قرأت عن الكثيرين من السادة الحكام العرب الذين أدعوا أنهم من سلالة النبي محمد - عليه الصلاة والسلام - ومن نسل الإمام علي كرم الله وجهه، فقد كنتُ في العراق في أحد المؤتمرات الأدبية، وكانت الجرائد العراقية الثلاث الثورة – لسان حال حزب البعث، والقادسية لسان حال الجيش العراقي والجمهورية؛ تقدم إلينا كل صباح في حجرات الفندق الذي نقيم فيه، وإذ بالجرائد الثلاث تتحدث عن احتفال سيقام اليوم في ذكرى مولد الإمام علي تحت رعاية حفيده صدام حسين، هكذا ولم يعترض أحد لا في العراق ولا في غيره. وأصبح بقدرة قادر صدام حسين من سلالة سيدنا محمد.
والملك أحمد فؤاد الذي كان لا يعرف العربية، أدعوا أنه من سلالة النبي محمد، وأرادوا أن يكون خليفة المسلمين بعد أن أنهى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية في تركيا، ومادام أحمد فؤاد من سلالة النبي فابنه فاروق لابد أن يكون كذلك. فقد أصدرت مشيخة الأزهر في عهده فتوى تزعم إنه الملك من الأشراف ومن حقه أن ينصب نفسه خليفة للمسلمين.
والظاهر ان الإنتساب للأنبياء لا تختص بها الأمة الأسلامية وحدها، فقد اكتشفوا مؤخرا وثائق موضوعة في محفوظات مكتب الحزب الإنجليزي ترجع شجرة عائلة الملك جيمس الأول إلى سيدنا آدم.
وقرأت كثيرا عن الثورة العربية التي قادها الشريف حسين ضد الاحتلال العثماني في الحرب العالمية الأولى والتي انتهت بهزيمة العثمانيين، وانتصار الشريف حسين، وخروجه من أرض الحجاز، وتولى ابنه الصغير فيصل حكم العراق، وابنه الأوسط عبد الله حكم الأردن، باسم المملكة الأردنية الهاشمية، بما يعني أن الشريف حسين من الهاشميين.
وقد ظلت البلاد الإسلامية منذ حكم النبي محمد وحكم الخلفاء الراشدين، ثم حكم الدولة الأموية، والعباسية تخضع لحكم القرشيين اعتماداً إلى حديث الرسول: " الأئمة من قريش" وبعد حكم العباسيين كان لابد أن يكون الحاكم من الهاشميين، ولو كان مجرد رمز، حتى أن في أواخر أيام الدولة العباسية، كان الوزراء هم الذين يتحكمون في كل شيء، حتى في الخليفة العباسي نفسه، لكن لابد أن يكون الحكم أمام الناس لرجل من الهاشميين. والذين انفصلوا عن الدولة العباسية في الدول التي كانت تابعة لها، لابد لهم من خطب ود الخليفة العباسي، وطلب رضاه بالمصهارة أو بأي شكل آخر.
وفي مقالة للأستاذ الدكتور أسامة فوزي يقول عن الشريف حسين: إنه رجل تركي ينحدر من جدة يهودية تزوجها " محسن " وانجب منها ابنه " جدعون " الذي يعرف بين العرب باسم " عون " وانحدرت منه الأسرة الهاشمية التي حكمت في العراق والأردن والحجاز، واليهودي كما هو معروف ينسب إلى أمه، فابن اليهودية حتى لو كان أبوه عربيا أو مسلما يعتبر وفقا للديانة اليهودية يهودياً.
ويلقب حسين بن علي بالشريف لانه تولى الإشراف على الحجاز بتوصية من ضباط حزب الاتحاد والترقي التركي وأكثرهم من اليهود. يعني لم يكن شريفاً لأنه من الهاشميين، وإنما لطبيعة عمله، لكن الكل يدعي أنه من الأشراف.
ومن المعروف أن ملوك المغرب منذ الملك محمد الخامس ينتسبون إلى الإمام علي بن أبي طالب، ومليكة أوفقير في كتابها عن رحلة سجنها هي وأمها وأخوتها بعد مقتل والدها الجنرال أوفقير، تقول إنها من عائلة أصولها من عين الحوت في الجزائر حيث انها تنتسب إلي الأشراف السليمانيون.
وقد كنتُ أعرف فرانا في فرن قريب من بيتي يحتفظ بشهادة تثبت أنه من الأشراف، ويقولون أن أم كلثوم قد حكت بأنها عندما غنت قصيدة شوقي. " سلوا قلبي، بكت وهي تقول:
أبا الزهراء قد جاوزت قدرى بمدحك بيد أن لى انتسابَ
وذلك لأنها من سلالة الرسول، وشوقي مؤلف القصيدة يقول عن نفسه ذلك أيضا..
لقد كان آخر نقيب للأشراف في مصر السيد محمد الببلاوي، لكن بعد موته عام 1953 لم يعين جمال عبد الناصر نقيباً غيره، على أساس أن كل البشر متساوون، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالعمل. وظل الوضع على ما هو عليه إلى أن أصدر الرئيس حسني مبارك قرارا جمهوريا بتعيين السيد محمود كامل ياسين نقيباً للأشراف في فبراير 1991 وبهذا قد عادت نقابة الأشراف إلى ما كانت عليه.
وبمناسبة الحديث عن نقابة الأشراف لابد أن نتطرق إلى أهم نقيب للأشراف في تاريخ النقابة وهو محمد توفيق البكري، فقد كان شاعرا وأديبا يجيد لغات عديدة، وكان له دور في السياسة والمواقف المشهورة، فقد تم زواج صفية ابنة الشيخ السادات في بيته على الشيخ علي يوسف بعدم رضا أبوها، فصفية كانت أخت زوجته، وهي حادثة مشهورة تحدثت عنها الصحف طويلا، كما أن البكري كانت له حكايات مع الخديو عباس حلمي، فهو المحرض على كتابة القصيدة الشهيرة في هجاء عباس حلمي والتي مطلعها:
قدومٌ ولكن لا أقولُ سعيدُ على فاجرٍ هجوَ الملوكِ يُريدُ
لأضرابه بيتٌ من اللؤمِ عامرٌ ومُلكٌ وإن طالَ المدى سيبيدُ
وقد كان الخديو عباس حلمي يخشى البكري ويحترس منه خشية أن يعينه اللورد كرومر – المندوب السامي البريطاني في ذلك الوقت - حاكماً لمصر بعد خلع الخديو، فقد بلغه مدى إعجاب كرومر بالبكري، فهو يُثني عليه حتى في غيابه، فدبر عباس حلمي مؤامرة للوقيعة بينه وبين كرومر، فأرسل حفني ناصف إلي بيت البكري ليناقشته في الأدب، فقال حفني ناصف له:
- معذرة فأنت نقيب الأشراف، لكنك لست حاذقاً في كتابة الشعر.
فغضب البكري وتحداه، بأن يكتب كل منهما قصيدة في موضوع معين، وينظرا من الأجود فيهما، فاشترط حفني ناصف أن يكتبا في مواضيع غير مطروقة، أن يكتبا في الغزل في المذكر مثلاً، فوافق البكري، وكتبا قصيدتين، فأمسك حفني ناصف الورقتين، وشهد للبكري بالجودة والتفوق عليه، وتظاهر بتمزيق الورقتين، لكنه مزق ورقته، ودس ورقة البكري في ملابسه وسلمها إلى الخديو الذي سلمها لكرومر، قائلا له:
- هذا الذي تعجب به يعترف بالشذوذ بخط يده.
فغضب كرومر من البكري، ولم يعد يدعوه إلى الحفلات الرسمية التي تقيمها السفارة ولم يعد يذكره بالخير في غيابه كما كان يفعل، وبهذا أمن الخديو عباس حلمي من خطر محمد توفيق البكري نقيب الأشراف. (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – فهمي ماهر حسن – أعلام العرب – دار الكاتب العربي للطباعة والنشر – إبريل 1967
والملك أحمد فؤاد الذي كان لا يعرف العربية، أدعوا أنه من سلالة النبي محمد، وأرادوا أن يكون خليفة المسلمين بعد أن أنهى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية في تركيا، ومادام أحمد فؤاد من سلالة النبي فابنه فاروق لابد أن يكون كذلك. فقد أصدرت مشيخة الأزهر في عهده فتوى تزعم إنه الملك من الأشراف ومن حقه أن ينصب نفسه خليفة للمسلمين.
والظاهر ان الإنتساب للأنبياء لا تختص بها الأمة الأسلامية وحدها، فقد اكتشفوا مؤخرا وثائق موضوعة في محفوظات مكتب الحزب الإنجليزي ترجع شجرة عائلة الملك جيمس الأول إلى سيدنا آدم.
وقرأت كثيرا عن الثورة العربية التي قادها الشريف حسين ضد الاحتلال العثماني في الحرب العالمية الأولى والتي انتهت بهزيمة العثمانيين، وانتصار الشريف حسين، وخروجه من أرض الحجاز، وتولى ابنه الصغير فيصل حكم العراق، وابنه الأوسط عبد الله حكم الأردن، باسم المملكة الأردنية الهاشمية، بما يعني أن الشريف حسين من الهاشميين.
وقد ظلت البلاد الإسلامية منذ حكم النبي محمد وحكم الخلفاء الراشدين، ثم حكم الدولة الأموية، والعباسية تخضع لحكم القرشيين اعتماداً إلى حديث الرسول: " الأئمة من قريش" وبعد حكم العباسيين كان لابد أن يكون الحاكم من الهاشميين، ولو كان مجرد رمز، حتى أن في أواخر أيام الدولة العباسية، كان الوزراء هم الذين يتحكمون في كل شيء، حتى في الخليفة العباسي نفسه، لكن لابد أن يكون الحكم أمام الناس لرجل من الهاشميين. والذين انفصلوا عن الدولة العباسية في الدول التي كانت تابعة لها، لابد لهم من خطب ود الخليفة العباسي، وطلب رضاه بالمصهارة أو بأي شكل آخر.
وفي مقالة للأستاذ الدكتور أسامة فوزي يقول عن الشريف حسين: إنه رجل تركي ينحدر من جدة يهودية تزوجها " محسن " وانجب منها ابنه " جدعون " الذي يعرف بين العرب باسم " عون " وانحدرت منه الأسرة الهاشمية التي حكمت في العراق والأردن والحجاز، واليهودي كما هو معروف ينسب إلى أمه، فابن اليهودية حتى لو كان أبوه عربيا أو مسلما يعتبر وفقا للديانة اليهودية يهودياً.
ويلقب حسين بن علي بالشريف لانه تولى الإشراف على الحجاز بتوصية من ضباط حزب الاتحاد والترقي التركي وأكثرهم من اليهود. يعني لم يكن شريفاً لأنه من الهاشميين، وإنما لطبيعة عمله، لكن الكل يدعي أنه من الأشراف.
ومن المعروف أن ملوك المغرب منذ الملك محمد الخامس ينتسبون إلى الإمام علي بن أبي طالب، ومليكة أوفقير في كتابها عن رحلة سجنها هي وأمها وأخوتها بعد مقتل والدها الجنرال أوفقير، تقول إنها من عائلة أصولها من عين الحوت في الجزائر حيث انها تنتسب إلي الأشراف السليمانيون.
وقد كنتُ أعرف فرانا في فرن قريب من بيتي يحتفظ بشهادة تثبت أنه من الأشراف، ويقولون أن أم كلثوم قد حكت بأنها عندما غنت قصيدة شوقي. " سلوا قلبي، بكت وهي تقول:
أبا الزهراء قد جاوزت قدرى بمدحك بيد أن لى انتسابَ
وذلك لأنها من سلالة الرسول، وشوقي مؤلف القصيدة يقول عن نفسه ذلك أيضا..
لقد كان آخر نقيب للأشراف في مصر السيد محمد الببلاوي، لكن بعد موته عام 1953 لم يعين جمال عبد الناصر نقيباً غيره، على أساس أن كل البشر متساوون، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالعمل. وظل الوضع على ما هو عليه إلى أن أصدر الرئيس حسني مبارك قرارا جمهوريا بتعيين السيد محمود كامل ياسين نقيباً للأشراف في فبراير 1991 وبهذا قد عادت نقابة الأشراف إلى ما كانت عليه.
وبمناسبة الحديث عن نقابة الأشراف لابد أن نتطرق إلى أهم نقيب للأشراف في تاريخ النقابة وهو محمد توفيق البكري، فقد كان شاعرا وأديبا يجيد لغات عديدة، وكان له دور في السياسة والمواقف المشهورة، فقد تم زواج صفية ابنة الشيخ السادات في بيته على الشيخ علي يوسف بعدم رضا أبوها، فصفية كانت أخت زوجته، وهي حادثة مشهورة تحدثت عنها الصحف طويلا، كما أن البكري كانت له حكايات مع الخديو عباس حلمي، فهو المحرض على كتابة القصيدة الشهيرة في هجاء عباس حلمي والتي مطلعها:
قدومٌ ولكن لا أقولُ سعيدُ على فاجرٍ هجوَ الملوكِ يُريدُ
لأضرابه بيتٌ من اللؤمِ عامرٌ ومُلكٌ وإن طالَ المدى سيبيدُ
وقد كان الخديو عباس حلمي يخشى البكري ويحترس منه خشية أن يعينه اللورد كرومر – المندوب السامي البريطاني في ذلك الوقت - حاكماً لمصر بعد خلع الخديو، فقد بلغه مدى إعجاب كرومر بالبكري، فهو يُثني عليه حتى في غيابه، فدبر عباس حلمي مؤامرة للوقيعة بينه وبين كرومر، فأرسل حفني ناصف إلي بيت البكري ليناقشته في الأدب، فقال حفني ناصف له:
- معذرة فأنت نقيب الأشراف، لكنك لست حاذقاً في كتابة الشعر.
فغضب البكري وتحداه، بأن يكتب كل منهما قصيدة في موضوع معين، وينظرا من الأجود فيهما، فاشترط حفني ناصف أن يكتبا في مواضيع غير مطروقة، أن يكتبا في الغزل في المذكر مثلاً، فوافق البكري، وكتبا قصيدتين، فأمسك حفني ناصف الورقتين، وشهد للبكري بالجودة والتفوق عليه، وتظاهر بتمزيق الورقتين، لكنه مزق ورقته، ودس ورقة البكري في ملابسه وسلمها إلى الخديو الذي سلمها لكرومر، قائلا له:
- هذا الذي تعجب به يعترف بالشذوذ بخط يده.
فغضب كرومر من البكري، ولم يعد يدعوه إلى الحفلات الرسمية التي تقيمها السفارة ولم يعد يذكره بالخير في غيابه كما كان يفعل، وبهذا أمن الخديو عباس حلمي من خطر محمد توفيق البكري نقيب الأشراف. (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – فهمي ماهر حسن – أعلام العرب – دار الكاتب العربي للطباعة والنشر – إبريل 1967