في مصنفنا الموضوع (والمتواضع) من أجل حصر (الفلسفات الرئيسية) في مائة مدرسة,شملت مجموعة من أهم الفلاسفة عبر العصور. الذين أسسوا,أو ساهموا في تأسيس فلسفات عديدة,قمت بإقصاء تلك التي حملت أسمائهم من المائة في الموضوع السابق,كما قمت بإقصاء الفلسفات المنسوبة إلى أمم / دول حديثة مثل الأمريكية والألمانية. وفي مقالنا هذا نتطرق لأهم الفلسفات الاسمية التي حملت أسماء فلاسفتها وصناعها. أي تلك الفلسفات المنسوبة إلى الفلاسفة. وهي كثيرة,نذكر منها ثلاثة عشر فيلسوفا مرتبين تاريخيا
1-فيثاغورس 570-495 ق م
2-بوذا 563-483 ق م
3-كونفوشيوس 551-479 ق م
4-أفلاطون 427-347 ق م
5-ماني 216-276 م
6-ابن رشد 1126-1198 م
7-ميكيافيلي 1469-1527 م
8-ديكارت 1596-1650 م
9-كانط 1724-1804 م
10-هيجل 1770-1831 م
11-ماركس 1818-1883 م
12-نيتشه 1844-1900 م
13-فرويد 1856-1939 م
[1] فيثاغورس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمع نجم فيثاغورس في عصره,واشتهر كثيرا بتعاليمه الدينية والسياسية. فالفيثاغورية فلسفة تنطلق من تعاليم فيثاغورس مصدرا أوليا للحقيقة. وفلسفة فيثاغورس تنطلق من الرياضيات مصدرا أوليا للمعرفة. لقد سميت تيمنا بمؤسسها فيثاغورث الذي وضع حجر الأساس للكثير من المعتقدات العقلانية واللاعقلانية. فأما العقلانية,فتمثلت في ترسيخه لحقيقة أن الرياضيات هي المصدر الأول للحقيقة. يعد فيثاغورس إلى جانب طاليس هما المؤسسان الحقيقيان للفلسفة اليونانية. بل يُقال أنه أول من سمى نفسه (فيلسوفا). وقد تأثر به كبار فلاسفة اليونان اللاحقين عليه,كل منهم ذهب في فكره بحثا عن (المصدر الأول) للحقيقة. وعلى رأسهم أفلاطون الذي يبحث عن النور في الكهف. وأرسطو يبحث عن نور مصدر كل الأنوار. وديوجين يسير في الشوارع والطرقات حاملا مصباح يبحث عن الحقيقة في ضوء النهار. وبوترجراس يقول أن الإنسان هو مصدر كل شيء,ويسلم بأن الحقائق تنبثق عنه.
[2] بوذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفلسفة البوذية هي التي تستند إلى بوذا والشرائع التي خلفها مصدرا للحقيقة.
هناك قاعدة فقهية حديثة تنص بـ (وجود مسلمون بلا إسلام),وبهذا صار بوذا نبيا وصارت فلسفته ديانة. ويرى بعض الباحثين الإسلاميين بأن غوتاما بوذا كان نبيا فعلا منتميا إلى أنبياء الديانات الإبراهيمية. لأن شرائعه في أصلها لا تختلف مع الشرائع الإسلامية والسماوية المنادية بالسلام في الإسلام,وبالمحبة في المسيحية,وبالعدل في اليهودية.
وفلسفة بوذا قائمة على تجربة فلسفية,قام بها أثناء رحلته إلى المعرفة. رحلة قرر فيها الابتعاد عن جميع الآلام الموجودة في الحياة,من خلال الزهد فيها (اشترى دماغه من الآخر). إلا أن حياة الزهد والتقشف أدت به إلى تولد المزيد من أحاسيس الألم داخله,وعلى رأسها مثلا الشعور بالجوع الشديد الذي لا يسكت. أدرك بوذا أن التقشف ليس وسيلة ناجعة للتخلص من الألم. ما أدى به إلى تبني رؤيته الخاصة للأمور وفق أربعة حقائق أساسية تسمى في البوذية بـ (الحقائق النبيلة الأربع),وهي
1-دوكا (الألم): الإنسان يتألم,يتقاطع هذا المفهوم مع مفهوم الـ (سكاندا).
2-سامودايا (السبب): سبب الألم هو الشهوة,ويتقاطع هذا المفهوم مع مفهوم الـ (كارما).
3-نيرودا (الإنقطاع): تنتهي هذه المعاناة بالتخلي عن أسبابها (دون تحديد واضح لحقيقة السبب؛أهو الألم أم الشهوة).
4-ماغا (الصراط): هو الطريقة التي نحتاجها للتخلص من الألم,ويتقاطع هذا المفهوم مع مفهوم الـ (دارما).
ولكن تعاليم بوذا أكثر عمقا من هذا التبسيط المخل.
[3] كونفوشيوس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكونفوشيوسية هي فلسفة / ديانة قائمة على تعاليم كوفوشيوس. مثلها مثل بوذا وفيثاغورس. ومؤسسها,كما هو واضح بالطبع,هو كونفوشيوس,الحكيم,وتعاليم كونفوشيوس تمثلت في إعادة إحياء التراث الصيني المتراكم في عهده آنذاك,وبلورته في صورة فلسفة أخلاقية وسياسية,فكان ناقدا سياسيا ومصلحا اجتماعيا ومنظرا قانونيا صاغ فلسفته بعناية,وتغلغل أثر فكره في أعماق الوعي الاجتماعي والثقافة العامة لسكان شرق آسيا,وبلاد مثل الصين واليابان وكوريا وفيتنام تدين له بالولاء في أغلب معتقداتها وعاداتها وتقاليدها. فإذا كان أهم فلاسفة اليونان خرجوا من عباءة سقراط,فإن جميع فلاسفة الشرق خرجوا من عباءة كونفوشيوس الذي سمي ظلما بـ سقراط الشرق,وكأن للأخير فضل عليه. بل ولقد سبق سقراط في مذهبه الأخلاقي نحو العدل والإعتدال,حيث الفضيلة هي وسط بين رذيلتين. وهو المبدأ الذي لازال مستمرا حتى اليوم,ضمن تعاليم أخرى لكونفوشيوس لازالت مستمرة لم تندثر,بل وتجاوزت حدود الصين إلى العالم كله. من باب الطرافة نلحظ مثلا أن إسمه الأصلي في الصينية هو أقرب للفظة كونغ فو تسو فيما يشبه إشارة لكونه مؤسسا لهذه الرياضة القديمة,المقترنة بالشعائر الدينية. وكما يلاحظ فإن الديانة الكوفوشيوسية لازالت سائدة في الصين وأنحاء متفرقة من شرق آسيا حتى لحظة كتابة هذا المقال. تزعم الباحثة سارة سعد التميمي أنها ديانة وفلسفة انقضت في منتصف القرن العشرين. ولكنها لم تقدم أي دليل على ذلك أو مبطل للشواهد الثقافية العديدة على حضور الكونفوشيوسية. ما جعل الكونفوشيوسية محافظها على كيانها حتى يومنا هذا هو إحتواءها لجماع التراث الصيني مثل تقديس أرواح الآباء والأجداد. لما نفى الحكيم أي تعارض بين دعوته الجديدة والتراث القديم,تمكن من التقرب إلى أهم رموز السلطة في دولته,وسمح له هذا بقراءة المجتمع المحيط به,وقدم وطور ربما أول نموذج إجتماعي قائم على مفاهيم مثل (التبادل) و(الهرمية),و(الملكية الفردية), و(النظام الإقطاعي). وأثناء تجواله في جميع أنحاء الصين,نشر تعاليمه في صيغة محاضرات تربوية وخطب سياسية,مما أفادت به الولايات الصينية المتناحرة في سبيلها نحو توحيد الصين.
[4] أفلاطون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا دوما معارض لفكرة أنه لا وجود لفلسفة حقيقية قبل الفلسفة اليونانية,فالدراسات التاريخية والفلسفية لم تلقي عناية كافية بعد بفلسفات الحضارات القديمة في الشرقين أدناه وأقصاه. إلا وأنه لا شك,يمكن اعتبار أفلاطون أول فيلسوف حقيقي في التاريخ,دون إغفال أو إنكار لجهود فلاسفة الشرق القديم التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة,ولا نغفل بالطبع الدور الهام لفلاسفة ما قبل سقراط وصولا إلى سقراط نفسه. لكن أفلاطون هو أول من بنى تصورا كاملا وشاملا للوجود ككل,دون إغفال أي من أجزائه. استوعب واحتوى في فلسفته على أهم أفكار الفلسفة اليونانية في عصره وأفكار العصور التي سبقته. لقد رسم أفلاطون مسار الفلسفة حتى عصورنا الحديثة. يقول الفيلسوف الإنجليزي ألفريد نورث وايتهيد "أن جماع الفلسفة الغربية ما هي إلا تعليقات أو حواشي على أفكار أفلاطون"!.
أسس برنامج متماسك على الصعيد النظري والتعليمي (هو أول من أسس أكاديمية في الغرب,وسماها فقط (الأكاديمية) ومنه جاء الإسم). وهو أول من نظّر (في كتبه الثلاث الجمهورية والسياسات والقوانين) لتأسيس جمهورية استقت تعاليمها الديمقراطية من السياسات اليونانية (الحميدة) السائدة في عصره. برنامج متماسك عبر جهاز مفاهيمي اختار مفرداته بعناية في محاوراته الشهيرة التي مرت على جميع القضايا الفلسفية التي قد ينشغل بها أي طالب أو باحث في الفلسفة. انطلاقا من فكرة حكمت جميع تصوراته وأرجعتها إلى منطلق واحد,ثابت؛هو مفهوم المثل.
المثل (ومفردها مثال) هو كل فكرة أصلية تحاكي شيء موجود في واقعنا.
بمعنى أن الواقع في تصور أفلاطون لا يخرج عن تصوراتنا له,وإن كانت تأتي مشوهة بسبب فاعلية الحواس. إلا أن الواقع الحقيقي هو واقع آخر,في بعد آخر,هو عالم المثل. وهو العالم الذي نستقي منه أفكارنا عن ذواتنا وعن محيطنا. وهو أول فيلسوف يتناول مشكلة الواقع المتداخلة مع مشكلة العقل,وهل هو مصدر للمعرفة,أو متلقي فقط. (قضية (أولية المعرفة) لا تزال محل جدل حتى يومنا هذا,والمناظرة الشهيرة بين تشومسكي وفوكو). يزعم أفلاطون بأن الأفكار مصدرها عالم آخر,تنزل منه الأفكار إلى المستوى الثاني أي العقل,حيث المستوى الثالث هو الواقع. الحق,أن جميع المذاهب والمسالك التي ذهب إليها وسلكها الفلاسفة عبر التاريخ لا تخرج عن واحد من المستويات الثلاثة,أو عن الجمع بينهم.
لقد طور أفلوطين,ثاني أهم تلميذ لأفلاطون بعد أرسطو,أفكار معلمه فيما يُعرف بالأفلاطونية الحديثة,حيث مزجها مع تعاليم أساسية في الديانات الوثنية واليهودية. عند أفلاطون,فإن كل حقيقة في الوجود,والواقع,مصدرها مثال آت من الواقع الحقيقي (عالم المثل),أي أنه يسلك مسلكا تعدديا في مذهبه. مزج أفلوطين بين مُثل أفلاطون,والمحرك الأول عند أرسطو (يؤمن أرسطو بوجود سبب أولي تنتهي إليه جميع الأسباب التي ينتج عنها الموجودات) فجعل المثل جميعها تخرج عن سبب واحد هو تقريبا العدم (الكل من لا شيء). وهذا تقريبا هو المحور الذي حدث فيه تعارض بين أفلاطونية أفلوطين والديانة الغنوصية.
هذا السبب الواحد,تمسكت به جميع الديانات والفلسفات شبه الموحدة,وأرجعته إلى إله (إله واحد فوق كل الآلهة والكائنات العلوية,هو يهوه عند اليهود,والمسيح عند النصارى,والله عند المسلمين). إتباعا لتعاليم بالغة القدم,تختلط فيها الوثنية مع الديانات الإبراهيمية.
لكن مع تحليل عميق لكل هذا التراث الفلسفي الهائل,نلحظ أنه يدور حول ثلاثة أفكار أساسية
1-يوجد إله واحد ينبثق عنه كل شيء
2-هذا الإله في طبيعته,قد يكون هو الطبيعة نفسها,وقد يكون هو (هو)
3-يتم تمثيل عملية الانبثاق عن الإله في مجموعة من النظريات
ربما أولها هو نظرية المثل عند أفلاطون,التي طورها لاحقا الأفلاطونيون المحدثون, ومزجوها مع مفاهيم أخرى لا تخرج في جوهرها عن فكرة (الانبثاق).
مثل
الواحدية
الحلولية
الفيض
الإعتزال
الغنوصية
العرفانية
المانوية
[5] ماني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساهم كبار فلاسفة الإسلام في تطوير الأفلاطونية,والأفلاطونية المحدثة,بما يتوائم مع ما جاء به دينهم الحنيف,وعلى رأسهم ابن سينا,والغزالي,والكندي,والفارابي,والحمصي. هي فكرة قديمة أعاد إحيائها بعض المتصوفة من أمثال: ابن عربي،وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني والذين تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة وفلسفة الرواقيين. مما يؤكد أن الإسلام جاء بوصفه الكيان الفلسفي الأكبر في جزيرة العرب ومنطقة الشرق الأوسط وأطرافها التوسعية شرقا وغربا حيث بلغت تخوم حضارة المسلمين بلاد الصين شرقا وبلاد الأندلس غربا. ولازال حتى يومنا هذا يمثل واحد من التيارات الثقافية / الفلسفية الكبرى في العالم؛الشرق والغرب,والعرب. جاء كل هذا لما يملك الإسلام من مرونة كبيرة كانت أساسا أصيلا في بنيانه -على عكس ما ينادي به المتشددين- ساهمت في استيعاب جماع الإرث الفلسفي لما قبل الإسلام عبر عمليتي (الإحتواء والإقصاء),أو ما يمكن التعبير عنه في شكله الأكثر تطرفا بمقولة (معنا أو علينا). عملية الإحتواء تلك شملت الفلسفات القديمة الصينية والهندية والفرعونية والبابلية والفارسية,والفلسفة الغربية الأم؛اليونانية,بما فيها من معتقدات دينية وإن كانت وثنية ومستنكرة بالنسبة إلى الإسلام (تحت حكم التكفير). قيل لي أن كلمة آمين,في فاتحة الكتاب,ليست إلا تحريف لكلمة (آمون) الوثنية عن تراث مصر القديمة. وبغض النظر عن صحة هذا الكلام من خطئه,فإن في كلمة آمين,مفتاح لفهم لتراث الإسلامي,كما تشكل الفاتحة مفتاح لفهم النص القرآني. من تلك الفلسفات التي تخللت إلى الفلسفة الإسلامية,عبر نصوصها الأساسية من كبار فلاسفة المسلمين,كانت المانوية إمتدادا مستمرا -حتى عصرنا الحديث مع جاك دريدا- للأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة. والمانوية هي فلسفة تتخذ من ثنائية ماني أساسا معرفيا لها.
[6] ابن رشد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا قسمنا فلاسفة المرحلة الذهبية من الفلسفة العربية إلى قسمان رئيسان بحسب أشهر تقسيمات علماء الكلام للمتكلمين إلى أشاعرة (سلفية) ومعتزلة (عقلانية). نجد أن أهم من برزوا على الجانب الأول هم الغزالي,وابن تيمية,وابن عربي. في مقابل ابن رشد وابن خلدون وابن سينا على الجانب الآخر. ابن رشد حاول أن يوفق بين النزعة إلى ما يمكن تسميته بالحداثة الإسلامية,وفي نفس الوقت دون التخلي عن التراث,بل والتشبث به حتى النهاية,على عكس ابن سينما مثلا الذي ورغم تمسكه بالتراث الإسلامي (فهو الشيخ الطبيب ابن سينا) إلا أنه انساق وراء تصوراته الفكرية الخاصة,المميزة لفكر المعتزلة,والغير غريبة عن فكر ابن رشد. حاول معظم المفكرين العرب المحدثين,إتباع الغرب في نقد ابن رشد, ووصم محاولته (التوفيقية) بالفشل رغم ما نتج عنها من فلسفة. في الواقع,رغم أن شيخنا الكبير ابن رشد حقق نجاحا ساحقا على كل حد,واضعا أسسا للفقه الإسلامي من ناحية, ومراجعا لكتب أرسطو ومنطقه والفلسفة اليونانية وفق رؤيته الخاصة من ناحية أخرى,إلا أن محاولاته التوفيقية بدت أو أتت تلفيقية بالفعل.
[7] ميكيافيلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الميكيافيلية فلسفة تتخذ من سياسات ميكيافيلي أساسا لها
وسياسات ميكيافيلي قائمة حول مبدأ واحد,هو
-الغاية تبرر الوسيلة
على حد قوله
أو
-الضرورات تبيح المحظورات
كما تنص القاعدة الفقهية الإسلامية
أو
-المصلحة هي التي تحكم
كما ينظر أغلب السياسيون والاقتصاديون والقانونيون اليوم
يقول مكيافيلي:-
"جميع الأمراء يريدون الظهور بمظهر الرحمة لا القسوة،ولكن عليه التأكد ألا يسيء استخدام هذه الرحمة. لا ينبغي على الأمير التردد في إظهار القسوة للإبقاء على رعاياه متحدين،لأنه بقسوته هذه هو أكثر رحمة من أولئك الذين يسمحون بظهور الفوضى بسبب لينهم. ولكن عليه أن يكون حذرًا،لن يستطيع تجنب سمعة القسوة فجميع الدول الجديدة محاطة بالمخاطر. لكن بامكانه المضي قدمًا بكثير من الحكمة والإنسانية. فالثقة المفرطة ستكسبه سمعة المغفل،وعدم الثقة ستظهره بمظهر الغير متسامح. من هنا يأتي السؤال،هل من الأفضل أن تكون مهابًا أم محبوبًا؟ [من كتاب الأمير].
ونلحظ أثر مكيافيلي الكبير على الفكر الأمريكي عامة,وعلى المكارثي والبراجماتي منه خاصة.
[8] ديكارت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الديكارتية فلسفة تنطلق من منطلقات ديكارت كمصادر أولية للحقيقة.
وذلك لما أحدثه ديكارت من ثورة في كل حقول الفلسفة عموما,وفي حقل المعرفة خصوصا. ومن ذلك أصبحت معرفة ديكارت (الشكّية) هي المعرفة الحقيقية. وهذا غير مستغرب إذا تفحصنا المنهج الذي سلكه ديكارت في تأسيس معرفة سليمة.
وهو منهج قائم على قانون إصطكه ديكارت في واحدة من لفتات الفكر الأصيلة,سمي لاحقا بـ (الكوجيطو الديكارتي). وهو ينص على
-أنا أفكر .. إذن أنا موجود
وإن كان ديكارت متأثرا بالسمة الرئيسية التي وسمت عصره,من نزعة إلى الحداثة على أثر التطور العلمي السريع,والذي ساهم في إحداث تغييرات وتوجيهات معينة على الأفكار الفلسفية المنتشرة في هذا الوقت. وتنسب الثورة العلمية في الفلسفة إلى الإنجليزي فرنسيس بيكون,والفرنسي رينيه ديكارت.
[9] كانط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عُدَّ آخر من أثروا بأفكارهم في ثقافة أوروبا الحديثة،والكانطية فلسفة تنطلق من مقولات كانط مصادر أولية للمعرفة. في محاولته لهدم الفلسفة الأرسطية التي سادت وأبادت في القرون الوسطى حيث جرى إبادة الكثير من معارضيها لأن الأرسطية توافقت تماما مع تعاليم المسيحية مما جعل أرسطو أقرب لكونه نبيا. ولم تتراجع سطوتها إلا بعد بروز نبي آخر هو كانط الذي أعاد صياغة مقولات أرسطو فيما عرف بالمقولات الكانطية. قدم من خلالها مقاربته الفلسفية نحو إيجاد العلاقة بين المعرفة والأخلاق. وأعاد بناء الفلسفة المثالية التي ينتسب إليها أعظم العقول الغرب الحديث في أوروبا.
[10] هيجل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقال أن هيغل هو آخر الفلاسفة العظماء,لولا أن التاريخ بعده يشمل فلاسفة من وزن ماركس ونيتشه وسارتر وهم وغيرهم من أسسوا للفلسفة المعاصرة. لذا يصعب التصديق على هذا الحكم بكون هيغل هو الأعظم. مع ذلك,قد يكون هو الأعظم. بعقلية جبارة قام هيغل بإستيعاب جماع التراث الفلسفي الأوربي,هو الأستاذ الأكبر (وقد كان أستاذا جامعيا بالفعل) الذي شرح الأفكار الفلسفية السابقة لأرسطو وأفلاطون ومن أتى بعدهم من الفلاسفة. كما أنه مهد لنشوء الجدلية الماركسية مشكلا حلقة وصل إلى ماركس مع الفلسفة اليونانية.
[11] ماركس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الماركسية فلسفة سياسية تتخذ من قوانين ماركس أساسا لها.
أو
الماركسية فلسفة قائمة على مبدأ الجدل.
"فحين نتناول الماركسية على الصعيد الإقتصادي,لا يمكننا أن نفصل بين وجهها المذهبي, المتمثل في الاشتراكية والشيوعية الماركسية,ووجهها العلمي المتمثل في المادية التاريخية,أو المفهوم المادي للتاريخ". [اقتصادنا / باقر الصدر / ص 39].
ولهذا يمكن تسميتها بـ الفلسفة الجدلية,وهذا هو محور الربط بين المثالية والمادية مع نزوع لأخير بعد أن حوّل تراث هيجل كله إلى تراث ماركسي شرق أوروبي.
[12] نيتشه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ركز في فلسفته عن الخير والشر،وكيف أن الإيمان ينتهي في المجتمع الحديث،والمبدأ الذي يخلد الإنسان،هذا نموذج لفيلسوف مجنون أخذنا الفلسفة عنه,وكانت فلسفته عدمية,فهو من فلاسفة الموت,تدور حول فكرة البقاء للأقوى,مع أنه كان ضعيفا معتل الصحة!.
[13] فرويد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكننا أن نضع ترتيب مبدئي لأعظم الفلاسفة في التاريخ,أو للتحديد هم أعظم فلاسفة في تاريخ الفلسفة الغربية.
لنقل
1-أفلاطون
2-أرسطو
3-ديكارت
4-كانط
5-هيجل
6-ماركس
7-فرويد
ويمكننا أن نقول أن ثامنهم هو برتراند راسل,لنلحظ بذلك أن الترتيب أخذ مسارا زمنيا حيث تعاقب الفلاسفة وراء بعضهم,إذا ما تجاوزنا فكرة أنني لم احتسب سقراط منهم وقبلهم,لأن جماع فلسفته انصهرت في فلسفة تلميذه أفلاطون غير مفارقة لها. حتى أن ذهب بعض الباحثين لفرضية أن سقراط ما هو إلا شخصية خيالية من تأليف أفلاطون.
فرويد هو أحد ثلاثة مفكرين يهود غيروا معالم الفكر الإنساني,فلم يعد ما بعدهم مثل ما قبلهم؛داروين الذي طور علم الإحياء عبر نظرية التطور ورد الإنسان إلى أصل حيواني هو القرد. وماركس الذي طور علم الإقتصاد عبر النظرية الإشتراكية والجدل الماركسي,وقد رد الإنسان إلى أصل مادي هو المال. وفرويد الذي طور علم النفس عبر نظرية التحليل النفسي,ورد الإنسان إلى أصل سلوكي / حيواني / مادي هو العملية الجنسية.
ولم يكن تناول فرويد للنشاط الجنسي,إلا من باب كون الجنس نموذج مثالي وفعال لدراسة السلوك البشري ورده إلى واحدة من الحاجات الأساسية المعروفة للإنسان (خاصة الجوع والجنس). وإن ذهب محللون نفسانيون لاحقا إلى أن فرويد غالى في التركيز على الجنس ونسبة جميع النشاطات الأخرى على أنها متولدة منه. بل وتفنن في اختلاق رؤى حول سلوكيات أخرى أعطاها تفسيرا جنسيا,وجعلها نوعا من أنواع السلوك الجنسي,أو مرحلة من مراحله الأساسية. وهذه مسألة لا يجب أن تؤخذ عليه لثلاثة أسباب
الأول أن فرويد سلك مذهبا تحليليا في دراساته النفسية,والتحليل هو تفكيك العنصر إلى العناصر المكونة له. ولأن النفس البشرية,كيان غير مادي,يلجأ التحليل إلى التجريد والتصوير للتعامل مع النفس باعتبارها نفسا كلية يمكن رد جميع الشخصيات إليها. ثم تصور افتراضات معينة,تشكل نموذج تفسيري يمكن فهم السلوك البشري من خلاله. ولأن التحليل كما وضحنا هو عملية تقسيم موضوع أو مادة معقدة إلى أجزاء صغيرة من أجل الحصول على فهم واستيعاب أفضل لهذا الموضوع أو المادة. قام فرويد (تصوريا) بتقسيم النفس (فلا يوجد جسد لتشريحه) إلى ثلاثة أقسام رئيسية مكونة للشخصية؛الأنا والهو والأنا العليا,في مزج بين النفس الفردية / الاجتماعية,والرغبات البشرية الجسدية.
1-فيثاغورس 570-495 ق م
2-بوذا 563-483 ق م
3-كونفوشيوس 551-479 ق م
4-أفلاطون 427-347 ق م
5-ماني 216-276 م
6-ابن رشد 1126-1198 م
7-ميكيافيلي 1469-1527 م
8-ديكارت 1596-1650 م
9-كانط 1724-1804 م
10-هيجل 1770-1831 م
11-ماركس 1818-1883 م
12-نيتشه 1844-1900 م
13-فرويد 1856-1939 م
[1] فيثاغورس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمع نجم فيثاغورس في عصره,واشتهر كثيرا بتعاليمه الدينية والسياسية. فالفيثاغورية فلسفة تنطلق من تعاليم فيثاغورس مصدرا أوليا للحقيقة. وفلسفة فيثاغورس تنطلق من الرياضيات مصدرا أوليا للمعرفة. لقد سميت تيمنا بمؤسسها فيثاغورث الذي وضع حجر الأساس للكثير من المعتقدات العقلانية واللاعقلانية. فأما العقلانية,فتمثلت في ترسيخه لحقيقة أن الرياضيات هي المصدر الأول للحقيقة. يعد فيثاغورس إلى جانب طاليس هما المؤسسان الحقيقيان للفلسفة اليونانية. بل يُقال أنه أول من سمى نفسه (فيلسوفا). وقد تأثر به كبار فلاسفة اليونان اللاحقين عليه,كل منهم ذهب في فكره بحثا عن (المصدر الأول) للحقيقة. وعلى رأسهم أفلاطون الذي يبحث عن النور في الكهف. وأرسطو يبحث عن نور مصدر كل الأنوار. وديوجين يسير في الشوارع والطرقات حاملا مصباح يبحث عن الحقيقة في ضوء النهار. وبوترجراس يقول أن الإنسان هو مصدر كل شيء,ويسلم بأن الحقائق تنبثق عنه.
[2] بوذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفلسفة البوذية هي التي تستند إلى بوذا والشرائع التي خلفها مصدرا للحقيقة.
هناك قاعدة فقهية حديثة تنص بـ (وجود مسلمون بلا إسلام),وبهذا صار بوذا نبيا وصارت فلسفته ديانة. ويرى بعض الباحثين الإسلاميين بأن غوتاما بوذا كان نبيا فعلا منتميا إلى أنبياء الديانات الإبراهيمية. لأن شرائعه في أصلها لا تختلف مع الشرائع الإسلامية والسماوية المنادية بالسلام في الإسلام,وبالمحبة في المسيحية,وبالعدل في اليهودية.
وفلسفة بوذا قائمة على تجربة فلسفية,قام بها أثناء رحلته إلى المعرفة. رحلة قرر فيها الابتعاد عن جميع الآلام الموجودة في الحياة,من خلال الزهد فيها (اشترى دماغه من الآخر). إلا أن حياة الزهد والتقشف أدت به إلى تولد المزيد من أحاسيس الألم داخله,وعلى رأسها مثلا الشعور بالجوع الشديد الذي لا يسكت. أدرك بوذا أن التقشف ليس وسيلة ناجعة للتخلص من الألم. ما أدى به إلى تبني رؤيته الخاصة للأمور وفق أربعة حقائق أساسية تسمى في البوذية بـ (الحقائق النبيلة الأربع),وهي
1-دوكا (الألم): الإنسان يتألم,يتقاطع هذا المفهوم مع مفهوم الـ (سكاندا).
2-سامودايا (السبب): سبب الألم هو الشهوة,ويتقاطع هذا المفهوم مع مفهوم الـ (كارما).
3-نيرودا (الإنقطاع): تنتهي هذه المعاناة بالتخلي عن أسبابها (دون تحديد واضح لحقيقة السبب؛أهو الألم أم الشهوة).
4-ماغا (الصراط): هو الطريقة التي نحتاجها للتخلص من الألم,ويتقاطع هذا المفهوم مع مفهوم الـ (دارما).
ولكن تعاليم بوذا أكثر عمقا من هذا التبسيط المخل.
[3] كونفوشيوس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكونفوشيوسية هي فلسفة / ديانة قائمة على تعاليم كوفوشيوس. مثلها مثل بوذا وفيثاغورس. ومؤسسها,كما هو واضح بالطبع,هو كونفوشيوس,الحكيم,وتعاليم كونفوشيوس تمثلت في إعادة إحياء التراث الصيني المتراكم في عهده آنذاك,وبلورته في صورة فلسفة أخلاقية وسياسية,فكان ناقدا سياسيا ومصلحا اجتماعيا ومنظرا قانونيا صاغ فلسفته بعناية,وتغلغل أثر فكره في أعماق الوعي الاجتماعي والثقافة العامة لسكان شرق آسيا,وبلاد مثل الصين واليابان وكوريا وفيتنام تدين له بالولاء في أغلب معتقداتها وعاداتها وتقاليدها. فإذا كان أهم فلاسفة اليونان خرجوا من عباءة سقراط,فإن جميع فلاسفة الشرق خرجوا من عباءة كونفوشيوس الذي سمي ظلما بـ سقراط الشرق,وكأن للأخير فضل عليه. بل ولقد سبق سقراط في مذهبه الأخلاقي نحو العدل والإعتدال,حيث الفضيلة هي وسط بين رذيلتين. وهو المبدأ الذي لازال مستمرا حتى اليوم,ضمن تعاليم أخرى لكونفوشيوس لازالت مستمرة لم تندثر,بل وتجاوزت حدود الصين إلى العالم كله. من باب الطرافة نلحظ مثلا أن إسمه الأصلي في الصينية هو أقرب للفظة كونغ فو تسو فيما يشبه إشارة لكونه مؤسسا لهذه الرياضة القديمة,المقترنة بالشعائر الدينية. وكما يلاحظ فإن الديانة الكوفوشيوسية لازالت سائدة في الصين وأنحاء متفرقة من شرق آسيا حتى لحظة كتابة هذا المقال. تزعم الباحثة سارة سعد التميمي أنها ديانة وفلسفة انقضت في منتصف القرن العشرين. ولكنها لم تقدم أي دليل على ذلك أو مبطل للشواهد الثقافية العديدة على حضور الكونفوشيوسية. ما جعل الكونفوشيوسية محافظها على كيانها حتى يومنا هذا هو إحتواءها لجماع التراث الصيني مثل تقديس أرواح الآباء والأجداد. لما نفى الحكيم أي تعارض بين دعوته الجديدة والتراث القديم,تمكن من التقرب إلى أهم رموز السلطة في دولته,وسمح له هذا بقراءة المجتمع المحيط به,وقدم وطور ربما أول نموذج إجتماعي قائم على مفاهيم مثل (التبادل) و(الهرمية),و(الملكية الفردية), و(النظام الإقطاعي). وأثناء تجواله في جميع أنحاء الصين,نشر تعاليمه في صيغة محاضرات تربوية وخطب سياسية,مما أفادت به الولايات الصينية المتناحرة في سبيلها نحو توحيد الصين.
[4] أفلاطون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا دوما معارض لفكرة أنه لا وجود لفلسفة حقيقية قبل الفلسفة اليونانية,فالدراسات التاريخية والفلسفية لم تلقي عناية كافية بعد بفلسفات الحضارات القديمة في الشرقين أدناه وأقصاه. إلا وأنه لا شك,يمكن اعتبار أفلاطون أول فيلسوف حقيقي في التاريخ,دون إغفال أو إنكار لجهود فلاسفة الشرق القديم التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة,ولا نغفل بالطبع الدور الهام لفلاسفة ما قبل سقراط وصولا إلى سقراط نفسه. لكن أفلاطون هو أول من بنى تصورا كاملا وشاملا للوجود ككل,دون إغفال أي من أجزائه. استوعب واحتوى في فلسفته على أهم أفكار الفلسفة اليونانية في عصره وأفكار العصور التي سبقته. لقد رسم أفلاطون مسار الفلسفة حتى عصورنا الحديثة. يقول الفيلسوف الإنجليزي ألفريد نورث وايتهيد "أن جماع الفلسفة الغربية ما هي إلا تعليقات أو حواشي على أفكار أفلاطون"!.
أسس برنامج متماسك على الصعيد النظري والتعليمي (هو أول من أسس أكاديمية في الغرب,وسماها فقط (الأكاديمية) ومنه جاء الإسم). وهو أول من نظّر (في كتبه الثلاث الجمهورية والسياسات والقوانين) لتأسيس جمهورية استقت تعاليمها الديمقراطية من السياسات اليونانية (الحميدة) السائدة في عصره. برنامج متماسك عبر جهاز مفاهيمي اختار مفرداته بعناية في محاوراته الشهيرة التي مرت على جميع القضايا الفلسفية التي قد ينشغل بها أي طالب أو باحث في الفلسفة. انطلاقا من فكرة حكمت جميع تصوراته وأرجعتها إلى منطلق واحد,ثابت؛هو مفهوم المثل.
المثل (ومفردها مثال) هو كل فكرة أصلية تحاكي شيء موجود في واقعنا.
بمعنى أن الواقع في تصور أفلاطون لا يخرج عن تصوراتنا له,وإن كانت تأتي مشوهة بسبب فاعلية الحواس. إلا أن الواقع الحقيقي هو واقع آخر,في بعد آخر,هو عالم المثل. وهو العالم الذي نستقي منه أفكارنا عن ذواتنا وعن محيطنا. وهو أول فيلسوف يتناول مشكلة الواقع المتداخلة مع مشكلة العقل,وهل هو مصدر للمعرفة,أو متلقي فقط. (قضية (أولية المعرفة) لا تزال محل جدل حتى يومنا هذا,والمناظرة الشهيرة بين تشومسكي وفوكو). يزعم أفلاطون بأن الأفكار مصدرها عالم آخر,تنزل منه الأفكار إلى المستوى الثاني أي العقل,حيث المستوى الثالث هو الواقع. الحق,أن جميع المذاهب والمسالك التي ذهب إليها وسلكها الفلاسفة عبر التاريخ لا تخرج عن واحد من المستويات الثلاثة,أو عن الجمع بينهم.
لقد طور أفلوطين,ثاني أهم تلميذ لأفلاطون بعد أرسطو,أفكار معلمه فيما يُعرف بالأفلاطونية الحديثة,حيث مزجها مع تعاليم أساسية في الديانات الوثنية واليهودية. عند أفلاطون,فإن كل حقيقة في الوجود,والواقع,مصدرها مثال آت من الواقع الحقيقي (عالم المثل),أي أنه يسلك مسلكا تعدديا في مذهبه. مزج أفلوطين بين مُثل أفلاطون,والمحرك الأول عند أرسطو (يؤمن أرسطو بوجود سبب أولي تنتهي إليه جميع الأسباب التي ينتج عنها الموجودات) فجعل المثل جميعها تخرج عن سبب واحد هو تقريبا العدم (الكل من لا شيء). وهذا تقريبا هو المحور الذي حدث فيه تعارض بين أفلاطونية أفلوطين والديانة الغنوصية.
هذا السبب الواحد,تمسكت به جميع الديانات والفلسفات شبه الموحدة,وأرجعته إلى إله (إله واحد فوق كل الآلهة والكائنات العلوية,هو يهوه عند اليهود,والمسيح عند النصارى,والله عند المسلمين). إتباعا لتعاليم بالغة القدم,تختلط فيها الوثنية مع الديانات الإبراهيمية.
لكن مع تحليل عميق لكل هذا التراث الفلسفي الهائل,نلحظ أنه يدور حول ثلاثة أفكار أساسية
1-يوجد إله واحد ينبثق عنه كل شيء
2-هذا الإله في طبيعته,قد يكون هو الطبيعة نفسها,وقد يكون هو (هو)
3-يتم تمثيل عملية الانبثاق عن الإله في مجموعة من النظريات
ربما أولها هو نظرية المثل عند أفلاطون,التي طورها لاحقا الأفلاطونيون المحدثون, ومزجوها مع مفاهيم أخرى لا تخرج في جوهرها عن فكرة (الانبثاق).
مثل
الواحدية
الحلولية
الفيض
الإعتزال
الغنوصية
العرفانية
المانوية
[5] ماني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساهم كبار فلاسفة الإسلام في تطوير الأفلاطونية,والأفلاطونية المحدثة,بما يتوائم مع ما جاء به دينهم الحنيف,وعلى رأسهم ابن سينا,والغزالي,والكندي,والفارابي,والحمصي. هي فكرة قديمة أعاد إحيائها بعض المتصوفة من أمثال: ابن عربي،وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني والذين تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة وفلسفة الرواقيين. مما يؤكد أن الإسلام جاء بوصفه الكيان الفلسفي الأكبر في جزيرة العرب ومنطقة الشرق الأوسط وأطرافها التوسعية شرقا وغربا حيث بلغت تخوم حضارة المسلمين بلاد الصين شرقا وبلاد الأندلس غربا. ولازال حتى يومنا هذا يمثل واحد من التيارات الثقافية / الفلسفية الكبرى في العالم؛الشرق والغرب,والعرب. جاء كل هذا لما يملك الإسلام من مرونة كبيرة كانت أساسا أصيلا في بنيانه -على عكس ما ينادي به المتشددين- ساهمت في استيعاب جماع الإرث الفلسفي لما قبل الإسلام عبر عمليتي (الإحتواء والإقصاء),أو ما يمكن التعبير عنه في شكله الأكثر تطرفا بمقولة (معنا أو علينا). عملية الإحتواء تلك شملت الفلسفات القديمة الصينية والهندية والفرعونية والبابلية والفارسية,والفلسفة الغربية الأم؛اليونانية,بما فيها من معتقدات دينية وإن كانت وثنية ومستنكرة بالنسبة إلى الإسلام (تحت حكم التكفير). قيل لي أن كلمة آمين,في فاتحة الكتاب,ليست إلا تحريف لكلمة (آمون) الوثنية عن تراث مصر القديمة. وبغض النظر عن صحة هذا الكلام من خطئه,فإن في كلمة آمين,مفتاح لفهم لتراث الإسلامي,كما تشكل الفاتحة مفتاح لفهم النص القرآني. من تلك الفلسفات التي تخللت إلى الفلسفة الإسلامية,عبر نصوصها الأساسية من كبار فلاسفة المسلمين,كانت المانوية إمتدادا مستمرا -حتى عصرنا الحديث مع جاك دريدا- للأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة. والمانوية هي فلسفة تتخذ من ثنائية ماني أساسا معرفيا لها.
[6] ابن رشد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا قسمنا فلاسفة المرحلة الذهبية من الفلسفة العربية إلى قسمان رئيسان بحسب أشهر تقسيمات علماء الكلام للمتكلمين إلى أشاعرة (سلفية) ومعتزلة (عقلانية). نجد أن أهم من برزوا على الجانب الأول هم الغزالي,وابن تيمية,وابن عربي. في مقابل ابن رشد وابن خلدون وابن سينا على الجانب الآخر. ابن رشد حاول أن يوفق بين النزعة إلى ما يمكن تسميته بالحداثة الإسلامية,وفي نفس الوقت دون التخلي عن التراث,بل والتشبث به حتى النهاية,على عكس ابن سينما مثلا الذي ورغم تمسكه بالتراث الإسلامي (فهو الشيخ الطبيب ابن سينا) إلا أنه انساق وراء تصوراته الفكرية الخاصة,المميزة لفكر المعتزلة,والغير غريبة عن فكر ابن رشد. حاول معظم المفكرين العرب المحدثين,إتباع الغرب في نقد ابن رشد, ووصم محاولته (التوفيقية) بالفشل رغم ما نتج عنها من فلسفة. في الواقع,رغم أن شيخنا الكبير ابن رشد حقق نجاحا ساحقا على كل حد,واضعا أسسا للفقه الإسلامي من ناحية, ومراجعا لكتب أرسطو ومنطقه والفلسفة اليونانية وفق رؤيته الخاصة من ناحية أخرى,إلا أن محاولاته التوفيقية بدت أو أتت تلفيقية بالفعل.
[7] ميكيافيلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الميكيافيلية فلسفة تتخذ من سياسات ميكيافيلي أساسا لها
وسياسات ميكيافيلي قائمة حول مبدأ واحد,هو
-الغاية تبرر الوسيلة
على حد قوله
أو
-الضرورات تبيح المحظورات
كما تنص القاعدة الفقهية الإسلامية
أو
-المصلحة هي التي تحكم
كما ينظر أغلب السياسيون والاقتصاديون والقانونيون اليوم
يقول مكيافيلي:-
"جميع الأمراء يريدون الظهور بمظهر الرحمة لا القسوة،ولكن عليه التأكد ألا يسيء استخدام هذه الرحمة. لا ينبغي على الأمير التردد في إظهار القسوة للإبقاء على رعاياه متحدين،لأنه بقسوته هذه هو أكثر رحمة من أولئك الذين يسمحون بظهور الفوضى بسبب لينهم. ولكن عليه أن يكون حذرًا،لن يستطيع تجنب سمعة القسوة فجميع الدول الجديدة محاطة بالمخاطر. لكن بامكانه المضي قدمًا بكثير من الحكمة والإنسانية. فالثقة المفرطة ستكسبه سمعة المغفل،وعدم الثقة ستظهره بمظهر الغير متسامح. من هنا يأتي السؤال،هل من الأفضل أن تكون مهابًا أم محبوبًا؟ [من كتاب الأمير].
ونلحظ أثر مكيافيلي الكبير على الفكر الأمريكي عامة,وعلى المكارثي والبراجماتي منه خاصة.
[8] ديكارت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الديكارتية فلسفة تنطلق من منطلقات ديكارت كمصادر أولية للحقيقة.
وذلك لما أحدثه ديكارت من ثورة في كل حقول الفلسفة عموما,وفي حقل المعرفة خصوصا. ومن ذلك أصبحت معرفة ديكارت (الشكّية) هي المعرفة الحقيقية. وهذا غير مستغرب إذا تفحصنا المنهج الذي سلكه ديكارت في تأسيس معرفة سليمة.
وهو منهج قائم على قانون إصطكه ديكارت في واحدة من لفتات الفكر الأصيلة,سمي لاحقا بـ (الكوجيطو الديكارتي). وهو ينص على
-أنا أفكر .. إذن أنا موجود
وإن كان ديكارت متأثرا بالسمة الرئيسية التي وسمت عصره,من نزعة إلى الحداثة على أثر التطور العلمي السريع,والذي ساهم في إحداث تغييرات وتوجيهات معينة على الأفكار الفلسفية المنتشرة في هذا الوقت. وتنسب الثورة العلمية في الفلسفة إلى الإنجليزي فرنسيس بيكون,والفرنسي رينيه ديكارت.
[9] كانط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عُدَّ آخر من أثروا بأفكارهم في ثقافة أوروبا الحديثة،والكانطية فلسفة تنطلق من مقولات كانط مصادر أولية للمعرفة. في محاولته لهدم الفلسفة الأرسطية التي سادت وأبادت في القرون الوسطى حيث جرى إبادة الكثير من معارضيها لأن الأرسطية توافقت تماما مع تعاليم المسيحية مما جعل أرسطو أقرب لكونه نبيا. ولم تتراجع سطوتها إلا بعد بروز نبي آخر هو كانط الذي أعاد صياغة مقولات أرسطو فيما عرف بالمقولات الكانطية. قدم من خلالها مقاربته الفلسفية نحو إيجاد العلاقة بين المعرفة والأخلاق. وأعاد بناء الفلسفة المثالية التي ينتسب إليها أعظم العقول الغرب الحديث في أوروبا.
[10] هيجل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقال أن هيغل هو آخر الفلاسفة العظماء,لولا أن التاريخ بعده يشمل فلاسفة من وزن ماركس ونيتشه وسارتر وهم وغيرهم من أسسوا للفلسفة المعاصرة. لذا يصعب التصديق على هذا الحكم بكون هيغل هو الأعظم. مع ذلك,قد يكون هو الأعظم. بعقلية جبارة قام هيغل بإستيعاب جماع التراث الفلسفي الأوربي,هو الأستاذ الأكبر (وقد كان أستاذا جامعيا بالفعل) الذي شرح الأفكار الفلسفية السابقة لأرسطو وأفلاطون ومن أتى بعدهم من الفلاسفة. كما أنه مهد لنشوء الجدلية الماركسية مشكلا حلقة وصل إلى ماركس مع الفلسفة اليونانية.
[11] ماركس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الماركسية فلسفة سياسية تتخذ من قوانين ماركس أساسا لها.
أو
الماركسية فلسفة قائمة على مبدأ الجدل.
"فحين نتناول الماركسية على الصعيد الإقتصادي,لا يمكننا أن نفصل بين وجهها المذهبي, المتمثل في الاشتراكية والشيوعية الماركسية,ووجهها العلمي المتمثل في المادية التاريخية,أو المفهوم المادي للتاريخ". [اقتصادنا / باقر الصدر / ص 39].
ولهذا يمكن تسميتها بـ الفلسفة الجدلية,وهذا هو محور الربط بين المثالية والمادية مع نزوع لأخير بعد أن حوّل تراث هيجل كله إلى تراث ماركسي شرق أوروبي.
[12] نيتشه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ركز في فلسفته عن الخير والشر،وكيف أن الإيمان ينتهي في المجتمع الحديث،والمبدأ الذي يخلد الإنسان،هذا نموذج لفيلسوف مجنون أخذنا الفلسفة عنه,وكانت فلسفته عدمية,فهو من فلاسفة الموت,تدور حول فكرة البقاء للأقوى,مع أنه كان ضعيفا معتل الصحة!.
[13] فرويد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكننا أن نضع ترتيب مبدئي لأعظم الفلاسفة في التاريخ,أو للتحديد هم أعظم فلاسفة في تاريخ الفلسفة الغربية.
لنقل
1-أفلاطون
2-أرسطو
3-ديكارت
4-كانط
5-هيجل
6-ماركس
7-فرويد
ويمكننا أن نقول أن ثامنهم هو برتراند راسل,لنلحظ بذلك أن الترتيب أخذ مسارا زمنيا حيث تعاقب الفلاسفة وراء بعضهم,إذا ما تجاوزنا فكرة أنني لم احتسب سقراط منهم وقبلهم,لأن جماع فلسفته انصهرت في فلسفة تلميذه أفلاطون غير مفارقة لها. حتى أن ذهب بعض الباحثين لفرضية أن سقراط ما هو إلا شخصية خيالية من تأليف أفلاطون.
فرويد هو أحد ثلاثة مفكرين يهود غيروا معالم الفكر الإنساني,فلم يعد ما بعدهم مثل ما قبلهم؛داروين الذي طور علم الإحياء عبر نظرية التطور ورد الإنسان إلى أصل حيواني هو القرد. وماركس الذي طور علم الإقتصاد عبر النظرية الإشتراكية والجدل الماركسي,وقد رد الإنسان إلى أصل مادي هو المال. وفرويد الذي طور علم النفس عبر نظرية التحليل النفسي,ورد الإنسان إلى أصل سلوكي / حيواني / مادي هو العملية الجنسية.
ولم يكن تناول فرويد للنشاط الجنسي,إلا من باب كون الجنس نموذج مثالي وفعال لدراسة السلوك البشري ورده إلى واحدة من الحاجات الأساسية المعروفة للإنسان (خاصة الجوع والجنس). وإن ذهب محللون نفسانيون لاحقا إلى أن فرويد غالى في التركيز على الجنس ونسبة جميع النشاطات الأخرى على أنها متولدة منه. بل وتفنن في اختلاق رؤى حول سلوكيات أخرى أعطاها تفسيرا جنسيا,وجعلها نوعا من أنواع السلوك الجنسي,أو مرحلة من مراحله الأساسية. وهذه مسألة لا يجب أن تؤخذ عليه لثلاثة أسباب
الأول أن فرويد سلك مذهبا تحليليا في دراساته النفسية,والتحليل هو تفكيك العنصر إلى العناصر المكونة له. ولأن النفس البشرية,كيان غير مادي,يلجأ التحليل إلى التجريد والتصوير للتعامل مع النفس باعتبارها نفسا كلية يمكن رد جميع الشخصيات إليها. ثم تصور افتراضات معينة,تشكل نموذج تفسيري يمكن فهم السلوك البشري من خلاله. ولأن التحليل كما وضحنا هو عملية تقسيم موضوع أو مادة معقدة إلى أجزاء صغيرة من أجل الحصول على فهم واستيعاب أفضل لهذا الموضوع أو المادة. قام فرويد (تصوريا) بتقسيم النفس (فلا يوجد جسد لتشريحه) إلى ثلاثة أقسام رئيسية مكونة للشخصية؛الأنا والهو والأنا العليا,في مزج بين النفس الفردية / الاجتماعية,والرغبات البشرية الجسدية.