فتحي مهذب

** بدلا مني تبكي الشمعة بهدوء القديسين.. يمتلأ سقف حجرتي بدموع المتصوفة.. هذه حبال مخيلتي جاهزة لسحب عربات النسيان. بدلا مني يسخر قطار منتصف الليل من مشية المارة النائمين.. القطار الصاعد الى تلة رأسي والسائق يمضغ ذيل الأسد . (لإفناء هضاب الفوبيا). بدلا مني تمضي رصاصة القناص مسرعة لدحض مفاهيم...
لماذا لم تتدخل يا إلهي؟ بسبب سناجبك المتعفنة سقطت شجرة العائلة سقطت فاكهة الفلاسفة في البئر سقط اليقين في شرك الظن ملائكتك تقلم أظافرها في البهو السماوي غير آبهة بإيقاع الجنازة وحاجبك الأبله مكفهر أمام بابك أنا جائع ومريض ومشرد مثل فهد الجبال البعيدة يطاردني الموت يضرب قفاي بقبضته ويحمحم داخل...
وأنت أيها الديك الذي يجلب الحظ للحديقة يلعب النرد مع جوقة الأسلاف. يوقظ القباطنة البعيدين لتهدئة أرواح القوارب .. الذي يقاوم من أجل كنوز الضيعة.. الذي تتساقط أوراقه.. الذي يعض أصابعه من الندم. الذي يمدح كتيبة النهار. لإبداء زينته في القن. الذي قطع العدو عرفه الملكي وكسر أغصانه في العتمة. وتهاوى...
يسقط وجهي مخلفا غيمة كثيفة من الغبار يسقط جيراني صرعى تلاحقهم جنازير من القلق اليومي عذابات مليئة بقذائف الهاون يسقط الراعي وراء قطيع الهواجس يطارده حبل طويل من السحرة تسقط النجمة العذراء يسقط الضوء من قبعة الخوري ذئاب الندم الليلي يسقط كل شيء وجه النهار في مصيدة اللامعنى الجسر الذي ترتاح على...
لم يصدقني أحد. حين قلت : إن الشمس شقيقتي الصغرى. فرت من معتقل الوشق الأحمر. والتصقت بالسماء. *** لم يصدقني أحد . حين قلت : إني انتحرت منذ عشرين سنة. لما صعدت بحبل مخيلتي الطويل برج كنيسة مهجورة. وألقيت نفسي في الهاوية. كان علي أن أشق جيب معدتي مثل ساموراي شريف. يومها إختفت أمي في براري ألف ليلة...
أيّها العجوز الذي نصفه بشر ونصف حجر.. الذي يحرسه الليل والنهار فوق جسر مليء بالأرامل.. مدجّجين بقذائف أربجي.. ارحم هذا السنجاب الأشقر الذي ابتلعته أفعى البوا في حانة مهجورة يؤمّها الفراغ بسيفه الخشبيّ وزيّه العسكريّ الشاحب. ا********* أحيانا أضطرّ إلى توديعي أستأصل روحي وأرميها من النافذة...
أن تموت وأنت تسقط من برج إيفيل مثل كرة من قماش رديء معلولا بنقصان فادح أن يفترسك أسد القلق اليومي يرمي خاتمك في البركة ثوبك المرقوع لشبح بدائي أن تخذلك عربة الجسد ناس كثر يعششون في مفاصلك سرب من الجوارح تعبر مخيالك المترامي أن يتقاتل الماضي والحاضر والمستقبل فوق شجرة عمرك وفي قاع جنازتك يرمي...
أخي محارب قديم قائد أوركسترا في ظلمة الفراغ من خبزه تأكل الحدأة والتنين يزرع النساء في سريره الليلي يملأ المدفأة بغصونهن ومن هواجسهن يصنع حبالا طويلة لاعتقال كناغر القلق. كنت أيلا صغيرا في حديقته مطوقا بالسحرة والنجوم أنام في مرآة العائلة يحرسني قديس من ورق الخيمياء وفي النهار يوقظني مزمار...
أيها المختبئ في قاع المخيلة الذي طاردته طويلا في رؤوس الجبال. في الكهوف المهجورة. في الحانات المليئة بالفهود المنكسرة. هيا أسرع. لا تذر ديك الزمان والمكان على سريرك الخشبي . لا تذر نياشينك على كتفيك العريضتين. دلو الغفران المثقوب على حافة البئر. تاجك موصولا بمؤخرة البندقية. تحرك باتجاه النجوم...
كما تسقط الأبراج المتداعية في المدائن القديمة كما تسقط شجرة الكالبيتوس في شرك الحطابين تسقط ستون سنة من جيبي أضرب في مناكب الأرض على كتفي كيس مليء بالسيئات وفي يدي مزمار السحرة لم أعثر على بابك الجميل يا رب لم أعثر على أصدقائي الجيدين على نجوم حزينة في الشرفة على بيتنا المجاور لخيمة توت عنخ...
مثل الكنغر يصعد الموت إلى قمة جبل رأسك البائس لم يدرك أن ثمة حراسا كثرا قافلة من الكلمات تفتح النار يمينا وشمالا لطرد ثعبانه من شجرة المعرفة لا يجدي نفعا أن تشحذ فأسك أيها الموت تشومسكي غابة كثيفة من الكلمات محصنة بمصابيح الفلاسفة ألق مسدسك الأشيب يمم وجهك شطر بحيرة الموتى تشومسكي لن تطاله...
أتفكر مثلي في الموت في شساعة العالم الداخلي أتفكر في مصير الروح في اغترابها الجبلي ونأمة ورقات عباد الشمس في طرد القلق الفلسفي بضحكة مريبة أتفكر مثلي في الإنتحار داخل شقة مهجورة ملآى بالأشباح والأصص المتشققة أتفكر في قيامة الأموات أتفكر في حركات النجوم والكواكب أوركسترا النوارس على ذؤابة المراكب...
أعرف جيدا أيها الزمن دبيبك تحت جلدي المغضن آثار محراثك اليدوي على أسارير وجهي إستدراجك عيني الجميلتين إلى العتمة الأبدية نهش عظامي مثل كلب البولدوغ كلماتك الساخرة على وجوه المارة ضحكتك المريبة في الباص نباحك الليلي في بستان الأرمل أيها الزومبي الذي مزق ألبوم العائلة شرد طفولتي البائسة دهس...
الذي يقتسم معنا الخبز والنبيذ والصلاة الذي يطفو في مياه المرآة متوجا بمجوهرات اللاجدوى الذي يجرح القارىء المطمئن يحرض ثيران الأسئلة في الممر الهلامي الذي يجأر بالشك في الأوتوبيس الذي تكلمه الأشجار عندما ينضج لوز العزلة يتلاشى الناس في النوم يختفي الشر داخل الجدران الذي يشع وجهه في بستان الماء...
كان أبي لا يضربنا بالكرباج عند ارتكابنا الهفوات وسقوطنا في فخ الشيطان. كان يضربنا بالكلمات ضربا مبرحا بعد شحذها وإيداعها مسامير حادة مقدودة من معدن الدلالة الجارحة. بينما أمي تقوم بتضميد بقع الكدمات الزرقاء المنتشرة على جلد الروح التي خلفتها لذعة كلماته الحارقة. كانت عيونه تتكلم بقسوة وتلدغنا...

هذا الملف

نصوص
858
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى