بقعة ضوء
(١٤)
أيادي بيضاء، للأمويين على الإسلام والمسلمين، تطل برأسها من حين لآخر لتعلن عن نفسها دون استدعاء أو تعمد مني ولكن فعلهم يفيض ويبرز، ولما لا ودولتهم كان عمرها ستين سنة شقوا الأرض بأقدامهم وجعلوا لنا مكانا تحت الشمس، دولة الفتوحات الكبرى.
وقبل أن يقول أحدهم يعاني من مرض في قلبه، أن أغلبهم كانوا مستبدين، أصلوا للملك العضوض، فأنني أسألك بالله لو قدر لك أن تضع الحذاء البالي لواحد من الأمويين في كفة وتضع كل من يكبر في عينك وتحفظ اسمه عن ظهر قلب في الكفة المقابلة، فأيهما ترجح كفته؟ إنها كفة حذاء الأموي البالية، وسوف تبطن أمنية مستحيلة بعودة واحد منهم كي يخلصوك من الأوحال التي تغوص فيها من أخمص قدمك وحتى شعر رأسك، ولكن هيهات.
الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عين حسان بن النعمان الغساني من قبيلة الغساسنة (كانوا يدينون بالنصرانية) الذين كانوا يقودون بادية الشام في القرن السابق على الفتح الإسلامي، بعض هذه القبيلة هاجروا إلى مصر أثناء حكم الرومان، والبعض الآخر ظل بالشام ليصبحوا مع القبائل الأخرى التي دخلت الإسلام من النخبة التي تمثل العمود الفقري للأمويين.
كان يلقب «بالشيخ الأمين» كما أنه كان قائدا كفأً وإداريًا يعتد به، أمده الخليفة بجيش قوامه أربعين ألف رجل، وكانت هذه كبرى الحملات الإسلامية التي جاست في الشمال الأفريقي، وقرر أن يبدأ بقرطاجنة لأنها مازالت معقل الدولة البيزنطية في الشمال الأفريقي ما يعني أنهم يمثلون تهديدا لجيش المسلمين فقرر أن يضع نهاية لهذا التهديد، أو قل نهاية الدولة البيزنطية في أفريقيا.
يقول كينيدي المنحاز ضد المسلمين وفتوحهم، واستمرارا للانتقاص المتعمد منهم، أن فتحها كان احتلال أو حصار عسكري أكثر منه ملاقاة جيشين، وأن هذه المدينة كانت من الجمال والدقة تفيض بالحضارة الرومانية ومعالمها، ولكنها كانت مهجورة قبل الفتح الإسلامي بخمسين سنة ولم يتبق فيها سوى أطلال للحضارة الرومانية، وأن سكانها تركوها وأبحروا ليلا إلى مناطق أخرى، فكيف تكون معقل الدولة البيزنطية ومهجورة قبل الفتح الإسلامي بخمسين سنة في آن، فأي منطق هذا سوى منطق الزيف والبهتان الذي لا يليق بعالم؟!
ملكة البربر:
سيق حولها الكثير من الحكايات، من بينها أنها كانت كاهنة مسيحية أو يهودية ولم يثبت بأي حال من الأحوال مطلقا أن أقيم ممالك يهودية في بلاد المغرب بعامة، ولكن المستشرق إدوارد جيبون الذي يماثل ابن بلده كينيدي في الانحياز ضد المسلمين ساق من الأكاذيب حول هذه السيدة والتي عندما شعرت بتقدم جيش حسان خاطبت البربر بالقول:
«إن العرب إنما يطلبون من أفريقيا المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقيا كلها حتى ييأس منها العرب، فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر»
فاستجابوا لدعواها، فالشمال الأفريقي الذي كان ظلا واحدًا من طرابلس إلى طنجة، بلاد متصلة غناء تفيض بالخيرات أصبحت قاعا صفصفا كأن لم تغنى بالأمس.
أرسل حسان يطلب المدد من الخليفة الأموي فكان له ما طلب بالإضافة إلى انضمام البربر -الذين كانوا يرفضون حكم هذه الكاهنة- إلى صفوف جيش المسلمين بعد إسلامهم بالطبع، تقدم حسان بجيشه حتى بلغ جبال أوراس، معقل الكاهنة والتي انتصر على جيشها وأرسلت تطلب الأمان لولديها، عاد حسان إلى القيروان ليرسي قواعد النظام الأموي (الذي أوجع كينيدي) فأسس ديوانا لإدارة الدولة ونظام الجند وأسس مدينة تونس الجديدة، بينما الجيش الذي تأسس من البربر لعب دورا أساسيا في فتحالأندلس مع موسى بن نصير.
يقول كينيدي:
«وسرعان ما انطلق موسى صوب الغرب، وفي سجومة سمح لأبناء عقبة بن نافع بأن ينتقموا لموت أبيهم، فقتلوا من أهل سجومة ستمائة ألف رجل من كبارهم، ثم واصل مسيره لإخضاع القبائل البربرية الكبرى، هوارة، وزناتة، وكتومة، فأخذ منهم السبايا وعين لهم رؤساء جدد ليكونوا موالين للفاتحين المسلمين، وكانت المقاومة قليلة جدا من جانب الناس المستقرين لأن الكثير من مدن إفريقيا كانت خالية بسبب عداوة البربر تجاههم حسبما لاحظ المؤرخ العربي ابن عذارى، وإذ سار موسى بن نصير على خطوات عقبة بن نافع، فإنه واصل اندفاعه نحو الغرب مطاردا القبائل البربرية التي كانت تفر أمامه، وبخلاف عقبة لم يتحول عن طنجة، وقيل أنه استولى على المدينة وعين مولاه الذي كان من عتقاء البربر، طارق بن زياد، واليا، وهي المرة الأولى على ما نعرف التي يتولى واحد من البربر المسلمين منصب قيادة في الجيش المسلم، وترك معه حامية، تكونت في معظمها من البربر الذين اعتنقوا الإسلام حديثا ومعهم عدد قليل من العرب وأمر العرب أن يعلموا البربر القرآن وأن يرشدوهم في أمور الدين»
ولنا هنا وقفة:
استغرق بلوغ المسلمين من مصر إلى طنجة بالمغرب سبعين سنة كانت حافلة بالتفاصيل والمد والجزر والخلافات بين قادة المسلمين أنفسهم، وهذا شيء طبيعي جدا، فما تراه عيني يختلف حقا وحقيقة عما تراه عينك، وإن توحد هدفنا، ولكنهم بلغوا مأربهم في النهاية، لا يهم الخلافات فتلك هي طبيعة البشر إلى أن تقوم الساعة ولكن المهم هو نقاء السريرة وصدق النية وسلامة القلب.
منذ أن بدأت هذه السلسلة نلاحظ شيئًا هامًا وجوهريًا هو أن الإسلام يحتوي كل الألسن والثقافات والألوان احتواء عجيبا، فمنذ خروج العرب من شبه الجزيرة يبشرون بالدين الجديد وهم يكثر سوادهم كمسلمين بانضمام الكرد والتتر والقبط والبربر والأمازيغ والفرس والبيض والسود والحمر والصفر، ترى هذه الصورة ماثلة في الاجتماع السنوي بأمر إلهي لنا وجعله فرض عين «الحج» ليذكرنا بما أراده وارتضاه لنا.
وكل هؤلاء يصطفون في صف واحد تحت لواء واحد، وطالما كان هذا اللواء مرفوع وماثل والكل ينضوي تحته فهم بكل خلافاتهم وإخفاقاتهم ونجاحاتهم وسوءاتهم وحسناتهم بخير، فإن نكست هذه الراية فلا يرون خير قط ليتحقق مراد الله فينا بالقول:
{إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (92 الأنبياء)
هو سماكم المسلمين:
هذه هي بطاقة الهوية الوحيدة المتعارف عليها والتي أرادها الله لنا.
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (78 الحج)
وهذه البطاقة هي بوصلة الأمان لنا طالما تحققت فإن تضعضعت بدرجة ما غاب الأمان بأنواعه، وأذكركم بشيء هام دال وهو سقوط الأندلس وسبق أن تعرضت له هنا بالتفصيل، من أجل أسباب سقوطها ظلم الأمويين للبربر منذ أن وطئت أقدامهم الأندلس حيث كانت المناصب العليا للعرب وأغمطوا حقهم رغم أنهم كانوا السواد الأعظم في الجيش الفاتح، أما السبب الآخر والذي لا يقل أهمية عنه بل يتساوى معه هو ظهور النعرات القبلية بين المسلمين وهذا نقيض بطاقة الهوية الإلهية التي ارتضاها لهم، فقد علت أصواتهم بحمية الجاهلية الأولى بالقول، هذا قيسي وهذا يمني وهذا حجازي، فكانت القاسمة الإلهية التي هزمتهم في معركة بلاط الشهداء فجعلت الفرنسي جوستاف لوبون يكاد يبكي حزنا لأن المسلمين لم يكملوا فتح أوروبا عندما بلغوا جنوب فرنسا فقط وقال أن أوروبا تأخرت مائة عام بسبب هذا التقهقر، ولم ينس ذكر أن نابليون عاد إلى فرنسا بالفقه الإسلامي ليكون التكأة والمنطلق لقوانين فرنسا وهو ما ذكره فولتير فيما بعد لدرجة أن القساوسة رفضوا الصلاة عليه بعد موته من كثرة مدحة للفقه الإسلامي.
واليوم وبعد تقسيم الكتلة التي كانت تنضوي تحت راية واحدة، أغرى عدونا صمتنا وقبولنا خداعه لنا فقسمنا إلى دول بإحياء النعرات القومية والتي احتواها ولم ينكرها الإسلام، ليقسمنا إلى دويلات غير هياب، بإطلاق الصيحات والنعرات الدينية والعرقية لكل فئة ولو كانوا عاطفة في حارة، فماذا نحن فاعلون؟
وللحديث بقية إن شاء الله
(١٤)
أيادي بيضاء، للأمويين على الإسلام والمسلمين، تطل برأسها من حين لآخر لتعلن عن نفسها دون استدعاء أو تعمد مني ولكن فعلهم يفيض ويبرز، ولما لا ودولتهم كان عمرها ستين سنة شقوا الأرض بأقدامهم وجعلوا لنا مكانا تحت الشمس، دولة الفتوحات الكبرى.
وقبل أن يقول أحدهم يعاني من مرض في قلبه، أن أغلبهم كانوا مستبدين، أصلوا للملك العضوض، فأنني أسألك بالله لو قدر لك أن تضع الحذاء البالي لواحد من الأمويين في كفة وتضع كل من يكبر في عينك وتحفظ اسمه عن ظهر قلب في الكفة المقابلة، فأيهما ترجح كفته؟ إنها كفة حذاء الأموي البالية، وسوف تبطن أمنية مستحيلة بعودة واحد منهم كي يخلصوك من الأوحال التي تغوص فيها من أخمص قدمك وحتى شعر رأسك، ولكن هيهات.
الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عين حسان بن النعمان الغساني من قبيلة الغساسنة (كانوا يدينون بالنصرانية) الذين كانوا يقودون بادية الشام في القرن السابق على الفتح الإسلامي، بعض هذه القبيلة هاجروا إلى مصر أثناء حكم الرومان، والبعض الآخر ظل بالشام ليصبحوا مع القبائل الأخرى التي دخلت الإسلام من النخبة التي تمثل العمود الفقري للأمويين.
كان يلقب «بالشيخ الأمين» كما أنه كان قائدا كفأً وإداريًا يعتد به، أمده الخليفة بجيش قوامه أربعين ألف رجل، وكانت هذه كبرى الحملات الإسلامية التي جاست في الشمال الأفريقي، وقرر أن يبدأ بقرطاجنة لأنها مازالت معقل الدولة البيزنطية في الشمال الأفريقي ما يعني أنهم يمثلون تهديدا لجيش المسلمين فقرر أن يضع نهاية لهذا التهديد، أو قل نهاية الدولة البيزنطية في أفريقيا.
يقول كينيدي المنحاز ضد المسلمين وفتوحهم، واستمرارا للانتقاص المتعمد منهم، أن فتحها كان احتلال أو حصار عسكري أكثر منه ملاقاة جيشين، وأن هذه المدينة كانت من الجمال والدقة تفيض بالحضارة الرومانية ومعالمها، ولكنها كانت مهجورة قبل الفتح الإسلامي بخمسين سنة ولم يتبق فيها سوى أطلال للحضارة الرومانية، وأن سكانها تركوها وأبحروا ليلا إلى مناطق أخرى، فكيف تكون معقل الدولة البيزنطية ومهجورة قبل الفتح الإسلامي بخمسين سنة في آن، فأي منطق هذا سوى منطق الزيف والبهتان الذي لا يليق بعالم؟!
ملكة البربر:
سيق حولها الكثير من الحكايات، من بينها أنها كانت كاهنة مسيحية أو يهودية ولم يثبت بأي حال من الأحوال مطلقا أن أقيم ممالك يهودية في بلاد المغرب بعامة، ولكن المستشرق إدوارد جيبون الذي يماثل ابن بلده كينيدي في الانحياز ضد المسلمين ساق من الأكاذيب حول هذه السيدة والتي عندما شعرت بتقدم جيش حسان خاطبت البربر بالقول:
«إن العرب إنما يطلبون من أفريقيا المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقيا كلها حتى ييأس منها العرب، فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر»
فاستجابوا لدعواها، فالشمال الأفريقي الذي كان ظلا واحدًا من طرابلس إلى طنجة، بلاد متصلة غناء تفيض بالخيرات أصبحت قاعا صفصفا كأن لم تغنى بالأمس.
أرسل حسان يطلب المدد من الخليفة الأموي فكان له ما طلب بالإضافة إلى انضمام البربر -الذين كانوا يرفضون حكم هذه الكاهنة- إلى صفوف جيش المسلمين بعد إسلامهم بالطبع، تقدم حسان بجيشه حتى بلغ جبال أوراس، معقل الكاهنة والتي انتصر على جيشها وأرسلت تطلب الأمان لولديها، عاد حسان إلى القيروان ليرسي قواعد النظام الأموي (الذي أوجع كينيدي) فأسس ديوانا لإدارة الدولة ونظام الجند وأسس مدينة تونس الجديدة، بينما الجيش الذي تأسس من البربر لعب دورا أساسيا في فتحالأندلس مع موسى بن نصير.
يقول كينيدي:
«وسرعان ما انطلق موسى صوب الغرب، وفي سجومة سمح لأبناء عقبة بن نافع بأن ينتقموا لموت أبيهم، فقتلوا من أهل سجومة ستمائة ألف رجل من كبارهم، ثم واصل مسيره لإخضاع القبائل البربرية الكبرى، هوارة، وزناتة، وكتومة، فأخذ منهم السبايا وعين لهم رؤساء جدد ليكونوا موالين للفاتحين المسلمين، وكانت المقاومة قليلة جدا من جانب الناس المستقرين لأن الكثير من مدن إفريقيا كانت خالية بسبب عداوة البربر تجاههم حسبما لاحظ المؤرخ العربي ابن عذارى، وإذ سار موسى بن نصير على خطوات عقبة بن نافع، فإنه واصل اندفاعه نحو الغرب مطاردا القبائل البربرية التي كانت تفر أمامه، وبخلاف عقبة لم يتحول عن طنجة، وقيل أنه استولى على المدينة وعين مولاه الذي كان من عتقاء البربر، طارق بن زياد، واليا، وهي المرة الأولى على ما نعرف التي يتولى واحد من البربر المسلمين منصب قيادة في الجيش المسلم، وترك معه حامية، تكونت في معظمها من البربر الذين اعتنقوا الإسلام حديثا ومعهم عدد قليل من العرب وأمر العرب أن يعلموا البربر القرآن وأن يرشدوهم في أمور الدين»
ولنا هنا وقفة:
استغرق بلوغ المسلمين من مصر إلى طنجة بالمغرب سبعين سنة كانت حافلة بالتفاصيل والمد والجزر والخلافات بين قادة المسلمين أنفسهم، وهذا شيء طبيعي جدا، فما تراه عيني يختلف حقا وحقيقة عما تراه عينك، وإن توحد هدفنا، ولكنهم بلغوا مأربهم في النهاية، لا يهم الخلافات فتلك هي طبيعة البشر إلى أن تقوم الساعة ولكن المهم هو نقاء السريرة وصدق النية وسلامة القلب.
منذ أن بدأت هذه السلسلة نلاحظ شيئًا هامًا وجوهريًا هو أن الإسلام يحتوي كل الألسن والثقافات والألوان احتواء عجيبا، فمنذ خروج العرب من شبه الجزيرة يبشرون بالدين الجديد وهم يكثر سوادهم كمسلمين بانضمام الكرد والتتر والقبط والبربر والأمازيغ والفرس والبيض والسود والحمر والصفر، ترى هذه الصورة ماثلة في الاجتماع السنوي بأمر إلهي لنا وجعله فرض عين «الحج» ليذكرنا بما أراده وارتضاه لنا.
وكل هؤلاء يصطفون في صف واحد تحت لواء واحد، وطالما كان هذا اللواء مرفوع وماثل والكل ينضوي تحته فهم بكل خلافاتهم وإخفاقاتهم ونجاحاتهم وسوءاتهم وحسناتهم بخير، فإن نكست هذه الراية فلا يرون خير قط ليتحقق مراد الله فينا بالقول:
{إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (92 الأنبياء)
هو سماكم المسلمين:
هذه هي بطاقة الهوية الوحيدة المتعارف عليها والتي أرادها الله لنا.
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (78 الحج)
وهذه البطاقة هي بوصلة الأمان لنا طالما تحققت فإن تضعضعت بدرجة ما غاب الأمان بأنواعه، وأذكركم بشيء هام دال وهو سقوط الأندلس وسبق أن تعرضت له هنا بالتفصيل، من أجل أسباب سقوطها ظلم الأمويين للبربر منذ أن وطئت أقدامهم الأندلس حيث كانت المناصب العليا للعرب وأغمطوا حقهم رغم أنهم كانوا السواد الأعظم في الجيش الفاتح، أما السبب الآخر والذي لا يقل أهمية عنه بل يتساوى معه هو ظهور النعرات القبلية بين المسلمين وهذا نقيض بطاقة الهوية الإلهية التي ارتضاها لهم، فقد علت أصواتهم بحمية الجاهلية الأولى بالقول، هذا قيسي وهذا يمني وهذا حجازي، فكانت القاسمة الإلهية التي هزمتهم في معركة بلاط الشهداء فجعلت الفرنسي جوستاف لوبون يكاد يبكي حزنا لأن المسلمين لم يكملوا فتح أوروبا عندما بلغوا جنوب فرنسا فقط وقال أن أوروبا تأخرت مائة عام بسبب هذا التقهقر، ولم ينس ذكر أن نابليون عاد إلى فرنسا بالفقه الإسلامي ليكون التكأة والمنطلق لقوانين فرنسا وهو ما ذكره فولتير فيما بعد لدرجة أن القساوسة رفضوا الصلاة عليه بعد موته من كثرة مدحة للفقه الإسلامي.
واليوم وبعد تقسيم الكتلة التي كانت تنضوي تحت راية واحدة، أغرى عدونا صمتنا وقبولنا خداعه لنا فقسمنا إلى دول بإحياء النعرات القومية والتي احتواها ولم ينكرها الإسلام، ليقسمنا إلى دويلات غير هياب، بإطلاق الصيحات والنعرات الدينية والعرقية لكل فئة ولو كانوا عاطفة في حارة، فماذا نحن فاعلون؟
وللحديث بقية إن شاء الله