أما المأخوذ شعره، فدعبل الخزاعي، وأما الآخذ شعرَ صاحبه، فأبو تمام.
دعبل الخزاعي:
يقول عنه ابن خلِّكان:
كان شاعراً مجيداً، إلا أنه كان بذئ اللسان مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء فمن دونهم، وطال عمره فكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي، أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك.
ومما يروى عن هجائه الخلفاء، أن أحدهم اشتكاه إلى أمير المؤمنين المأمون يقول:
يا أمير المؤمنين، إن الله سبحانه وتعالى، فضلك في نفسك عليَّ وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل، فانتقم لي منه، فقال المأمون: ما قال؟ لعل قوله:
نُعِر ابن شُكلَة بالعراق وأهله
فهفا إليه كل أطلس مائق
وأنشد (المأمون) الأبيات.
فقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح من هذا.
فقال المأمون: لك أسوة بي، فقد هجاني واحتملته، وقال فيَّ:
أيسومني المأمون خطة جاهل
أو ما رأى بالأمس رأس محمد
إني من القوم الذين سيوفهم
قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله
واستنقذوك من الحضيض الأوهد
فقال إبراهيم: زادك الله حلماً يا أمير المؤمنين وعلماً فيما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك
ولا يحلم إلا اتباعاً لحلمك.
وأشار دعبل في هذه الأبيات إلى قضية طاهر بن الحسين الخزاعي، وحصاره بغداد، وقتله الأمين محمد بن الرشيد، وبذلك ولي المأمون الخلافة. والقصة مشهورة، ودعبل خزاعي، فهو منهم، وكان المأمون إذا أنشد هذه الأبيات يقول:
قبح الله دعبلاً فما أوقحه، كيف يقول عني هذا وقد ولدت في حجر الخلافة ورضعت يديها
وربيت في مهدها؟
أبو تمام:
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، الشاعر المعروف، أحد أمراء البيان، وأستاذ البحتري والمتنبي.
القصة:
يقول أبوبكر الصولي في كتابه (أخبار أبي تمام):
حدثني أبو بكر هرون بن عبد الله المهلبي قال: كنا في حلقة دعبل، فجرى ذكر أبي تمامٍ، فقال دعبل: كان يتتبَّع معانيَّ فيأخذها.
فقال له رجل في مجلسه: ما من ذاك أعزك الله؟
قال، قلت:
وإِنْ أمْرَأً أَسدَى إلىَّ بشافعٍ
إليه ويرجُو الشكرَ مِنِّي لأحْمَقُ
شفيعَكَ فاشكُرْ في الحوائجِ إنه
يصُونُك عن مكروهِها وهو يُخْلِقُ
فقال له الرجل: فكيف قال أبو تمام؟ قال، قال:
فلَقيِتُ بين يَديكَ حُلوَ عَطائِهِ
ولَقيتَ بين يدَيَّ مُرَّ سُؤَالِه
وإذا امرُؤٌ أَسْدَي إلىَّ صنيعةً
من جاهِهِ فكأنَّها من مالِه
فقال الرجل: أحسن والله.
فقال: كذبت قبحك الله.
فقال: والله لئن كان أخذ هذا المعنى وتبعته فما أحسنت، وإن كان أخذه منك. لقد أجاده فصار أولى به منك.
فغضب دعبلٌ وقام .
أقولُ:
أما قول دعبل:
وإِنْ أمْرَأً أَسدَى إلىَّ بشافعٍ
إليه ويرجُو الشكرَ مِنِّي لأحْمَقُ
شفيعَكَ فاشكُرْ في الحوائجِ إنه
يصُونُك عن مكروهِها وهو يُخْلِقُ
فلعلَّ مجمل قصده:
أنه إن أسدى إليه شخصٌ ما معروفا، بوساطة من شافع شفع لدى ذلك الشخص، ورجا وظن هذا الشخص أن أشكره، فهو أحمق. ذلك أن الذي يستحق الشكر مني إنما هو الشفيع، وليس من استجاب للشفيع في قضاء حاجتي. ولذا فاشكر يا سامع شعري الشفيع، لأنه هو الذي صانك، وقضى حاجتك.
وهو ههنا ينكر فضل المسديَ العروف بوساطة الشفيع، ولا يرى له فضلا عليه أبدا.
وأما قول أبي تمام:
فلَقيِتُ بين يَديكَ حُلوَ عَطائِهِ
ولَقيتَ بين يدَيَّ مُرَّ سُؤَالِه
وإذا امرُؤٌ أَسْدَي إلىَّ صنيعةً
من جاهِهِ فكأنَّها من مالِه
فلعل مجمل قصده:
أنه يقول للشفيع: لقد ليقتُ أنا من وساطتك حلو عطاء من وسطُّتُك وطلبتُ شفاعتك لي عندَه، وأما أنت يا من شَفَع لي عند ذلك الشفيع، فلقد كلَّفتُكَ مرَّ سؤالِه، بتعريض ماء وجهك لقبول شفاعته، أو رفضها، وذلك تفضلٌ منك عليَّ. وإن الذي يشفع لي عند من لي حاجةً عندَه، فتُقضَى حاجتي فكأنما أعطاني من حرِّ مالِه.
وأبو تمام ههنا، لا يجحد عطاء المعطي، وإن كان بوساطة، بل يرى عطاءه حلوا.
وقد صدق الرجل الذي قال لدعبل:
والله لئن كان أخذ هذا المعنى، وتبعته فما أحسنتَ، وإن كان أخذه منك. لقد أجاده فصار أولى به منك.
هوامش:
نُعِر: أصدر صوتا بخيشومه.
شكلة: من الأشكل، وهو من اختلط بياضه بحمرة.
هفا إليه: أسرع وخف إليه افتراسا ههنا.
أطلس: الذئب الأغبر.
المائق: الهالك حُمقا.
يبات علي فايد.
دعبل الخزاعي:
يقول عنه ابن خلِّكان:
كان شاعراً مجيداً، إلا أنه كان بذئ اللسان مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء فمن دونهم، وطال عمره فكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي، أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك.
ومما يروى عن هجائه الخلفاء، أن أحدهم اشتكاه إلى أمير المؤمنين المأمون يقول:
يا أمير المؤمنين، إن الله سبحانه وتعالى، فضلك في نفسك عليَّ وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل، فانتقم لي منه، فقال المأمون: ما قال؟ لعل قوله:
نُعِر ابن شُكلَة بالعراق وأهله
فهفا إليه كل أطلس مائق
وأنشد (المأمون) الأبيات.
فقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح من هذا.
فقال المأمون: لك أسوة بي، فقد هجاني واحتملته، وقال فيَّ:
أيسومني المأمون خطة جاهل
أو ما رأى بالأمس رأس محمد
إني من القوم الذين سيوفهم
قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله
واستنقذوك من الحضيض الأوهد
فقال إبراهيم: زادك الله حلماً يا أمير المؤمنين وعلماً فيما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك
ولا يحلم إلا اتباعاً لحلمك.
وأشار دعبل في هذه الأبيات إلى قضية طاهر بن الحسين الخزاعي، وحصاره بغداد، وقتله الأمين محمد بن الرشيد، وبذلك ولي المأمون الخلافة. والقصة مشهورة، ودعبل خزاعي، فهو منهم، وكان المأمون إذا أنشد هذه الأبيات يقول:
قبح الله دعبلاً فما أوقحه، كيف يقول عني هذا وقد ولدت في حجر الخلافة ورضعت يديها
وربيت في مهدها؟
أبو تمام:
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، الشاعر المعروف، أحد أمراء البيان، وأستاذ البحتري والمتنبي.
القصة:
يقول أبوبكر الصولي في كتابه (أخبار أبي تمام):
حدثني أبو بكر هرون بن عبد الله المهلبي قال: كنا في حلقة دعبل، فجرى ذكر أبي تمامٍ، فقال دعبل: كان يتتبَّع معانيَّ فيأخذها.
فقال له رجل في مجلسه: ما من ذاك أعزك الله؟
قال، قلت:
وإِنْ أمْرَأً أَسدَى إلىَّ بشافعٍ
إليه ويرجُو الشكرَ مِنِّي لأحْمَقُ
شفيعَكَ فاشكُرْ في الحوائجِ إنه
يصُونُك عن مكروهِها وهو يُخْلِقُ
فقال له الرجل: فكيف قال أبو تمام؟ قال، قال:
فلَقيِتُ بين يَديكَ حُلوَ عَطائِهِ
ولَقيتَ بين يدَيَّ مُرَّ سُؤَالِه
وإذا امرُؤٌ أَسْدَي إلىَّ صنيعةً
من جاهِهِ فكأنَّها من مالِه
فقال الرجل: أحسن والله.
فقال: كذبت قبحك الله.
فقال: والله لئن كان أخذ هذا المعنى وتبعته فما أحسنت، وإن كان أخذه منك. لقد أجاده فصار أولى به منك.
فغضب دعبلٌ وقام .
أقولُ:
أما قول دعبل:
وإِنْ أمْرَأً أَسدَى إلىَّ بشافعٍ
إليه ويرجُو الشكرَ مِنِّي لأحْمَقُ
شفيعَكَ فاشكُرْ في الحوائجِ إنه
يصُونُك عن مكروهِها وهو يُخْلِقُ
فلعلَّ مجمل قصده:
أنه إن أسدى إليه شخصٌ ما معروفا، بوساطة من شافع شفع لدى ذلك الشخص، ورجا وظن هذا الشخص أن أشكره، فهو أحمق. ذلك أن الذي يستحق الشكر مني إنما هو الشفيع، وليس من استجاب للشفيع في قضاء حاجتي. ولذا فاشكر يا سامع شعري الشفيع، لأنه هو الذي صانك، وقضى حاجتك.
وهو ههنا ينكر فضل المسديَ العروف بوساطة الشفيع، ولا يرى له فضلا عليه أبدا.
وأما قول أبي تمام:
فلَقيِتُ بين يَديكَ حُلوَ عَطائِهِ
ولَقيتَ بين يدَيَّ مُرَّ سُؤَالِه
وإذا امرُؤٌ أَسْدَي إلىَّ صنيعةً
من جاهِهِ فكأنَّها من مالِه
فلعل مجمل قصده:
أنه يقول للشفيع: لقد ليقتُ أنا من وساطتك حلو عطاء من وسطُّتُك وطلبتُ شفاعتك لي عندَه، وأما أنت يا من شَفَع لي عند ذلك الشفيع، فلقد كلَّفتُكَ مرَّ سؤالِه، بتعريض ماء وجهك لقبول شفاعته، أو رفضها، وذلك تفضلٌ منك عليَّ. وإن الذي يشفع لي عند من لي حاجةً عندَه، فتُقضَى حاجتي فكأنما أعطاني من حرِّ مالِه.
وأبو تمام ههنا، لا يجحد عطاء المعطي، وإن كان بوساطة، بل يرى عطاءه حلوا.
وقد صدق الرجل الذي قال لدعبل:
والله لئن كان أخذ هذا المعنى، وتبعته فما أحسنتَ، وإن كان أخذه منك. لقد أجاده فصار أولى به منك.
هوامش:
نُعِر: أصدر صوتا بخيشومه.
شكلة: من الأشكل، وهو من اختلط بياضه بحمرة.
هفا إليه: أسرع وخف إليه افتراسا ههنا.
أطلس: الذئب الأغبر.
المائق: الهالك حُمقا.
يبات علي فايد.