حب الوطن فكرةٌ أو شيءٌ معنوي، أي شيء لامادي ولا ملموس نجده فينا وفي كل ما يحيط بنا. بل إن حب الوطن إحساس وشعور ينبعان من أعماق الوجدان ويسكنان عقولَنا وأحشاءنا في غفلة عنا. حب الوطن فِطرة تولد معنا وتنام في كياننا. فِطرةٌ مجبول عليها كل مَن مشى على تراب وطنه و تنفَّست رئتاه هواءَه وخَبِرَ عطاءَ ودفءَ صيفه وخريفه وشتائه وربيعه وجباله وهضابه وسهوله. وإذا كان حب الوطن محدودا جغرافياً، فإنه حِسِّيا وعاطفيا لا حدودَ له بحيث يصاحِبنا هذا الحب أينما حللنا وارتحلنا. وحب الوطن ما هو إلا تعبير عن انتمائنا لأرض هذا الوطن وعن إخلاصنا لمبادئه وقِيمه الإنسانية، قولاً وفعلاً، فكراً، سلوكاً وعملاً. وحب الوطن يجعلنا، في كل وقت وحين، مستعدين للدفاع عنه وعن وحدته واستقراره واطمئنانه لأخير رمق. حب الوطن، حب لا مشروط.
وحينما أقول إن حبَّ الوطن حبٌّ لا مشروط، فهذا معناه أن الذي يحب وطنَه مستعد للعطاء دون أن يأخذ، وإذا أخذ، فإنه يأخذ من باب الحقوق والواجبات. الوطن مِعطاء لكنه مقابل هذا العطاء، ينتظر من بناته وأبنائه أن يساهموا في تقدُّمه ورُقيه وازدهاره. فحب الوطن هو تبادل الأخذ والعطاء.
غير أن هناك فئة من الناس، أفرادا وجماعاتٍ، لا يرون في الوطن إلا تلك الكعكة التي يجب أن يأخذوا نصيبَهم منها وبدون مقابل. الأفراد، وما أكثرهم، يعطون الأولوية لأنانيتهم وإشباع جشعهم غير مكترثين بما قد يلحق الوطنَ من أضرار. ما يهمّهم هو الحصول على نصيبهم من الكعكة وأكثر. وليذهب حب الوطن إلى الجحيم. ولا نحتاج إلى مِجهَرٍ لتأكيد وجود هذا النوع من البشر. إنهم موجودون في كل الفضاءات والأماكن، الرسمية منها وغير الرسمية.
أما الجماعات، فهي أشكال وألوان، و غالبا ما تكون منظمةً على شكل لوبيات. فهناك لوبيات مهنية وهناك لوبيات تجارية وهناك لوبيات اقتصادية… وهناك لوبيات سياسية. وإذا تواطأت هذه اللوبيات، يصبح حب الوطن في خبَرِ كان، بل ويحلُّ محلَّه حبُّ المصلحة الشخصية والمادة والجشع والأهواء… وليذهب حبُّ الوطن إلى الجحيم. ولا نحتاج إلى مِجهَرٍ لتأكيد وجود هذه اللوبيات. إنها تؤثث كل مرافق الحياة العامة، الرسمية منها وغير الرسمية، وتعِث فيها فساداً.
فما معنى أن يتخلَّى هؤلاء الأفراد وهاته اللوبيات عن حب الوطن وتَعويضه بأنانية المصالح الشخصية؟
ما يمكن قولُه في هذا الصدد، هو أن بلادَنا فشلت فشلاً مثيرا للانتباه في بناء الإنسان المغربي، الإنسان المُشبَّع بالقِيم الإنسانية وعلى رأسها حبُّ الوطن. والفشل يتحمَّله الجميع : المجتمع، الأسَر، المدرسة، السلطات العمومية، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني… لأن الأمرَ يتعلّق بقِيمةٍ مشتركة فيها مصلحة وعِزَّة البلاد.
وإذا كان حبُّ الوطن فِطرةً نائمة في وِجداننا، فإن هذه الفطرة في حاجة لمَن يُقوِّيها و يجَيِّشها. وكل طَرَف له دورٌ يلعبُه في هذا الشأن. السلطات العمومية دورُها هو محاربة الفساد محاربةً صارمة. الأحزاب السياسية التي كانت في الخمسينيات و الستينيات عبارةً عن مدارس في الوطنية patriotisme، تخلَّت عن دورها في تجييش حب الوطن، كما كانت في الماضي، من خلال الإنتاج الأدبي و الأناشيد و الأغاني و الفن بصفة عامة. المجتمع المدني دوره هو نشر الوعي لكن الوعي المقترن بحبِّ الوطن من خلال أعماله الميدانية و مشاريعه المحلِّية.
أما المدرسة، فهي ركنُ الزاوية في هذا الصدد. فعوض أن تحشوَ الأدمغةَ بالمعارف الجافة فلتنكبْ على بناء الإنسان المغربي المُحبِّ لوطنه حبا أساسُه علاقاتٌ مبنيةٌ على العطاء و الأخذ وعلى مبدأ الحقوق والواجبات. فكيف لمدرسةٍ يُقال أنها تُعِدُّ الأجيال القادمة للاندماج في المجتمع وفي سوق الشغل، دون أن تُعزِّزَ وتقوِّي حبَّ الوطن عند هذه الأجيال؟
نحن جيل الأربعينيات والخمسينيات، كنا نعيش حبَّ الوطن في كل مكان : في المنازل، في الشارع، في الصُّحف، في المسرح، في الأحاديث، في المناسبات الوطنية… وفي المدرسة. لا أزال أتذكر جيدا، لما كنتُ تلميذا في الابتدائي، ما كان يقوم به بعض مُعلِّمي اللغة العربية من خلال تحفيظنا أناشيدَ ومحفوظاتٍ مشحونةً بحبِّ الوطن. كنا نحفظها عن ظهر قلب ونردِّدها بكل فخرٍ واعتزازٍ. أين نحن من هذه الفترة التي كان فيها حبُّ الوطن مُكوِّنا من مُكوِّنات الحياة اليومية؟
وحينما أقول إن حبَّ الوطن حبٌّ لا مشروط، فهذا معناه أن الذي يحب وطنَه مستعد للعطاء دون أن يأخذ، وإذا أخذ، فإنه يأخذ من باب الحقوق والواجبات. الوطن مِعطاء لكنه مقابل هذا العطاء، ينتظر من بناته وأبنائه أن يساهموا في تقدُّمه ورُقيه وازدهاره. فحب الوطن هو تبادل الأخذ والعطاء.
غير أن هناك فئة من الناس، أفرادا وجماعاتٍ، لا يرون في الوطن إلا تلك الكعكة التي يجب أن يأخذوا نصيبَهم منها وبدون مقابل. الأفراد، وما أكثرهم، يعطون الأولوية لأنانيتهم وإشباع جشعهم غير مكترثين بما قد يلحق الوطنَ من أضرار. ما يهمّهم هو الحصول على نصيبهم من الكعكة وأكثر. وليذهب حب الوطن إلى الجحيم. ولا نحتاج إلى مِجهَرٍ لتأكيد وجود هذا النوع من البشر. إنهم موجودون في كل الفضاءات والأماكن، الرسمية منها وغير الرسمية.
أما الجماعات، فهي أشكال وألوان، و غالبا ما تكون منظمةً على شكل لوبيات. فهناك لوبيات مهنية وهناك لوبيات تجارية وهناك لوبيات اقتصادية… وهناك لوبيات سياسية. وإذا تواطأت هذه اللوبيات، يصبح حب الوطن في خبَرِ كان، بل ويحلُّ محلَّه حبُّ المصلحة الشخصية والمادة والجشع والأهواء… وليذهب حبُّ الوطن إلى الجحيم. ولا نحتاج إلى مِجهَرٍ لتأكيد وجود هذه اللوبيات. إنها تؤثث كل مرافق الحياة العامة، الرسمية منها وغير الرسمية، وتعِث فيها فساداً.
فما معنى أن يتخلَّى هؤلاء الأفراد وهاته اللوبيات عن حب الوطن وتَعويضه بأنانية المصالح الشخصية؟
ما يمكن قولُه في هذا الصدد، هو أن بلادَنا فشلت فشلاً مثيرا للانتباه في بناء الإنسان المغربي، الإنسان المُشبَّع بالقِيم الإنسانية وعلى رأسها حبُّ الوطن. والفشل يتحمَّله الجميع : المجتمع، الأسَر، المدرسة، السلطات العمومية، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني… لأن الأمرَ يتعلّق بقِيمةٍ مشتركة فيها مصلحة وعِزَّة البلاد.
وإذا كان حبُّ الوطن فِطرةً نائمة في وِجداننا، فإن هذه الفطرة في حاجة لمَن يُقوِّيها و يجَيِّشها. وكل طَرَف له دورٌ يلعبُه في هذا الشأن. السلطات العمومية دورُها هو محاربة الفساد محاربةً صارمة. الأحزاب السياسية التي كانت في الخمسينيات و الستينيات عبارةً عن مدارس في الوطنية patriotisme، تخلَّت عن دورها في تجييش حب الوطن، كما كانت في الماضي، من خلال الإنتاج الأدبي و الأناشيد و الأغاني و الفن بصفة عامة. المجتمع المدني دوره هو نشر الوعي لكن الوعي المقترن بحبِّ الوطن من خلال أعماله الميدانية و مشاريعه المحلِّية.
أما المدرسة، فهي ركنُ الزاوية في هذا الصدد. فعوض أن تحشوَ الأدمغةَ بالمعارف الجافة فلتنكبْ على بناء الإنسان المغربي المُحبِّ لوطنه حبا أساسُه علاقاتٌ مبنيةٌ على العطاء و الأخذ وعلى مبدأ الحقوق والواجبات. فكيف لمدرسةٍ يُقال أنها تُعِدُّ الأجيال القادمة للاندماج في المجتمع وفي سوق الشغل، دون أن تُعزِّزَ وتقوِّي حبَّ الوطن عند هذه الأجيال؟
نحن جيل الأربعينيات والخمسينيات، كنا نعيش حبَّ الوطن في كل مكان : في المنازل، في الشارع، في الصُّحف، في المسرح، في الأحاديث، في المناسبات الوطنية… وفي المدرسة. لا أزال أتذكر جيدا، لما كنتُ تلميذا في الابتدائي، ما كان يقوم به بعض مُعلِّمي اللغة العربية من خلال تحفيظنا أناشيدَ ومحفوظاتٍ مشحونةً بحبِّ الوطن. كنا نحفظها عن ظهر قلب ونردِّدها بكل فخرٍ واعتزازٍ. أين نحن من هذه الفترة التي كان فيها حبُّ الوطن مُكوِّنا من مُكوِّنات الحياة اليومية؟