فتحي مهذب

محمول على نقالة الموتى عيناه متجهتان إلى الأبدية متفحما يبدو مثل نخلة ضربتها صاعقة ومع ذلك يرمونه بالحجارة يبصقون على جبهته الساطعة بدلا منه كانت تتقطق مفاصل عظام الأشجار تنتحب الريح بحنجرة مبحوحة أمام جدران المشرحة المتشققة ماذا يقول طائر الدوري على علو منخفض؟ إرحموه إرحموه أيها القتلة رغم موته...
أخيرا إكتشفنا السماء هشمنا الجسر الخشبي بأسناننا الجسر الذي يمتد من الرأس إلى سدرة المنتهى. كانت ثعالب التفكير دليلنا إلى الحقيقة. أن الملائكة لا تعشش في السماء بل في بنية اللغة الجريحة. والله يسكن في الأرض. منذ ملايين السنين أذهب إليه يوم الأحد ممتطيا فهد المخيلة. محاطا بجوقة من الفقراء...
رأيت طفولتي تلوح لي مثل أسيرة حرب بكينا كراهبين من التيبت حدقت في مزرعة الشيب في عيني شبه الكفيفتين ظهري المقوس لا تجزعي يا حبيبتي سأرعى ألبومك الجميل في حديقة رأسي أحرسه من هبوب الغربان في شتاء العزلة لروحي المجد والمحبة والسلام ولك بركات واجب الوجود.
لم أكن سيئا إلا مع نفسي أصنع من شراييني حبال أرجوحة لليتامى أو حبل غسيل لأرملة لتنشر سنواتها الأخيرة مبقعة بالدم ورائحة البارود أو جسرا متحركا ليعبر العميان إلى بحيرة الضوء لم أكن سيئا إلا مع نفسي لم أفتح النار إلا على مخيلتي لم أظلم غير الكائنات التي تعج بداخلي لم أحلب عنزة أو بقرة بل حلبت...
في غزة يحولون الدم إلى ذهب ويقاتلون العدو في حديقة رأسه المهوشة في شوارعها الأثيرة هم تبر الأرض المباركة يملأون الدوارق بالضوء ثم يشربون. **** على إيقاع قرع الأواني تتساقط دموع الموتى على الإسفلت الكلمات هزيلة جدا حمام المحبة نافق تبا لك يا معبر رفح يا معبر اللصوص والقتلة يا معبر العار...
فعلا الجنون في حجرتنا. تارة يتمرأى وطورا يختفي. أحيانا يصعد من أخمصي قدمي إلى حديقة رأسي. يعمل النار في نظام الأشياء. يضطهد المنطق الجالس بهدوء تام. كما لو أنه بابا من القرون الوسطى. يطارد فراشات مخيلتي المصطفقة. يهشم بلور ذاكرتي بجزمته المريعة. فعلا الجنون في حجرتنا. أحيانا أعقله...
** بنبرة العارف قال الطبيب: قريبا يا ولدي ستخسر عينيك الكستنائيتين. ستخسر العالم الخارجي سيخذلك النور في الأماكن الحرجة لن ترى الشمس أمام بيتك توزع المصابيح على العناصر لن ترى شجرة الصفصاف تقاتل بساق واحدة منذ مائة عام لن ترى الباص المكسو بالتجاعيد الذي أفنى عمره مزدحما بالأشباح لن ترى...
ماذا لو ترضع الذئبة الحمل؟ وتدع العتمة مكانها للنور ماذا لو يذهب الموت إلى دار الأوبرا أو إلى كنيسة القيامة ليهذب غرائزه الدموية ويقلم نزعة الشر في نسيجه العدمي ماذا لو يرجع كل الأموات بثياب جميلة مضرجة بعطور فاخرة؟ ماذا لو يرجع صديقي( ب) الذي طيرته رصاصة طائشة إلى النسيان؟ ماذا لو نقيم على...
كان علينا مواجهة العاصفة رتق مخيالنا الجمعي الصراخ في العتمة لإلهاء بومة المتناقضات كان علينا إدارة الحرب بحس جماعي مرهف كان علينا المزيد من الضحك أمام هشاشة الأشياء كان عليا التحديق جيدا في كتاب الموت وإضفاء طابع الواقعية على تأويل الجنازة. **** مثل قطيع أيائل يلاحقنا فهد من القرون الوسطى...
لا شيء مستحيل على الإطلاق باستطاعتنا فعل كل شيء طرد المسلمات المتعفنة من البيت قلب نظام الأشياء بضحكة مجلجلة إنتشال صداقتنا البريئة من قاع الجب تقليم أظافر الكلمات القاسية الذهاب إلى الوراء قليلا بأقدام مجنحة لتنقيح أسطورتنا الخارقة من شوائب البراقماتيزم إذن لنعقد صفقة تبادل عاجلة تحت شجرة...
إلى أبطال غزة. إلى شهدائها الأبرار. في سماء غزة رمادية تتدلى روح الله مشبعة بغيوم الموتى. **** المجنزرات مثل النوارس تحلق في الأفق **** الملائكة تحت الأنقاض الخبز ذهب نادر برصاصة طائشة قتلوا روح الماء بينما تمطر الجنازات طوال اليوم بينما تسقط البيوت الجميلة في قاع النسيان. **** العرب...
***( هذه النصوص تحمل القارئ إلى غابة مسحورة forêt enchantée ومن مظاهر سحرها أنّ النص في كل من اللغتين يبدو كأصل. نصوصٌ تحملك إلى غابة عجيبة تتشابك فيها الأشكال والألوان، وتحفز مخيلة القارئ على إضافة مزيد من الألوان والأشكال. القارئ صاحب المخيلة الغنيّة يرسم لوحة من كل نص. لكن طالما تساءلتُ: ماذا...
*** المرأة التي كذبت علي طويلا. التي إمتلأ نهداها بنبيذ الذؤبان. برائحة البحارة والمفترسين بالوحل والرماد والضغينة. المرأة التي سرق الغراب بكارتها.. المرأة التي وضعت أعصابي في قفص من اليورانيوم. ثم فتحت النار على قطرس الوعي. ظلت مثل خبير في التشريح تقلب جثتي ذات اليمين وذات اليسار. معلنة فوزها...
*** إنتخبيني أيتها الفراشة.. من أجلك من أجلك فقط سأعين آذار وزيرا للبيئة. ليظل العالم أخضر على مدار السنة مكتظا بجمهور من الأزهار المضيئة. سأطرد الصقور القرمة خارج المملكة.. سأفرغ الثكنات من الجنود . وأبني على أنقاضها دارا للأوبرا.. وأكون أنا المايسترو الضرير الذي يقود أوركسترا السلام. وأدفن...
الغراب مسدس ضرير.. كل طلقة أقحوانة ميتة.. الهواء يمشي على قدميه مثل راهب شغلته هواجس الميتافيزيق.. كان أبيض الرأس وله دشداشة تلمع من بعيد.. كان الهواء حزينا وله مشية الأرملة. **** إمرأة عميقة جدا أمواجها بنات شقراوات.. كلما أعبر طريقي الى قاعها.. ترشقني نهداها بضحكة ماكرة.. أخمن أن اسمي في قائمة...

هذا الملف

نصوص
814
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى