في كل عام تَصدر ردات الفعل إثر إعلان فوز روائي بجائزة "البوكر" الإماراتية، مابين التأييد المشبع بالرضا، ومابين التقريع المتخم بالتعجب من النتيجة "غير المهنية"، ويأتي الاختلاف في وجهات النظر متعددة، بتعصب لمكان أو استحقاق لدَور أو كنتيجة لإبداع ملحوظ في متن الرواية وتفاصيلها.
ومن خلال التفكر في هذا الأمر، والذي يصرعنا كل عام بهذه الضوضاء التي باتت رتيبة بل وتدعو للشفقة أحيانا، أود عرض وجهة نظري عبر نقاط عدة:
1- التقديم للرواية يأتي من خلال دار النشر، لاقتناعها بتميز الرواية في أسلوبها أو طرقها المؤهل للتنافس على الجائزة، والشاغل الأساسي هو الثمن المادي وما يترتب عليه الدور المعنوي كترسيخ لقيمة دار النشر، والذي يجعل الأمر تدويريا للعودة لأساس المشاركة "الثمن المادي".
2- الملاحظ أن هناك حصصا محجوزة في كل عام بناء على محددين؛ أولاهما دار النشر وثانيها الدولة التي تتبع لها دار النشر وجنسية الكاتب، فهناك دور نشر لم تغب عن القائمة القصيرة منذ تأسيس المسابقة بنسختها العربية، وهذا يفتح المجال للتساؤل؛ هل وجودها هو استحقاق وظيفي"مهني" أم استكتاب توظيفي "مصلحي".
3-لا أعتقد أن أية لجنة لمسابقة ما، يمكن أن تُجمع بأعضائها على رواية واحدة تكون هى الأجود، وإلا فإننا سنصطدم بفرضية بسيطة وهي أن الأذواق بالمجمل لا تتفق على شيء بشكل كامل، وذلك لأن أنماط التفكير تظل مختلفة بحكم تركيبتها البشرية وتفاوت الأداء الذهني والنفسي لأعضاء اللجنة مثلا إلا إن كانت اللجنة على شاكلة "لجنة سخاءها" وما كان من تكسير لخاطر اللغة العربية لمسمى "مُحَكّمة" لنصدم بأنها مشاركة في عدة لجان لمسابقات عدة، وهذا أعرضه كمثال فقط.
4- لكل مسابقة آلية تتجه في عملها نحو أهداف رئيسية وفرعية، أهداف معلنة وأخرى غير معلنة، وإلا كيف نفسر الهجوم الكبير من متخصصين على فوز رواية ما، وإبراز مواطن الخلل فيها، فإن كان هدف المسابقة هو "التميز" فالمعنى البسيط للكلمة هو الرفعة، بمعنى آخر هو التفرد عن البقية بشكل واضح، دون الحاجة إلى تبريرات لسقطات أو عجز بائن.
5- القوائم الموصوفة بالطويلة والقصيرة، لا تمنح الروايات صكوك الاحتراف أو التمييز عن باقي المنتج الأدبي العام، فكثير ممن لم يتم تقديمه قد يفوق المعروض جودة وإتقانا في عدة محاور من الكتابة.
6- عملية التصفية لقوائم الروايات الأولية، هل تتم ضمن منهجية واضحة، بنفس شخوص لجنة التحكيم أم أنها تمر عبر لجان تمهيدية مهنية ثم تُرفع الأعمال المقبولة للجنة التحكيم المعروفة، وهذا الأمر يأتي استعلاما، ومرده العدد الهائل المتقدم لنيل "ثمن" الجائزة المادي وما يترتب عليه لاحقا من امتيازات، هل تكون كحالة تصفيات برنامج " أرب أيدل"!
7- اختلاف الأذواق لا يجانب العقل شك في حدوثه، لكن الذي لا يمكن أن يتساوق مع المنطق؛ عدم وجود هنّات في المنتج الأدبي، كونه منتج بشري لا يصل لا للاكتمال أو التكامل، ومن هذا فإن الاكتفاء بالإعلان دون نقاش حقيقي للرواية وإبراز تميّزها، هو إفراغ للمكتسب الحقيقي المعلن الذي من خلاله أقيمت المسابقة "التميز".
على كلٍّ؛ لن تهدأ اختلافات الرأي والأمزجة المهنية والتعقيبات المختلفة على نتيجة المسابقة، ليس لأن هناك إثارة لجو من الصحة الأدبية بل لأن هناك استقطابات واضحة للفِرق الماثلة في المشهد الأدبي وغيره.
ملحوظة:
هناك من يفهم اللعبة، فيمشي على هوى الخط المرسوم، حتى أنه يصبح معتمدا ومنظرا لسياسات تطرأ، وإزاء هذا التدجين فإن استحقاق الغَرف ممهد بفعل طاعة سياسات أولي البوكر وغيرها من مفارز الحكاية!
∆ ستستمر هذه الفعاليات -بغض النظر عن هدفها -لتؤسس لتاريخ قادم بالتراكم حتى يُصار إلى تأكيد قاعدة كبيرة على مر الأعوام، في حين تظل مكانات أخرى بعيدة عن قيمتها الزمنية والتاريخية بسبب فساد متنفذين ومتواطئين على تهميش الثقل الحقيقي، لمسار أسهم في تحمل عبء بناء لبنات الأدب والثقافة، وتراجعه وسط هذا الشغب الاستئثاري بفعل مادي مؤثر.
وهذا ما يفسر اختيار عنوان ندوة كـ "نحو عالم جديد للكتابة العربية"، فما هو العالم الجديد؟ ومن يحدد مفاصله؟ ولماذا اختيرت مفردة "الكتابة" بدل "الرواية" محل الاختصاص أو الحدث مثلا!
تمعنوا في الصياغات دائما، ستجدون أين يكمن الخطر!
طلعت قديح
ومن خلال التفكر في هذا الأمر، والذي يصرعنا كل عام بهذه الضوضاء التي باتت رتيبة بل وتدعو للشفقة أحيانا، أود عرض وجهة نظري عبر نقاط عدة:
1- التقديم للرواية يأتي من خلال دار النشر، لاقتناعها بتميز الرواية في أسلوبها أو طرقها المؤهل للتنافس على الجائزة، والشاغل الأساسي هو الثمن المادي وما يترتب عليه الدور المعنوي كترسيخ لقيمة دار النشر، والذي يجعل الأمر تدويريا للعودة لأساس المشاركة "الثمن المادي".
2- الملاحظ أن هناك حصصا محجوزة في كل عام بناء على محددين؛ أولاهما دار النشر وثانيها الدولة التي تتبع لها دار النشر وجنسية الكاتب، فهناك دور نشر لم تغب عن القائمة القصيرة منذ تأسيس المسابقة بنسختها العربية، وهذا يفتح المجال للتساؤل؛ هل وجودها هو استحقاق وظيفي"مهني" أم استكتاب توظيفي "مصلحي".
3-لا أعتقد أن أية لجنة لمسابقة ما، يمكن أن تُجمع بأعضائها على رواية واحدة تكون هى الأجود، وإلا فإننا سنصطدم بفرضية بسيطة وهي أن الأذواق بالمجمل لا تتفق على شيء بشكل كامل، وذلك لأن أنماط التفكير تظل مختلفة بحكم تركيبتها البشرية وتفاوت الأداء الذهني والنفسي لأعضاء اللجنة مثلا إلا إن كانت اللجنة على شاكلة "لجنة سخاءها" وما كان من تكسير لخاطر اللغة العربية لمسمى "مُحَكّمة" لنصدم بأنها مشاركة في عدة لجان لمسابقات عدة، وهذا أعرضه كمثال فقط.
4- لكل مسابقة آلية تتجه في عملها نحو أهداف رئيسية وفرعية، أهداف معلنة وأخرى غير معلنة، وإلا كيف نفسر الهجوم الكبير من متخصصين على فوز رواية ما، وإبراز مواطن الخلل فيها، فإن كان هدف المسابقة هو "التميز" فالمعنى البسيط للكلمة هو الرفعة، بمعنى آخر هو التفرد عن البقية بشكل واضح، دون الحاجة إلى تبريرات لسقطات أو عجز بائن.
5- القوائم الموصوفة بالطويلة والقصيرة، لا تمنح الروايات صكوك الاحتراف أو التمييز عن باقي المنتج الأدبي العام، فكثير ممن لم يتم تقديمه قد يفوق المعروض جودة وإتقانا في عدة محاور من الكتابة.
6- عملية التصفية لقوائم الروايات الأولية، هل تتم ضمن منهجية واضحة، بنفس شخوص لجنة التحكيم أم أنها تمر عبر لجان تمهيدية مهنية ثم تُرفع الأعمال المقبولة للجنة التحكيم المعروفة، وهذا الأمر يأتي استعلاما، ومرده العدد الهائل المتقدم لنيل "ثمن" الجائزة المادي وما يترتب عليه لاحقا من امتيازات، هل تكون كحالة تصفيات برنامج " أرب أيدل"!
7- اختلاف الأذواق لا يجانب العقل شك في حدوثه، لكن الذي لا يمكن أن يتساوق مع المنطق؛ عدم وجود هنّات في المنتج الأدبي، كونه منتج بشري لا يصل لا للاكتمال أو التكامل، ومن هذا فإن الاكتفاء بالإعلان دون نقاش حقيقي للرواية وإبراز تميّزها، هو إفراغ للمكتسب الحقيقي المعلن الذي من خلاله أقيمت المسابقة "التميز".
على كلٍّ؛ لن تهدأ اختلافات الرأي والأمزجة المهنية والتعقيبات المختلفة على نتيجة المسابقة، ليس لأن هناك إثارة لجو من الصحة الأدبية بل لأن هناك استقطابات واضحة للفِرق الماثلة في المشهد الأدبي وغيره.
ملحوظة:
هناك من يفهم اللعبة، فيمشي على هوى الخط المرسوم، حتى أنه يصبح معتمدا ومنظرا لسياسات تطرأ، وإزاء هذا التدجين فإن استحقاق الغَرف ممهد بفعل طاعة سياسات أولي البوكر وغيرها من مفارز الحكاية!
∆ ستستمر هذه الفعاليات -بغض النظر عن هدفها -لتؤسس لتاريخ قادم بالتراكم حتى يُصار إلى تأكيد قاعدة كبيرة على مر الأعوام، في حين تظل مكانات أخرى بعيدة عن قيمتها الزمنية والتاريخية بسبب فساد متنفذين ومتواطئين على تهميش الثقل الحقيقي، لمسار أسهم في تحمل عبء بناء لبنات الأدب والثقافة، وتراجعه وسط هذا الشغب الاستئثاري بفعل مادي مؤثر.
وهذا ما يفسر اختيار عنوان ندوة كـ "نحو عالم جديد للكتابة العربية"، فما هو العالم الجديد؟ ومن يحدد مفاصله؟ ولماذا اختيرت مفردة "الكتابة" بدل "الرواية" محل الاختصاص أو الحدث مثلا!
تمعنوا في الصياغات دائما، ستجدون أين يكمن الخطر!
طلعت قديح