كانت الصرخة مدوية: «أحمد راح.. أحمد حرق نفسه».. كان «الشاعر» أحمد عبيدة «بين الموت والحياة، وأبناء قريته «العمار الكبرى، طوخ، قليوبية» يسابقون الريح إلى داره التى أنهى حياته فيها وسط كتبه وملابسه، عصر 6 أغسطس – مثل هذا اليوم-1974.
لبلدته «العمار الكبرى» سيرة غير تقليدية كما لفتاها أحمد، يمكنك أن تميز نساءها بين كل نساء مصر بجلبابهن، وتعرفها من مشمشها، وتعرفها قوى اليسار كواحدة من معاقله فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى.. ولد «عبيدة» يوم 22 أكتوبر 1940».. وعلى ترابها أصبح شابا قويا فتيا، فذا فى أشعاره.. صلبا فى نضاله لا يخاف سجنا ولا سجانا.. كتب: «يستطيعون أن يكمموا أنفاسى بالجمر/ وأن يرشقوا الأسياخ الحديدية فى أضلاعى/ وفى شباك الزنزانة/ ولكنهم لن يستطيعوا أن يوقفوا/زقزقة العصافير على الأشجار/ ولا تدفق المياه فى النهر/ ولا صياح الديكة فى الفجر/حين تبشر بميلاد صباح جديد».. وقالت جمعية «كتاب الغد» فى مقدمتها للكتيب الذى أصدرته عنه بعد رحيله: «صار عبيدة بأشعاره الحية علامة على الطريق».. وألهم موته الكاتب محمد مستجاب لأن يكتب قصة قصيرة شاعرية بعنوان «التمهيد لقتل أحمد عبيدة».
كان عضوا لجمعية «كتاب الغد» التى تكونت عام 1971 برئاسة الكاتب والناقد إبراهيم فتحى، والدكتور عبد المنعم تليمة نائبا، وفقا لما ذكره لى الشاعر عزت عامر..كان «عامر» أمين صندوقها، وفى عضويتها أسماء ستصبح من عيون مصر المبدعة.. خليل كلفت، يحيى الطاهر عبدالله، عبده جبير، عز الدين نجيب، محمد سيف، محمد إبراهيم مبروك، زين العابدين فؤاد، فؤاد قاعود، سيد حجاب..أصدرت الجمعية ديوان «الحدائق الطاغورية» لعزت عامر، وشمل بيانا افتتاحيا للسلسلة، ومقدمة لإبراهيم فتحى.. ثم ديوان «وش مصر» لزين العابدين فؤاد، والثالث كتيبا عن «عبيدة» فى ذكرى الأربعين لوفاته، ثم المجموعة القصصية «الليل الرحم» «لمحمد رميش».
فى«العمار الكبرى» وهى من كبرى قرى القليوبية والمجاورة لقريتى، جلست مع أصدقائه وتلاميذه «كمال شعيب، عبدالمعبود سليمان، فتحى عبدالعزيز، محسن شوقى، شوقية الكردى، ومريده وقريبه الذى لم يره الشاعر الواعد عمر خيرى فوزى «طالب الطب».. كان «عبيدة» حاضرًا، بوهج حلمه، ومرارة انكساره..مروا سريعا على طفولته، حيث اليتم والفقر، وعمته«طمان» الكفيفة الطيبة التى عاشت معه.. أكدوا: «تفوق فى تعليمه حتى حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية 1964.. عمل مترجمًا فى وزارة الاقتصاد.. كان موسوعيًا فى ثقافته، يقرأ بالإنجليزية والروسية وملمًا بالفرنسية، غزيرًا فى إنتاجه الشعرى.. ملهمًا.. «كون مع محمد السيد علام، وعبدالعزيز الشاذلى، الحركة الشبابية التى قادت تغيير البلدة»، حسبما يؤكد كمال شعيب.
انطلقت شرارة الحركة عام 1966.. كانت تنويرًا يهدم كل يوم جدارًا من التخلف والجمود.. تحولت إلى مصدر إلهام لجيل وراء جيل.. زاد وهجها بزيارات مفكرين وأدباء مثل محمود أمين العالم، فتحى غانم، عبدالرحمن الأبنودى، عزت عامر، شوقى عقل، محمد إبراهيم مبروك، زين العابدين فؤاد، سمير عبد الباقى، وآخرين.. يتذكر عبدالمعبود سليمان المسرح فى ملعب مركز الشباب أثناء شهور الصيف: «عرضنا نصوصا مسرحية عالمية ومصرية لألفريد فرج ومحمود دياب، وشاركتنا فتيات من القرية».. كان ذلك تحديًا للنمط الاجتماعى.. تتذكر شوقية الكردى ابنة المرحلة الإعدادية وقتئذ:«قمت بدور فى مسرحية لمحمود عبدالوهاب اسمها «البعض يأكلونها ولعة».. كان شيئا جديدا وصعبا، لكن أهلنا كانوا مؤمنين بنا جدا.. أمى كانت فلاحة لكنها متنورة».
أصبح لحركة الشباب الكلمة العليا فى أى انتخابات بالعمار.. فاز شوقى الكردى أحد قياداتها بمقعد الشباب فى الاتحاد الاشتراكى.. قدمت للحركة الطلابية واليسار المصرى»، أسماء لامعة، عبدالعزيز الشاذلى، شوقى الكردى وشقيقته شوقية، كمال شعيب،عبدالمعبود سليمان، بعضهم اعتقل فى اعتصام طلاب الجامعة الشهير عام 1972.. واعتقلت ناهد شاهين ابنة البلدة فى نفس الاعتصام.
كان «عبيدة» قلب الحركة النابض، مبشرها بالأمل، مؤذنها بالشعر.. شاعر«يرى مالانراه» بوصف كمال شعيب، متذكرا: «قمنا بمشروع إضاءة الشوارع بكلوبات» لم تكن الكهرباء دخلت البلد».. بعد إتمامه قال كلمة لا أنساها: «احنا ننور العقول مش ننور الشوارع».. من هنا بدأنا معركتنا لبناء المدرسة الإعدادية.. كانت نموذجا للتحدى والمقاومة، ولما بدأ البناء قال: احنا اللى نشتغل فيها.. حمل الفأس والكوريك، كانت ضربة فأسه هى الأولى».. يضيف شعيب بشجن: «كان نموذجا نادرا.. معلمنا الأول، لديه حالة طهر غريبة، لايمد يده لشىء ليس ملكه، استقامة غيرعادية، فلوسه مش بتاعته، يعطى بلا حدود».. يؤكد فتحى عبدالعزيز: «علمنا كيف نفهم الزمن الذى نعيشه».. قرأ محسن شوقى نصا مؤثرا كتبه عنه قال فيه: «34 عاما هى رحلة الألم المبلل بالدمع العنيد، رحلة الأمسيات التى غرقت أقمارها فى سماء معبأة بالغيوم».
يؤكد زين العابدين فؤاد: «كان شاعرا واعدا جدا.. طاقة كبيرة جدا على التخيل والإبداع والكتابة، لكن اتساع العمق الإنسانى بالخبرة الحياتية كان ينقصه، فلم يستكمل مشروعه».. يتذكر صديقه المقرب عزت عامر: «كان سيلا متدفقا بدرجة غير عادية، لاحدود عنده فى الكتابة.. كان له شطحات تخصه فقط لن تجدها عند آخرين من شعراء العامية فى مصر.. خياله ليس له حدود، لن نجده إلا فى شخص يحيى الطاهر عبدالله، يحفظ قصته ويلقيها علينا على القهوة فى تماهى بين إبداعه وشخصيته، حتى فى موته، يحيى الوحيد اللى مات لأنه الوحيد اللى حاول ينقذ نفسه لما السيارة انقلبت.. عبيدة كان هذا، لامثيل له فى التماهى بين شخصيته وحياته وكتاباته.. سلوكه الشخصى فى حياته كأنه يكتب شعرا، حتى فى موته.. حد يحرق نفسه».
..لماذا حرق نفسه، وكيف؟.
لبلدته «العمار الكبرى» سيرة غير تقليدية كما لفتاها أحمد، يمكنك أن تميز نساءها بين كل نساء مصر بجلبابهن، وتعرفها من مشمشها، وتعرفها قوى اليسار كواحدة من معاقله فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى.. ولد «عبيدة» يوم 22 أكتوبر 1940».. وعلى ترابها أصبح شابا قويا فتيا، فذا فى أشعاره.. صلبا فى نضاله لا يخاف سجنا ولا سجانا.. كتب: «يستطيعون أن يكمموا أنفاسى بالجمر/ وأن يرشقوا الأسياخ الحديدية فى أضلاعى/ وفى شباك الزنزانة/ ولكنهم لن يستطيعوا أن يوقفوا/زقزقة العصافير على الأشجار/ ولا تدفق المياه فى النهر/ ولا صياح الديكة فى الفجر/حين تبشر بميلاد صباح جديد».. وقالت جمعية «كتاب الغد» فى مقدمتها للكتيب الذى أصدرته عنه بعد رحيله: «صار عبيدة بأشعاره الحية علامة على الطريق».. وألهم موته الكاتب محمد مستجاب لأن يكتب قصة قصيرة شاعرية بعنوان «التمهيد لقتل أحمد عبيدة».
كان عضوا لجمعية «كتاب الغد» التى تكونت عام 1971 برئاسة الكاتب والناقد إبراهيم فتحى، والدكتور عبد المنعم تليمة نائبا، وفقا لما ذكره لى الشاعر عزت عامر..كان «عامر» أمين صندوقها، وفى عضويتها أسماء ستصبح من عيون مصر المبدعة.. خليل كلفت، يحيى الطاهر عبدالله، عبده جبير، عز الدين نجيب، محمد سيف، محمد إبراهيم مبروك، زين العابدين فؤاد، فؤاد قاعود، سيد حجاب..أصدرت الجمعية ديوان «الحدائق الطاغورية» لعزت عامر، وشمل بيانا افتتاحيا للسلسلة، ومقدمة لإبراهيم فتحى.. ثم ديوان «وش مصر» لزين العابدين فؤاد، والثالث كتيبا عن «عبيدة» فى ذكرى الأربعين لوفاته، ثم المجموعة القصصية «الليل الرحم» «لمحمد رميش».
فى«العمار الكبرى» وهى من كبرى قرى القليوبية والمجاورة لقريتى، جلست مع أصدقائه وتلاميذه «كمال شعيب، عبدالمعبود سليمان، فتحى عبدالعزيز، محسن شوقى، شوقية الكردى، ومريده وقريبه الذى لم يره الشاعر الواعد عمر خيرى فوزى «طالب الطب».. كان «عبيدة» حاضرًا، بوهج حلمه، ومرارة انكساره..مروا سريعا على طفولته، حيث اليتم والفقر، وعمته«طمان» الكفيفة الطيبة التى عاشت معه.. أكدوا: «تفوق فى تعليمه حتى حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية 1964.. عمل مترجمًا فى وزارة الاقتصاد.. كان موسوعيًا فى ثقافته، يقرأ بالإنجليزية والروسية وملمًا بالفرنسية، غزيرًا فى إنتاجه الشعرى.. ملهمًا.. «كون مع محمد السيد علام، وعبدالعزيز الشاذلى، الحركة الشبابية التى قادت تغيير البلدة»، حسبما يؤكد كمال شعيب.
انطلقت شرارة الحركة عام 1966.. كانت تنويرًا يهدم كل يوم جدارًا من التخلف والجمود.. تحولت إلى مصدر إلهام لجيل وراء جيل.. زاد وهجها بزيارات مفكرين وأدباء مثل محمود أمين العالم، فتحى غانم، عبدالرحمن الأبنودى، عزت عامر، شوقى عقل، محمد إبراهيم مبروك، زين العابدين فؤاد، سمير عبد الباقى، وآخرين.. يتذكر عبدالمعبود سليمان المسرح فى ملعب مركز الشباب أثناء شهور الصيف: «عرضنا نصوصا مسرحية عالمية ومصرية لألفريد فرج ومحمود دياب، وشاركتنا فتيات من القرية».. كان ذلك تحديًا للنمط الاجتماعى.. تتذكر شوقية الكردى ابنة المرحلة الإعدادية وقتئذ:«قمت بدور فى مسرحية لمحمود عبدالوهاب اسمها «البعض يأكلونها ولعة».. كان شيئا جديدا وصعبا، لكن أهلنا كانوا مؤمنين بنا جدا.. أمى كانت فلاحة لكنها متنورة».
أصبح لحركة الشباب الكلمة العليا فى أى انتخابات بالعمار.. فاز شوقى الكردى أحد قياداتها بمقعد الشباب فى الاتحاد الاشتراكى.. قدمت للحركة الطلابية واليسار المصرى»، أسماء لامعة، عبدالعزيز الشاذلى، شوقى الكردى وشقيقته شوقية، كمال شعيب،عبدالمعبود سليمان، بعضهم اعتقل فى اعتصام طلاب الجامعة الشهير عام 1972.. واعتقلت ناهد شاهين ابنة البلدة فى نفس الاعتصام.
كان «عبيدة» قلب الحركة النابض، مبشرها بالأمل، مؤذنها بالشعر.. شاعر«يرى مالانراه» بوصف كمال شعيب، متذكرا: «قمنا بمشروع إضاءة الشوارع بكلوبات» لم تكن الكهرباء دخلت البلد».. بعد إتمامه قال كلمة لا أنساها: «احنا ننور العقول مش ننور الشوارع».. من هنا بدأنا معركتنا لبناء المدرسة الإعدادية.. كانت نموذجا للتحدى والمقاومة، ولما بدأ البناء قال: احنا اللى نشتغل فيها.. حمل الفأس والكوريك، كانت ضربة فأسه هى الأولى».. يضيف شعيب بشجن: «كان نموذجا نادرا.. معلمنا الأول، لديه حالة طهر غريبة، لايمد يده لشىء ليس ملكه، استقامة غيرعادية، فلوسه مش بتاعته، يعطى بلا حدود».. يؤكد فتحى عبدالعزيز: «علمنا كيف نفهم الزمن الذى نعيشه».. قرأ محسن شوقى نصا مؤثرا كتبه عنه قال فيه: «34 عاما هى رحلة الألم المبلل بالدمع العنيد، رحلة الأمسيات التى غرقت أقمارها فى سماء معبأة بالغيوم».
يؤكد زين العابدين فؤاد: «كان شاعرا واعدا جدا.. طاقة كبيرة جدا على التخيل والإبداع والكتابة، لكن اتساع العمق الإنسانى بالخبرة الحياتية كان ينقصه، فلم يستكمل مشروعه».. يتذكر صديقه المقرب عزت عامر: «كان سيلا متدفقا بدرجة غير عادية، لاحدود عنده فى الكتابة.. كان له شطحات تخصه فقط لن تجدها عند آخرين من شعراء العامية فى مصر.. خياله ليس له حدود، لن نجده إلا فى شخص يحيى الطاهر عبدالله، يحفظ قصته ويلقيها علينا على القهوة فى تماهى بين إبداعه وشخصيته، حتى فى موته، يحيى الوحيد اللى مات لأنه الوحيد اللى حاول ينقذ نفسه لما السيارة انقلبت.. عبيدة كان هذا، لامثيل له فى التماهى بين شخصيته وحياته وكتاباته.. سلوكه الشخصى فى حياته كأنه يكتب شعرا، حتى فى موته.. حد يحرق نفسه».
..لماذا حرق نفسه، وكيف؟.