مصطفى رجب - أبناء بلا آباء، وآباء بلا أبناء!!

تشيع فى الثقافة اللغوية العربيةالقديمة ظاهرة طريفة . هى التلقيب بالبنوة والأبوة من غير نسب حقيقى . فيقال " أبو كذا " أو "ابن كذا " للشخص ، أو لمن يفعل فعلاً معيناً ، أو للمكان ، أو للحيوان ، من غير علاقة نسب ، بل لقرينة خارجية تحمل مدحاً أو ذماً . وقد انقرضت هذه الظاهرة في عربيتنا المعاصرة التي لوثتها العُجمة والتداخل مع اللغات الحديثة ، وكاد هذا التراث النضر أن يذوي ويفنى بعد ما تجاهلته مناهجنا التعليمية ، وترك استعماله كثتَّابنا المعاصرون عمدا أو جهلا .
وإذا استعرضنا طائفة ممن نُعتوا بالبنوة مثلا ً فسنجد:
- ابن آذان : لقبٌ للحمار لُقِّب به لطول آذانه .
- ابن أسبوعين : من ألقاب القمر حين يكون بدراً .
- ابن أقوال : من ألقاب المديح لمن يكون خطيباً مفوها متمكناً من المنطق ولديه قدرة عالية على الإقناع
- ابن أمس : يُلقَّب به الطفل الصغير . وقد ورد فى قول الشاعر ابن الصمة يرد به اتهمته به حبيبة له :
وقالتْ : إننى شيخٌ كبيرٌ وهل أخبرتُها أنى ابن أمسِ ؟!!
- ومثله فى الدلالة لقب : ابن أيام . وإن كانت دلالة هذا اللقب الثانى ( ابن أيام ) أوسع ، فقد يُطلق على من حنكته التجارب وقد يطلق على الطاعن فى السن
فيقال : ابن الأيام والليالى .
- ابن البراء :هو أول يوم فى الشهر العربى ، أو أول ليلة ، وهو أيضاً آخر يوم فى الشهر العربى ، أو آخر ليلة ، وهو عند العرب يوم سعيد يتفاءلون بما يحدث فيه ويلتمسون فيه البركة .
- ابن جلا : يُطلق هذا اللقب على الرجل المعروف وعلى الأمر الواضح ، وقالوا إنه اسم رجل من فُتَّاك العرب .
- ابن حبة : لقب يقال للخبز لأنه يُصنع من الحبوب ، وللخبز اسم آخر فى لغة العرب هو : جابر .
- ابن الدهر : هو النهار ، وجمعه : بنات الدهر .
- ابن دينار : هو العبد ، لأن ديناراً من أسماء العبيد ، قال الشاعر:
- ولستَ للأمِّ من عبسٍ ومن أسدٍ
- وإنما أنتَ دينارُ بنُ دينارِ
- ابن السبيل : هو المسافر ، والسبيل الطريق ، يُذَكَّر ويؤنَّث
فتقول : هذا سبيلٌ ، وهذه سبيلٌ ، والتأنيث أشهر
- ابن السحاب : هو المطــر
- ابن السماء : هو الصبح ، لأنه - فى اعتقاد العرب القديم – يظهر نتيجة حركة السماء فى ظنهم وليس الأرض ، والشمس هى بنت السماء ، ولذلك قال شاعرهم يصف اللص الذى يسرق فتقطع يمينه :
- وليس يُعادى ابنَ السماءِ وبنتَها
- سوى رجلٍ بانتْ عليه يمينُه
- ابن السوء : لقب لمن لا يطيع والديه خال حياتها ، فإذا ماتا
تلهف عليهما ، وذلك قالوا فى أمثالهم ( ألهف من
ابن السوء ) .
- ابن طامر : هو البرغوث ، ويلقب به أيضاً الخسيس من الناس والخامل الذى لا يعرفه أحد .
- ابن الطويل : لقب للجَمَل .
- ابن الطيلسان : لقب يطلقه أهل الشام خاصة على الأعاجم .
- ابن الكرم : هو القِطْفُ من العنب .
- ابن الكَرَوَان : هو الليل
- ابن اللبون : لقب لولد الناقة إذا أتم عامه الثانى ودخل فى الثالث والأنثى ابنة لبون ، وفس مجال البشر ، يطلق لقب ابن اللبون ذماً لمن يقل الانتفاع به من الناس ، وفسروا ذلك بقولهم : " لا لَبَنَ له فيُحْلَب ، ولا ظهرَ له فيُركَب " لصغر سنه .
- ابن الليالى : هو لقب للقمر . قال نصيب فى وصف القمر:
- بدأن بنا وابن اللّيالى كأنّه ... حسام جلت عنه القيون صقيل
- فما زلت أفنى كلّ يوم شبابه ... إلى أن أتتك العيس وهو ضئيل
- ابن مازن : لقب للنمل ، لأن المازن هو بَيْض النمل .
- ابن المراغة : من ألقاب الذم عند العرب ، كأنهم يقصدون أن أمه زانية ولدته فى مراغة الدواب ( أماكن نومها وتقلبها) أو كأنهم يشيرون إلى دناءة أصله لأن المراغة من أسماء الأتان .
- ابن مصة : لقب للئيم من الناس ، مأخوذ من المصِّ وهو التقام الثدي بالفم ، ومص اللبن – لا شربه – من علامات البخل والشح ، وقد يقولون : ابن مَصَّان أو ابن مَصَّانة بالمعنى نفسه .
- ابن مِقْلى : بكسر الميم – لقب للحمار .
- ابن ناهق : هو البغل
- ابن هَرْمة : هو آخر أولاد الأبوين الكبيرين .
- ابن يمٍّ : هو الخليج المتفرع من البحر .
- ابن اليوم : هو النهار .
- ابنا سمير : هما الليل والنهار لأنهما زمانان للسمر والحديث أو هما : الغداة والعشى . قال الشاعر :
- لابنى سمير صُروفٌ غير غافلةٍ
- يُحْسِنَّ نقضاً كما يُحْسِنَّ إبراما
- أبناء أخياف : لقب للإخوة الذين ينتمون لأم واحدة وآباؤهم شتى . والاسم : المخايفة ، والأخياف هى الأطوار أى أنهم مختلفون على أحوال شتى .
- ابنة الجبل : هى الحصاة
- ابنة الدنِّ : هى الخمر ، وتلقب أيضاً بابنة العنقود
وقد كثر استخدام تلك الألقاب في تراثنا الأدبي ، ةفي طراف ذلك الأدب بنوع خاص مثل الحكايات القديمة والمقامات والمراسلات والتوقيعات . كما يكثر ورودها في الشعر العربي القديم ومنه النماذج التي استشهدنا بها في السطور السابقة .
و.... آباء لم ينجبوا :
وقد عرفت الثقافة اللغوية العربية القديمة كُنًى وألقاباً أطلقت على حيوانات أو طيور أو أشخاص لم ينجبوا ، ولكن الكتابة وضعت لأصحابها مدحاً أو ذماً أو للشهرة . ومن هذه الكُنَى والألقاب :
أبو الأبطال : يلقب به الأسد .
أبو الأثقال : يلقب به البغل لقوته .
أبو الأخبار : يلقب به الهدهد .
أبو الأمن : تطلق على حالة الشبع لأن الإنسان يصبح أمناً إذا شبع .
أبو بحير : هو التيس .
أبو البدوات : يلقب به الإنسان الذى تتميز آراؤه بالغرابة ، وهو من ألقاب المدح لأنه
يبدى آراء لا يراها غيره . هذا عند من يحسنون استعمال اللغة على
أصولها . أما العوام فإنهم يستخدمون هذا اللقب على وجه الذم باعتبار أن
الملقب به لا يثبت على قول .
أبو البركات : يطلق على شهر رمضان .
أبو بصير : كنية الأعمى .
أبو البلاد : كنية تطلق على الرجل الشجاع الذى ينزل من البلاد حيث يشاء .
أبو ثلاثين : كنية تطبق على ذكر النعام ففى زعمهم أن ذكران النعام تبيض ثلاثين بيضة على خط مستقيم .
أبو ثمامة : الثمام : نوع من النباتات الضعيفة . وتطلق هذه الكنية على الذئب ، وعلى
الهدهد . وقد أطلقت على مسيلمة الكذاب .
أبو جابر : هو الخبز . ويقال له أحياناً : جابر بن حبة لأنه يصنع من الحبوب .
أبو جامع : هو الخوان الذى يجتمع عليه الناس للطعام .
أبو الجرَّاح : هو الغراب . والجرح هنا بمعنى الكسب ، وليس بمعناه الشائع فى العربية
المعاصرة الذى يفيد خدش الجسم . وقد اختص الغراب بهذه الكنية لشدة
حرص . ولذلك يقولون فى أمثالهم القديمة : " بكَّر بكَور الغراب " .
أبو جعدة : هو الذئب ، والجعدة هى السخلة الصغيرة من أولاد الماعز وسمى الذئب
( أبا جعدة ) لأنه يقصد تلك الحيوانات الصغيرة ( السخال ) لضعفها .
قال الكميت :
ومستطعم يدعى بغير بنايه
جعلت له حظاًُ من الزاد أوفرا
أراد به الذئب . لأنه يسمى بهذا اللقب وليس له ابنه تدعى جعدة .
أبو جعفر : يلقب به الذباب ، والجعفر هو النهر الصغير .

----------------------
أما ذلك المذيع بالقناة الحكومية الرسمية فلا أجد له لقبا يناسبه !!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...