سلوى مشهور - حتى المجذوب لم يسلم مِن حرِّ النساء

خَرجت العديد من القصص حول كيد المرأة ومكرها الذي يتفوق على خبث الشيطان، ولعل الارتباط الدائم بين المرأة والشيطان في الأساطير والخرفات يفسر قدرة المرأة على صنع الشر الذي هو فوق طاقتها باعتبارها مخلوقا ضعيفا شكلا ومسالما مظهرا؛ كالحرب التي أشعلتها البسوس بين قبيلتين تجمع بينهما قرابة عائلية وصلة دموية، "تغلب" و"بنو بكر" بسبب قتل الملك كُليب لفصيلها الصغير الذي أرسلته للرعي في أرض الملك عُنوةً.
تذهب بعض الأساطير إلى إعادة المرأة بقضها وقضيضها إلى صنع الشيطان١ ، وكما جاء في أحد الكتب، أنه في الأمثال الإسبانية يقال "قبل أن يخلق الله الرجل، خلق الشيطان المرأة" وفي الرومية يقال "عندما يبلع الشيطان المرأة لا يستطيع هضمها" وفي بولونيا يقال "ولدت المرأة قبل الشيطان بثلاثة أيام"٢.
وليست هذه التعابير تصويرية لمكر المرأة ودهائها فحسب بل إنها تحمل خلفية حقيقية تربط بين اسم المرأة والشيطان، وتعتبر ثاني أقوى مثال على الشر والمكر والخديعة حتى إنها تُشبّه بالأفعى، فهل فعلا تتفوق النساء على إبليس خبثا؟ وما رأي ثقافتنا الشعبية في ذلك؟
لعل هذا راجع إلى ضعفهن الجسدي وقلة حيلتهن فيلجأن إلى الكيد بشتى أنواعه، ولا يقع ضحية ذلك سوى الرجال.
ولا يغيب كيد المرأة في الأمثال الشعبية المغربية إذ يقال { كل بلية سببها ولية، النسا هْمّ لا يتنسا...}٣ ولا عن الرباعيات الشعرية التي أمست جزءا مهما من موروثنا الشفهي المؤلف من أقوال المجذوب سيدي عبد الرحمان إذ قال في ذلك قوله الشهير:

سوق النساء سوق مطيار
يا الداخل رد بالك
يوريو لك من الربح قنطار
ويديو لك راس مالك. ٤

ما مفاده أن سوق النساء سوق المكر والخديعة ويقصد بالسوق كل الأمور الحياتية، ولا ثقة في النساء بمجال البيع والشراء، لأنهن يوهّمن الرجل بالربح ويستولين على رأس ماله، مضيفا في رباعية أخرى أن النساء والمال هما السبب في قطع أواصر المحبة بين العائلات.

ما يفسد بين الأحباب
غير النسا والدراهم. ٥

وحتى العقارب والأفاعي السامة التي لا يضاهيها شر وتعتبر رمزا له كما قلنا سابقا، قد جعلت منها المرأة حليًا تتزين به إذ وظّفتها حزاما وخلاخل:

بهت النساء بهتين
من بهتهم جيت هارب
يتحزموا باللفاعِ
ويتخللوا بالعقارب. ٦

بل أكثر من ذلك، فالكيد صفة لصيقة بالمرأة، حتى إنها تدعي الخوف من طائر ضعيف بالرغم من استطاعتها امتطاء أسد، أي أن النساء يدعين الضعف، قال المجذوب:

كيد النسا كيدين
ومن كيدهم يا حزوني
راكبة على ظهر السبع
وتقول الحدايات٧ ياكلوني٨

كما يُحذر من الإستئناس بحديث النساء الدال على الفطنة والدهاء، لأنه كذب وخداع، كما يصف قوتهن الخارقة في بيع الوهم:

حديث النساء يونس
ويعلم الفهامة
ويديروا شركة من الريح
ويحسنوا لك بلا ماء. ٩

إذن، ما به، المجذوب سيدي عبد الرحمان، يخشى النساء إلى هذا الحد؟
وما السبب وراء هذه الرباعيات التي انتشرت كالنار في الهشيم بالرغم من أنها تُــلبس للمرأة قناع المكر والخديعة؟
فقد شكلت رباعياته إلى يومنا هذا صورة نمطية للأنثى المغربية، وساهمت هذه الصورة في تكوين علاقة مهزوزة وشبه عدائية مع الرجل المغربي ولو جمع بينهما سقف واحد، ولن تتغير هذه الصورة ما دامت حكمة عبد الرحمن المجذوب المروية، وحكاياته لغرائب النساء تدور كلها في دائرةٍ، مضمونها "النساء الماكرات".
وعلى القدر نفسه من القسوة، نظم الرباعية التي يتناول فيها بهجائه النساء في محيضهن، وربما يقصد بذلك ادعاءهُن الصيام ومشاركتهن للصائمين إفطارهم، بعد أن أكلن أطعمةً خلال النهار خِفية:
ريت البحر وريت الأمواج
ريت السفاين يعوموا
ريت النساء كيف الأبراج
يتصحروا ما يصوموا. ١٠
وربما قساوة المجذوب هذه راجعة لمعاناته المريرة في حياته الزوجية فمن المؤكد أن لسيدي عبد الرحمان أماً وزوجة ومن المرجّح أن تَــقربه أخت وعمة أو خالة، والمرأة التي يتحدث عنها في أشعاره هي صورة مركبة من هؤلاء جميعاً ولن تَخْرج عليهن، فيجد المجذوب نفسه يصرّح ويُقرُّ في أبياته بنوع من الجرأة البلاغية :

نوصيك يا حارث الحلفاء بالك من دخانها يعميك
لاتتزوج المرأة غير العفيفة تتعاون هي والزمان عليك١١

ومعنى ذلك أن هناك نوعً من النساء فيه مضرةٌ للزوج، فكأنما بعدم حسن تصرفها تعين الزمان على شقائك، فهل يتكلم المجذوب عن نفسه من خلال هذه الرباعية؟
هل المجذوب ذاق من كيد النساء على يد زوجته؟
هذا ما يؤكده معنى الرباعية التالية:

الطير الطير ماظنيته
يطير من بعد ما والف
ترك قفصي وعمر قفص الغير
رماني في بحور بقيت تالف
جبت أولادي يقلعوا تنكادي
زادوني تنكاد على تنكاد
إذا كانوا الأولاد كيف ولادي
لا يعطي للضانيين١٢ أولاد١٣

تَلفظُ المجذوب لمثل هذه الرباعية التي مَلأها حسرةً بسبب فراق زوجته بعد ألفة ومؤانسة ومعاشرة دامت سنين، قد يُعد سببا مقنعا لكونه عدائي هكذا في أشعاره تجاههن، فقد شبه زوجته هنا بالطائر الغريد الذي طال ما ألف شدوه، وبعد تعميرها لقفص الغير أو بعبارة أخرى الزواج من أحدهم، أصبح يَعُدُّ نفسه ويحسبها من الذين ابتلوا بشرّ المرأة وضررها وسخطها وجفائها مع نكران الجميل وهجران المعشر.
وقد أقحم أبناءه كما هو جلي في نفس الرباعية، باعتبارهم سبب نكده ومشقته وتعبه، ربما كان يتوقع منهم صلاحاً، ربما احتفظ بهم لأنهم ثمرة ود ووصال بينه وبينها، وربما أراد تكوينهم تكوينا يليق بالعارفين والصالحين حتى يكونوا خير خلف لخير سلف، كما فعل مع تلاميذه الأتقياء منهم يوسف محاسن الفاسي الذي يعتبره ابناً له، وتبقى هذه مجرد افتراضات عن حياته الشخصية انطلاقا مما جاء به في رباعياته، لأنني لم أجد في أي من الكتب والمقالات التي استطعت بلوغها، الحديث عن زوجة المجذوب أو عن أبنائه.
وربما هذا هو السبب الأصلي في جعله يتكلم عن النساء بغليظ القول وتحذير العامة من مكرهن بالرغم من أن المرأة هي سبيل نهضة المجتمع و تطوره ورقيه، وكما الشاعر:
"إن الرجل يشتري المجد والعظمة والشهرة، ولكن المرأة تدفع الثمن " ١٤
وهذا ما حدث مع المجذوب الذي اشتهر على كل لسان، وبلغ ما بلغ، بسبب لسعة أنثى.
ولازال في جعبة هذا الصوفي ما لم نذكر من رباعيات عديدة عن المرأة وعن الجوع والفقر، النضال السياسي، والدين والسياحة، المظالم الاجتماعية وكلها عصارةُ تجاربه ومساره في مدرسة الحياة.

الإحالات:

1 عبد الله بو الحبيب، مفهوم الهرمنيوطيقا/الأصول الغربية و الثقافية العربية/ مجلة النقد الأدبي المصرية، فصول، العدد 65 نشر/2005 ص 189

2 أمين إحسان، كتاب المرأة أزمة الهوية و تحديات المستقبل، دار الهادي للطباعة و النشر و التوزيع 2001 ص209

3 محمد يتيم ،الحركة الإسلامية بين الثقافي و السياسي ، دار النشر/ الكلمة ط1/ 2013 صفحة 115

4 أمين إحسان من كتاب المرأة، أزمة الهوية وتحديات المستقبل/ دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع/ 2001 ص209

5 محمد يتيم ،الحركة الإسلامية بين الثقافي و السياسي ، دار النشر/ الكلمة ط1/ 2013 صفحة 115

6 عبد الكريم برشيد ، الأعمال الكاملة: المسرحيات، منشورات وزارة الثقافة / ج1 /2009 ص 137

7 الحدأة، من الطيور الجارحة من الفصيلة البازية تعيش في المناطق الدافئة من العالم في المناطق الريفية وقرب مصادر المياه.

8 محسن ندوي ، النساء حبائل الشيطان: رؤية نقدية لواقع المرأة العربية المعاصرة: نقد مدونة الأسرة نموذجا ط1/ 2005 ص138

9 نور الدين عبد القادر البسكري، القول المأثور من كلام الشيخ عبد الرحمان المجذوب، نشر/ دار ابن حزم ص45

10 عبد الرحمن الرباحي، قال لي المجذوب، من الرباعيات المنسوبة إلى الشاعر المغربي الشيخ سيدي عبد الرحمن المجذوب/ ط1/ 2008 / منشورات الجزائر للكتب، ص74

11 محسن ندوي ، النساء حبائل الشيطان: رؤية نقدية لواقع المرأة العربية المعاصرة: نقد مدونة الأسرة نموذجا ط1/ 2005 ص 139

12 الضانين : المؤمنين والناس الأتقياء.

13 رباعيات سيدي عبد الرحمان المجذوب، ميلود الشريف ص 24

14 خليل جبران من كتاب كلمات جبران خليل جبران مكتبة العرب 2007 ص150
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...