فتحي مهذب - قراءة لقصيدة "رجل بلا ظل": للدكتور يوسف حنا

- في البداءة أسميه نص الرجل الذي فقد ظله. عاش مرارة الفقد ومكابداته. تكسرت تلك العلقة الجدلية الصميمة التي تصل الذات الشاعرة بالظل وتعكس حقيقة بنيته الفيزيقية المتحركة. عنوان خطر للغاية يهتك هشاشة الذات في مواجهتها لوحش الزمن الضاري. الوحش الذي يقضقض عظام الكينونة ويحيلها إلى لاشيء أو إلى شيء لايتكىء على عكاز ظله المصاحب له.
انعدام الظل غياب الظل موت الظل يعني في المحصلة سقوط الحقيقة في بئر التراجيديا. ذهاب الظل هو ذهاب الجوهر والحركة والخلق والفعل والمغامرة وترويض المستحيل.
وكلما إقتربت الذات من عتبة الشيخوخة يتحول ظلها إلى عظام بالية متآكلة تقض مضجع البصر والبصيرة.
وكم فجر في أصقاع النفس من شجون وشعور بلاشيئية الأشياء هذا المقطع الشعري البديع الباهر.
"إقترضتها من لحاء البلوط" يقصد الشاعر هنا الشيخوخة التي داهمته على حين غرة.
البلوط العظيم الذي يقف شامخا في وجه الحتميات وقوة النواميس القاهرة ولكن في النهاية فهو منذور للخسران والفقد والغياب.
الشاعر سبارتكوس العظيم الذي ماعتم يقاوم وحوش الزمن بلباس من لحاء البلوط القوي .
ولكن يد الفناء تطال كل شيء ومهما صمدت الذات الشاعرة وقاومت فإلى حين.
ذلك هو شرط الذات البشرية الآيل إلى الخذلان والهزيمة .
وتبقى الكلمات المشرقة الأثيلة تدافع عن بقائنا بالنيابة.
ثمة شيء وفق الشاعر في توظيفه يتمثل في تعاطف بعض الظواهر الطبيعية مع حالته التراجيدية المريرة ، (صمت يقطر من القمر)
القمر الذي يشع على العناصر والأشياء بينما ندائف الصمت تتناثر من ذؤابته الشاهقة.
لم يعد الشاعر فاعلا بل منفعلا كما لو أنه فراغ مطلق لا صلة له بحقيقة الأشياء.
ويتساءل بمرارة. ماذا أفعل بباقي عمري؟
أعزو هذه الميسم العدمي إلى زيارة الموت المكرور إلى عائلة الشاعر .
يضاف إلى ذلك كثافة العتمة التي تطوق مجتمعه الذي يرزح تحت كلكل الوافد الغريب.
نص في منتهى الروعة والجمال مسبوك سبكا شعريا مذهلا يشي بعمق ونضوج تجربة الشاعر الجمالية والوجودية.
والدكتور يوسف حنا منفتح على مناخات وتضاريس الثقافات الكونية متشرب لأنساغ الإبداع الإنساني نثرا وشعرا .
(فتحي مهذب)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ رَجُـلٌ بِـلا ظِــل ــ
.
داهمتني شيخوخةٌ، نوعاً ما
اقترضتُها من لُحاءِ البلّوط
صمْتٌ يقطرُ منَ القمر،
فورانُ الليلِ لم يَعد يؤثر بي
وأَقراصُه لم تعد تذوبُ في دمي
.
ماذا أَفعلُ بباقي عمري؟
كثيراً ما اعتدتُ على ذلك
باحتضان الظلِّ الذي اُختُطِفَ مني
.
يوسف حنا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...