علجية عيش - 21 آذار اليوم العالمي لمكافحة العنصرية

قصة البشرية مع التمييز العنصري

ربما أصبح ضروريا بل إجباريا البحث عن "رجال" بأوصاف "البانتو Bantou " و استيرادهم من جنوب أفريقيا لانتزاع الحقوق السياسية و النضالية للشعوب و القضاء على ظاهرة "القبلية" التي تحولت مع الزمن إلى "فسيفساء عنصرية" في منتهى التعقيد، خاصة و أنها انتهجت سياسة "الأبارتايد L' Apartheid " للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد


في مثل هذا اليوم من الواحد و العشرين من شهر آذار يحتفل العالم كل سنة باليوم العالمي لمكافحة "العنصرية" غير أن هذه الذكرى تمر مرور الكرام على العالم العربي و الإسلامي و هو يشهد مشاهد عنصرية و ممارسات فظيعة بعدما ركنت مسألة الحرية و التحرر و الحريات الفردية و الكرامة الإنسانية للبشر في زاوية النسيان، لاسيما و مشكلة التمييز العنصري مشكلة إنسانية عامة لا تقتصر على مجتمع متقدم و آخر متخلف، بل انتقلت هذه "الجرثومة" إلى داخل الأحزاب السياسية في بلد ما في إطار ما يسمى ب: "الفئوية" التي تسللت إلى النسيج الاجتماعي و ترسبت في خلاياه، كل هذا يدعو إلى ضرورة البحث عن السبل السليمة لمعالجة هذه الظواهر السلبية..، و يعود الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة العنصرية و القضاء على التمييز العنصري إلى حادثة مقتل 69 شخصا عام 1960 إثر مظاهرة سلمية في شار بفيل بجنوب أفريقيا ضد قوانين المرور المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري و إطلاق الرصاص من قبل الشرطة على المتظاهرين، حينها قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 إعلان هذا اليوم، يوما دوليا و عرفت فيه "العنصرية" على أنها عملية استثناء أو تفضيل يقوم على أساس ( العرق، اللون، الدّين، النسب، أو الأصل القومي) يستهدف عرقلة حقوق الآخر و حريته الأساسية و ممارستها في كل الميادين: السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، و الثقافية

و العنصرية كما عرفها المختصون تعني رفض " الآخر" بشكل من الأشكال، و هي نظرية تحاول أن تثبت نقاوة بعض الأعراق و الحفاظ عليها في الأمّة، ظهر هذا التعريف في منتصف الأربعينيات ( 1946) ، وأجري عليه تعديل في 1948، ثم تغير في بداية الستينيات، فأصبح هذا المفهوم يعرف على أنه "النظام" الذي يؤكد تفوق مجموعة اجتماعية على مجموعة أخرى، و يوصي بشكل خاص بعزل هؤلاء داخل بلد (التمييز العنصري)، و العنصرية اليوم في موضع اتهام في العديد من الدول و ينسب إليها الكثير من النزاعات و التوترات( مسألة الزنوج في أمريكا، الأبارتايد في أفريقيا الجنوبية ، حالة اليهود في الاتحاد السوفياتي، العلاقات بين المُستعمَرين و المُستعمِرين ومنها القضية الفلسطينية في الأرض المحتلة من قبل الصهاينة، و قضية الحجاب الإسلامي في فرنسا و غيرها من الأمثلة، دون أن ننسى ردود الفعل تجاه اليد العاملة في المهجر، و هي عداوات تعود لأسباب عديدة ( فارق عرقي، لغوي، قومي، مذهبي و ديني)، بحيث يرى الشخص العنصري نفسه متفوقا على الآخر و ينظر إليه بدونية و يبقى يعتقد أنه متفوق عليه مهما طال الزمن أو انتقل هذه "الآخر" من مكانه الجغرافي إلى مكان آخر..، في الدراسة التي أجراها فرانسوا دي فونتين في كتابه بعنوان "العنصرية" ترجمة الدكتور عاطف علبي، بدأت الظاهرة العرقية مع الفرعون سيسوتريس الثالث sesotris عندما أمر في القرن التاسع عشر قبل الميلاد في جنوب أفريقيا منع أحد أفراد السود من نزول نهر النيل بالقارب.

وكان اليونان ينعتون بـ:"البرابرة" كل الذين هم خارج نطاق الهيلاّد L'Hellade، و هو مصطلح يطلق على الطغاة أو الوحشيين، كما كان المصريون يدعون برابرة كل الذين لا يتكلمون لغتهم ، ثم جاءت فكرة الشارة الصفراء التي يعلقها اليهود حتى يُمَيّزون عن المسيحيين، فرضها عليهم المجمع الديني الرابع عام 1215 و حتى يميزون عن المسلمين و البرص و لتجنب الاختلاط..، و يعتبر "غوبينو" من الدعاة إلى الفكر العنصري ، حيث كرس بحوثه حول الأعراق البشرية و ذهب إلى حد تمجيد العرق الأبيض و سيطرته العرق الأسود، و فيما وصف غوبينو أبناء "حام" و هم من العرق الأبيض بالآلهة تحاشى في دراسته أبناء جافت ( الآريان les ariens ) وهم الفرع الثالث من البشر البيض الذين قدموا من آسيا الوسطى، و ينقسم قبائل الآريان إلى ( الهيللين hellènes الذين استقروا في شمال شبه جزيرة البلقان، والسلت les celtes و هم السكان الأصليين أو الأوائل لأوروبا الشمالية، كانوا من الصُّفْر الذي قدموا من أمريكا عبر الألسكا، ثم يأتي الآريان الجرمان les ariens germains في المرتبة الثالثة، كما يعتبر غوبينو أول عنصري صاحب مذهب العنصرية و أحد آباء العنصرية و رجالاتها، و يقف في موقفه هذا في نشر الفكر العنصري (فاشيه دي لابوج vacher de lapouge ) الذي كان يكره فكرة المساواة و العدل و الأخوة و يحبذ واقع القوة و القانون، و ذهبا الاثنان إلى فكرة "الانتخاب" الداخلي أي قياس الجمجمة و الرأس لتحديد نوع البشر و اعتمدا على قوانين العالم الألماني آمون..

بعد غوبينو جاء "هوستون ستيوارت شمبرلينHouston Stewart Chamberlain" الذي أصبح عضوا في جمعيته، كانت فكرته الحفاظ على الدم الجرماني، التقى هذا الأخير ب: " هتلر" أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1933 و هو يتكلم عن المهمة الإلهية الألمانية اعتمد في نظريته حول "العرق" على الجانب السيكولوجي و المقاييس الثقافية و الأخلاقية، أي اكتشاف الماضي من أجل إنارة المستقبل، و لكونه لم يكن يهوديا يقف شامبرلين موقف الند لغوبينو من خلال موقفه العدائي لليهود مدافعا عن الديانة الكاثوليكية للجرمان، كما ظهرت نوع من السياسات لإطالة عمر سيطرة فئة معينة التي بيدها زمام القيادة و الإدارة، إنها "الأبارتايد l'apartheid " التي تعني الدفع و ليس التطور، وكانت هذه السياسة في وقت ما موضع صراع بين البيض و السود و صدرت من أجلها قوانين عديدة، كما أحدثت هذه السياسة انتفاضات و كانت مصدر فتن و منها فتنة ( سويتو Soweto ) عام 1976 انتهت بمقتل 176 شخص منهم 02 فقط من البيض، و 60 قتيلا في مدينة الكاب في انتفاضة الشباب السود عام 1980 ، لدرجة أن بعض البيض (الحقوقيين) أصبحوا يطالبون بإلغاء هذه السياسة خاصة بعد صدور رواية ( آلان باتون Alan Patan ) بعنوان: " أذرفي الدمع يا بلادي المحبوبة cry ma beloved country " و ترجمتها إلى عدة لغات، أجبرت الكنيسة الأنغليكانية بالاعتراف بفشل هذه السياسة عان 1957 و القول بأن سياسة "الأبارتايد" منبثقة من فكر شرّير..

دور الإعلام الفرنسي في تشويه صورة الجزائريين
لقد أقرت كل "الديانات" بعد ظهور "الإسلام" أن التمييز العنصري هو ضد حقوق الإنسان ككائن بشري، و صدرت قوانين و اتفاقيات تنادي بحقوق الإنسان، و إن أصبح الأبارتايد من بقايا الماضي، فما رائجا في الدول ذات النظام الديمقراطي و بالضبط في فرنسا " باعتبارها "أمة " عنصرية أكثر من غيرها، رغم أنها ألغت الرق و اعتبرت السود مساوين للبيض، و رغم انضمامها في 1971 إلى الاتفاق الدولي الذي وضعته الأمم المتحدة لإلغاء كل التمييز العنصري، لكن كل ذلك كان وهما، ففي الدراسة الميدانية التي أجراها الدكتور سعدي بزيان في كتابع بعنوان (الصراع حول قيادة الإسلام في فرنسا في ظل التشاورات ، كان عدد الجالية الجزائرية بفرنسا آنذاك لا يتعدى 150 ألف جزائري مقابل 135 ألف مغربي، تم استغلالهم في الحرب، مات منهم الآلاف ، بدأت عنصرية فرنسا الدينية بداية من بناء مسجد باريس الذي افتتح في 15 جويلية 1926 إثر الانتشار الواسع للمسلمين في فرنسا لاسيما و الإسلام يشكل الديانة الثانية بعد المسيحية الكاثوليكية، غير أن فرنسا لم تكن تعامل المسلمين بنفس الحقوق التي يعامل بها اليهود، كانت الشعائر ر الدينية للمسلمين تقام في الدهاليز و "الغيتاوات" الفرنسية

لا يوجد في باريس سوى أربعة مساجد تنطبق عليها صفة مسجد و هي: ( مسجد باريس، الدعوة، إيفري، و مسجد مانت لاجولي) ، يضاف إليها مسجد ليون، وهذا العدد لا يكفي عدد المسلمين الذي وصل إلى حدود 07 مليون مسلم، و رغم إنشاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية le conseil français du culte musulman ، مبادرة من نيكولا ساركوزي عندما كان وزيرا للديانات، و لا تزال فرنسا لا تعترف بالمسلمين فوق ترابها بخلاف بلجيكا التي اعترفت بالديانة الإسلامية في !974 و هولندا التي كان معظم منتخبيها في البرلمان و المجالس البلدية مسلمين، و لعل قضية الحجاب هي التر حركت العنصرية الدينية في فرنسا ، رغم الانتفاضات التي كان يشنها المسلمون من الجيل الثاني من أبناء المغرب العربي في عهد فرانسوا ميتران و الذي في عهده اندلعت معركة "الحجاب"، لتنشأ حركة جديدة و هي حركة المسلمين العلمانيينles musulmans laïques تعبيرا عن رفضها للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية و هي حركة أسستها فكار لامببوت من أصل جزائري و هذا بحكم العداوة التي تربطها بالأصوليين في المجلس بعد انسحابها منه و رفضها للحجاب..، وقد فجر القضية أرنيست شينير من أصل مارتينكي و هو مدير ثانوية بمنطقة نواز إحدى المستعمرات الفرنسية، و دعم الفكرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بمنع الصورة على البطاقة الوطنية الرسمية بالحجاب خلال خطاب له في اللقاء النسوي الذي نظمه اتحاد المنظمات الإسلامية uoif ، و دافع بعض الفرنسيين على المبادئ الإسلامية بمنح الحرية للفتيات المسلمات بارتداء الحجاب و منهم هؤلاء هارلم ديزير رئيس منظمة "مناهضة العنصرية" SOS racisme ، في الوقت الذي ذهبت بعض الأفكار الجزائرية إلى اعتبار العلمانية مكسبا للإسلام و العكس كذلك و هو ما ذهب إليه محمد أركون و وقف إلى جانبه دليل بوبكر

أما "الأئمة" كانوا يفتقرون إلى هيئة خاصة لتكوينهم و أنشأ لهذا الغرض قسم خاص لتكوين الأئمة ، غير أن ساركزي كان يريد أئمة على مقاس جمهوريته، من أجل بعث إسلام فرنسي لأنه في تقاليدهم لا توجد سلطة خارجة عن سلطة الجمهورية وقد تطرقت جريدة (لوموند) في سبتمبر 2003 إلى قضية المسلمين الذين يترددون على المساجد للصلاة من خلال التقرير الذي قدمه معهد سبر الرأي العام في فرنسا ifop ، يؤكد فيه أن الجزائريين رغم أنهم يمثلون الأغلبية من المغاربة و التونسيين ، غير أنهم اقل حضورا في المساجد لأداء الصلوات الخمس و صلاة الجمعة بصفة خاصة، و هم يأتون في المرتبة الرابعة بعد التونسيين الذي يحتلون المرتبة الأولى من حضورهم في المساجد، ثم المغاربة و الأتراك، بعدما أصبح الفرنسيين يُقْبِلون على الإسلام و يعتنقونه بحيث يتعدى عددهم 100 ألف فرنسي و هم من الطبقة المثقفة..، إلا أن العنصرية الدينية في فرنسا تبقى تنظر إلى الإسلام كدين تطرف و تعصب و هي بذلك تعمل على شله من جذوره.

علجية عيش للمقال مراجع







تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...