في سنة 2016 فوجئ الوسط الأدبي الفرنسي، كما المتتبعون من خارج فرنسا، بفوز الروائية ليلى السليماني بجائزة الغونكور لسنة 2016 عن روايتها "أغنية هادئة" الصادرة عن دار النشر غاليمار. يعود سبب المفاجأة، في اعتقادنا، خاصة إلى ثلاثة عوامل هي : حداثة تجربتها الروائية آنذاك، فبساطة الموضوع المتناول، ثم اعتبارها من أصغر الفائزين بهذه الجائزة. وقد اختار أعضاء أكاديمية غونكور رواية "أغنية هادئة" ضمن القائمة الأولى المتمثلة في 16 رواية ثم انتهاء بالقائمة القصيرة التي ضمت أربع روايات هي "الآخر الذي نعبد" للكاتبة الفرنسية كاترين كوسيه، و"متوحشون" لريجيس جوفري، و"بلد صغير" للفرنسي الرواندي الأصل غايل فاي بالإضافة إلى رواية ليلى السليماني.
ودون كثير من التعسف، يمكن تلخيص رواية ليلى السليماني "أغنية هادئة" في بضع كلمات. تتعلق القصة، باختصار شديد، بزوجين يوظفان مربية تتكفل بابنهيما فتنتهي بقتلهما. هذه خلاصة الرواية في كلمات قليلة. وللتذكير فهي مستوحاة من قصة واقعية حدثت في نيويورك عام 2012 حيث قتلت مربية من الدومنيكان رضيعين كانا في رعايتها. ولو شئنا مزيدا من التفصيل لقلنا إن هذا النص السردي يدور حول زوجين فرنسيين، مريم وبول، يعيشان في الدائرة العاشرة بالعاصمة الفرنسية. يشتغل الزوج ولا تشتغل الزوجة. لكن هذا الوضع سيتغير بعدما تتلقى الزوجة عرضا من صديق سابق لها بالكلية أصبح محاميا. فاتحت الزوجة شريك حياتها في رغبتها في العمل. ورغم بعض الاعتراضات من قبل الزوج إلا أنها قررت أن تقبل العرض وتلتحق بمكتب المحاماة. ومن هنا سيأتي التفكير في اللجوء إلى مكتب تشغيل لاختيار مربية من بين عدة مربيات. حرصت الزوجة ألا تكون المربية من أصل مغاربي حتى لا تخلق معها علاقة شبه عائلية أو تسقط في ما تسميه الساردة "التضامن بين المهاجرين". بل ستختار المربية المسماة لويز. هذه الأخيرة ستبني خطة محكمة لتصبح، مع مرور الأيام، سيدة البيت الأولى دون منازع. أصبحت لويز هي الآمر الناهي والمهيمن على كل شيء. فهي الطباخة التي تهيء الأكل للأسرة وهي المستشارة غالبا في هذه القضية أو تلك، وهي الأم الثانية للطفلين في غياب أبوين غارقين في الشغل ومرهقين بضغوطات الحياة اليومية. هذا التعلق المبالغ فيه سيفضي إلى الكارثة.
قد يبدو لكثير من القراء العرب، من الذين يتوهمون أن الرواية ينبغي أن تعطي الدروس، أن رواية السليماني ذات موضوع جد بسيط ولربما غير جدير بالتناول. ولكن لجنة منح الجائزة، بطبيعة الحال، لا تعدم مسوغات صلبة في منح جائزة مرموقة. وطبعا فالمسوغ الرئيسي، يتمثل في قوة البناء وفنية التدرج بالمعلومات، كما ذاك الصانع الذي يخلق من مواد مرمية ومشاعة تحفا فنية لا تخطر ببال. ذلك أن الرواية اتبعت بناء محكما ومتحكما فيه جعل من هذا النص البسيط ظاهريا رواية مشوقة وتشويقية بامتياز. يعود ذلك في رأي غالبية المحررين الأدبيين في الصحافة الفرنسية خاصة إلى طريقة الكتابة المخدومة والمتوترة أولا، وثانيا لحرص صاحبتها على تطعيم سيرورة الأحداث بتفاصيل رقيقة بثتها واحدة واحدة وجرعة بعد جرعة. هذه الطريقة المحمومة في تقطير التفاصيل على شكل جرعات الدواء تجعل حصول أمر ما ليس فحسب متوقعا بل محتوما.
***
وإذن فالكاتبة، قبلما تكتب روايتها، وهذا شيء معروف في سياق عملية الإنتاج الأدبي في الغرب، وضعت القارئ في صلب اهتمامها. ومن الأكيد أن الإنصات لانتظارات القراء هو ما شكل، وما زال، أحد الفروق الجوهرية في تصور عملية الكتابة وخلق الإبداع بين الكتاب العرب ونظرائهم الغربيين. فالقاص العربي، غالبا، يكتب ما يشغله شخصيا لا ما يشغل القارئ. ومن ثم فلا غرابة أن يبغي القاص العربي قول كل شيء في عمله، بينما، على العكس منه، نجد القاص في المجتمع الغربي يتفاعل مع مستجدات الحياة المجتمعية آخذا بالاعتبار الشريحة الغالبة من القراء. تلك الشريحة المتمثلة في الطبقة الوسطى من الموظفين وربات البيوت والمتقاعدين. وقد أكد هذا المعطى الناقد عبد المجيد نوسي خريج جامعة السوربون في باريس، وذلك من خلال متابعته الطويلة للإنتاج الروائي الفرنسي بالخصوص حيث لاحظ بأن جمهور القراء في فرنسا يحبذ، بشكل خاص، المواضيع البسيطة ذات البعد الإنساني والاجتماعي بدءا من رواية "الغريب" لألبير كامو، مرورا بأعمال فؤاد العروي وانتهاء، مثلا، بروايات باتريك موديانو. إنها أعمال اختارت الكتابة بلغة في متناول الفرنكفوني المتوسط، قريبة من الأسلوب الصحفي.
وتتجلى استفادة الرواية من الأسلوب الإعلامي، علما بأن صاحبتها اشتغلت سابقا في هذا الحقل، في تفضيلها الكتابة بلغة تصويرية غنية بالمفارقات والانزياحات. كما تتجلى على مستوى الصياغة في استعمال مطلق للجمل القصيرة. والملاحظ أن الجملة في الرواية تتكون غالبا من كلمتين أو ثلاث كلمات على الأكثر، من مثل: "يهطل المطر. يجب أن ندخل" (ص 117)، أو : "حل الشتاء. تتشابه الأيام" (ص 104)، وهكذا.
على مستوى الشكل ينهض بناء رواية "أغنية هادئة" على تقسيمات فرعية عبارة عن فصول صغيرة. فصول غالبا ما تأتي بلا ترقيم ولا عناوين باستثناء عناوين قليلة حملت أسماء بعض الشخصيات الثانوية. ما عدا ذلك فهي فصول قصيرة من 3 إلى 6 صفحات تقرأ بسرعة لتمكين القارئ من القبض، بيسر وسهولة، على جوهر الحبكة وتتبع الخيط الرفيع الذي يقود إلى النهاية. تسمح هذه الصيغة أيضا بالانتقال السلس من فكرة إلى فكرة ومن حدث إلى آخر. ولا بد من القول إن عنوان الرواية يوجد في تناقض صارخ مع محتواها. إذ لا يتعلق الأمر هنا لا بأغنية ولا بهدوء، بل برغبة مدروسة في إخفاء النوايا وبجريمة قتل اقترفت مع سبق إصرار وترصد.
منذ الوهلة الأولى تقوم الكاتبة بوضع الديكور كما يقال. وبهذه المطية فهي تأخذ بخناق القارئ لكي لا يطلق الرواية إلا وقد أنهى قراءتها. هكذا ينفتح المشهد الأول، في الصفحات الثلاث الأولى، على جريمة قتل الطفلين من طرف مربيتهما. ومن خلال هذا الفصل القصير تضعنا الكاتبة وجها لوجه مع العناصر السردية التي ستنهض عليها القصة ألا وهي الحدث والشخصيات والزمان والمكان. مباشرة بعد ذلك، ترجع بنا الساردة القهقري لتحكي لنا ما حصل من المنطلق. ومن خلال حكي متصاعد ومحسوب يتوالى إفراز الخيوط وربط بعضها ببعض لتنكشف شبكة العلاقات بين الأطراف وتتوضح نوعية التعاقدات التي تجمع بينها. من خلال هذا البناء الدرامي يتعرف القارئ بالتدريج على نفسية المربية وخلفيتها الاجتماعية ووضعية الهشاشة التي تعيشها ومعاناتها مع أزمات معقدة. مع الإشارة إلى أن كل ذلك يتم التعبير عنه بلغة رشيقة وحرص شديد على الدقة.
وإذا اعتبرنا بأن مفتتح الرواية بدأ بمشهد القتل فلأن الرواية، في تقديرنا المتواضع، قد كتبت لكي تتحول، إلى شريط سينمائي. بمعنى آخر فالرواية مكتوبة بلغة تقوم على الصورة، حتى ولكأننا ونحن نقرأها نتابع مشاهدها وهي تجري أمامنا على الشاشة. ومن هنا نفهم الاهتمام البالغ للرواية بالوصف الدقيق للشخصيات والأحداث والأمكنة. يتوضح ذلك مثلا في وصف موقع الجريمة أو البيت أو محطة القطار أو الحديقة أو علاقة المربية بالزوجين والطفلين أو علاقتها بزوجها السابق. ولكي تربط الرواية البداية بالنهاية، تعود الساردة في الصفحتين الأخيرتين من العمل إلى وصف لحظات الكارثة مسلطة الضوء على الكيفية التي تمت بها عملية القتل. فقد بدأت الرواية بجملة : "الصغير مات"، في حين انتهت بجملة : "يا أطفال تعالوا لأخذ حمام". وهو ما يعني تعالوا لحتفكم، لأن المربية كانت قد أخفت حينها أداة الاغتيال وقررت تنفيذ جريمتها في حمام البيت حيث يستحم الأطفال.
بقيت الإشارة أخيرا إلى أن ليلى السليماني ولدت عام 1981 بالرباط لأب مغربي وأم فرنسية من أصل جزائري. نشأت بوسط فرنكفوني ودرست بمدارس البعثة الفرنسية بالرباط، قبل أن تنتقل، سنة 1999، إلى فرنسا لمواصلة دراستها في العلوم السياسية ثم الإعلام. اشتغلت لخمس سنوات بمجلة "جون أفريك" الباريسية مكلفة بشؤون إفريقيا الشمالية قبلما تتفرغ للتأليف. أصدرت عام 2013 باكورة أعمالها وهو كتاب عن مدينة الداخلة المغربية صدر تحت عنوان "خليج الداخلة". متبوعة سنة 2014 بروايتها "في حديقة الغول" التي حازت على جائزة المامونية سنة 2015 للأدب المكتوب باللغة الفرنسية في المغرب في نسختها السادسة. فكانت بذلك أول امرأة تفوز بهذه الجائزة.
ملاحظة : بنيت هذه القراءة على النص الفرنسي وليس على النص المترجم إلى العربية
المصطفى اجماهري
كاتب وناشر "دفاتر الجديدة"
ودون كثير من التعسف، يمكن تلخيص رواية ليلى السليماني "أغنية هادئة" في بضع كلمات. تتعلق القصة، باختصار شديد، بزوجين يوظفان مربية تتكفل بابنهيما فتنتهي بقتلهما. هذه خلاصة الرواية في كلمات قليلة. وللتذكير فهي مستوحاة من قصة واقعية حدثت في نيويورك عام 2012 حيث قتلت مربية من الدومنيكان رضيعين كانا في رعايتها. ولو شئنا مزيدا من التفصيل لقلنا إن هذا النص السردي يدور حول زوجين فرنسيين، مريم وبول، يعيشان في الدائرة العاشرة بالعاصمة الفرنسية. يشتغل الزوج ولا تشتغل الزوجة. لكن هذا الوضع سيتغير بعدما تتلقى الزوجة عرضا من صديق سابق لها بالكلية أصبح محاميا. فاتحت الزوجة شريك حياتها في رغبتها في العمل. ورغم بعض الاعتراضات من قبل الزوج إلا أنها قررت أن تقبل العرض وتلتحق بمكتب المحاماة. ومن هنا سيأتي التفكير في اللجوء إلى مكتب تشغيل لاختيار مربية من بين عدة مربيات. حرصت الزوجة ألا تكون المربية من أصل مغاربي حتى لا تخلق معها علاقة شبه عائلية أو تسقط في ما تسميه الساردة "التضامن بين المهاجرين". بل ستختار المربية المسماة لويز. هذه الأخيرة ستبني خطة محكمة لتصبح، مع مرور الأيام، سيدة البيت الأولى دون منازع. أصبحت لويز هي الآمر الناهي والمهيمن على كل شيء. فهي الطباخة التي تهيء الأكل للأسرة وهي المستشارة غالبا في هذه القضية أو تلك، وهي الأم الثانية للطفلين في غياب أبوين غارقين في الشغل ومرهقين بضغوطات الحياة اليومية. هذا التعلق المبالغ فيه سيفضي إلى الكارثة.
قد يبدو لكثير من القراء العرب، من الذين يتوهمون أن الرواية ينبغي أن تعطي الدروس، أن رواية السليماني ذات موضوع جد بسيط ولربما غير جدير بالتناول. ولكن لجنة منح الجائزة، بطبيعة الحال، لا تعدم مسوغات صلبة في منح جائزة مرموقة. وطبعا فالمسوغ الرئيسي، يتمثل في قوة البناء وفنية التدرج بالمعلومات، كما ذاك الصانع الذي يخلق من مواد مرمية ومشاعة تحفا فنية لا تخطر ببال. ذلك أن الرواية اتبعت بناء محكما ومتحكما فيه جعل من هذا النص البسيط ظاهريا رواية مشوقة وتشويقية بامتياز. يعود ذلك في رأي غالبية المحررين الأدبيين في الصحافة الفرنسية خاصة إلى طريقة الكتابة المخدومة والمتوترة أولا، وثانيا لحرص صاحبتها على تطعيم سيرورة الأحداث بتفاصيل رقيقة بثتها واحدة واحدة وجرعة بعد جرعة. هذه الطريقة المحمومة في تقطير التفاصيل على شكل جرعات الدواء تجعل حصول أمر ما ليس فحسب متوقعا بل محتوما.
***
وإذن فالكاتبة، قبلما تكتب روايتها، وهذا شيء معروف في سياق عملية الإنتاج الأدبي في الغرب، وضعت القارئ في صلب اهتمامها. ومن الأكيد أن الإنصات لانتظارات القراء هو ما شكل، وما زال، أحد الفروق الجوهرية في تصور عملية الكتابة وخلق الإبداع بين الكتاب العرب ونظرائهم الغربيين. فالقاص العربي، غالبا، يكتب ما يشغله شخصيا لا ما يشغل القارئ. ومن ثم فلا غرابة أن يبغي القاص العربي قول كل شيء في عمله، بينما، على العكس منه، نجد القاص في المجتمع الغربي يتفاعل مع مستجدات الحياة المجتمعية آخذا بالاعتبار الشريحة الغالبة من القراء. تلك الشريحة المتمثلة في الطبقة الوسطى من الموظفين وربات البيوت والمتقاعدين. وقد أكد هذا المعطى الناقد عبد المجيد نوسي خريج جامعة السوربون في باريس، وذلك من خلال متابعته الطويلة للإنتاج الروائي الفرنسي بالخصوص حيث لاحظ بأن جمهور القراء في فرنسا يحبذ، بشكل خاص، المواضيع البسيطة ذات البعد الإنساني والاجتماعي بدءا من رواية "الغريب" لألبير كامو، مرورا بأعمال فؤاد العروي وانتهاء، مثلا، بروايات باتريك موديانو. إنها أعمال اختارت الكتابة بلغة في متناول الفرنكفوني المتوسط، قريبة من الأسلوب الصحفي.
وتتجلى استفادة الرواية من الأسلوب الإعلامي، علما بأن صاحبتها اشتغلت سابقا في هذا الحقل، في تفضيلها الكتابة بلغة تصويرية غنية بالمفارقات والانزياحات. كما تتجلى على مستوى الصياغة في استعمال مطلق للجمل القصيرة. والملاحظ أن الجملة في الرواية تتكون غالبا من كلمتين أو ثلاث كلمات على الأكثر، من مثل: "يهطل المطر. يجب أن ندخل" (ص 117)، أو : "حل الشتاء. تتشابه الأيام" (ص 104)، وهكذا.
على مستوى الشكل ينهض بناء رواية "أغنية هادئة" على تقسيمات فرعية عبارة عن فصول صغيرة. فصول غالبا ما تأتي بلا ترقيم ولا عناوين باستثناء عناوين قليلة حملت أسماء بعض الشخصيات الثانوية. ما عدا ذلك فهي فصول قصيرة من 3 إلى 6 صفحات تقرأ بسرعة لتمكين القارئ من القبض، بيسر وسهولة، على جوهر الحبكة وتتبع الخيط الرفيع الذي يقود إلى النهاية. تسمح هذه الصيغة أيضا بالانتقال السلس من فكرة إلى فكرة ومن حدث إلى آخر. ولا بد من القول إن عنوان الرواية يوجد في تناقض صارخ مع محتواها. إذ لا يتعلق الأمر هنا لا بأغنية ولا بهدوء، بل برغبة مدروسة في إخفاء النوايا وبجريمة قتل اقترفت مع سبق إصرار وترصد.
منذ الوهلة الأولى تقوم الكاتبة بوضع الديكور كما يقال. وبهذه المطية فهي تأخذ بخناق القارئ لكي لا يطلق الرواية إلا وقد أنهى قراءتها. هكذا ينفتح المشهد الأول، في الصفحات الثلاث الأولى، على جريمة قتل الطفلين من طرف مربيتهما. ومن خلال هذا الفصل القصير تضعنا الكاتبة وجها لوجه مع العناصر السردية التي ستنهض عليها القصة ألا وهي الحدث والشخصيات والزمان والمكان. مباشرة بعد ذلك، ترجع بنا الساردة القهقري لتحكي لنا ما حصل من المنطلق. ومن خلال حكي متصاعد ومحسوب يتوالى إفراز الخيوط وربط بعضها ببعض لتنكشف شبكة العلاقات بين الأطراف وتتوضح نوعية التعاقدات التي تجمع بينها. من خلال هذا البناء الدرامي يتعرف القارئ بالتدريج على نفسية المربية وخلفيتها الاجتماعية ووضعية الهشاشة التي تعيشها ومعاناتها مع أزمات معقدة. مع الإشارة إلى أن كل ذلك يتم التعبير عنه بلغة رشيقة وحرص شديد على الدقة.
وإذا اعتبرنا بأن مفتتح الرواية بدأ بمشهد القتل فلأن الرواية، في تقديرنا المتواضع، قد كتبت لكي تتحول، إلى شريط سينمائي. بمعنى آخر فالرواية مكتوبة بلغة تقوم على الصورة، حتى ولكأننا ونحن نقرأها نتابع مشاهدها وهي تجري أمامنا على الشاشة. ومن هنا نفهم الاهتمام البالغ للرواية بالوصف الدقيق للشخصيات والأحداث والأمكنة. يتوضح ذلك مثلا في وصف موقع الجريمة أو البيت أو محطة القطار أو الحديقة أو علاقة المربية بالزوجين والطفلين أو علاقتها بزوجها السابق. ولكي تربط الرواية البداية بالنهاية، تعود الساردة في الصفحتين الأخيرتين من العمل إلى وصف لحظات الكارثة مسلطة الضوء على الكيفية التي تمت بها عملية القتل. فقد بدأت الرواية بجملة : "الصغير مات"، في حين انتهت بجملة : "يا أطفال تعالوا لأخذ حمام". وهو ما يعني تعالوا لحتفكم، لأن المربية كانت قد أخفت حينها أداة الاغتيال وقررت تنفيذ جريمتها في حمام البيت حيث يستحم الأطفال.
بقيت الإشارة أخيرا إلى أن ليلى السليماني ولدت عام 1981 بالرباط لأب مغربي وأم فرنسية من أصل جزائري. نشأت بوسط فرنكفوني ودرست بمدارس البعثة الفرنسية بالرباط، قبل أن تنتقل، سنة 1999، إلى فرنسا لمواصلة دراستها في العلوم السياسية ثم الإعلام. اشتغلت لخمس سنوات بمجلة "جون أفريك" الباريسية مكلفة بشؤون إفريقيا الشمالية قبلما تتفرغ للتأليف. أصدرت عام 2013 باكورة أعمالها وهو كتاب عن مدينة الداخلة المغربية صدر تحت عنوان "خليج الداخلة". متبوعة سنة 2014 بروايتها "في حديقة الغول" التي حازت على جائزة المامونية سنة 2015 للأدب المكتوب باللغة الفرنسية في المغرب في نسختها السادسة. فكانت بذلك أول امرأة تفوز بهذه الجائزة.
ملاحظة : بنيت هذه القراءة على النص الفرنسي وليس على النص المترجم إلى العربية
المصطفى اجماهري
كاتب وناشر "دفاتر الجديدة"