إذا كبر ابنك اجعله صديقا لك
ظاهرة عشتها أمس وأنا داخل الحافلة، كان ثلاثة أطفال ( ذكور) مع والديهم ومتقاربين في السنّ ( أربع أو خمس سنوات تقريبا) الأول كان يدردش مع السائق وصديقه بحرية وبطلاقة وبحضور والده، الذي كان يتابعه بابتسامة والسائق مبتهج لحديثه أيضا ويتفاعل معه وأحيانا يرد عليه ويطرح عليه أسئلة والطفل يرد، ويبدو عليه أنه أكثر تفاؤلا وحيوية، كان الركاب ملتفتين إليه ويتابعونه باهتمام، بعضهم كانوا معجبين به ويتفاعلون معه (وأنا منهم) وآخرون كانوا مستائين، ظنا منهم أنه قليل تربية، أما الطفلان الآخران كانا مثل الصخرة لا تتحرك ولا تتكلم، كنت أتابع حركتهم الثلاثة، كنت بين الحين والآخر أداعب الطفل الذي كان يقف أمامي، في محاولة مني أن أجعله يبتسم، لكنه كان كالحجر أصمّ، لم يبد أي ردة فعل، ولو بابتسامة، كان يدير وجهه إلى زجاج الحافلة كمن يبحث عن شيء فقده ولبعد المسافة ظل ذلك الطفل يتحدث حديث الكبار، طفل في الخامسة من العمر يناقش مسائل يعجز الكبار مناقشتها.
كانت تجلس بقربي سيدة تحمل حقيبة، يبدو أنها معلمة أو استاذة جامعية أو محامية أو..؟ (لايهم)، سألتها: هل لاحظت شيئا؟ ردت: ماذا؟ وشرحتُ لها الفرق بين الأطفال الثلاثة، الأول رباه والداه على الانفتاح والحديث بطلاقة لسان والخوض في المسائل التي تكبر سنه، أي زرعوا فيه مفهوم الحوار والشراكة والمسؤولية، في حين كان الطفلان الآخران وكأنهما ملجمان، ليس لهما الحق في الكلام في حظرة الكبار، وأوضحت لها وجهة نظري بحكم أني درست علم النفس أيام الدراسة بالمعهد ثم بحكم أني مربية أطفال éducatrice من الهلال الأحمر الجزائري.
لست أدري ربما كانت ملاحظتي في محلها أم أني أخطأت في التقدير، كان انطباعي ان الأول الذي كان يتكلم إلى درجة الثرثرة، والداه زرعا فيه القدرة على الكلام دون خوف أو تردد، وهذا طبعا حينما يكبر تكون له شخصية قوية، تجعله قادرا على مواجهة أي ظرف يواجهه أما الطفلان فقد يواجهان الحياة بصعوبة في المستقبل حين يصلان إلى سن معينة وتواجههم مشكلات مثلا، طبعا تربية الطفل سواء كان ذكرا أو أنثى مسألة شاقة ومسؤولية كبيرة، يتحملها الوالدان طيلة مسيرتهما في تكوين أبنائهم، نتحدث هنا عن التربية العنيفة التي تجعل من الطفل معقدا وعديم الثقة في نفسه
بعض الأولياء يربيان ابناءهم تربية عسكرية، حيث يرون أن تدخل الطفل في حديث الكبار مثلا حتى لو ان حديثا عاديا "وقاحة"، فيعنفانه ليس بالكلام فقط بل قد يمارسان معه العنف بالضرب أو منع عنه الطعام وقد يمتد الأمر الى حجزه في غرفة مظلمة عقابا له، وهناك من يمنع حضور الأطفال مع الكبار، لكنهما يجهلان نتائج هذا السلوك، فالطفل يكبر على الخوف وقد يتعلم الكذب خوفا من العقاب، وتنشأ له عقدة النقص وعدم الثقة في النفس، ولذا نجد بعض الأطفال لما يصلون إلى سن التمدرس يصعب عليهم الكلام والتأقلم مع وضعهم الجديد، وقد نجد الطفل الذي أصبح متمدرسا منطويا على نفسه ويصعب عليه أن يكون له صديق أو يكون ضمن فريق لأنه يخاف، عكس الطفل الذي نشأ على حرية الكلام، لا يجد صعوبة مع وضعه الجديد، أي أن له القابلية للتكيف مع المجتمع.
التربية العنيفة تولد إنسانا معقدا نفسيا، ضعيف الشخصية، خجولا، عاجزا حتى في الدفاع عن نفسه حين يتعرض لظلم أو اعتداء، لا يستطيع مواجهة الحياة، لأن والداه لم يعلمانه كيف يعيش مع الآخر ويتعايش معه، وكيف يكون عضوا في المجتمع، وكم من الشباب الذين يعانون من عقد نفسية ويجدون صعوبة في التكيف مع المجتمع أو حتى مع الأسرة، التي أحيانا تفضل الكبير على الصغير وتنظر إلى الصغير على أنه صغير لن يكبر، طبعا هناك حالات استثنائية، نجد فيها بعض الأسر تترك الطفل على هواه من باب أنها تدلله (من الدلال) إلى درجة أنها تفقد بوصلتها في عملية تهذيبه، نقول هنا ان التربية لها طرقها وقواعدها ولا تكون بالعصا الغليظة أو الحبس في غرفة مظلمة بدون طعام أو شراب، إنها مسؤولية كبيرة على عاتق الوالدين وسيحاسبون عليها أمام الله ولنا حديث آخر وبالتفصيل عن الطفولة في اليوم العالمي للطفولة
علجية عيش
ظاهرة عشتها أمس وأنا داخل الحافلة، كان ثلاثة أطفال ( ذكور) مع والديهم ومتقاربين في السنّ ( أربع أو خمس سنوات تقريبا) الأول كان يدردش مع السائق وصديقه بحرية وبطلاقة وبحضور والده، الذي كان يتابعه بابتسامة والسائق مبتهج لحديثه أيضا ويتفاعل معه وأحيانا يرد عليه ويطرح عليه أسئلة والطفل يرد، ويبدو عليه أنه أكثر تفاؤلا وحيوية، كان الركاب ملتفتين إليه ويتابعونه باهتمام، بعضهم كانوا معجبين به ويتفاعلون معه (وأنا منهم) وآخرون كانوا مستائين، ظنا منهم أنه قليل تربية، أما الطفلان الآخران كانا مثل الصخرة لا تتحرك ولا تتكلم، كنت أتابع حركتهم الثلاثة، كنت بين الحين والآخر أداعب الطفل الذي كان يقف أمامي، في محاولة مني أن أجعله يبتسم، لكنه كان كالحجر أصمّ، لم يبد أي ردة فعل، ولو بابتسامة، كان يدير وجهه إلى زجاج الحافلة كمن يبحث عن شيء فقده ولبعد المسافة ظل ذلك الطفل يتحدث حديث الكبار، طفل في الخامسة من العمر يناقش مسائل يعجز الكبار مناقشتها.
كانت تجلس بقربي سيدة تحمل حقيبة، يبدو أنها معلمة أو استاذة جامعية أو محامية أو..؟ (لايهم)، سألتها: هل لاحظت شيئا؟ ردت: ماذا؟ وشرحتُ لها الفرق بين الأطفال الثلاثة، الأول رباه والداه على الانفتاح والحديث بطلاقة لسان والخوض في المسائل التي تكبر سنه، أي زرعوا فيه مفهوم الحوار والشراكة والمسؤولية، في حين كان الطفلان الآخران وكأنهما ملجمان، ليس لهما الحق في الكلام في حظرة الكبار، وأوضحت لها وجهة نظري بحكم أني درست علم النفس أيام الدراسة بالمعهد ثم بحكم أني مربية أطفال éducatrice من الهلال الأحمر الجزائري.
لست أدري ربما كانت ملاحظتي في محلها أم أني أخطأت في التقدير، كان انطباعي ان الأول الذي كان يتكلم إلى درجة الثرثرة، والداه زرعا فيه القدرة على الكلام دون خوف أو تردد، وهذا طبعا حينما يكبر تكون له شخصية قوية، تجعله قادرا على مواجهة أي ظرف يواجهه أما الطفلان فقد يواجهان الحياة بصعوبة في المستقبل حين يصلان إلى سن معينة وتواجههم مشكلات مثلا، طبعا تربية الطفل سواء كان ذكرا أو أنثى مسألة شاقة ومسؤولية كبيرة، يتحملها الوالدان طيلة مسيرتهما في تكوين أبنائهم، نتحدث هنا عن التربية العنيفة التي تجعل من الطفل معقدا وعديم الثقة في نفسه
بعض الأولياء يربيان ابناءهم تربية عسكرية، حيث يرون أن تدخل الطفل في حديث الكبار مثلا حتى لو ان حديثا عاديا "وقاحة"، فيعنفانه ليس بالكلام فقط بل قد يمارسان معه العنف بالضرب أو منع عنه الطعام وقد يمتد الأمر الى حجزه في غرفة مظلمة عقابا له، وهناك من يمنع حضور الأطفال مع الكبار، لكنهما يجهلان نتائج هذا السلوك، فالطفل يكبر على الخوف وقد يتعلم الكذب خوفا من العقاب، وتنشأ له عقدة النقص وعدم الثقة في النفس، ولذا نجد بعض الأطفال لما يصلون إلى سن التمدرس يصعب عليهم الكلام والتأقلم مع وضعهم الجديد، وقد نجد الطفل الذي أصبح متمدرسا منطويا على نفسه ويصعب عليه أن يكون له صديق أو يكون ضمن فريق لأنه يخاف، عكس الطفل الذي نشأ على حرية الكلام، لا يجد صعوبة مع وضعه الجديد، أي أن له القابلية للتكيف مع المجتمع.
التربية العنيفة تولد إنسانا معقدا نفسيا، ضعيف الشخصية، خجولا، عاجزا حتى في الدفاع عن نفسه حين يتعرض لظلم أو اعتداء، لا يستطيع مواجهة الحياة، لأن والداه لم يعلمانه كيف يعيش مع الآخر ويتعايش معه، وكيف يكون عضوا في المجتمع، وكم من الشباب الذين يعانون من عقد نفسية ويجدون صعوبة في التكيف مع المجتمع أو حتى مع الأسرة، التي أحيانا تفضل الكبير على الصغير وتنظر إلى الصغير على أنه صغير لن يكبر، طبعا هناك حالات استثنائية، نجد فيها بعض الأسر تترك الطفل على هواه من باب أنها تدلله (من الدلال) إلى درجة أنها تفقد بوصلتها في عملية تهذيبه، نقول هنا ان التربية لها طرقها وقواعدها ولا تكون بالعصا الغليظة أو الحبس في غرفة مظلمة بدون طعام أو شراب، إنها مسؤولية كبيرة على عاتق الوالدين وسيحاسبون عليها أمام الله ولنا حديث آخر وبالتفصيل عن الطفولة في اليوم العالمي للطفولة
علجية عيش