هل تقدم بك العمر فتقول (سوق الهرج )قال صاحبي... ضحكت فهو نسخة من ذلك السوق مع تغير زمني وسلعي ... سوق صاخب اغلب رواده من النساء.تزحف سلعه فتحتل الارصفة .المنيكانات محتشمات بعباءات سود واشكال متنوعة تغطي اجسادهن تماما عدا الوجوه.. خمس مصائد فئران سود كصناديق صغيرة يقبع خلفهن رجل حزين كلما مر احد يتوقعه سيشتري حتى يتخطاه غير مبال به ...صينية عريضة من الخوص صفت انواع من ملاعق الشاي عليها .. قاتل الحشرات والعقارب والذباب باكياس بهية ...محال للملابس المستعملة تكومت على مصطبة او علقت بحمالات ... الاصوات متداخلة ( حاجة بالف ... كل سلعة ب4 الاف... بجامات تركية ... احزمة جلدية اصيلة .. مكانس ومهاف من الخوص ... تنزيلات ...) اصوات يطلقها صبية او رجال متجهمون او تنطلق عبر مكبرات صوت لا تلهث ..المراهقات بعيون متالقة يكتشفن الاشياء ..اجساد مترعة بالعافية .. دعوهن قبل ان يصدمن بعجلات الزمن .. وتلك كانها بومة تتزيا بريش طاووس فرحة بخطيبها البارد تمسك يده مستمتعة (انظروني لقد كسبت زوجا ... ظّلّن انتن بالاحلام )..
السوق بظهر البريد .. انتعش كثيرا وتعملق بعد ان انشيء كراج مركزي قريبا منه ... لكن اين بائع الصور الذي استقر طويلا بنهاية الفرع (ممثلات .. طرزان . .. ملوك وزعماء هلكوا او اهلكوا لوحات من ريف سويسرا ولفنانين كبار )..اين المقاهي الصاخبة والنشالة وقطاع الطرق واين الظلام الذي كان يغزو المكان .. اين الرسامون والخطاطون حيث لا تخطيء العين ( الخطاط البدوي )... وحيث يعبر العشاق لايداع رسائلهم في البريد ...اختفى من الطرقات ساعي البريد بدراجته الهوائية وحقيبته الجلدية وقبعته المميزة وتلاشت اللهفة من رؤيته ..
هنا كان دهن السيارات الاسود يحتل الشوارع والايادي الملطخة به ومحلات تصليح السيارات... وصناع الكازكيتات...ولم يعدن يتجولن بشعور لامعة بلا حجاب او بنطلونات الجارلس والمنجوب المرتفع لاعلى الافخاذ.
اقتنى صاحبي قدح شاي اضيف له قهوة والتحق بي في محل قديم لبيع الكبة ( ابو صباح ) الذي اسسه ابوه في خمسينيات القرن الماضي ... كل شيء تغير مذاقه حتى سمبوسة ابو عباس اللاذعة الا هذه الكبة يزيد السعر قليلا ولا يتغير المذاق ... من 20 عاما كنت زبونه ..
تذكرت ذلك الثمل الملطخ بدم طازج وهو يترنح في عاشوراء ويقول ( سامحوني ) فالمقهى بفرع منزو نرتادها كلما قصدنا ساحة ام البروم لانها الاهدا او الارخص او لان فيها نت... وجوه لشيوخ مجهدين مصفرة احدهم يضع سماعة اذن وكلهم يرتدون دشداشات بيض ..يلقون النظرات الاخيرة على الحياة ويتحسرون عل ماض منحور . الدخان خانق قلت لصاحبي (نستقر على تخت خارج المقهى .. نستكشف ونتخلص من ضجة الدخان وحين استقرت اجسادنا اشرت له (انظر لقد اتى من شخط عليها والان ازيلت تماما (مطلوب دم ) جملة جحيمية كتبت على باب محل مغلق .. ربما دفع الفدية او عتقت القصة فازيلت العبارة... تدرون نسيت .. قبل ان نغادر سوق البريد .البيوت المتهالكة تقابل نهاية الزقاق كانت موطنا لبائعات الهوى..ومن الخضارة دلفنا لاسواق نسائية ضاجة ومستحدثة كدنا نتيه فالبصرة تتطور اسواقها سريعا حتى لم نعد نهتدي لارواحنا ... مررنا على اسواق كسدت واغلقت اغلب محالها .. موت سريري .. وماذا عن البنايات التي تصطف في سرة الزائلات آيلة للسقوط ..وبقايا الشناشيل ...وعلى احد الارصفة امراة اربعينية فرعاء ممتلئة تتلفع بعباءة تستقر على ميزان ارضي صغيرتنحني لترى ..هذا زمن الرشاقة فتصور معاناتها من وزنها وثمت رجل ينحني للميزان تخيلته يلتهم ارجل المراة .. اكان فاسقا ؟او توهمت فقد كان ربما يبحث عن المؤشر ليقرا الوزن فيما بعد مر امامنا مستصحبا المراة ذاتها وطفلة معها ..تذكرت في شارع ابي الاسود رجلا عملت معه ايام الدراسة في المتوسطة يبيع قطع غيار السيارات ويصنع بعضها ..قيل ربح جائزة ثمينة فهو يسحب كل ساعتين انفاسا من سيجارة الروثمن وينهيها بثلاثة انفاس حيث ينتعش وجهه ويخدر .. سيجارة كل ساعة .. نهرني يوما فانسحبت من العمل فارسل بعدي يوميتي بيد عامل صغير... لم اكن اتقن احجام مئات البراغي .. الفاجعة حين مر بنا صديق كان يفرط بالخمر ويقهقه بصوت مجلل.. لكنه كان يرى معي في الرضوانية ممدودا على سرير صامتا ساهما .. القى التحية على بعد وبقايا قهقهة مختزلة ومضى ... شعرت بالحزن لهذا وقلت لصاحبي (لعله يهرب من ماض )؟ .
في احدى ازقة البجاري محال لتصليح الحاسبات والمطابع الصغيرة وقد تكدس بعضها فوق بعض كاشفة احشاءها جديدة او صدئة قلت لصديقي (هنا في الركن كان محلا لفحام تفحم بين اكوام الفحم واكياسه .. نحيل محدودب الظهر كلما تذكرته تذكرت قول امي (يامن ضيع ذهبه على فحام ..) : وكان يقابله ابو ستار بعربته .. منذ الثانية فجرا يعمل بمهارة اكلة الباجة بمنزله المجاور للفحام .. وأحد كان يقول (انا لا اتناول منه فهو يزيد اللحم للاغنياء وماعوني يبخل به) فيما بعد اصبح لا يرمي حتى العظام فهناك من يشتريها .. وحين استدار بنا الزقاق قلت له ((انظر هذا موقع مقهانا قبل ان يتحول محلات مقابل حسينية ابو ستار تماما حيث امضينا مرحلة الطفولة والمراهقة وشهدنا انقلابات عدة وشقاوات ومشردين ومؤمنين وفسقة ومدمني الخمر والحشيشة وفيفرة تومان جواره وهو يشخر على تخت فرش عليه حصير ...كان يقابلنا بيتان من الشناشيل ثلاثة سياسيين معارضين (بعثيين ) والبيت الاخر لاختهم الضخمة الجميلة البيضاء التي لا تغادر المنزل ام برهان التي ابليت العمر ولم اجد اجمل منها.. وقد فاتها قطار الزواج لانها ظلت تعتني بابيها.. لا اتذكر مهرجان الخفافيش مساء ينطلق بين شقوق اخشاب الشناشيل بل اتذكر حتى البيت المجاور الغامض ياتي مدهنا زوجها الميكانيكي ويطرق طرقة واحدة فقط فيهبطن له .وكانت الباجي من الشناشيل بالطابق الثاني تقول لي مشيرة لباب يكشف عن درج (انظر اباك انه يجاملها ) فارى ابي يحدثها على الدرج ماسكا باستكانات الشاي... (باجي ملعقة رز واحدة ) فترفض تزويدهم بها (ماما كتاب الطعام لا يسمح بذلك ).كنت صبيا فترسلني برهان لشراء العلكة والكرزات ويرسلني اخوالها لشراء صحيفة فاستبدلها بخمسة وعشرين فلسا فيما ينهمكون بتزييت المسدس..زحفت مقهى ابي امتارا عن موقعها بعدما استبدلت الشناشيل ببناء من الكونكريت فاصبحت ركنا يقابل مطعم ابو ستار ويجاور يمينا ملهى السندباد, بئر اللذة والشقاة والعازفين العميان وجثث الراقصات ..ابي لا يسمح لنا انا واخي بان نوصل الشاي لهناك فبقينا حتى العشرين نخشى الملاهي .
بعد عودتنا احسست بالتعب .. اتعب من ساعة مشي واحدة!! لكنني الان اتجاوز الستين ولا استطيع ان اؤكد او انفي سريان المعنى في احدى قصائدي (علمت الجسد الناحل ان يتحمل ما يزهق منه الثور ) .
السوق بظهر البريد .. انتعش كثيرا وتعملق بعد ان انشيء كراج مركزي قريبا منه ... لكن اين بائع الصور الذي استقر طويلا بنهاية الفرع (ممثلات .. طرزان . .. ملوك وزعماء هلكوا او اهلكوا لوحات من ريف سويسرا ولفنانين كبار )..اين المقاهي الصاخبة والنشالة وقطاع الطرق واين الظلام الذي كان يغزو المكان .. اين الرسامون والخطاطون حيث لا تخطيء العين ( الخطاط البدوي )... وحيث يعبر العشاق لايداع رسائلهم في البريد ...اختفى من الطرقات ساعي البريد بدراجته الهوائية وحقيبته الجلدية وقبعته المميزة وتلاشت اللهفة من رؤيته ..
هنا كان دهن السيارات الاسود يحتل الشوارع والايادي الملطخة به ومحلات تصليح السيارات... وصناع الكازكيتات...ولم يعدن يتجولن بشعور لامعة بلا حجاب او بنطلونات الجارلس والمنجوب المرتفع لاعلى الافخاذ.
اقتنى صاحبي قدح شاي اضيف له قهوة والتحق بي في محل قديم لبيع الكبة ( ابو صباح ) الذي اسسه ابوه في خمسينيات القرن الماضي ... كل شيء تغير مذاقه حتى سمبوسة ابو عباس اللاذعة الا هذه الكبة يزيد السعر قليلا ولا يتغير المذاق ... من 20 عاما كنت زبونه ..
تذكرت ذلك الثمل الملطخ بدم طازج وهو يترنح في عاشوراء ويقول ( سامحوني ) فالمقهى بفرع منزو نرتادها كلما قصدنا ساحة ام البروم لانها الاهدا او الارخص او لان فيها نت... وجوه لشيوخ مجهدين مصفرة احدهم يضع سماعة اذن وكلهم يرتدون دشداشات بيض ..يلقون النظرات الاخيرة على الحياة ويتحسرون عل ماض منحور . الدخان خانق قلت لصاحبي (نستقر على تخت خارج المقهى .. نستكشف ونتخلص من ضجة الدخان وحين استقرت اجسادنا اشرت له (انظر لقد اتى من شخط عليها والان ازيلت تماما (مطلوب دم ) جملة جحيمية كتبت على باب محل مغلق .. ربما دفع الفدية او عتقت القصة فازيلت العبارة... تدرون نسيت .. قبل ان نغادر سوق البريد .البيوت المتهالكة تقابل نهاية الزقاق كانت موطنا لبائعات الهوى..ومن الخضارة دلفنا لاسواق نسائية ضاجة ومستحدثة كدنا نتيه فالبصرة تتطور اسواقها سريعا حتى لم نعد نهتدي لارواحنا ... مررنا على اسواق كسدت واغلقت اغلب محالها .. موت سريري .. وماذا عن البنايات التي تصطف في سرة الزائلات آيلة للسقوط ..وبقايا الشناشيل ...وعلى احد الارصفة امراة اربعينية فرعاء ممتلئة تتلفع بعباءة تستقر على ميزان ارضي صغيرتنحني لترى ..هذا زمن الرشاقة فتصور معاناتها من وزنها وثمت رجل ينحني للميزان تخيلته يلتهم ارجل المراة .. اكان فاسقا ؟او توهمت فقد كان ربما يبحث عن المؤشر ليقرا الوزن فيما بعد مر امامنا مستصحبا المراة ذاتها وطفلة معها ..تذكرت في شارع ابي الاسود رجلا عملت معه ايام الدراسة في المتوسطة يبيع قطع غيار السيارات ويصنع بعضها ..قيل ربح جائزة ثمينة فهو يسحب كل ساعتين انفاسا من سيجارة الروثمن وينهيها بثلاثة انفاس حيث ينتعش وجهه ويخدر .. سيجارة كل ساعة .. نهرني يوما فانسحبت من العمل فارسل بعدي يوميتي بيد عامل صغير... لم اكن اتقن احجام مئات البراغي .. الفاجعة حين مر بنا صديق كان يفرط بالخمر ويقهقه بصوت مجلل.. لكنه كان يرى معي في الرضوانية ممدودا على سرير صامتا ساهما .. القى التحية على بعد وبقايا قهقهة مختزلة ومضى ... شعرت بالحزن لهذا وقلت لصاحبي (لعله يهرب من ماض )؟ .
في احدى ازقة البجاري محال لتصليح الحاسبات والمطابع الصغيرة وقد تكدس بعضها فوق بعض كاشفة احشاءها جديدة او صدئة قلت لصديقي (هنا في الركن كان محلا لفحام تفحم بين اكوام الفحم واكياسه .. نحيل محدودب الظهر كلما تذكرته تذكرت قول امي (يامن ضيع ذهبه على فحام ..) : وكان يقابله ابو ستار بعربته .. منذ الثانية فجرا يعمل بمهارة اكلة الباجة بمنزله المجاور للفحام .. وأحد كان يقول (انا لا اتناول منه فهو يزيد اللحم للاغنياء وماعوني يبخل به) فيما بعد اصبح لا يرمي حتى العظام فهناك من يشتريها .. وحين استدار بنا الزقاق قلت له ((انظر هذا موقع مقهانا قبل ان يتحول محلات مقابل حسينية ابو ستار تماما حيث امضينا مرحلة الطفولة والمراهقة وشهدنا انقلابات عدة وشقاوات ومشردين ومؤمنين وفسقة ومدمني الخمر والحشيشة وفيفرة تومان جواره وهو يشخر على تخت فرش عليه حصير ...كان يقابلنا بيتان من الشناشيل ثلاثة سياسيين معارضين (بعثيين ) والبيت الاخر لاختهم الضخمة الجميلة البيضاء التي لا تغادر المنزل ام برهان التي ابليت العمر ولم اجد اجمل منها.. وقد فاتها قطار الزواج لانها ظلت تعتني بابيها.. لا اتذكر مهرجان الخفافيش مساء ينطلق بين شقوق اخشاب الشناشيل بل اتذكر حتى البيت المجاور الغامض ياتي مدهنا زوجها الميكانيكي ويطرق طرقة واحدة فقط فيهبطن له .وكانت الباجي من الشناشيل بالطابق الثاني تقول لي مشيرة لباب يكشف عن درج (انظر اباك انه يجاملها ) فارى ابي يحدثها على الدرج ماسكا باستكانات الشاي... (باجي ملعقة رز واحدة ) فترفض تزويدهم بها (ماما كتاب الطعام لا يسمح بذلك ).كنت صبيا فترسلني برهان لشراء العلكة والكرزات ويرسلني اخوالها لشراء صحيفة فاستبدلها بخمسة وعشرين فلسا فيما ينهمكون بتزييت المسدس..زحفت مقهى ابي امتارا عن موقعها بعدما استبدلت الشناشيل ببناء من الكونكريت فاصبحت ركنا يقابل مطعم ابو ستار ويجاور يمينا ملهى السندباد, بئر اللذة والشقاة والعازفين العميان وجثث الراقصات ..ابي لا يسمح لنا انا واخي بان نوصل الشاي لهناك فبقينا حتى العشرين نخشى الملاهي .
بعد عودتنا احسست بالتعب .. اتعب من ساعة مشي واحدة!! لكنني الان اتجاوز الستين ولا استطيع ان اؤكد او انفي سريان المعنى في احدى قصائدي (علمت الجسد الناحل ان يتحمل ما يزهق منه الثور ) .