ضفاف الإبداع شاسعة ومجالات الخيال الإنساني المبدع في ميادين الفنون والآداب والاختراعات... لا حدود لها، والفن التشكيلي واحد من تلك المجالات التي سرح فيها الخيال البشري المبدع بمعالجة فنية جمالية لمواضيع وثيمات ووسائل وأساليب ومدارس مختلفة... وترك للإنسانية أعمالا خالدة تسر الناظرين في المتاحف والمعارض ودور مقتني النفائس...
الدكتورة لطيفة ابركدنس فنانة تشكيلية اختارت، لإبداع لوحاتها، أسلوبا خاصا بها أصيلا. اختارت إنطاق الحجارة لتقول فنها وعصارة خيالها ومكنون نفسها المبدعة بفنية دقيقة وجمالية مبهرة... تقول: "بأشياء بسيطة نستطيع أن نبدع أشياء كبيرة وعميقة".
هي الطبيبة الرئيسة للدائرة الصحية مدغرة (الرشيدية)، خريجة كلية الطب والصيدلة بالرباط، تزاوج بين مهنتها كطبيبة وشغفها الإبداعي وموهبتها الفنية في الرسم بالحجارة. وهي نشيطة في المجالين بدينامية لافتة، بالانخراط، إلى جانب عملها اليومي، في ميدان التحسيس الطبي والتوعية الصحية في المؤسسات التعليمية والهيئات المجتمعية وغيرها بتعاون مع المجتمع المدني وبعض القطاعات العمومية (محاضرات ولقاءات حول: الرضاعة الطبيعية، الصحة المدرسية، داء السكري، التربية الجنسية، الدعم النفسي، الصحة الإنجابية، الصحة في رمضان...)، وكذا المشاركة المكثفة في المعارض الفنية محليا وجهويا ووطنيا ودوليا (أسهمت في معارض دولية حضوريا أو عن بعد في بلدان مثل تونس ومصر وتركيا والعراق وكوريا الجنوبية وإيطاليا والبيرو... وبالنسبة للمغرب كانت من آخر أنشطتها الفنية المشاركة في المعرض الجماعي للأطباء الفنانين بجامعة محمد السادس لعلوم الصحة بالدار البيضاء).
حركيتها هذه واستعدادها التلقائي لخدمة بلدها ومواطنيها بنشر الوعيين الصحي والفني أكسباها سمعة طيبة واحتراما كبيرا لدى من تعرف عليها وعلى اشتغالها الديناميكي في المجالين.
مواد الفنانة لطيفة وخامات اشتغالها التشكيلي مستلهمة، في معظمها من الطبيعة: الأحجار بشكل رئيسي ثم الاستعانة بخامات أخرى مختلفة، حسب ما يتطلبه موضوع اللوحة وتأطيرها الجمالي: الخشب، القماش، الصوف، الصدف، الخيوط... وغيرها مما توفره بيئتها الطبيعية شبه الصحراوية.
خلال سفرياتها وإجازاتها تبحث عن الأحجار والحصى في غدير أو نهر أو جبل أو شاطئ... تختارها وتجمعها وتصنفها وتعود إليها حسب ما تتطلبه اللوحة وخيال الفنانة المبدع، تقول عنها الباحثة والفنانة التشكيلية المغربية خيرة جليل في كتابها : "التشكيل باراديم بين الانزياح الفني المجدد والنقد الجاد": "خرجت [الدكتورة لطيفة] بالفن التشكيلي من إطار الوسائل المتعارف عليها من أصباغ وكولاج على سند من كنفاس [لوحة القماش] وإطار خشبي ، إلى حيز أحجار وخامات أخرى تنتظم على نحو ما لتشكل إبداعا جماليا فنيا." ويخاطبها الفنان التشكيلي اللبناني هشام طقش، وهو يتأمل لوحاتها، معجبا بأصالة منتوجها: "أنت أنطقت هذه الصخور وهذه الحجارة، أنطقتها بلطف وبرونق وبألوان وبعطاء..."
أما ثيمات الفنانة فمتنوعة، حسب ما تمليه نزوات الإبداع ودفقات الشعور والوجدان واهتمامات الفنانة، من القضايا الكبرى كالحرية وقضية المغرب الوطنية، والقضية الفلسطينية وفظاعات الحروب وجائحة كورونا... إلى تفاصيل الحياة اليومية للمواطن البسيط. يقول الكاتب والإعلامي عزيز لعفو في مقال له بالفرنسية في جريدة البيان: "من بين المواضيع المعالجة من قبل الدكتورة لطيفة بركدناس، نجد، عند استعراض لوحاتها ثيمات وطنية، مثل المسيرة الخضراء التي مَنحت لفنانتنا جائزة مستحقة؛ والقضية الفلسطينية والعراقية لم تُغفلا من الفنانة؛ وبدقة متناهية، المدرسة والأم والتعلق بعادات المرأة المغربية من خلال لباسها وفن الطبخ لديها وأشغالها المنزلية".
لوحات الفنانة لطيفة تجلب اهتمام المتلقين لتفردها وتطويعها للحجارة والجماد لتنطق بالجمال والتعبير عن الموقف والبوح عن مكنون النفس البشرية. إنها تعتبر معالجة اللوحة، بموهبة وشغف، فرصة للانفلات من طغوطات عملها كطبيبة والتنفيس عن شحنات التوتر والعناء، ومجالا سانحا للبوح والتعبير عن مواقفها وتصورها للعالم والوطن والإنسان والمجتمع... تقول: " أحاول من خلال لوحاتي من الحصى والحجارة أن أتذكر طفولتي وألعابي. وهذه الموهبة تخلصني من الرتابة والضغوطات، كوني أعمل في مجال الطب، لما يتطلبه من إجهاد، لذا أحاول من خلال أعمالي الفنية أن أستنطق الحصى وأمنحه فرصة للتعبير. وأحاول أن أطرح تصوري للعالم وتراث بلادي وبعض القضايا الاجتماعية".
تشتغل الفنانة أيضا على فن المصغّرات، فتبدع لوحات جميلة تركز فيها، على الخصوص، على مفردات الحياة بالمنزل المغربي التقليدي، كما أنها تؤطر ورشات للرسم بالحجارة لبعض تلامذة المؤسسات التعليمية.
الدكتورة الفنانة لطيفة استطاعت أن تفرض نفسها في الوسط الفني التشكيلي، لتفرّد تجربتها ولموهبتها الإبداعية ولجمالية وفنية لوحاتها ولانخراطها اللامشروط في التعريف بثقافة بلادها واهتمامات مواطنها البسيط...
محمد حجاجي
(جريدة "العلم"، 2023/04/10).
الدكتورة لطيفة ابركدنس فنانة تشكيلية اختارت، لإبداع لوحاتها، أسلوبا خاصا بها أصيلا. اختارت إنطاق الحجارة لتقول فنها وعصارة خيالها ومكنون نفسها المبدعة بفنية دقيقة وجمالية مبهرة... تقول: "بأشياء بسيطة نستطيع أن نبدع أشياء كبيرة وعميقة".
هي الطبيبة الرئيسة للدائرة الصحية مدغرة (الرشيدية)، خريجة كلية الطب والصيدلة بالرباط، تزاوج بين مهنتها كطبيبة وشغفها الإبداعي وموهبتها الفنية في الرسم بالحجارة. وهي نشيطة في المجالين بدينامية لافتة، بالانخراط، إلى جانب عملها اليومي، في ميدان التحسيس الطبي والتوعية الصحية في المؤسسات التعليمية والهيئات المجتمعية وغيرها بتعاون مع المجتمع المدني وبعض القطاعات العمومية (محاضرات ولقاءات حول: الرضاعة الطبيعية، الصحة المدرسية، داء السكري، التربية الجنسية، الدعم النفسي، الصحة الإنجابية، الصحة في رمضان...)، وكذا المشاركة المكثفة في المعارض الفنية محليا وجهويا ووطنيا ودوليا (أسهمت في معارض دولية حضوريا أو عن بعد في بلدان مثل تونس ومصر وتركيا والعراق وكوريا الجنوبية وإيطاليا والبيرو... وبالنسبة للمغرب كانت من آخر أنشطتها الفنية المشاركة في المعرض الجماعي للأطباء الفنانين بجامعة محمد السادس لعلوم الصحة بالدار البيضاء).
حركيتها هذه واستعدادها التلقائي لخدمة بلدها ومواطنيها بنشر الوعيين الصحي والفني أكسباها سمعة طيبة واحتراما كبيرا لدى من تعرف عليها وعلى اشتغالها الديناميكي في المجالين.
مواد الفنانة لطيفة وخامات اشتغالها التشكيلي مستلهمة، في معظمها من الطبيعة: الأحجار بشكل رئيسي ثم الاستعانة بخامات أخرى مختلفة، حسب ما يتطلبه موضوع اللوحة وتأطيرها الجمالي: الخشب، القماش، الصوف، الصدف، الخيوط... وغيرها مما توفره بيئتها الطبيعية شبه الصحراوية.
خلال سفرياتها وإجازاتها تبحث عن الأحجار والحصى في غدير أو نهر أو جبل أو شاطئ... تختارها وتجمعها وتصنفها وتعود إليها حسب ما تتطلبه اللوحة وخيال الفنانة المبدع، تقول عنها الباحثة والفنانة التشكيلية المغربية خيرة جليل في كتابها : "التشكيل باراديم بين الانزياح الفني المجدد والنقد الجاد": "خرجت [الدكتورة لطيفة] بالفن التشكيلي من إطار الوسائل المتعارف عليها من أصباغ وكولاج على سند من كنفاس [لوحة القماش] وإطار خشبي ، إلى حيز أحجار وخامات أخرى تنتظم على نحو ما لتشكل إبداعا جماليا فنيا." ويخاطبها الفنان التشكيلي اللبناني هشام طقش، وهو يتأمل لوحاتها، معجبا بأصالة منتوجها: "أنت أنطقت هذه الصخور وهذه الحجارة، أنطقتها بلطف وبرونق وبألوان وبعطاء..."
أما ثيمات الفنانة فمتنوعة، حسب ما تمليه نزوات الإبداع ودفقات الشعور والوجدان واهتمامات الفنانة، من القضايا الكبرى كالحرية وقضية المغرب الوطنية، والقضية الفلسطينية وفظاعات الحروب وجائحة كورونا... إلى تفاصيل الحياة اليومية للمواطن البسيط. يقول الكاتب والإعلامي عزيز لعفو في مقال له بالفرنسية في جريدة البيان: "من بين المواضيع المعالجة من قبل الدكتورة لطيفة بركدناس، نجد، عند استعراض لوحاتها ثيمات وطنية، مثل المسيرة الخضراء التي مَنحت لفنانتنا جائزة مستحقة؛ والقضية الفلسطينية والعراقية لم تُغفلا من الفنانة؛ وبدقة متناهية، المدرسة والأم والتعلق بعادات المرأة المغربية من خلال لباسها وفن الطبخ لديها وأشغالها المنزلية".
لوحات الفنانة لطيفة تجلب اهتمام المتلقين لتفردها وتطويعها للحجارة والجماد لتنطق بالجمال والتعبير عن الموقف والبوح عن مكنون النفس البشرية. إنها تعتبر معالجة اللوحة، بموهبة وشغف، فرصة للانفلات من طغوطات عملها كطبيبة والتنفيس عن شحنات التوتر والعناء، ومجالا سانحا للبوح والتعبير عن مواقفها وتصورها للعالم والوطن والإنسان والمجتمع... تقول: " أحاول من خلال لوحاتي من الحصى والحجارة أن أتذكر طفولتي وألعابي. وهذه الموهبة تخلصني من الرتابة والضغوطات، كوني أعمل في مجال الطب، لما يتطلبه من إجهاد، لذا أحاول من خلال أعمالي الفنية أن أستنطق الحصى وأمنحه فرصة للتعبير. وأحاول أن أطرح تصوري للعالم وتراث بلادي وبعض القضايا الاجتماعية".
تشتغل الفنانة أيضا على فن المصغّرات، فتبدع لوحات جميلة تركز فيها، على الخصوص، على مفردات الحياة بالمنزل المغربي التقليدي، كما أنها تؤطر ورشات للرسم بالحجارة لبعض تلامذة المؤسسات التعليمية.
الدكتورة الفنانة لطيفة استطاعت أن تفرض نفسها في الوسط الفني التشكيلي، لتفرّد تجربتها ولموهبتها الإبداعية ولجمالية وفنية لوحاتها ولانخراطها اللامشروط في التعريف بثقافة بلادها واهتمامات مواطنها البسيط...
محمد حجاجي
(جريدة "العلم"، 2023/04/10).