علجية عيش - وقفة مع "الإسلام الاحتجاجي" في الفكر الهرماسي

راشد الغنوشي و السلفية الإخوانية التقليدية وجها لوجه


يقول راشد الغنوشي بالدولة المدنية كونها تستمد سلطتها من الشعب و هذا يجعل الشعب صاحب السلطة، و بالتالي فهي ليست دولة دينية بالمعنى التيوقراطي كما نراه في غيران فيما عرف بسلطة وليّ الفقيه، فسلطة الله يمثلها الشعب، أما الإسلاميون يرى الغنوشي فهم متعددون و لبسوا حزبا واحدا إسلاميا ، كما أن الأحزاب التي كانت إسلامية في وقت مضى تملصت من الإسلام أن اتجاه التطور كان نحو التغريب و العولمة أما اليوم الإسلام ليس حكرا على حزب إسلامي و هذا نتيجة تطور الراي العام نحو مزيد من التديّن و مزيد من الالتزام بالإسلام
"العنف و السّلم في مسار حركة النهضة الإسلامية في تونس" من التأسيس الى الثورة التونسية، هو عنوان كتاب للدكتور الطيب كمال عيساوي، صدر عن أوراق ثقافية للنشر و التوزيع و بدعم من دار "الأصالة" للنشر الجزائر، بعد اطلاعنا على هذا الكتاب لفت انتباهنا بعض المفاهيم التي ربما تطرق إليها القليل من الكتاب و الباحثين، وهي ظاهرة "التديّن" عن الحركات الإسلامية و نظرة الإسلامويين إلى المسلم و العقلية الإسلامية في مختلف صورها وأشكالها، فبعدما ظهرت الحركة الإصلاحية التي قادها الثعالبي و السنوسي و غيرهم من العلماء و المصلحين نشأت الحركات الإسلامية في بدايتها كجماعة إسلامية، تحمل همّ المجتمع و خطر المشروع العلماني، إلا أن بعد ظهر المعارضة تعددت مظاهر التديّن، ممّا أدّى الى توسع المفاهيم ، فكان هناك التدين التقليدي، و منهم من سلك المنهج السلفي الإخواني، و آخرون اختاروا التديّن العقلاني و بهذا التنوع أو الانقسام اختلفت الصياغة للفكرة الإسلامية، و تعددت الفتاوي، و اتخذ كل فلايق مرجعيته الدينية.

كان للتدين العقلاني الدور البارز في خروج الحركة الإسلامية من حيّز الدّعوة إلى آفاق السياسة و فلسفة فقه الواقع، للعلم أن معظم الحركات الإسلامية في الوطن العربي و بالأخص في المغرب العربي لم تتطرق في نشاطها و خطاباتها الى فلسفة فقه الواقع و لم يتم دمجها في البرنامج الدعوي و الجزائر كعينة حيث اعتمدت الحركات الإسلامية في مشروع إصلاحها و دعوتها على المرجعيات الدينية كابن تيمية و الألباني و هي مرجعيات ظلت فلسفتها قامة على مرحلة معينة لم تعدد تتماشى مع عصر الرقمنة، ، باستثناء حركة النهضة في تونس، لعب التدين العقلاني فيها دور كبير، جعل النخبة الإسلامية تتعامل بعقلانية أكثر مع الواقع التونسي، عكس ما حدث في الجزائر، حيث طغى التدين السلفي الإخواني على حساب نظيره العقلاني، دخلت حركة النهضة مرحلة جديدة في التعامل مع الواقع بأدوات تُؤَوِّلُ النُّصُوص الشرعية بما يتماشى مع الواقع المعاش.

لقد أدركت حركة النهضة التونسية أن الممارسة التونسية هي الأداة التي تحقق الجماعة مبتغاها حين أسست مع بداية الثمانينات ( 1981) حركة الاتجاه الإسلامي كمظلة قانونية ، و شهدت هذه الحركة أعمال قمع من طرف النظام البورقيبي الذي كان ضد الفكرة الإسلامية الى حد غلقه جامع الزيتونة، و مارس ضد قادتها الاعتقال و التعذيب و استمر الوضع إلى غاية مجيئ بن علي، عاشت في عهده الحركة مرحلة ضعف ، بالرغم من سياسة الاعتقالات و النفي لم يفشل المشروع النهضوي بقيادة راشد الغنوشي ، حيث تمكنت حركة النهضة التونسية قيادة حكومتين أمام نظام مستبد، و كان لها دور في صياغة دستور تونس و تحقيق السلم و التعايش ، قبلها بسنة شهدت الجزائر أحداث عنف فيما عرف بالربيع الأمازيغي الذي كان حراكا من أجل الهوية ، و في المغرب أيضا فيما عرف بأحداث الكوميرا.

اعتمد صاحب الكتاب على بعض المراجع و منها كتاب "الإسلام الاحتجاجي" للدكتور محمد عبد الباقي الهرماسي باحث في علم الاجتماع ( ص24) ، حيث أبحر فيه بشيء من التفصيل، و يبدو أن هذا المفهوم غير متداول في الكتابات الإسلامية أو ربم لك أتصادف معه في ظل ما يدور من صراعات فكرية حول التدين و النظام، التدين و الشيوعية و العلمانية و لتدين و الحداثة و ما الى ذلك، فالجماعة الإسلامية في راي الغنوشي كانت أكثر تأثرا بكتابات الإخوان و سيد قطب و كادت تنحصر كما يقول هو في الكتابات الإخوانية ( ص 29)، حسب راي الكاتب ، لم يكن لفكر المودودي و مالك بن نبي إلا دور ثانوي في عملية البناء، قد يرى ملاحظ أن كتاب الدكتور عيساوي هو تحصيل حاصل، لأنه ركز على عرض الفكر الهرماسي ، إذ يرى هذا الأخير أن مشروع الحركة كان إسلاميا إيديولوجيا مثاليا لا يلامس الواقع ، و أن المجتمعات التي تسمي إسلامية جاهلية ما دامت لا تصرف شؤونها الحاكمية، و يلاحظ أن الهرماسي بالغ في انتقاده الحركات الإسلامية التي ربما لم تجد الدعم الكافي من الأنظمة العربية و واجهت نظاما مدعما من قبل الأيادي الحمراء، خاصة تلك التي تطبع مع الكيان الصهيوني.

إن اعتماد الدكتور عيساوي على الفكر الهرماسي في نقل تجربة النهضة في تونس و صراعها مع النظام التونسي جعلنا نركز انتباهنا أكثر على فكر الهرماسي و أطروحته حول الإسلام الاحتجاجي، و ما هو الفرق بين هذا الأخير و الإسلام السياسي، بحكم أن الإسلام السياسي هو صراع دائم، أما الاحتجاجي فعمره محدود و قد ينتهي مع انتهاء الأزمة أكانت سياسية أو اقتصادية، إن تحديد المفاهيم طبعا مرتبط بفهم الإشكالية ، فالهرماسي يشير في كتابه أن فشل الحركات الإسلامية سواء في تونس أو في غيرها راجع إلى سياسة "أخونة" الدولة التي دعا إليها تنظيم الإخوان في مصر، ما وقفنا عليه و نحن نتصفح كتاب الدكتور الطيب كمال عيساوي و ما جاء به الفكر الهرماسي هو أن البعض لا يفرق بين الإسلام كدين وعقيدة والمسجد كمؤسسة دينية تقام فيها الطقوس أو العبادات، فهو كمؤسسة ( أي المسجد) له الحق في ان يحتج على وضع ما لا يتماشى مع الدين كشرب الخمر مثلا، فالمسجد كثير الارتباط و التمسك بالنص الديني (القرآن) وما يتعرض له من تفكيك وتأويل من قبل العقلانيين أو الحداثيين التنويريين.

الفيس و النهضة أمام نظام قمعي

لقد عرف على النظام البورقيبي أنه نظام دكتاتوري اتسم بسياسة الاعتقالات لقادة الحركات الإسلامية انطلاقا من راشد الغنوشي و منعه من إلقاء الخطب المسجدية، يحدث في الجزائر ما حدث للغنوشي في تونس عندما حظر النظام الجزائري الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة الشيخ عباسي مدني و قام بنفيه، كذلك منع علي بن حاج الرجل الثاني في الفيس المحظور من دخوله المسجد لأداء صلاة الجمعة أو إلقاء خطبة الجمعة، و تشديد عليه الحصار لتدمير أعصابه و تحطيم معنوياته و قتله معنويا، قد يتساءل سائل إن كان النظام الجزائري عاجز على اغتيال علي بن حاج أم لا؟ طبعا ليس عاجزٌ للتخلص من علي بن حاج الذي هو الآخر دوما يزعج السلطة بمعارضته لها ، فالنظام الجزائر ي ليس بهذا الغباء ليلجأ إلى عملية الاغتيال، من جهة لكي يبعد عنه صفة التطرف، و من جهة أخرى يتجنب تمرد أنصار الفيس و المتعاطفين معه، إن ربط الصراع في تونس بالصراع في الجزائر لرادع إلى أن الأحداث وقعت في ترة واحدة ، ففي نهاية الثمانينيات شهد البلدين حركات عنف، بعد ذهاب الشاذلي بن جديد في الجزائر و مجيء بن علي في تونس.

في هذه الفترة بالذات حدث للنهضة ما حدث للفيس، أراد النظامين الجزائري و التونسي إبعاد الحركات الإسلامية من أجل ترسيخ الحكم الديمقراطي بدل الحكم الإسلامي، و ظهر نظام بوليسي لقمع الإسلاميين، و بالرغم مما كان يحدث في الجزائر من صراع ، فر راشد الغنوشي إلى الجزائر، حسب الأرقام التي وردت في الكتاب فالنظام التونسي قتل أكثر من520 تونسي و سجن 30 ألف منهم، فضلا عن أحداث باب السويقة التي وقعت في 1991 ، والتي أشار إليها الدكتور عيساوي، شبيهة إلى حد ما بأحداث جوان 1991 عندما فضّت قوات الدرك الوطني والشرطة الجزائرية بالقوة المفرطة اعتصامات أنصار حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكما يقول صاحب الكتاب أن حركة النهضة في تونس قد استفادت من تجارب الحركات الإسلامية مع أنظمتها ( ص49) فما حدث في الجزائر و سوريا و مصر و تونس كانت دروسا تعلمت منها حركة النهضة من نظام بن علي.

حسب رأي الغنوشي فإن حركة النهضة استفادت من كل التجارب التي مرت بها الحركات الإسلامية بما فيها الثورة الإيرانية و تجارب الجزائريين، كما كانت الثورة التونسية أكبر اختبار للنهضة و منهجها السلمي مع النظام، إلا أن هذا الأخير لا يزال يمارس سياسة القمع تجاه الحركة من خلال سجن زعيمها الغنوشي و إصدار ضده أحكاما جديدة بنهمة التآمر على الدولة ، هي السياسة نفسها التي ينتهجها النظام الجزائري لاعتقال الناشطين السياسيين بتهمة التجمهر الغير مسلح ، الفرق بين النهضة في تونس و التيار الإسلامي في الجزائر هو أن حركة النهضة التونسية لم تعتمد العمل المسلح وسيلة للوصول إلى الحكم أو استراتيجية دفاعية ضد طغيان النظام.

علجية عيش بتصرف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...