تعرضت مقولة (موت الناقد ) التي وضعها الأكاديمي البريطاني رونان ماكدونالد عنوانا لكتابه الصادر عام
2007 وترجمه وقدم له الكاتب والمترجم فخري صالح عام 2014 وصدر عن دار العين للطباعة والنشر والمركز القومي للترجمة / القاهرة ، إذ تعرضت هذه المقولةإلى التباس في الفهم شأنها شأن العديد من المصطلحات والمقولات الوافدة من الٱخر ، وعدّ البعضُ الناقدَ حلقة فائضة ولامبرر لوجوده بعد التطور الحاصل في مرجعيات المتلقي ، إلاّ أن حقيقة الأمر ليست كما يتصورون ، وسأقدم فيما يلي من السطور التصور الصحيح لمقولة ماكدونالد وفق المفهوم والمعنىٰ الذي ذهب إليه في كتابه ٱنف الذكر .
تقوم فكرة موت الناقد على تقويض النقد الأكاديمي الجامعي الانكلوسكسوني الذي تسيد المشهد النقدي البريطاني في العقود الثالث والرابع والخامس من القرن الماضي والذي قام على التقويم و اصدار الحكم القيمي على النصوص الأدبية ، ولعل مفردة ( موت) هي إشارة رمزية دالة على فقدان النقد الأكاديمي وكذلك الصحفي دورهما في الثقافة الانكلوسكسونية خلال العقود الٱنفة الذكر ، ويشير المترجم في مقدمته إلى أن الفكرة المركزية لهذا الكتاب ( تقوم على مقولة بسيطة ، هي أن النقد الأكاديمي القائم على حكم القيمة قد تراجع دوره وتضاءل تأثيره وضعفت صلته بجمهرة القراء في ظل مدّ النقد الثقافي ....ص9)وقد كان لإضرابات الطلبة في فرنسا وامريكا عام ،1968 التي رفضت كل أشكال الهيمنة والسلطة ومنها سلطة الناقد الأكاديمي التي تهيكلت على الدراسات البلاغية والجمالية الصرفة ، ولعل ما أسفرت عنه تلك الإضرابات التي أسهم فيها اغلب الفلاسفة الفرنسيين أمثال ميشيل فوكو وسارتر ولاكن ودريدا ، من بدء مرحلة مابعد الحداثة بعد أن تبين فشل مشروع الحداثة في إقامة مجتمع العدالة والرفاهية ، وبذلك تم الكشف عن فشل السرديات الكبرى بعد استخدامها لمكونات السرديات الصغرى / الإثنية والهوايات الدينية والقومية حسب (ليوتار) وظهرت أعقاب تلك الإضرابات مناهج مابعد الحداثة/ مابعد البنيوية لتمنح المتلقي حقه في قراءة النصوص وتأويله والمساهمة في إنتاجها وبذا فقد تحول الناقد إلى قاريء مثالي، لقد وضع رونان ماكدونالد ثقته بالنقد الثقافي الذي أزاح جماليات النصوص باتجاه الكشف عن الأنساق المضمرة في النصوص كندّ للنقد الأكاديمي الانكلوسكسوني ، في الوقت الذي حافظ فيه النقد الفرانكفوني على هيبة المناهج النقدية الجديدة / بعد البنيوية في إقامة الوضع الجديد للنقد الذي أنتجته له تلك المناهج ، فانتقل النقد من التقويم واعطاء الأحكام القيمية النصوص الى منطقة التحليل ، على أن ماكدونالد لم يعدم قيمة الجهد النقدي والحاجة الملحة للنقد الذي يتمتع فيه الناقد بمرجعيات فكرية وجمالية ومعرفية لاتتوفر في المتلقي الاعتيادي ، إذ أن هذه المرجعيات ستمكن الناقد من تقديم رؤية نقدية تكشف الكثير من عتمات النصوص عبر التأويل الإيجابي الذي يمنح النص حياةً جديدة .
اذن هي الصيرورة النقدية التي تقترح مايتناسب والصيرورة الاجتماعية والثقافية ، وما أشار إليه ماكدونالد هو الانتقال والتحول من التقويم وإصدار الأحكام القيمية إلى منطقة التحليل والكشف تبعا لما يستجد من مناهج نقدية تسمح بذلك ، أن النقد في كل المجتمعات المعاصرة ينحو هذا النحو ومنها النقد العربي.
ولمن يحب التوسعة في الاطلاع على مفهوم هذه المقولة وامتدادها الفكري والمعرفي عليه مراجعة كتاب موت الناقد لرونان ماكدونالد قبل أن يضع الورود على قبر الناقد .
عبد علي حسن
30/5/2023
2007 وترجمه وقدم له الكاتب والمترجم فخري صالح عام 2014 وصدر عن دار العين للطباعة والنشر والمركز القومي للترجمة / القاهرة ، إذ تعرضت هذه المقولةإلى التباس في الفهم شأنها شأن العديد من المصطلحات والمقولات الوافدة من الٱخر ، وعدّ البعضُ الناقدَ حلقة فائضة ولامبرر لوجوده بعد التطور الحاصل في مرجعيات المتلقي ، إلاّ أن حقيقة الأمر ليست كما يتصورون ، وسأقدم فيما يلي من السطور التصور الصحيح لمقولة ماكدونالد وفق المفهوم والمعنىٰ الذي ذهب إليه في كتابه ٱنف الذكر .
تقوم فكرة موت الناقد على تقويض النقد الأكاديمي الجامعي الانكلوسكسوني الذي تسيد المشهد النقدي البريطاني في العقود الثالث والرابع والخامس من القرن الماضي والذي قام على التقويم و اصدار الحكم القيمي على النصوص الأدبية ، ولعل مفردة ( موت) هي إشارة رمزية دالة على فقدان النقد الأكاديمي وكذلك الصحفي دورهما في الثقافة الانكلوسكسونية خلال العقود الٱنفة الذكر ، ويشير المترجم في مقدمته إلى أن الفكرة المركزية لهذا الكتاب ( تقوم على مقولة بسيطة ، هي أن النقد الأكاديمي القائم على حكم القيمة قد تراجع دوره وتضاءل تأثيره وضعفت صلته بجمهرة القراء في ظل مدّ النقد الثقافي ....ص9)وقد كان لإضرابات الطلبة في فرنسا وامريكا عام ،1968 التي رفضت كل أشكال الهيمنة والسلطة ومنها سلطة الناقد الأكاديمي التي تهيكلت على الدراسات البلاغية والجمالية الصرفة ، ولعل ما أسفرت عنه تلك الإضرابات التي أسهم فيها اغلب الفلاسفة الفرنسيين أمثال ميشيل فوكو وسارتر ولاكن ودريدا ، من بدء مرحلة مابعد الحداثة بعد أن تبين فشل مشروع الحداثة في إقامة مجتمع العدالة والرفاهية ، وبذلك تم الكشف عن فشل السرديات الكبرى بعد استخدامها لمكونات السرديات الصغرى / الإثنية والهوايات الدينية والقومية حسب (ليوتار) وظهرت أعقاب تلك الإضرابات مناهج مابعد الحداثة/ مابعد البنيوية لتمنح المتلقي حقه في قراءة النصوص وتأويله والمساهمة في إنتاجها وبذا فقد تحول الناقد إلى قاريء مثالي، لقد وضع رونان ماكدونالد ثقته بالنقد الثقافي الذي أزاح جماليات النصوص باتجاه الكشف عن الأنساق المضمرة في النصوص كندّ للنقد الأكاديمي الانكلوسكسوني ، في الوقت الذي حافظ فيه النقد الفرانكفوني على هيبة المناهج النقدية الجديدة / بعد البنيوية في إقامة الوضع الجديد للنقد الذي أنتجته له تلك المناهج ، فانتقل النقد من التقويم واعطاء الأحكام القيمية النصوص الى منطقة التحليل ، على أن ماكدونالد لم يعدم قيمة الجهد النقدي والحاجة الملحة للنقد الذي يتمتع فيه الناقد بمرجعيات فكرية وجمالية ومعرفية لاتتوفر في المتلقي الاعتيادي ، إذ أن هذه المرجعيات ستمكن الناقد من تقديم رؤية نقدية تكشف الكثير من عتمات النصوص عبر التأويل الإيجابي الذي يمنح النص حياةً جديدة .
اذن هي الصيرورة النقدية التي تقترح مايتناسب والصيرورة الاجتماعية والثقافية ، وما أشار إليه ماكدونالد هو الانتقال والتحول من التقويم وإصدار الأحكام القيمية إلى منطقة التحليل والكشف تبعا لما يستجد من مناهج نقدية تسمح بذلك ، أن النقد في كل المجتمعات المعاصرة ينحو هذا النحو ومنها النقد العربي.
ولمن يحب التوسعة في الاطلاع على مفهوم هذه المقولة وامتدادها الفكري والمعرفي عليه مراجعة كتاب موت الناقد لرونان ماكدونالد قبل أن يضع الورود على قبر الناقد .
عبد علي حسن
30/5/2023