محمد آيت واكروش - تقديم المجموعة القصصية (هزك الماء) للقاص سي حاميد اليوسفي

تقديم

بعد أن نشر مؤلفه الأول "وشم في الذاكرة "، وبعده المجموعة القصصية الأولي تحت عنوان "الكأس المكسورة" ثم المجموعة الثانية "وجوه"، وبمجرد عزمه على نشر مجموعته القصصية الثالثة التي تحمل عنوان "هزك الما"، طلب مني أخي وصديقي سي حاميد اليوسفي كتابة تقديم لهذه المجموعة القصصية. ولئن كان من الصعب رفض هذا التكليف /التشريف بحكم التقدير الذي أكنه له، والعلاقة المتينة التي ربطتنا ولازالت، فإن القبول به كأصعب مهمة تواجهني في مساري على جميع المستويات، يشكل مغامرة غير محسوبة العواقب بسبب عدم تمكني من معرفة دقيقة بالقصة كجنس أدبي ينضوي تحته مؤلف "هزك الما"، وله بطبيعة الحال خريطته ومفاتيحه، بالإضافة لعدم تمكني من أدوات النقد الادبي، وهو وضع جعلني أخوف ما أخاف عليه أن أجد نفسي أضرب في أرجاء عمل على غير هدي، ولهذا أيضا لم يخطر ببالي أن أقوم يوما بهكذا مبادرة.

ولأن كتابات سي حاميد اليوسفي تحمل في طياتها رؤيته للإنسان وللعالم بحكم الوظيفة التي يراها للإبداع بشكل يعكس تجذر نضجه الإنساني في الدفاع عن البسطاء، ويعكس أيضا وجود مشروع يعلن عن نفسه، ويتجدد باستمرار بحكم متابعاته اليومية للقضايا السياسية والاجتماعية والمجتمعية، او باستحضار مراحل متعددة من حياته بل يمكن اعتبار مؤلفاته ضمن ما يسمى الادب الملتزم مجسدا ما قاله جان جاك روسو "مادام الكاتب لا يتوفر على اية وسيلة للهرب، فإننا نريد منه ان يعانق عصره فهو حظه الوحيد، لقد صنع كل واحد منهما الآخر"

وفي الوقع وجدت نفسي عند بداية هذه المغامرة غارقا في ظلام دامس ما لبت ان انجلى بعض منه لمعرفتي شيئا ما باللغة التي يكتب بها الكاتب. وكما قال أحد المفكرين بأن اللغة هي التي تفكر وتكتب، وأن يد الكاتب هي يد ثانية. وبعد ذلك انجلى بعض آخر من ذلك الظلام لكوني أعرف إلى حد ما ظروف تأليفه، وثم انجلى بعض ثالث منه لاطلاعي على الكثير من حياة الكاتب.

ولكون الجنس الأدبي المعني بالتقديم هو القصة التي لا تعني فقط أسلوبا بل تشخيصا وسردا وحوارا ووصفا وبناء، فإن تجميع 31 قصة تحت عنوان "هزك الما" يثير سؤال دلالة هذا العنوان المأخوذ من الدارجة، والذي يدل على نوع من السخرية من شخص خسر معركة ما، وفي نظري فالعنوان هو تخوف الكاتب من الوصول إلى هذا الوضع لحرصه الشديد على الثبات على مواقفه، وإصراره على مساره الذي اختاره عن قناعة راسخة، وهو تخوف من أن "يهزه الماء "عندما يتمرد السارد سواء كان بضمير المتكلم، او المخاطب، أو الغائب على المسار الذي اختاره له .

وجملة "هزك الما"، اكتسبت عالميتها في القصة التي تحمل نفس عنوان المجموعة القصصية، عندما طالبت الامريكية ايميلي من فاطمة العاملة لديها في "الرياض" شرح معناها لعدد من الأمريكيين، وقامت بهذه المهمة بأسلوب وبمضمون أذهلا المتابعين، وفاطمة في هذا النص القصصي هزها الماء على الأقل أربع مرات، لما لم تستطع إكمال دراستها والحصول على الباكالوريا، وبعد ذلك لما تزوجت رجلا خدعها بمعطيات مغلوطة حول وضعه الاقتصادي، واضطرت للخروج للعمل بعد ان رفضت بقوة مقترحا أولا للزواج، ثم بعد فقدانها لعملها في رياض ايميلي بسبب فيورس كورونا، واضطرارها للقيام بأشغال مختلفة بما في ذلك العمل في الفيلات، وأخيرا بعد أن وجدت نفسها معتقلة في سيارة الشرطة إثر مشاركتها في وقفة احتجاجية ضد الأسعار، وضد التلقيح مع أنها ملقحة مرتين، وتنتظر بشغف الجرعة الثالثة .

وتوزعت عناوين القصص على أماكن وأحداث وحوادث ومواقف وظواهر وأشخاص من الجنسين، ومهام وصفات وأدوار وحيوانات وأشياء واطعمة. وتنوعت أماكنها بين أماكن واقعية: أحياء شعبية وشوارع ومراقص ومقاهي شعبية ومطاعم ومستشفيات ومصحات، وأخرى عن بعد داخل الوطن أو خارجه.

وتناولت القصص أوضاعا اجتماعية: الفقر، البطالة، فقدان الشغل ،أصحاب الشهادات المعطلين، تداعيات وباء كورونا، الوضع الصحي بالبادية، ضعف المرضى أمام جشع المصحات. وتطرقت لظواهر اجتماعية: المخدرات، الهجرة السرية، القوادة، السكن مع الأسرة، العمل في الحملات الانتخابية، تحمل المرأة وحدها مصاريف البيت ،معاناتها مع الزوج السكير، الزواج القسري، اختيار الأم لزوجة ابنها، التشبه بالأفغان، الجنس الجماعي، التحول، البغاء، حضور العادات، الشعوذة، السحر، زيارة الأضرحة، الإدمان على الهاتف.

وبخصوص الحرف والمهام الواردة في القصص، فكانت واقعية من وسط شعبي: عامل، حراك، مغني الحفلات، اسكافي، خضار، مصلح الدراجات، بقال، سمسار، طيابة الحمام، بناء، مهاجر لم يحقق ما كان يحلم به من ثروة، كاتب عمومي، وأستاذ يكتشف بأنه مصاب بمرض السل قبل التحاقه بالوظيفة، بينما مهمة رئيس الحكومة وعمدة مثلا كانتا في الحلم.

ولم تخل القصص من نقل مواقف مثيرة كاشتغال شخص في مطعم لأداء قيمة ما تناوله، ركوع وزير لتقبيل رأس إسكافي، ظهور هذا الأخير على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. السرقة بالعنف، أب يحاول بطريقة ما دعوة ابنه كيف يعاشر زوجته، ابتزاز مسن من طرف شابة غير بعيد عن زوجته ورضوخه مخافة الفضيحة، عودة الزوج سكرانا ومناديا بصوت مرتفع زوجته للقاء حميمي، استحالة الفصل بين مدير بنك وموظفة بعد لقاء حميمي في المكتب بعد ان فعلها اللولب، وربطه بمتابعة جمهور لنفس الوضع بين كلب وكلبة في الشارع العام، حوار بين قطة وقط حول عزم صاحبها بإدخالها الى البرلمان .

ولئن تضمنت القصص العديد من المقاطع التي تنقل بتفاصيل دقيقة جسد المرأة ومشيتها وطرقها في الاثارة، فان ورود جملة المرأة والحياة وجهان لعملة واحدة قد حسم موقف الكاتب من نصف المجتمع.

من خلال هذه المجموعة القصصية المكتوبة ما بين سنتي 2020 و2022 والتي استعمل فيها الكاتب العديد من الكلمات والجمل والامثلة بالدارجة، ينقلنا الكاتب إلى قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية ممتدة زمنيا ومتنوعة جغرافيا لكنها من صميم الواقع المعيش.

04 أبريل 2023

محمد آيت واكروش


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...