ما تجب الإشارةُ إليه هو أن الفساد البيئي والفساد البشري، كلاهما، صادران عن تصرُّقات البشر. الفساد البشري هو كل ما يُفسد الحياةَ بجميع مظاهرها اجتماعيا، اقتصاديا، إداريا، أخلاقيا، بيئيا، سياسا، وطنيا، جهويا، محلِّيا، فرديا، جماعِيا…والفساد البيئي هو كل ما يتسبَّب في إدخال اختلالات في التوازنات الطبيعية/البيئية.
وقبل الدخول فِي تفاصيل هذه المقالة، يبدو لي أنه لا بد من توضيحٍ لمفهومَي "الطبيعة" و"البيئة".
الطبيعة هي الأرض وما عليها وما فيها وما فوقها من مكوِّنات حية وغير حية، والتي وُجِدت قبل ظهور الإنسان على سطحها بملايير السنين. وبعبارة أخرى، الطبيعة هي الوسط الأرضي المكوَّن من التربة، من التضاريس، من المناخ، من الماء ومن جميع الكائنات الحية من نبات وحيوان.
أما بعد ظهور الإنسان على وجه الأرضِ، فالطبيعة هي الوسط الأرضي الذي اتَّخذه ويتخذه الأنسانُ إطارا لحياته، بجميع مظاهرها، ويستمد منه كل الموارد التي تضمن استمرارَ هذه الحياة. ولما ظهر الإنسانُ على وجه الأرض، وجدَ نفسَه في طبيعة تنوَّعت وتطوَّرت وتكاثرت فيها الحياة بمُكوِّناتها النباتية والحيوانية. بل إن هذه الحياة صمدت في وجه الكوارث التي تعرَّضت لها الطبيعة من تصحُّرٍ désertification وتجلُّدٍ glaciation وانجرافٍ للقارات dérive de continents وحركةٍ بركانية activité volcanique وغزو البحر للبر transgression وتراجع البحر régression وزلازل séismes… وكيفما كان الحالُ، كانت الطبيعةُ تتوفَّر على خاصيات أو مميِّزات تضمن توازنَها واستمرارَ الحياة بها.
أما البيئة، فهي الطبيعة+الإنسان. كيف ذلك؟ لأن الإنسانَ، لما ظهر على وجه الأرض، ظهر ككائن حي شبيه من الناحية البيولوجية بالكائنات الحية الأخرى إذ يتحرَّك، يقتات، يتنفَّس، يذهب إلى الخلاء، يتبول، يتكاثر (يتناسل)... الفرق بينه وبين الكائنات الحية الأخرى هو أنه عاقل واجتماعي… عاقل، أي أنه، خلافا للكائنات الحية الأخرى، لا يتصرَّف بالغريزة لكن بالعقل ويتصرَّف عن وعيٍ بوجوده و وجود الوسط الذي يعيش فيه. وهذا يعني أن تضرُّفَ الإنسان وسلوكَه داخل الطبيعة ناتجان عن تفكير مسبق، محسوب ومدروس. واجتماعي لأنه قادرٌ على العيش في مجتمعات مُنظَّمة، أي لها قوانينُها وأعرافها ومبادئها…
وكون الإنسان كائنا حيا، فإنه في حاجة إلى كل ما يضمن استمرارَ حياته. وكونه كائنا حيا عاقلا، فإنه قادر، بفضل عقله، على تطويع الطبيعة وتسخير مواردها لسد حاجياته البيولوجية، أي أنه قادر على إدخال تغييرات في الطبيعة. وكونه كائنا حيا اجتماعيا، فإنه في حاجة إلى موارد لمأسسة المجتمع وتنظيمه، وبالأخص، لإعمار الأرض، كما أمره اللهُ يذلك.
إذن، الإنسان يستغِلُّ الطبيعةَ ومواردَها لسد حاجياته البيولوجية والاجتماعية. فحينما قلتُ إن البيئة هي : الطبيعة+الإنسان، فهذا يعني أن وجودَ الإنسان في الطبيعة ليس كوجود الكائنات الحية الأخرى في نفس الطبيعة. الإنسان، ككائن حي اجتماعي، يتميَّز عن الكائنات الحية الأخرى، بأبعاده dimensions البشرية، التنظيمية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، العقائدية، العُرفية، المعرفية، التقنية… وهذه الأبعاد هي التي تُملي على الإنسان كيفيةَ تعامُله مع الطبيعة. فتصرُّف الإنسان في الطبيعة لا يمكن فصلُه عن ذات الأبعاد. إذن البيئة هي : الطبيعة+الأبعاد البشرية المُشار إليها أعلاه والتي هي سببُ إدخال تغييراتٍ هائلة على الطبيعة. فعندما قال ابن خلدون : "الإنسان ابن بيئته"، فالمقصود هو أن هذا الإنسان يتأثَّر ببيئته ويؤثِّر عليها. وعندما أقول "يتأثَّر ببيئته"، فالمقصود هو الوسط الذي يعيش فيه، سواءً كان طبيعيا أو مُحدَثاً من طرفه.
الفساد البشري أنواع. قد يكون له بُعدٌ اجتماعي، أخلاقي، اقتصادي، ثقافي، تكنولوجي… غير أن أخطرَ هذه الأنواع هو الفساد السياسي الذي، بحُكم علاقته بتدبير الشأنين العام والمحلي، من السهولة أن يطالَ مفعولُه العديدَ من المرافق المعنية بهذا التَّدبير. وأهمُّ ما يميِّز الفساد السياسي هو استغلال السلطة لتحقيق حاجاتٍ أو مكاسب شخصية، غير مشروعة وغير مُعلنة، عن طريق الزبونية والمحسوبية والارتشاء والتَّزوير والتَّضليل والخِداع واستغلال النفوذ…
والفاسد السياسي، بحُكم جشعه وطمعه وسعيِه وراء الربح والاغتناء السريعين لا يحترم نفسَه ولا يحترم الغير. ولا يحترم الدستورَ والقانونَ ولا يحترم الأخلاقَ والأخلاقيات والقيمَ الإنسانية والدينية… فكيف سيحترم الطبيعةَ والبيئة ولا أدنى شِبر منهما. الفاسد السياسي لا يرى فيهما الا مصدرا لملء الجيوب وللغنائم وللريع… فكيف يُولِّد الفسادُ البشري الفسادَ البيئي؟
أولا وكما سبق الذكرُ، الفساد السياسي هو نوعٌ من الفساد البشري. وكلاهما صادران عن البشر. يعني أن البشرَ هم الذين ينشرون الفسادَ في الحياة اليومية، العامة والخاصة. وهم كذلك مَن يبثُّون الفسادَ في الطبيعة وفي البيئة برّاً، بحرا وجوا.
إذا كان من السهل على السياسيين الفاسدين، وخصوصا السياسيين المستولين على السلطة والمال، أن يتنكَّروا للأخلاق والقيم الإنسانية والدينية للحصول على ربحٍ أو غنيمةٍ أو ريعٍ أو منصبٍ أو مرتبة أو شأن…، ولو يؤدي ذلك إلى خراب المجتمع وتفكيكه، فهُم كذلك مستعدون للتَّنكُّر لأخلاقيات البيئة éthique environnementale للحصول على حاجات غير مشروعة ولو يؤدي ذلك إلى خراب الأوساط الطبيعية.
وإذا كان أربابُ العمل، المالكون لوسائل الإنتاج، مطالبين باحترام العنصر البشري بتمتيعه بحقوقه كاملةً، فنفس أرباب العمل مطالبون باحترام الوسط الطبيعي الذي هو مكان عيش نفس العنصر البشري. لكن الواقعَ الصارخَ بيَّن ويبيِّن لنا أن جلَّ أرباب العمل لا يحترمون لا العنصر البشري ولا الوسط الطبيعي. لا يهمُّهم لا خراب المجتمع ولا خراب الوسط َالطبيعي. ما يهمُّهم، هو الربحُ والربحُ السريع. فأين تذهب مُخلَّفات المصانع السائلة والغازية؟ تذهب إلى البحر وإلى الأنهار وإلى إلجو لتُحدثَ اختلالا في توازنات هذه الأوساط الطبيعية. وهل هذا الاختلالُ يُقلق أربابَ العمل ويجعلهم يشعرون بالذنب لأنهم يساهمون في حدَّة "تغيُّر المناخ"؟ لا، أبدا! ما يُقلقهم هو أن لا يُسفِرَ هذا الاختلالُ عن ربحٍ وريعٍ!
وإذا كان بعض البشر وهم كثيرون، ومنهم السياسيون المسيطرون على السلطة والمال لا يحترمون القانون، وبالتالي، يحرمون الآخرين من حقوقِهم، فنفس السياسيين لا يعيرون أي اهتمام لقانون البيئة droit environnemental الذي يدوسونه بأقدامهم شريطةَ أن يعودَ هذا الدَّوس عليهم بالنَّفع! فمَن يستغلُّ رمالَ المقالع والشواطئ بدون حسيب ولا رقيب؟ ومَن يستغلُّ الثروة السمكية لأعالي البحار؟ ومَن يستغلُّ الغابات والمناجم والأنهارعن طريق الكراء amodiation؟ مَن يستغلُّ هذه الأوساط الطبيعية هم مَن يجمعون بين السلطة والمال والنفوذ! وهل هؤلاء المستغلُّون يحترمون دفاترَ التَّحمُّلات؟ وهل هم مُراقبون كي لا تُؤْدِيَ تصرُّفاتُهم الأوساطَ الطبيعيةَ؟ لا هم يحترمون دفاترَ التَّحمُّلات ولا هم مراقبون. أن تتصحَّرَ الشواطئ والمقالع، وأن تنقرضَ بعض أنواع الأسماك، وأن تتراجعَ الغابات وتُنهك المناجم وتُلوَّثَ الأنهار، فهذا شيءٌ لا يحظى بالأولوية عند هؤلاء المستغلين! ما يحظى بالأولوية هو التواطؤ لملء الجيوب. وَلْتَذْهَبْْ الطبيعةُ والبيئة والبلادُ والعبادُ والأخلاق وأخلاقيات البيئة وقانون البيئة ودفاتر التَّحمُّلات… إلى الجحيم! واللائحة طويلة!
الفسادُ يولِّد الفسادَ! وسيبقى يولِّذ الفسادَ ما دام أهمُّ مبدأ ينصُّ عليه الدستورُ : "ربط المسئولية بالمحاسبة"، حبرا على ورق. فهل من مُنقدٍ للبلاد والعباد؟ يقول اللهُ سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : "...وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة، 2). استغلالُ الأوساط الطبيعية بدون ضمير إثمٌ وعُدوانٌ!
وقبل الدخول فِي تفاصيل هذه المقالة، يبدو لي أنه لا بد من توضيحٍ لمفهومَي "الطبيعة" و"البيئة".
الطبيعة هي الأرض وما عليها وما فيها وما فوقها من مكوِّنات حية وغير حية، والتي وُجِدت قبل ظهور الإنسان على سطحها بملايير السنين. وبعبارة أخرى، الطبيعة هي الوسط الأرضي المكوَّن من التربة، من التضاريس، من المناخ، من الماء ومن جميع الكائنات الحية من نبات وحيوان.
أما بعد ظهور الإنسان على وجه الأرضِ، فالطبيعة هي الوسط الأرضي الذي اتَّخذه ويتخذه الأنسانُ إطارا لحياته، بجميع مظاهرها، ويستمد منه كل الموارد التي تضمن استمرارَ هذه الحياة. ولما ظهر الإنسانُ على وجه الأرض، وجدَ نفسَه في طبيعة تنوَّعت وتطوَّرت وتكاثرت فيها الحياة بمُكوِّناتها النباتية والحيوانية. بل إن هذه الحياة صمدت في وجه الكوارث التي تعرَّضت لها الطبيعة من تصحُّرٍ désertification وتجلُّدٍ glaciation وانجرافٍ للقارات dérive de continents وحركةٍ بركانية activité volcanique وغزو البحر للبر transgression وتراجع البحر régression وزلازل séismes… وكيفما كان الحالُ، كانت الطبيعةُ تتوفَّر على خاصيات أو مميِّزات تضمن توازنَها واستمرارَ الحياة بها.
أما البيئة، فهي الطبيعة+الإنسان. كيف ذلك؟ لأن الإنسانَ، لما ظهر على وجه الأرض، ظهر ككائن حي شبيه من الناحية البيولوجية بالكائنات الحية الأخرى إذ يتحرَّك، يقتات، يتنفَّس، يذهب إلى الخلاء، يتبول، يتكاثر (يتناسل)... الفرق بينه وبين الكائنات الحية الأخرى هو أنه عاقل واجتماعي… عاقل، أي أنه، خلافا للكائنات الحية الأخرى، لا يتصرَّف بالغريزة لكن بالعقل ويتصرَّف عن وعيٍ بوجوده و وجود الوسط الذي يعيش فيه. وهذا يعني أن تضرُّفَ الإنسان وسلوكَه داخل الطبيعة ناتجان عن تفكير مسبق، محسوب ومدروس. واجتماعي لأنه قادرٌ على العيش في مجتمعات مُنظَّمة، أي لها قوانينُها وأعرافها ومبادئها…
وكون الإنسان كائنا حيا، فإنه في حاجة إلى كل ما يضمن استمرارَ حياته. وكونه كائنا حيا عاقلا، فإنه قادر، بفضل عقله، على تطويع الطبيعة وتسخير مواردها لسد حاجياته البيولوجية، أي أنه قادر على إدخال تغييرات في الطبيعة. وكونه كائنا حيا اجتماعيا، فإنه في حاجة إلى موارد لمأسسة المجتمع وتنظيمه، وبالأخص، لإعمار الأرض، كما أمره اللهُ يذلك.
إذن، الإنسان يستغِلُّ الطبيعةَ ومواردَها لسد حاجياته البيولوجية والاجتماعية. فحينما قلتُ إن البيئة هي : الطبيعة+الإنسان، فهذا يعني أن وجودَ الإنسان في الطبيعة ليس كوجود الكائنات الحية الأخرى في نفس الطبيعة. الإنسان، ككائن حي اجتماعي، يتميَّز عن الكائنات الحية الأخرى، بأبعاده dimensions البشرية، التنظيمية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، العقائدية، العُرفية، المعرفية، التقنية… وهذه الأبعاد هي التي تُملي على الإنسان كيفيةَ تعامُله مع الطبيعة. فتصرُّف الإنسان في الطبيعة لا يمكن فصلُه عن ذات الأبعاد. إذن البيئة هي : الطبيعة+الأبعاد البشرية المُشار إليها أعلاه والتي هي سببُ إدخال تغييراتٍ هائلة على الطبيعة. فعندما قال ابن خلدون : "الإنسان ابن بيئته"، فالمقصود هو أن هذا الإنسان يتأثَّر ببيئته ويؤثِّر عليها. وعندما أقول "يتأثَّر ببيئته"، فالمقصود هو الوسط الذي يعيش فيه، سواءً كان طبيعيا أو مُحدَثاً من طرفه.
الفساد البشري أنواع. قد يكون له بُعدٌ اجتماعي، أخلاقي، اقتصادي، ثقافي، تكنولوجي… غير أن أخطرَ هذه الأنواع هو الفساد السياسي الذي، بحُكم علاقته بتدبير الشأنين العام والمحلي، من السهولة أن يطالَ مفعولُه العديدَ من المرافق المعنية بهذا التَّدبير. وأهمُّ ما يميِّز الفساد السياسي هو استغلال السلطة لتحقيق حاجاتٍ أو مكاسب شخصية، غير مشروعة وغير مُعلنة، عن طريق الزبونية والمحسوبية والارتشاء والتَّزوير والتَّضليل والخِداع واستغلال النفوذ…
والفاسد السياسي، بحُكم جشعه وطمعه وسعيِه وراء الربح والاغتناء السريعين لا يحترم نفسَه ولا يحترم الغير. ولا يحترم الدستورَ والقانونَ ولا يحترم الأخلاقَ والأخلاقيات والقيمَ الإنسانية والدينية… فكيف سيحترم الطبيعةَ والبيئة ولا أدنى شِبر منهما. الفاسد السياسي لا يرى فيهما الا مصدرا لملء الجيوب وللغنائم وللريع… فكيف يُولِّد الفسادُ البشري الفسادَ البيئي؟
أولا وكما سبق الذكرُ، الفساد السياسي هو نوعٌ من الفساد البشري. وكلاهما صادران عن البشر. يعني أن البشرَ هم الذين ينشرون الفسادَ في الحياة اليومية، العامة والخاصة. وهم كذلك مَن يبثُّون الفسادَ في الطبيعة وفي البيئة برّاً، بحرا وجوا.
إذا كان من السهل على السياسيين الفاسدين، وخصوصا السياسيين المستولين على السلطة والمال، أن يتنكَّروا للأخلاق والقيم الإنسانية والدينية للحصول على ربحٍ أو غنيمةٍ أو ريعٍ أو منصبٍ أو مرتبة أو شأن…، ولو يؤدي ذلك إلى خراب المجتمع وتفكيكه، فهُم كذلك مستعدون للتَّنكُّر لأخلاقيات البيئة éthique environnementale للحصول على حاجات غير مشروعة ولو يؤدي ذلك إلى خراب الأوساط الطبيعية.
وإذا كان أربابُ العمل، المالكون لوسائل الإنتاج، مطالبين باحترام العنصر البشري بتمتيعه بحقوقه كاملةً، فنفس أرباب العمل مطالبون باحترام الوسط الطبيعي الذي هو مكان عيش نفس العنصر البشري. لكن الواقعَ الصارخَ بيَّن ويبيِّن لنا أن جلَّ أرباب العمل لا يحترمون لا العنصر البشري ولا الوسط الطبيعي. لا يهمُّهم لا خراب المجتمع ولا خراب الوسط َالطبيعي. ما يهمُّهم، هو الربحُ والربحُ السريع. فأين تذهب مُخلَّفات المصانع السائلة والغازية؟ تذهب إلى البحر وإلى الأنهار وإلى إلجو لتُحدثَ اختلالا في توازنات هذه الأوساط الطبيعية. وهل هذا الاختلالُ يُقلق أربابَ العمل ويجعلهم يشعرون بالذنب لأنهم يساهمون في حدَّة "تغيُّر المناخ"؟ لا، أبدا! ما يُقلقهم هو أن لا يُسفِرَ هذا الاختلالُ عن ربحٍ وريعٍ!
وإذا كان بعض البشر وهم كثيرون، ومنهم السياسيون المسيطرون على السلطة والمال لا يحترمون القانون، وبالتالي، يحرمون الآخرين من حقوقِهم، فنفس السياسيين لا يعيرون أي اهتمام لقانون البيئة droit environnemental الذي يدوسونه بأقدامهم شريطةَ أن يعودَ هذا الدَّوس عليهم بالنَّفع! فمَن يستغلُّ رمالَ المقالع والشواطئ بدون حسيب ولا رقيب؟ ومَن يستغلُّ الثروة السمكية لأعالي البحار؟ ومَن يستغلُّ الغابات والمناجم والأنهارعن طريق الكراء amodiation؟ مَن يستغلُّ هذه الأوساط الطبيعية هم مَن يجمعون بين السلطة والمال والنفوذ! وهل هؤلاء المستغلُّون يحترمون دفاترَ التَّحمُّلات؟ وهل هم مُراقبون كي لا تُؤْدِيَ تصرُّفاتُهم الأوساطَ الطبيعيةَ؟ لا هم يحترمون دفاترَ التَّحمُّلات ولا هم مراقبون. أن تتصحَّرَ الشواطئ والمقالع، وأن تنقرضَ بعض أنواع الأسماك، وأن تتراجعَ الغابات وتُنهك المناجم وتُلوَّثَ الأنهار، فهذا شيءٌ لا يحظى بالأولوية عند هؤلاء المستغلين! ما يحظى بالأولوية هو التواطؤ لملء الجيوب. وَلْتَذْهَبْْ الطبيعةُ والبيئة والبلادُ والعبادُ والأخلاق وأخلاقيات البيئة وقانون البيئة ودفاتر التَّحمُّلات… إلى الجحيم! واللائحة طويلة!
الفسادُ يولِّد الفسادَ! وسيبقى يولِّذ الفسادَ ما دام أهمُّ مبدأ ينصُّ عليه الدستورُ : "ربط المسئولية بالمحاسبة"، حبرا على ورق. فهل من مُنقدٍ للبلاد والعباد؟ يقول اللهُ سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : "...وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة، 2). استغلالُ الأوساط الطبيعية بدون ضمير إثمٌ وعُدوانٌ!