شعر فتحي مهذب مديح متواصل للمخيّلة وهل هنالك مليكة تستحق المدائح كلها كالمخيّلة ؟
مخيّلة الشاعر هي المخيلة الأعظم في الوجود ومن هنا فإنّ ما تجترحه تلك المخيلة هو
في الحقيقة تنويعات لصورة العالم الحقيقية الى ما لا نهاية .
مخيلة الشاعر أشبه ما تكون بنرد الله الذي يتدحرج فإذا استقر بعد كل رمية نزلت...
فتحي مهذب تونس
رسالة ثانية إلى سلمى.
الأمطار مثل الطواويس
تزين الحدائق والمنتجعات
والأرصفة مؤثثة بسبائك الثلج
المتسولون مصابيح كابية
والريح تخاطب أشجار السرو
بنبرة المتصوف
وأنا أفكر في سلمى
في بناء مجرة صغيرة من الفرح
في ترويض العزلة المفترسة
في قطف شقائق النعمان من شفتيك يا سلمى.
أفكر في سرقة...
في كل جنازة
أبعث إليها رسالة بخط يدي
مبقعة بغيمة من الدموع
سأرتمي بين أحضانك
يوما ما
مثل نورس صغير
شردته العواصف
العالم لم يعد على ما يرام يا أمي
إبنك فقد الكثير من الضوء
إمتلأ كثيرا بكائنات اللاشيء
يفرغ الشك مثانته في كلماته
يطير بعيدا مع الغيوم
ملوحا بمنديله إلى قارب الطفولة
هرمت يا أمي...
حجرة قذرة مخيفة مليئة بصور مخلوقات غريبة. ملائكة تجر عربات حديدية ملآى بشواهد القبور , حيوانات برؤوس بشر , وطيور لها سيقان زرافات, وأجنحة غزيرة غريبة ,وهياكل عظمية متنوعة.
فاجأته وهو غاطس في خلوته يتفحص جمجمة من العسير جدا الوقوف على حقيقة إنتسابها لأنثى أم لذكر .
لم يتجاوز العقد الثالث طويل...
(هذا الشعر نسيج وحده.
لا يشبه أيّ كتابة شعرية أُخرى،
وإن كان يحمل نفحات من المزامير
ومن رؤيا يوحنّا
ومن أدبيات دينية غير هذه...
لكنّ مخيلته الجامحة هي مخيلة صاحبه وحده،
والصوَر صوره.
وتأتي الترجمة الإنكليزية الرشيقة
لتقف قصيدةً بجانب قصيدة).
الشاعر والمفكر الدكتور أديب صعب Adib Saab.
الرقص...
لم يعد ثمة متسع من الضوء
الغيوم تتساقط
من عيون المارة المنكسرين
(الدموع من عنق الحصان)**
الأجنحة في سلال السهو
الجسر مليء بالنجوم
وخيول اللامبالاة
سيعبرون وتبقى زهرة الأقحوان
السماء قنبلة زرقاء
تضحك بندقية الغول في الهاوية
تنضج لكمات الحضور الذهني
في حلبة الرماد
تينع الحواس في الحرب
أشكر جدا...
يوما ما
سيطردونك من السجن
من الظلمة التي تلتهم عظامك
من الأماكن الهرمة
من روائح الساعات النافقة
من بطش الكلمات سيئة السمعة
من البقاء معلقا على حبل الأسئلة الحرجة
يطلقون سراح حواسك
من غيوم النوستالجيا
ستحاول نسيان خشخشة مفاتيح السجان
الثعالب التي تطل من عينيه الغابيتين
حركاته الغامضة وابتسامته...
فعلا أنا مجنون
شلخت جبهة قديس بمطرقة.
إختلست خبزه ونبيذه..
جرنه المليء بماء المتناقضات..
مزقت روحه القرمة بمخالبي..
بلت أمام كنيسة مثل أرنب مسن..
أمام قساوسة يبيعون تذاكر مزيفة.
قذفت قائد الأوركسترا بالحجارة.
باركت غريبا يستمني.
يبدو مثل ثور مكسور الخاطر..
رغم ذلك لم يطردني ابن الانسان.
***...
لم يعد ثمة متسع من الضوء
الغيوم تتساقط
من عيون المارة المنكسرين
(الدموع من عنق الحصان)**
الأجنحة في سلال السهو
الجسر مليء بالنجوم
وخيول اللامبالاة
سيعبرون وتبقى زهرة الأقحوان
السماء قنبلة زرقاء
تضحك بندقية الغول في الهاوية
تنضج لكمات الحضور الذهني
في حلبة الرماد
تينع الحواس في الحرب
أشكر جدا...
البارحة
الخامسة مساء
رأيت حفرة عميقة في السماء
جناحا محروقا يتدلى
يكاد يلمس ذؤابة رأسي
وأنا على دراجة نارية خفيفة جدا
مثل فراشة تتخبط في الهواء
الشاحنات ورائي تعدو مثل أرانب ضخمة
الهواء بالونة ملآى بشرار الجحيم
عرق الله يغسل نوافذ السيارات
آه كم كان جناحك يا رب مثيرا للرهبة والقلق
مثل عجلة...
أنا لست صيادا ماهرا
ولكن كلما أقترب أكثر
يتخبط نهداها في السوتيان
مثل أرنبين مذعورين
وأرى الله في عينيها
يلوح بمنديله الأبدي
هذه المدينة خليط من الطين والنار
من الملائكة والشياطين
لا تقترب أكثر
ستمطرك بصواعق من الشهوة
ويخطف بصرك برقها الثاقب
لا ينقذك السحرة
ولا يدلك المنجمون على أسرار الهاوية...
قريبا جدا
ستخسرين الحرب
سينتحر جنودك المتعبون
الواحد تلو الآخر
سنتهار قلعتك المنيعة
سيفر الشيطان من شقوق أظافرك
سيخطف طائر العقعق
تاجك المرصع بذهب الليبيدو
ستملأ الغيوم عينيك الكاسرتين
وعلى ظهرك المقوس
ستحملين نعشك
دورقا من الدموع السوداء
طيورا نافقة من الوداع
سيعضك الزمن من شفتيك المتهدلتين...
الرصاصات التي تلقيتها
تكفي لارتكاب إبادة جماعية ..
أو إسقاط دويلات من الفرح اليومي..
تكفي لإسقاط إله في قمة مجده..
محاطا بحراس من الشمع الأحمر..
وأنا في القماط
رافعا خطمي إلى أعلى..
سابلا جناحي أذني
لقنص مستدقات الأصوات
في الغابات المجاورة..
أعوي مثل ذئب في البرية..
أرشق ثديي مرضعتي المنتفخين...
سنجلب أرواحكم أيها الغرقى
بأسرار الموسيقى .
لقد قرأنا قصائدكم بصوت النوارس..
ورأينا دموعكم في عيون الأسماك.
سمعنا وصاياكم عبر أزيز الأمواج.
من أجلكم بكينا كثيرا
مثل باخرة عجوز
تودع أرض الوطن .