خالد محمد مندور - احذروا من خضراء الدمن.. الاخوان المسلمون بدون دبلوماسية

مقدمة لابد منها
مندور وصدقي والإخوان
طفل صغير يطلب من أمة أن يشاهد المسدس الصغير غير المرخص الذي يحتفظ به أبوه في حجرة نومة فتسمح له أن يراه على ألا يلمسه الأمر الذي يعرفه جيدا " ممنوع اللمس " ويتساءل " لماذا يحتفظ والدة المثقف الوطني الكبير بمسدس في غرفته وتأتي الإجابة واضحة جلية " دفاعا عن النفس“.
ففي خضم المعركة السياسية الكبرى التي خاضها الشعب المصري لإفشال الاتفاق على معاهدة صدقي - بيفين ، معركة يقف على رأس رمحها الطليعة الوفدية واللجنة الوطنية للطلبة و العمال ممثلة لكل قوى المجتمع الحية من الليبراليين و الديمقراطيين الوطنيين الثوريين واليسار في مواجهة حكومة أقليات معدومة الشرعية بقيادة إسماعيل صدقي باشا ، الملقب بعدو الشعب ، مدعوما بالإخوان المسلمون مستشهدين بقوله تعالى ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ) كما صرح مصطفى مؤمن زعيم طلبة الاخوان ، يدرك محمد مندور صحة قرارة في الحصول على المسدس بعد أن لاحظ أن هناك مراقبة له من عناصر غير بوليسية ، هذا الإدراك الذى تدعم بعد أن رفض الرشوة المعروضة من إسماعيل صدقي بواسطة وزير ماليته عبد الرحمن البيلي باشا بتولي منصب سفير مصر في سويسرا وانتابه غضب هائل عرض حياة البيلي للخطر ، الذى تدحرك هاربا على سلم البناية خوفا من غضبه مندور ، كل ذلك قبل أن يفصح الاخوان المسلمون بشكل عملي عن لجوئهم الى العنف المسلح الأمر الذى تحقق في سلوكهم بعد سنوات قليلة في السنوات 1947 الى 1949.
حقيقة دامغة يوضحها سلوكهم السياسي منذ أن أسست الجماعة سنة 1928 وتلقت دعما ماليا من ولى النعم الاول، الاحتلال البريطاني بواسطة هيئة قناة السويس.
وينتاب الطفل، الذي أصبح رجلا كبيرا ذو خبرة، نفس الغضب الذي أنتاب والده قبل أن يولد، حين يجد قوى سياسية ليبرالية ووطنية وناصريه ويسارية تتعاون مع الإخوان في مواجهة الدولة المباركية أثناء ثورة 2011، الأمر الذي افقد هذه القوى الكثير من الاعتبار عندما تغيير المزاج الجماهيري وأطيح بسلطة الإخوان سنة 2013
أولياء النعم
أن أحد أكثر العناصر أهمية في السلوك السياسي للجماعة هو البحث عن ولى للنعم طالما كانت الجماعة في حاجة الية، حدث هذا مع الولي الاول، الاحتلال البريطاني، ثم مع الولي الثاني، حكومات الأقليات المدعومة بسلطة السرايا الملكية في مواجهة الحركة الشعبية، الى أن حدث الصدام الدامي الأول مع حكومة السعديين في عام 1948 حين أخطاء الإخوان في تقدير قوتهم الحقيقية، وهو خطأ يستمر في التكرار إلى يومنا هذا.
ويحدث الصدام الثاني مع ولى النعم الجديد، مجلس قيادة الثورة، خلال فترة الصراع على السلطة التي امتدت من 1952 الى 1954، حين هيأ لهم أنهم القوي المنظمة الوحيدة التي يجب أن تسلم لها السلطة بعد أن تعاونوا مع المجلس في تصفية الحريات الديمقراطية الموروثة، فوجهت لهم ضربات قاصمة، ضربات لم يكن لها بديلا حتى ولو لم تحدث محاولة اغتيال جمال عبد الناصر التي قامت بها عناصر الجهاز الخاص.
ويبدو الامر مثيرا للسخرية عندما تصر القيادات الحالية والسابقة على أن الاوامر لم تصدر للجهاز الخاص لاغتيال عبد الناصر، مثل السخرية التي أثارها البيان الشهير لحسن البنا في أعقاب اغتيالهم لمحمود النقراشي رئيس الوزراء سنة 1948 والذي صدر بعنوان " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين " ويا له من وصف يلخص الاخوان المسلمون بلسان قائدهم الملهم!
ويتكرر الخطأ الإخواني عندما يخرجهم عبد الناصر في 1964 و 1965، ولكن فترة ما أسموه بالمحنة الأولى قادت الى مزيدا من التطرف داخل الجماعة وبروز تيار تكفيري واضح أصبح الأب الشرعي لكل التيارات المتطرفة التكفيرية التي نعانى منها الآن، فتلجأ عناصر هذا الاتجاه الى محاولة الانقلاب المسلح، فيقع ما أسموه بـالمحنة الثانية.
وتخدمهم ظروف التغيرات السياسية والصراع الدائر حول مواجهة الاحتلال الصهيوني والاحتياج الحاد للدولة لظهير سياسي يدعم موقفها في مواجهة غليان شعبي يقف على رأسه اليسار والقوى الديمقراطية في أوساط الطلبة والعمال والذى أمتد الى الفئات الاجتماعية الوسطى ، فيجدوا في الدولة ولى نعم جديد ، حيث يفتح الباب أمامهم لإعادة التنظيم وبناء بنية تحتية اجتماعية واسعة النطاق وإصدار صحف باسمهم ويصبح الباب مفتوحا أمامهم لاستيعاب طاقات شابة جديدة وللتغلغل داخل هيئات الدولة الرسمية المختلفة ، رغم التناقضات مع الولي الجديد ، الأمر الذى استمر الى 2011 ، وهى فترة كانت أكثر من كافية لتدعيم وجودهم التنظيمي والاجتماعي وتعديل موقف الجماهير منهم .
وعندما تنفجر الثورة يقتربوا منها بحذر بالغ وبالرقص على جميع الحبال بين القوى المتصارعة، الأمر الذي لا تدركه بعض قوى المعارضة من الناصريين والليبراليين واليساريين فيساهموا في تدعيم نفوذهم السياسي، ولكن الإخوان يقعوا في سوء تقدير بالغ لحقيقة موقف المجلس العسكري، الذي عند مراجعة مسار تطور الصراع ندرك أنه كان الأكثر إدراكا لتطورات الصراع الدائر على السلطة.
للمرة الأولى منذ نشأتهم وبوصولهم للسلطة، يتخيل الإخوان انهم ليسوا في حاجة لولى نعم جديد ويبدأ فقدان كبير لأولياء النعم الإقليميين وتبدأ الخسائر المعنوية في الانهيال على رؤوسهم حين يتغير المزاج الشعبي ويفقدوا التأييد المؤقت الذي استطاعوا الحصول علية، هذا الفقد الناتج عن السوء والعجز الفاضحين عن أداره الدولة واضطراب سياستهم الخارجية.
وبرغم الضربات القاصمة للظهر التي واجهتهم بعد 2013، ضربات طالت بنيتهم التنظيمية والاجتماعية، الا انهم ينجحوا في الحصول على ولى نعم جديد حيث تخدمهم التطورات السياسية بالمنطقة بظهور الاردوغانية في تركيا، ولى نعم جديد تساهم سياساته في مزيدا من اضمحلال نفوذهم السياسي وتعميق عزلتهم وتزايد انفضاض الجماهير من حولهم.
التطور التنظيمي
هل رأيتم فيلم كل رجال الرئيس الأمريكي عن فضيحة ووترجيت؟ ستتفاجأ بمستوى بدائية وعدم احتراف المتهمين الى مستوى أنك عندما تقارنه بطريقة عمل الاخوان ستفاجأ كم كانت الأساليب الإخوانية أكثر تقدما وتسمح بالتنصل من أفظع الجرائم إذا اقتضت الضرورة ذلك، فكيف يعمل الإخوان؟ نستطيع أن نتحدث عن مراحل من السلوك السياسي والهياكل التنظيمية ووسائل ممارسة العنف.
ففي الفترة الاولى، اى منذ التأسيس الى اغتيال حسن البنا، كان الإخوان يعملون على مستويين متجاورين، مستوى الاناس المتدينين الذين يرغبون في القيام بخدمات إنسانية ونشر الدعوة والانخراط في العمل السياسي لبعض قطاعاته مثل في الجامعات والنقابات والمؤسسات الاهلية وتنظيم أخر موازي وغير معلن وسرى ويتحكم به المرشد شخصيا ويسمى بالجهاز الخاص، وفى الغالب يكون الجهاز العام أقل تعصبا وأكثر انفتاحا نتيجة لانخراطه في الحياة العامة.
هكذا كان شكل التنظيم في زمن حسن البنا ، وكان الجهاز الخاص هو المسؤول عن عمليات الاغتيالات في أربعينيات القرن الماضي ، اغتيال القاضي الخزندار الذي كان ينظر قضية سيارة الأسلحة واغتيال رئيس الوزراء ، محمود فهمى النقراشي و اغتيال سليم زكى حكمدار القاهرة ، ولذلك كان من السهل على حسن البنا اللجوء الى الأسلوب المتوقع بمحاولة التنصل من الاغتيالات وعلى رأسها اغتيال النقراشي ، لان من قام بالاغتيال هو الجهاز السرى فأصدر بيانه الشهير ، بعد مفاوضات مع خليفة النقراشي ، إبراهيم عبد الهادي ، بالبيان الذى اتهم قتلة النقراشي بأنهم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين فانهار الشباب وأكملوا اعترافاتهم ، و بصدور البيان انتهى ما هو مطلوب من البنا ، فدبرت الحكومة اغتياله ، ولذلك أطلقوا على ابراهيم عبد الهادي "كلب الوادي“.
لكن باغتيال البنا بدأت المرحلة الثانية حيث أصبح الجهاز أكثر استقلال عن القيادة وكان يطمح للوصول الى منصب المرشد، الأمر الذي انتهى بعد مساومات الى اختيار المستشار حسن الهضيبي الذي لم تكن عضويته معلنة ولا ينتمي للبنية التنظيمية، كحل وسط، وكان مستشارا بوزارة العدل، حيث لم يكن ينتمي لأي من التيارات المتصارعة.
وكشف هذا الاختيار عن وجود جزء ثالث من التنظيم ، يختلف عن الهيئة المدنية بقيادة مكتب الإرشاد العلني و الجهاز الخاص السرى ، وهو وجود أعضاء في مواقع حساسة لا ينتمون الى اى من الهيكلين التنظيمين لكن يتم الاحتفاظ بالعلاقات معهم بشكل فردى واحيانا عن طريق المرشد العام فقط ، وهذا الأسلوب مازال سائدا حتى الآن ، لأعضاء غير منتمين لمكان في البنية التنظيمية ، لاستخدامهم عند اللزوم، كما ظهر هذا واضحا بشدة أثناء الثورة ، حيث أعلن هؤلاء الأعضاء عن انتمائهم سواء بالسلوك العملي أم بالإعلان عن الانتماء التنظيمي ، وبعضهم كان يشغل مناصب في الدولة في منتهى الأهمية .
ولكن احتدام الصراع الداخلي بين قيادة المرشد الجديد وبين الجهاز الذي استطاع الوصول إلى درجة أكبر من سلطة اتخاذ القرار منفردا، في أحداث 1954، وهو ما كانت الدولة تدركه، وتبين ذلك في طبيعة الأحكام التي صدرت من المحكمة العسكرية بإعدام بعض قادة الجهاز وأعضائه وبأحكام أقل على القيادة الرسمية للإخوان.
لقد أسفر الأمر في النهاية عن تشكل تياران، تيار الهضيبي بكتابة الشهير " دعاة لا قضاة " والتيار الأكثر ميلا لاستخدام العنف الذي تجمع حول كتاب سيد قطب " معالم على الطريق " برغم أن سيد قطب لم يكن عضوا في الجهاز الخاص وانضم متأخرا كثيرا للإخوان.
ولكن بعد إخراج السادات لهم في بداية السبعينات بدأت تحدث ظاهرة جديدة باندماج أعضاء الجهاز الخاص في البنية التنظيمية العادية وازداد استخدامهم للعنف اليومي في مواجهة الجماهير والتيارات الأخرى، سواء منهم او من الجماعات الاسلامية، التي نجحوا في النهاية في السيطرة عليها بدعم مباشر من الدولة.
لقد كان المرشد الأول، بعد العودة، التلمساني، من القطاع المدني وكان أكثر فهما واستيعابا لطبيعة دورهم المطلوب في تلك المرحلة، ولكن بوفاة التلمساني أصبح منصب المرشد من نصيب قادة الجهاز الخاص القديم حتى اليوم، وحدث تزاوج بين استخدام العنف في الحياة المدنية للتماهي مع الميول العنيفة لأعضاء الجماعات الإسلامية الذين انضموا بشكل تدريجي، وأصبح استخدام الأساليب العنيفة الطابع العام للإخوان وليس مجرد الدور المنوط بالجهاز الخاص الذي لم يصبح موجودا.
أن هذا الطابع الشامل أفصح عنه بشكل دراماتيكي ودعائي في استعراض فرق الفنون القتالية بالملابس السوداء في جامعة الأزهر في زمن الثورة، وفى السلوك الجماهيري للإخوان في ميدان التحرير وفى أحداث الاتحادية أو في أحداث مركز الإرشاد.
ولكن لماذا أقوم بهذا الاستعراض لتطورهم ومدى ارتباطهم بالأساليب العنيفة سواء في الحياة المدنية السياسية أم في الأعمال العسكرية المباشرة؟ لسبب اصيل وهو انه بعد كل هذا التاريخ الذي يعلمه القاصي والداني وبعد تراكم المعلومات سواء من قادة الإخوان أنفسهم في مذكراتهم أم في سلوكهم العملي المتراكم، فإنه لا يوجد عذرا لأحد من قادة الإخوان سواء على مستوى مكتب الارشاد او المستويات الأدنى من القيادات للتنصل من أساليبهم العنيفة.
وإذا راجعنا سلوكهم السياسي والذي سبق لي أن كتبت عنه باختصار في تتبع لتاريخهم وبحثهم الدائم عن ولى النعم تحقيقا لمصالحهم وخدمة لمصالح وأهداف أولياء النعم التي كانت دائما معادية لمصالح الشعب المصري، اكتملت الصورة بشكل كامل.
..ولذلك نحن في مواجهة تنظيم تطور واندمجت اجهزته مع بعضها وأصبحت قيادة مركز الارشاد أكثر قدرة وتحكم في التنظيم وأصبح ما كان يسمى بالجهاز الخاص مندمجا في البنية الأساسية ولا يشكل تنظيما موازيا.
من أجل كل هذا نحن لسنا في مواجهة التنظيم الإخواني القديم الذي انشق بعض كبار قادته ومفكريه وانضم الى عبد الناصر مثل الباقوري وعبد العزيز كامل وحتى أحمد كمال ابو المجد، بل تنظيم ذو طبيعة مختلفة ولا يمكن تبرئة أي من قادته على مستوى مركز الارشاد أم من القيادات الوسطى عن سياساتهم الحالية، مهما كانت نعومة أو لطف تعاملات البعض الشخصية.
الانشقاقات الإخوانية
دفعني الفضول لاستطلاع موقع حزب الوسط، وهو فضول شيطاني الدافع و ليس بريئا، لكي أرى بنفسي هل استطاعوا التخلص من جذورهم الإخوانية أم لا.
وبدأت في قراءة برنامجهم ولم أجد جديدا ما عدا البلاهة الليبرالية الاقتصادية و السياسية والكلام الغليظ الجلد عن العدالة الاجتماعية بلا سياسات محددة.
أبو العلا ماضي يتحدث عن شخصيات عرفها ومنهم مصطفى مشهور مرشد الإخوان السابق ومحمد فريد عبد الخالق من قيادات الإخوان وعثمان احمد عثمان وعمر التلمساني المرشد الأول بعد عودة الاخوان و محمد الغزالي وعادل حسين وعبد المنعم أبو الفتوح ، وخلال حديثه ، في حلقات ، تكتشف دور الدولة في عودة الاخوان و علاقتهم بالجماعات الاسلامية بالجامعات ، وتطور هذه الجماعات وتوجهاتها السلفية ثم انشقاقها لاحقا الى تيارات جهادية او انضمامها الى الإخوان ، والصراع الدائر داخل الاخوان بين المنتمين للجهاز الخاص والتيار المدني والدور الخاص للتلمساني ممثل التيار المدني ومصطفى مشهور ممثل الجهاز الخاص وأكثرهم تأثيرا وسيطرة المنتمى للجهاز الخاص ومجموعة 65 وعلاقتهم مع حزب العمل ، ثم بداية الانهيار التدريجي للتحالف مع الدولة و بداية التشققات الصغيرة وخروج مجموعة لتشكل حزب الوسط .
التنظيمات الإخوانية الجديدة
أنا لا اكذب، ولكن اتجمل قصة لإحسان عبد القدوس تحولت إلى فيلم بطولة احمد زكى.. هذا ما خرجت به بعد أن أكملت قراءة مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح وما نشرة أبو العلا ماضي على موقع حزب الوسط أن الزعماء الاسلاموجيين يقفزون برشاقة على كل ما يمكن أن يدين تاريخهم، وانا لا اقصد تاريخ الإخوان المسلمين فقط، بل ايضا تاريخ الجماعات الاسلامية بالجامعات المصرية منذ نشأتها حتى انضمام معظمها الى الإخوان المسلمين ثم استمرار قفزهم برشاقة عن افعالهم الاجرامية في الجامعات وخارجها بعد الانضمام لجماعة الإخوان، وأن كانت القراءة المدققة ستجد الكثير مما لا يمكن النجاح في اخفائه وأحيانا يتسرب من بين أيديهم رغم انفهم.
أن استنتاجي الرئيسي بعد هذا الجهد بالاطلاع على ما كتبه أبرز المختلفين منهم ومعهم هو كيف يستقيم الظل والعود أعوج!.
فهؤلاء يتبنون نفس البنية الفكرية للإخوان المسلمين، وينظروا الى تاريخ الجماعة بنفس المنطق القديم، أنه خلاف في التكتيك وليس الاستراتيجية، ولكنه أصبح مفيدا لنا للتعرف عليهم بشكل أكثر دقة.
أن هذه المذكرات تفضح كثيرا من الحقائق، برغم محاولات القفز على الكثير من الوقائع ، فدور الدولة في تشجيعهم وتيسير توسعهم لمواجهة الحركة الديمقراطية سواء باستدعاء كبار الدعاة من الاخوان لمحاضرتهم داخل الجامعة كثيرة ومتكررة، وعقد المخيمات الصيفية الممولة من ميزانية الدولة متكررة وتصل أعداد الحاضرين، احيانا، الى الالاف، وتسهيل اتصال زعماء الإخوان بهم واضحة حتى يتم استيعابهم داخلها بديلا عن توجههم الى الاساليب العنيفة ، والتنسيق مع أجهزة الأمن وبالذات بعد انضمام اغلب الجماعات للإخوان واضحة الى حد عقد الاجتماعات الدورية ، والتنسيق والتعاون والتواطؤ مع كبار الممثلين السياسيين للدولة واضحة ومتكررة ، والتعاون مع الأحزاب الليبرالية طريقا لدخول المؤسسات التمثيلية، مثل مجلس نواب 1984 مع حزب الوفد، أو التعاون اللاحق مع حزب العمل ومحاولة تأجيره مفروشا للإخوان.
إلا أن الأكثر أهمية في هذه المذكرات أنها تبين الصراع الدائر داخل الإخوان أنفسهم الذي أنتهى الى سيطرة تيار الجهاز الخاص، الأمر الذي استقر حتى الآن، وهو التيار الأكثر انغلاقا سياسيا ودينيا والأكثر ميلا الى استخدام العنف، عندما تقتضي الضرورة ذلك في تقديرهم، انتصارا على التيار الممثل للنظام العام للإخوان والذي انتهى بخروج الكثير من الممثلين للنظام الإخواني العام من الإخوان.
أن تصديق تحولهم الى أحزاب مدنية غير دينية وبعدهم عن العنف الذي قام به الإخوان عن طريق الجهاز الخاص أو ما يقومون به الآن، هو خلاف تكتيكي مادامت بنيتهم الفكرية ونظرتهم الى تاريخ الحركات الإسلامية مازالت كما هي، فلا تجد موقفا نقديا لأساليبهم العنيفة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أو قبلها منذ تشكل التنظيم في نهاية عشرينات القرن الماضي ولا عن نقد توجهاتهم الفكرية والسياسية والدينية المتطرفة، ولا عن انتهاكاتهم للحريات الديمقراطية وعدائهم للفن والثقافة بأساليب غير ديمقراطية ، والأخطر من كل ذلك هو استمرار تمسكهم بنفس النظرة التقليدية لتاريخ الاخوان في تعظيم القتلة ودعاة العنف وتكفير المسلمين.
وكشفت هذه المذكرات أيضا عن تأثير الجمعيات السلفية، التي تعمل حتى الآن بحرية كاملة، والتي تمثل في تقديري خطرا داهما في إعادة انبعاث تيارات جديدة من مجموعات العنف المسلح، رغم عدم انخراط هذه الجمعيات في هذا العنف.
إن حزبي مصر القوية والوسط ليسا مختلفين عن الحزب الام، الاخوان المسلمون، بل مجرد تنويعات على اللحن الأساسي.
الاخوان والمستقبل
أن تقدير الوضع الحالي لتنظيم الإخوان المسلمين لا يمكن بدقة بعد اختفاء دورهم العلني الداخلي وتحطيم بنيتهم التنظيمية والاقتصادية ووقوع العديد من التشرزمات في وجودهم التنظيمي خارج البلاد، لذلك فان المعركة الدائرة الآن، هي معركة على الخطوط الخلفية ولن يكتب لهم ولحلفائهم الانتصار فيها، برغم استمرار تواجدهم المقنع والمختفي داخل العديد من هيئات الدولة والهيئات الدينية الرسمية وفى الفضاء الإلكتروني من داخل وخارج البلاد.
أن الصراع مع قوى الإسلام السياسي وعلى رأسه الإخوان المسلمون هو صراع طويل وممتد ويمكن وأمكن تحقيق انتصارات فيه، ولكن ديمومة هذه الانتصارات رهن بتغيير البنية الاجتماعية التي تتيح انبعاثهم من جديد، ويتطلب مواجهة فكرية شاملة على كافة الأصعدة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...