءت لإنقاذنا من الغرق طافت حولنا"(9) مخلّفا وراء خطابه السرديّ الوجيز دوائر شتّى من المتعة والجماليّة الفنّية التي قد تذكّرنا إلى حدّ بعيد بمغامرات سندباد الفضاء ليتّضح لنا أنّ حسن برطال يطأ بقلمه كلّ الفضاءات بحرا وبرّا وجوّا. بل الطريف الغريب أنّه يرفض العبور والتحوّل عن وضع الغريق "طلب منّي ركوب البحر للمغادرة والخروج فاعتذرت لمّا اكتشفت أنّي رجل ميّت و(الماء) لا يخرج منه سوى (الحيّ)"(10) والأنا في حضوره الدّلالي الرّمزيّ الكثيف يربط بين الفضاءات بحكيه ويشدّها إلى رباطه مهما اختلفت وتنوّعت دوائرها وتشظّت معانيها. وكأنّ بالكاتب يرفع شعار الحياة بالغرق في يمّ الكتابة.
فقد نكون داخل عوالم الأنا الشخصيّة في هواجسه وتأمّلاته أي في سياق داخليّ انعزالي خاصّ ولكن في ذات الآن نكون إزاء خطاب سرديّ يجوس في السياق الخارجي العامّ. فالسياقات السرديّة مفتوحة بعضها على بعض. وفي هذه اللّحظة السردية الداخلية الخاصّة ننفتح على سياق خارجيّ يستدعي سياقا مرجعيّا للخطاب يتمحور حول خصائص المجتمع المغربي في عصر الكاتب حيث كانت وضعية الإنسان وضعية دونية متقلّبة بين ثنائيّات عديدة تطفو على سطح النصوص بين الموت والحياة \ الحرام والحلال \ الروح والجسد \ الفقر والغنى \ الخيانة والوفاء \ الوهم والحقيقة \ المال والأخلاق \ العقم والإنجاب \ العهر والعفة ... ثنائيّات لا تنتهي حتّى أنّ القصص في جانب مهمّ منها وفي سياقات واسعة فيها تلتقي بقوّة مع ميشال فوكو في كتابه "ما المؤلّف؟"(11) والذي يحاول أن يبرهن فيه أنّ المهمّ ليس المؤلّف وإنّما الخطاب، أو في بقيّة كتبه التي عالج فيها مواضيع اجتماعية عديدة.
- السياق الوجودي:
- السياق الجمالي:
- السياق الرمزي:
وفي موطن آخر مقابل يتهكّم السارد من الذي يؤمن بإمكانية خروج الحيّ من الميّت " المعلّم يسأل عن الذي يخرج الحيّ من الميّت... طفل يتكلّم عن (البحر الميّت) وعمليّات الإنقاذ الناجحة من قبل رجال الوقاية المدنيّة.."(15)
ومانغينيو أشار إلى عوامل أخرى تسهم في إنتاج النص الأدبي وهي الوسائط. وهي تشمل عناصر عديدة مثل: "الحمار، البغال، الثدي، الكرة، المركب، النّار، القدم، البحر، الطائر، القلم، القبر..." والهدف من هذه الوسائط إبراز القدرة الكامنة في الكلمة وتلك النّجاعة المتأتّية من الرمز:
رمز البغال فصيلة ترمز إلى العقم أو العيش العقيم،
ورمز المركب الذي أبحر به وطاله الغرق إلى الوسيلة المهترئة العاجزة عن تحقيق المآرب،
ورمز البحر إلى الصعاب والتحدّيات التي بها نكتسب شرف الحياة،
ورمز الكرة رمز إلى التدحرج والتلاعب والغشّ والخطاب المزدوج
وغيرها من الوسائط الرموز التي أثّث بها حسن برطال نصوصه واستدعى حضورها في عملية التلفّظ معوّلا على كفاءة المتلقّي في اكتشاف دلالاتها الرّمزيّة.
ففي البرنامج السردي الواحد قد يسع السياق الواحد كلّ هذه السياقات ليكون سياقا متعدّد الأصوات أو يتقلّب السارد بين سياق وآخر. وهذا التقلّب السياقيّ هو أداة الكاتب لتطوير مشروعه السرديّ بإنماء الأحداث والشخصية وبالتقدّم في عوالم التخييل دون إطناب ولا إسهاب لفظيّ. ويمكّن هذا التقلّب السياقيّ القارئ من مزيد الإحاطة بملامح الشخصيّات في بعدها المرجعيّ وبعدها النفسي والرمزيّ.
5° التبئير: يملك السارد خطّته السردية القادرة على ترك أثر في المسرود له (أي عمل قوليّ ناجع أو مؤثّر acte perlocutoire. وهي تقنية يختارها السارد للتأثير في المتلقّي (تقنية سينيموغرافية).
والتبئير عند جينات هو تسليط الضوء على وضعية الشخصية كتبئير شخصية زاني المحارم ووضعها تحت ضوء السرد "خطّط للعودة إلى عالمه الجميل الذي جاء منه فلم ينجح..."(16) وبقدر ما تُبأّر الشخصية تقترب من القارئ وتتوضّح ملامحها.
وشخصية الزاني بتبئيرها ستظهر الوجه الآخر لحسن برطال وهو وجه الكاتب النّاقد لمظاهر الخور في المجتمع حين يصبح مختصّا في كتابة القصّة الوجيزة ويصبح صديق يونس الذي اختزل فيه حسن برطال صورة النبيّ الذي طاف البحار كلّها حاملا سرّا خاصّا برمزية الموت والبعث: رحلة روحية وجدانية تتمّ بالفكر والخيال إلى جوف الحوت. فهذا العقاب بموته في بطن الحوت(17) ليس إلّا معاناة واجبة تهيّئه ليكون جاهزا لتحمّل مشاق تبليغ الدعوة. أ ليست هذه حال الكاتب "صديق النبيّ" وهو يتهيّأ للخلق والولادة من جديد مع كلّ مشروع جماليّ؟
6° التناصّ: ومن طرق الإجراء أيضا "التناصّ" أي استحضار نصوص الثقافة السابقة. فما هي النصوص التي يمكن أن نعثر عليها في ملفوظ موطئ قلم؟ وما هي اللفتات الأجناسيّة المتوفّرة في خطابه؟ كيف تبادل مثل هذه الإشارات النّصّية مع القارئ وأثّث بها السياق التلفّظي لحظة الكتابة بناء للحظة القراءة؟
ف"موطئ قلم " نسيج من التناصّ مع النص القرآني. والسياق الأجناسي le contexte intertextualité من أهمّ السياقات التي يمكن أن نتدبّر به هذا الخطاب. فمثلا قوله "ضربت (بقلمي) فانشقّ البحر"(18) يستدعي الآية القرآنية " فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كلّ فِرْق كالطود العظيم"(19)
فحسن برطال انزاح بهذه الصورة من هذه الأبعاد الدّينية ونقلها من بحر القرآن إلى بحر الأدب الوجيز. لكنّه لم يكتف بهذا الانزياح الجدّي بل نقله من هذا السياق إلى سياق آخر أدبيّ نقديّ. فقدّم صورة فرعون تقديما مضحكا ساخرا ليسخر من هذا البشر المتصلّف المدّعي، الرّمز إلى كلّ طغيان وروغ في قصّة "الفرعون" "لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا، يعيش وحيدا لا يعرفون عنه شيئا.. ولمّا قدّم نفسه وكشف عن هويّته قال أنا اللّه.." (20) أو حضور صورة الهدهد والنملة وسليمان في قصّة "الطائر الحرّ" أو قصّة يونس مع الحوت في "يونس صديقي" أو صورة نار الله الموقدة. فالكاتب وهو يبني هذا الخطاب يثير القارئ ليستدعي النص القرآني. فبنى مكوّنات العالم السرديّ بذاكرة نصّيّة معوّلا على ما يمتلكه القارئ من الكفاءة ومن الثقافة لتفكيك هذا السياق التمثيلي. فالكاتب وهو يتناصّ مع غيره يقول للقارئ عليك أن تمتلك القدرة لتلاحظ كيفية تصرّفي في هذا النص الجديد. وفي هذا السياق التناصيّ تتجلّى ذاكرة حسن برطال النصّيّة mémoire textuelle d’écrivain وثقافته من خلال السياق التناصي أو الأجناسي الذي يكشف عن طرائق الكاتب في تصريف ذاكرته النصيّة. بحيث تستحيل القراءة رصدا لثقافة المؤلّف وتتبّعا للنّصوص السّابقة التي استقرّت في لاوعيه يستحضرها مشدودا إلى لحظة الكتابة.
وفي إطار السياق الشفوي ينبغي أن نلتفت إلى ذاك الذاكرة النصّية التي حرّك من خلالها حسن برطال فعله الإنشائيّ باستحضار كلمات من المنطوق الشفوي المغربي على نحو "الويكلو، البطبوط، التروتي- نت، مُشرمل، فلاش- باك، دجاجة بكامونها، بوخنشة، أم كحلة، التيليسكوب.." بل إنّنا كما يذكر رولان بارت في نظرية النص "أمام نصّ يسعى إلى الإخبار بمختلف الملفوظات السّابقة أو المتزامنة معه".
فدائما ما يوجد النصّ ومن حوله السياق أي طرائق الكاتب في التفاوض مع محيطه عبر لغة النص، يعني طرائقه في الاستحواذ على الرصيد المشترك للّغة وإجرائه بحسابه الخاصّ حتّى يصبح "خطابا مشتغلا" يحمل سمات الذاتية وآثار حضور الذات في ملفوظها من خلال معيّناتها.
- السياق من شروط القراءة:
- النص مشروع حواريّ:
بل يمكن القول إنّ هذه القصص الوجيزة ليست غير تفاوض لغويّ بين الكاتب المتلفّظ والقارئ المتلفّظ له. فالمتلقّي يعدّ أحد الأركان الرّئيسية في العملية الإبداعية بل هو الهدف من هذه العملية. وهو الذي يحكم على العمل إن كان ناجحا أو لا. فحسن برطال منتج النص لا يحقّق غايته من عمله إلّا باستجابة المتلقّي لنصّه وردّة فعله. والمفهوم التداولي للنص لا يكتمل إلّا بوجود المتلقّي.
إذا كان المتلقّي هو محور النص بالأساس فإنّ السياق هو ذاكرة النص وخارطة التلقّي. ويقول رولان بارت في le brouissement de la langue "حفيف اللّغة" في حديثه عن سياق القراءة: "إنّ النص المكتوب لا يثبت على حال فهو يتعدّد بتعدّد القراءات". والمكتوب يجعل القراءة فعلا ذاتيّا تتحرّر من خلاله الذاكرة لينشأ الإبداع الفرديّ.
فالسياق لا بدّ منه لقراءة المنتج الإبداعي واختراق حجبه. فكلّما تناول القارئ النصّ رشح بالمزيد من المعاني والدّلالات. فرغم أنّ النصّ المكتوب ثابت غير قابل للتبديل فهو نص تعدّدي يتجدّد فيه سياق التلقّي مع كلّ قراءة ومن الطريف أنّ حسن برطال داخل سياق القراءة العام والخارجي لـ"موطئ قلم" أحدث سياق قراءة داخليّا وخاصّا بالكاتب وناقده وقارئه في قصّة وجيزة وسمها بـ"عدم الاختصاص": " كتب (قصة قصيرة جدّا) بدل رواية أو قصّة فاتّهمه الناقد (بالتقصير) في عمله.. القارئ الذي بحث عن (المتابعة) وجد هذا الأخير (يتابع) الكاتب قضائيّا.." وهذا دأبُ حسن برطال في فنّ المخاتلة والتورية باللّفظ وملاوصة المتلقّي بكلّ الأساليب واستفزازه ليشارك في إنتاج معان جديدة للنص. بل "تتشكّل تلك الإنتاجية من خلال الخزين المعرفي الذي يمتلكه القارئ" على حدّ عبارة فاطمة الشيدي في كتابها " المعنى خارج النص". وكلّما اتّسعت ثقافة القارئ ازدادت الإنتاجية الجديدة للنص.
فالنص خارج التلقّي هو عمل متوقّف الحدوث ضمنيّا. إذ يحدث النص بمجرّد أن يتحرّك المتلقّي من السياق ليصل إلى مضامين النص الغائبة أو يخترع القارئ معاني لم يتكهّنها المؤلّف.
- قيمة السياق: أداة لتفكيك الخطاب
من هنا تأتي قيمة السياق قراءة باعتباره عنصرا ضروريّا لتحقيق التفاعل بين الذات الكاتبة والمتلقّي. فإن كان لحسن برطال منتج النص حرّية تشكيل نصّه وفق خياراته النفسية والفنّيّة الخاصة كما أسلفنا في سياق النّشأة، فإنّ لمتلقّيه إمكانات من التأويل المتعدّدة ضمن سياقات النص التاريخية والاجتماعية والنفسية. إذن السياق بهذا المفهوم هو مدخل ضروري لقراءة عوالم النص السردي. هو أداة ضرورية من بين أدوات أخرى لتفكيك هذا الخطاب السردي الذي يقترحه علينا حسن برطال.
ويشترط فانديك في تدبّر السياق الملاءمة la pertinance. فماذا يمكن أن يحصل حين يفلت منّا شرط الملاءمة؟ يحصل تشوّه في عمليّة التأويل، مثلما يمكن أن يقع من سوء فهم في القصّة الوجيزة " توابل محلّية": بحثتُ عن المخّ (المُشرمَل) اللذيذ فوجدتُه في (رأس الحانوت).." إذ متى فكّك القارئ النص خارج سياقه المشترك ولم يقبض على شرط الملاءمة بين الملفوظ وبين السياق الذي وقع فيه التلفّظ وهو السياق قد يتشوّه الفهم أو ينعدم. فالكلمتان الموضوعتان بين قوسين لا يمكن فهمهما إلاّ داخل سياقهما الشفوي المحلّي المغربي فرأس الحانوت نوع من أنواع البهارات السائدة في المغرب وتستعمل في الأكلات الشعبيّة وتسمّى "المساخن" لأنّها ترفع درجة حرارة الجسم. وكذلك المُشرمل في اللّهجة المغربية مشتقة من شرمولة التي تعني مجموعة من نكهات الطعام التي تُضاف لأطباق اللّحوم لكن في السياق العام المشترك أصبح يُطلق على الشاب المسلّح بالسيوف والسكاكين ويتباهى بقدرته على السرقة وارتكاب الجرائم. والقارئ إذا فكّك هذا المعنى خارج سياقه المشترك يتشوّه الفهم. وهنا ندرك قيمة السياق فيما يسمّى بـ décodage أي تفكيك الرسالة.
- عمليّة التلقّي والسياق المرجعي:
ويقول عالم الاجتماع "بيار بوديو"Questions de sociologie 1993: " قد نجد الملفوظ يُخبر عن المتلفّظ من حيث انتمائه الجهويّ والطبقي." والقارئ سيكون مهتمّا في هذا الخطاب القصصي بتتبّع دور هذا الانتماء الطبقي والجهوي والفكري والثقافي في بناء الشخصيات والأحداث والمشروع القصصي. لأنّ بنيويّا هذه الشخصيّات "اللّامسمّاة" الحاضرة بضمائرها الفارغة من كلّ هويّة تمثّل مكوّنات العالم السرديّ في قصص حسن برطال. فهل ستكون الشخصيات نمطية، نامية، منفلتة، مفاجئة...؟ ما هو مسارها السردي؟ تلك أسئلة القارئ. وتلك تقنيات الكاتب في شدّ القارئ. إذن لا وجود لقراءة خارج النصّ وسياقه المرجعيّ.
فمفهوم السياق مفهوم ضروريّ في فعل التأويل. والمعنى في النص يخرج إلى دلالات كثيرة تقتضيها المواقف فيؤدّي السياق أمرين دلاليّين: المعنى الذي تدلّ عليه الكلمة والمعنى الذي تدلّ عليه إشارات معيّنة وهوما يسمّى في العلم الحديث بالدلالة الإشارية.
ومن هذه الإشارات:
الإشارة التأويلية (ظاهر اللّفظ لا يدلّ على ما يقصده القاصّ بل يخالفه ويعارضه: "فهو العبد (المذنب)"(22)
وإشارة الموضوع (ما يستوحى من معان ذات موضوع واحد: كموضوع الزواج من خلال تواتر مواقف الاستنكار من منزلة المرأة الدونية مع الإيمان بأنّ الجنة تحت أقدامها: "كان يقبّل قدم أمّه ويبحث تحتها عن (الجنّة)، بينما نصيب الزوجة من (الفلقة) فحدّث ولا حرج،"(23)
والإشارة الرمزية (بوخنشة، أمّ كحلة، الطائر، الكلب، الحمار...)
والإشارة الحضارية (خصوصية حضارة معيّنة أوأحداث تاريخية: مدينة المعرّي + إكرام غزّة)
4) كفاءة المتلقّي في تحليل السياق:
- كيف يكتسب المتلقّي الكفاءة لتحليل السياق؟
إنّ السياق السردي بثّا وتلقّيا تحكمه مجموعة من القوانين. وهذه القوانين في تحليل الخطاب السرديّ ضبطها دومينيك مانغينيو في فصل من كتابه lois de discours)) وسمّاها مبادئ يحتاج إليها كلّ من الباث والمتلقّي لفكّ شيفرة الملفوظ. وهذه القوانين هي:
- قانون التعاون principe de coopération نلتقيه في سياقات النص الداخلية كما في الحوار
- قانون الصدق في الخطاب السردي principe de sincèreté يدخل في العقد القرائي بين
- قانون الإخبارla loie d’informativité إذ تتنوّع سياقات الإخبار في النص السردي: الكاتب
- قانون الكيفيّة loie de modalité كلّ سياق سرديّ ينبني على مجموعة من كيفيّات القول:
- قانون الكمّية في بناء السياق السردي: توزيع الخطاب على ألسنة الشخصيات له دلالة:
- قانون الاتّفاقيات الضمنية في بناء الخطاب. فكلّ متخاطبيْن أو أكثر تربطهم في السرد
وهذه القوانين هي التي تخلق الكفاءة لدى القارئ سواء أ كان باثّا أم متلقّيا. وهي كفاءة تجعل المتلقّي قادرا على تفكيك الخطاب وكشف أسراره. مثال في قصّة الطائر الحرّ: "يا صديقي الهدهد، ساعدني في البحث عن (بلقيس).. فأنا سليمان، اليوم عرفتُ ذلك لمّا طلبت يد (نملة) وهربتْ منّي مذعورة ودخلت بيتها.." أو في قصّة "المغضوب عليه":" في المدرسة صباحا تكلّم المعلّم عن الصّراط المستقيم وفي المساء طلب الصغير من أبيه أن يأخذه إلى (البهلوان) ليعلّمه كيف يمشي على الحبل.."
لا بدّ للقارئ أن يكون صاحب كفاءة وذا علم مسبق بعلم الدين والاجتماع والنفس حتى يفكّك هاتين القصّتين ويفهم طاقتهما الساخرة. والخطاب الساخر أكثر صدقا من الخطاب العادي لأنّ السخرية تملّك الخطاب طاقة صدقية وتكشف حيلة الرّاوي في الإخفاء.
خاتمة
تعاملت أوروكيوني مع السياق على أنّه فضاء تبادليّ بين طرفي الخطاب. واعتبرته متحرّكا في كلّ لحظة. وتتطلّب قراءة النصوص، بديهيّا، أن نباشرها ونحن مزوّدون بما تشترطه القراءة الجادّة من معارف وأدوات تمكّننا من تفكيك هذه النّصوص وإعادة تركيبها، من هدمها وإعادة بنائها. تعدّدت الشيفرات التبئيريّة والحكائية والرمزية في مجموعة "موطئ قلم" لتوسّع من المساحات الدلالية وبالتالي من مساحات التأويل.
إنّها المعارف والأدوات التي تمكّن المقبل على النصّ من "الوقوف على ذرائعه وممكناته"
فلدى حسن برطال حرّية تشكيل نصّه وفق خياراته النفسية والفنّيّة الخاصة. ثم لدى متلقّيه حالات التأويل المتعدّدة ضمن سياقات النص التاريخية والاجتماعية والنفسية والرمزية. وإذا كان التأويل ممكنا فلأنّ النص الوجيز ليس مغلقا على ذاته. لذلك يقول محمد صابر عبيد في كتابه "سحر النص": " إنّ فنّ الحكاية والسرد يمنح المتلقّي حرّيّة كبيرة في إطلاق نشاط المخيّلة لتصوّر أبعاده"
فلم تعد علاقة القارئ بالأثر مجرّد إسقاط واستهلاك بل أصبح القارئ "ذاك الذي يريد أن يكتب". ولعلّ ميزة النص السردي الوجيز أنّه في كلّ لحظةِ قراءةٍ يُفتح له سياق جديد. ومن هنا تختلف القراءات بين قارئ وآخر. فأن تقرأ يعني أن تنتج خطابا جديدا مرتبطا بالنص المقروء. لكنّ نص حسن برطال لا يفتح أفقه للقارئ من أوّل مراودة. بل لا بدّ من محاولات كشف عميقة لاستخراج الدلالات الكامنة.
وليس فعل القراءة في الأدب الوجيز إلّا مجموعة من التوقّعات قد تصيب وقد تخيب، فيستدعي القارئ مناطق غائبة في النص أو يقدّم مقترحات جديدة لقراءته وفق سياقاته النفسية والثقافية. فالقراءة عمليّة استعادة المعنى وتملّكه. ومنها ينشأ ما يسمّيه رولان بارت لذّة النص le plaisir du texte لأنّ النص الوجيز ابتداع عالم مخلوق لا نعلم عنه شيئا ومن هنا درجة التكثيف فيه عالية وتتحقق فيه الدهشة والمتعة واللذّة.
والنص الوجيز على خلاف الأجناس الأخرى كينونة زئبقية يتشكّل وفق رؤى الناقد وقارئ النص. ومن هنا تعدّدت الرّؤى والاتّجاهات في قراءة النص وتفسير دلالاته وتأويل منطلقاته.
====================
1- حسن برطال كاتب قصّة قصيرة جدّا، عضو اتّحاد كتّاب المغرب، صدر له: أبراج، منشورات وزارة الثقافة 2006- قوس قزح، فاس 2009- صورة على نسق، منشورات وزارة الثقافة 2010- سمفونيّة الببّغاء، الرباط 2012- مغرب الشمس، الرباط 2014- الماء والبنون، 2015- عائد إلى فيفا، مكناس الزيتون 2016- صورة من الأرشيف، 2016، فارسة الأحلام، 2017- يا ليتني كنت غرابا، فاس 2017- أحد عشر كوكبا، فاس 2019- لا شرقية ولا غربية، فاس 2019- موطئ قلم، فاس 2020- كورونيات عسر الفهم، فاس 2020- قبل النّوم بقليل، فاس 2022- ممتلكاتي أتفقّدها ليلا، فاس 2023.
2 - حسن برطال، موطئ قلم، قصة حيوان ناطق، المغرب، مطبعة وراقة بلال، 2020، ص7.
3 - نفسه، قصة العشاء الأخير، ص23
4- م. ن، ص91
5 - م. ن ص 99
6 - حسن برطال، موطئ قلم، ص91
7- نفسه، ص35
8- حضر ضمير الأنا في 18 قصّة من جملة 101 قصّة وجيزة: حضارة بائدة ص14، بحر القصيدص20، العشاء الأخير ص23، ديمقراطية الموت ص24، مدينة المعرّي ص25، مراقبة مستمرّة ص31، (الكرة) الأرضية ص35، نقطة بيع ص41، زيارة بالخطإ ص46، الطائر الحرّ ص42، جابوا الصخر بالواد ص49، يونس صديقي ص54، الحظّ السيّء ص55، العبور ص58، التشرميلو فوميا ص61، توابل محلّية ص62، بوخنشة ص84، مآرب أخرى ص91،
9 - حسن برطال، موطئ قلم، جابوا الصخر بالواد ص 49
10 - نفسه، العبور ص58
11 - ميشال فوكو، ما المؤلّف؟ سنة 1969، ترجمة فريق الترجمة بمجلّة الفكر العربي المعاصر العددان 6 – 7 1980 ص 1
12 - حسن برطال، موطئ قلم، مدينة المعرّي، ص25
13 - نفسه، ص 58
14 - حسن برطال، موطئ قلم، صواريخ ماء\ هواء، ص42
15- نفسه، طباق ص 83
16- م. ن، زنا المحارم، ص33
17- م. ن، يونس صديقي، ص54
18- حسن برطال، موطئ قلم، مآرب أخرى، ص91
19- الشعراء، الآية 63
20 - موطئ قلم، الفرعون، ص48
21 - حسن برطال، موطئ قلم، وكيل أعمال ص92
22 - نفسه، شهادة حقّ، ص39
23- م. ن، جنات ص107
24- م. ن، ص41